33 – رسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأحد 16 رجب 1445هـ 28-1-2024م

33 –  رسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر pdf

 

 

شرح

رسالة في الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر

 

مؤلف الرسالة

الشيخ العلاّمة محمد بن إبراهيم بن سيف رحمه الله

 

شرحها وعلق عليها وخرج أحاديثها

أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

مقدمـة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

مما لا شك فيه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد دعائم هذا الدين وأحد مبانيه العظام التي لا قوام لأمة الإسلام إلا به، بل لا خيرية لـها إلا به، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} ([1])

ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلته عظيمة في دين الله اعتنى به أهل الفضل من علماء هذه الأمة فتجدهم في جميع المناسبات من خطب ودروس ووعظ وإرشاد بل في كتاباتهم ومراسلاتهم يركزون عليه لعلمهم أن التهاون في شأنه يؤدي بالأمة إلى الضياع واللعن والطرد قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}([2]).

وممن اعتنى بهذا الجانب سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم بن محمد بن سليمان السيف رحمه الله وأجزل له المثوبة . فقد ألف في ذلك العديد من الكتب والرسائل ونصح بلسانه وبقلمه كل من حاد عن طريق الله المستقيم. وخير دليل على ذلك هذه المخطوطة التي بين أيدينا فقد أجاد فيها وأفاد رحمه الله.

عملي في هذه المخطوطة :

لقد منَّ الله عليَّ بأن أهديت إليَّ هذه المخطوطة أهداها إلي أخي الفاضل فهد بن عبدالله السيف – حفظه الله -. فقمت بإخراج أحاديثها والتعليق على بعض ما جاء فيها ما أمكن .

ولما كانت هذه المخطوطة قد جمعت أموراً كثيرة من الأمر والنهي ألحقت بكل ما ذكره الشيخ دليلاً من القرآن والسنة مع عدم الإطالة في ذكر الأدلة مع بيان درجات الأدلة من حيث الصحة والضعف والتركيز في ذكر ما جاء في أدلة السنة على الأحاديث المتفق عليها أو ما رواها البخاري أو مسلم.

نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بها، وأن يرزقنا العلم النافع و العمل الصالح إنه سميع مجيب .

                                                                                                أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                                             24 رجب 1423هـ

                                                                                                                    الزلفي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ عبد الله ابن محمد بن أحمد الطيار   ..

سلمه الله تعالى آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد

فشكراً لكم على زيارة محافظة بقعاء في منطقة حائل، ولعل من أثمن و أغلى ما أهديه لكم: (رسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

وهذه المخطوطة للوالد العلامة سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم السيف رحمه الله .

ونظراً لما تتميزون به من مكانة علمية وبحث علمي وتأصيل شرعي وقدرة على التأليف والتحقيق فإني ألتمس منكم حفظكم الله إخراج هذه المخطوطة ليستفيد منها الناس ولكم أن تخرجوها بالصورة التي ترونها نافعة لعباد الله، وتكون من العلم النافع الذي ينفع الإنسان بعد مماته .

سدد الله خطاكم وأجزل لكم المثوبة ونفع بكم الإسلام والمسلمين وجزاكم الله عنا وعن إخوانكم طلاب العلم خير ما جزى شيخاً عن طلابه وتقبلوا تحيات ابنكم وتلميذكم .

                                                                                                                                             أبو عبد الرحمن

                                                                                                                                       فهد بن عبد الله السيف

                                                                                                                                   محافظة بقعاء – منطقة حائل

                                                                                                                                          جوال 053176542

 

ترجمة صاحب المخطوطة

هو سماحة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمد ابن سليمان بن سيف المسيكي السبيعي العنزي أصله من آل سيف من بلدة ثادق عاصمة بلدان المحمل.

المولد والنشأة :

أما عن سنة ولادته فلم يقف أحد على عام ولادته على ما أعلم ولذا قال الشيخ البسام ((لم أقف على سنة ولادته))([3]) وبذلك قال أيضاً علي الهندي([4]).

