خطبة بعنوان: (ختام الشهر وبعض أحكام زكاة الفطر) بتاريخ 27-9-1435هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }(آل عمران: 102).
عباد الله: تنقضي الآجال، وتمر الأيام، وتمضي السنون والأعوام.. ولكل شيء ختام وها هو شهر رمضان قد آذن بالرحيل، ولم يبق منه إلا ساعات معدودات.
آذن بالانصراف بعد أن عشنا فيه أجمل اللحظات، صيام وقيام، صدقة وقرآن، ذكرٌ ودعاء، وذُلٌ ورجاء، استغفار وتوبة، واجتهاد وأوبة.
ها هو شهرنا الحبيب إلى قلوبنا قد قُوِّضتْ خيامُه، وتصرَّمتْ أيامُه، حاملاً فيه ما عملنا وما قدمنا، أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون، وهو شاهدٌ علينا أو لنا بما أودعناه،{إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..}(الإسراء:7).
شاهدٌ للمتنافسين بصيامهم وقيامهم، وبرِّهم وإحسانهم، وشاهدٌ على المقصرين والمفرطين بغفلتهم وإعراضهم، وشحِّهم وعصيانهم، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً..}(آل عمران: 30).
فأوصيكم ونفسي باغتنام ما بقي من هذه الساعات، بالجد والاجتهاد، ورفع أكف الضراعة إلى الله بطلب المغفرة والعتق من النار، فالأعمال بالخواتيم، عسى أن توافقوا ساعة تنالوا فيها رحمة الله جل وعلا وتفوزوا برضوانه وجنته.
عباد الله: شرع الله جل وعلا لأمة الإسلام في ختام شهر رمضان إخراجُ زكاة الفطر؛ وهي واجبة على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحرِّ والعبد من المسلمين، عن ابن عمر رضي الله عنهما “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)(متفق عليه).
ويُخرِجها المسلم عن نفسه، وعمَّن تجب عليه نفقتهم، ويُستحَبُّ إخراجُها عن الحمل الذي في البطن ولا يجب، وتدفع إلى فقراء البلد الذي هو فيه، ونصابُ تلك الزكاة الواجب إخراجها صاع ويزن كيلوين وربعاً من غالب قوت البلد الذي هو فيه.
والحكمة من فرض زكاة الفطر أنها تغسل ما علق بالصائم مما يكدِّر صومَه، وينقص أجرَه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين)(رواه أبو داود، وابن ماجة، والدار قطني، والحاكم وصححه). وفيها توسعة على المساكين والفقراء وإغناؤهم يوم العيد، وإشاعة المحبة والمودة والألفة بين المسلمين.
ووقت إخراجها يكون من غروب شمس آخر يوم من رمضان ، وهو أول ليلة من شهر شوال ، وينتهي بصلاة العيد؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “أمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة”(رواه البخاري)، ولا حرج في إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد لغير عذر، فإن أخرها لغير عذر فهي صدقة من الصدقات، لقوله صلى الله عليه وسلم:(من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)(رواه أبو داود وغيره).
وأما إن كان التأخير لعذر كأن يصادفه العيد في مكان ليس عنده ما يدفع منه أو من يدفع إليه، أو يأتي خبر العيد مفاجئاً بحيث لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة، أو يكون معتمداً على شخص في إخراجها فينسى أن يخرجها، فله في هذه الحالة أن يخرجها ولو بعد العيد لأنه معذور في ذلك كله.
ويجوز إعطاء زكاة الفطر لفقير واحد، فإذا كان الفقراء كثيرين جاز أن تفرق عليهم زكاة شخص واحد، كما يجوز أن يعطى الفقير الواحد صدقة أكثر من شخص.
ولا يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم.
ومن كان ناوياً إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ ولكن غلب عليه النوم قبل الفجر ولم يستيقظ إلا عند انتهاء صلاة العيد فعليه إخراجها مباشرة بعد الصلاة قضاءً، مع التوبة والاستغفار.
ويجب على المسلم أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعن أسرته ومن تحت يده في بلده التي هو مقيم فيها وتغرب عليه فيها شمس آخر يوم من رمضان، وإن وكّل بها غيره فلا حرج، وإن أعطاها جمعية خيرية وأنابها عنه برئت ذمته.
وعندنا في هذه المحافظة جمعية البر تستقبل زكاة الفطر وتوزعها على المحتاجين، وهم مجتهدون في هذا الأمر. فمن دفعها إليهم نقداً وأنابهم في شرائها وتوزيعها كفاه ذلك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }(فاطر: 29، 30).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن مما شرعه لكم نبيُّكم عند ختام الشهر، ورؤية هلال عيد الفطر، أن تكبِّروا الله تعالى وتشكروه على ما منَّ به عليكم من الصيام والقيام؛ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ..}(البقرة: 185).
وصفةُ التكبير أن يقول المسلم: (الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله، الله أكبر.. الله أكبر .. ولله الحمد).
وهذه السُّنةُ، يجهر بها الرجال دون النساء، ويكون التكبير من غروب شمس ليلة العيد إلى وقت الصلاة، في الطرقات، والأسواق، وفي أماكن العمل، وفي البيوت.
ومن تمام ذِكر الله جل وعلا في ختام شهر رمضان أداء صلاة العيد مع جماعة المسلمين، فقد أمر صلى الله عليه وسلم أمَّتَه بأداء تلك الصلاة، حتى النساء أُمرْنَ بالخروج لهذه الصلاة؛ قالتْ أم عطية رضي الله عنها: أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نُخرِج في الفطر والأضحى العواتقَ والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحيّض، فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال:(لتُلبسها أختُها من جلبابها)(رواه مسلم).
عباد الله: لقد شرع لكم رسولكم صلى الله عليه وسلم بعد صيام رمضان صيام الست من شوال، وبها يستكمل أجر صيام الدهر كله؛ قال صلى الله عليه وسلم:(من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر)(رواه مسلم).
ومَن كان عليه قضاء من رمضان فليبادرْ إلى صيامه، ثم يُتبِعه بستٍّ من شوال؛ ليتحقق له بذلك إكمالُ الصيام المفروض.
وهكذا المرأة التي أفطرت من أجل حيضها أو نفاسها فإنها تبدأ بقضاء الأيام التي عليها ثم تصوم الستة من شوال إن أمكنها قضاء ما عليها في شوال لأن دين الله أحق بالقضاء، والفريضة أولى بالبدء والمسارعة من النافلة. أسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يختم لنا ولكم بالقبول والغفران.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 27-9-1435هـ