أما نشأته :

فقد نشأ في بيت علم وفضل فأبوه إبراهيم بن سيف رحمه الله كان عالماً من علماء (ثادق من بلدان المحمل)، فكان ماهراً في علم الفقه والحديث ومصطلحه ومن أوعية الحفظ ولذا عينه الإمام عبد الله بن سعود قاضياً في عمان ثم في بلدان سدير . ولما حصل هدم الدرعية وما حولها على يد الباشا هرب إلى رأس الخيمة تباعداً من الفتن وخوفاً من الأذى فاستمر فيها مرشداً وواعظاً وداعية خير فلما استتب الأمن في نجد عاد إليها فيمن عاد فتعين قاضياً في الرياض في عهد الإمام تركي بن عبدالله وعهد ابنه فيصل. وكان الإمام فيصل يستشيره لأنه كان سديد الرأي، أميناً على السر.

فهذه نبذة عن حياة والد صاحب المخطوطة ولا شك أن لهذه الأبوة تأثيراً في حياة الابن([5]).

ولم يكن الأمر مقصوراً على والد صاحب المخطوطة، بل أعمامه كانوا أهل علم وفضل، فعماه غنيم ابن سيف وعبد الله ابن سيف كانا قاضيين في عنيزة .

طلبه للعلم وشيوخه:

قال ابن بشر في عنوان المجد: “كان الشيخ محمد بن سيف عالماً علامة محققاً فاضلاً، له اليد الطولى في الفقه وشارك في غيره وله معرفة ودراية، ثم قرأ في جملة من العلوم، وأكثر قراءته على الشيخ عبد الرحمن بن حسن ثم قرأ على أبيه إبراهيم ابن سيف، والشيخ عبد الرحمن بن حسن أول مشايخه فأخذ عنه النحو والتجويد ومبادئ العلوم الشرعية، كما قرأ على أبيه التفسير والحديث”.

ثم سافر إلى مصر في حدود سنة أربع وخمسين ومائتين وألف فيما ذكر، وحصَّل جملة من فنون العلم والأكثر في معاني البيان والحساب([6]).

ومن أبرز شيوخه أيضاً عماه غنيم وعبد الله وهما كما ذكرنا آنفاً أهل علم وفضل وقد ترجم لهم سماحة الشيخ عبد الله البسام في كتابه علماء نجد ومن شيوخه أيضاً أحمد بن حسن بن رشيد المشهور بالحنبلي([7]).

ثناء العلماء عليه:

قال العلامة الشيخ عبدالله البسام رحمه الله: “وقد أثنى على المترجم له – يعني الشيخ محمد ابن سيف رحمه الله – ثلة من المؤرخين بسعة العلم ووفور العقل والاستقامة في الدين . وله الباع الطويل في الأدب والتاريخ وكان يجيد قرض الشعر بمهارة ودرس في حائل وتخرج عليه عدد كبير من الطلبة وانتهى الإفتاء والتدريس إليه في حائل وما حولها، واشتهر بعلوم جمة وذاع صيته”([8]).

قال عنه محمد القاضي :

“وله حواش مفيدة ورسائل عديدة وكان لا يخاف في الله لومة لائم قوياً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وله مهابة ولكلمته نفوذ وكان محبوباً لدى الخاص والعام كريماً سمحاً عزيز النفس زاهداً ورعاً ومرجعاً في الأنساب وفي الفرائض وحسابها ، مجالسه مجالس علم ممتعة للجالس”([9]).

وفاة الشيخ رحمه الله :

توفي الشيخ رحمه الله في حائل وقبره في المقبرة الشمالية واختلف في تاريخ وفاته، قيل في عام 1265هـ. قال العلامة عبدالله البسام: لكن الصواب أنه توفي بعد عام 1268هـ كما تقدم أن تعيينه للقضاء كان 1268هـ . والله أعلم([10]).

ذريته:

ذرية يقال لهم آل سيف وهم يقيمون الآن في محافظة بقعاء إحدى محافظات منطقة حائل في الجهة الشمالية الشرقية([11]). ولقد كان له أخ واحد وهو الشيخ عبد الرحمن وكان طالب علم رحمه الله .

أما أولاد الشيخ محمد بن سيف فله ولد واحد وهو الشيخ سعد رحمه الله حيث كان خطيباً ومرشداً في بقعاء، وقد خلف الشيخ سعد ثلاثة أولاد وهم:

عبدالله ومحمد وعبد العزيز ، وقد عرفوا رحمهم الله بالصلاح و الأمانة .

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر له وأن يجمعنا به في دار كرامته إنه سميع مجيب.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

من محمد ابن سيف إلى من يراه ويسمعه من الإخوان وفقهم الله لطاعة الرحمن واتباع سنة رسول الملك الديان وأعاذهم من الهوى والنفس والشيطان([12]). السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فالذي أحبه لي ولكم هو التعاون على البر والتقوى والتناصح في ذلك قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}([13])، وقال: {وَالْعَصْر * إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}([14]).

قال الإمام الشافعي رحمه الله: الناس في غفلة عن هذه الآية وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}([15])، أي في الدين والتناصح والتناصر والتواصي بالخير وقال صلى الله عليه وسلم:(الدين النصيحة([16]). قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)([17]).

وفي حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم)([18]). وقال صلى الله عليه وسلم :(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)([19]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([12]) افتتح المؤلف رحمه الله هذه الرسالة بالدعاء للمدعو، و هذا بلا شك أسلوب لطيف يدل على حرصه رحمه الله على هداية المدعو، وهذا كان دأب مشايخنا كشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأحفاده نجدهم يستهلون رسائلهم ومراسلاتهم بالدعاء .

([13]) سورة المائدة آية (2).

([14]) سورة العصر.

([15]) سورة الحجرات آية (10).

([16]) معنى قولـه صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة) أي أن الدين الإسلامي عماده و قوامه النصيحة، و هي كلمة جامعة معناها : حيازة الخير للمنصوح له .

([17]) رواه مسلم برقم (55).

([18]) رواه البخاري (1/128،129) في الفتح ـ ومسلم برقم(56).

([19]) رواه البخاري ـ فتح الباري (1/53،54)، ومسلم برقم(45) .

 

ومن التناصح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([20]).

وقال تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}([21]).

وقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}([22]).

وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}([23]).

وقال: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}([24]).

وقال صلى الله عليه وسلم :(مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذو على أيديهم نجو جميعاً) رواه البخاري([25]).

وقال صلى الله عليه وسلم :(إياكم و الجلوس في الطرقات) فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها، فقال صلى الله عليه وسلم:(فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه) قالوا وما حق الطريق؟ قال: كف الأذى وغض البصر ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)([26])، وقال صلى الله عليه وسلم :(لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)([27]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([20]) سورة آل عمران آية (104).

([21]) سورة الأعراف آية (199).

([22]) سورة التوبة آية (71).

([23]) سورة المائدة آية (78).

([24]) سورة الأعراف آية (165).

([25]) رواه البخاري ـ فتح الباري (5/94) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما.

([26]) رواه البخاري فتح الباري (2/81)، ومسلم برقم (2121) كلاهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

([27]) الحديث رواه أبو داود برقم 4336 عن أبي مسعود رضي الله عنه والحديث فيه انقطاع ، ولذا ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود برقم (932)، وفي ضعيف سنن ابن ماجة برقم (4006) .

 

فعليكم بتقوى الله فإنها الجامعة لكل خير وبها يدفع كل شر([28])، ومعنى التقوى فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله([29]).

وأن يعمل العبد بطاعة الله على علم من الله ويخشى عقاب الله([30]).

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}([31]).

وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}([32]).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :((يا أيها الناس اتقوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم))([33]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([28]) هذا من أعظم ثمرات التقوى، فحصول الخير ودفع الشر مقرون بتقوى الله تعالى قال تعالى: {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}(فصلت:18)، فبالتقوى تحصل محبته لوليه {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(آل عمران: 76) وبها تحصل ولايته {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}(الجاثية: 19) وبها تحصل الرحمة {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الحجرات: 10) فإذا حصلت الرحمة حصل خير الدنيا والآخرة .

([29])  وبهذا قال العز بن عبدالسلام رحمه الله “التقوى فعل الواجبات وترك الـمحرمات، وهي وصية الله في الأولين والآخرين” (شجرة المعارف، ص 43). وبهذا قال أيضاً شيخ الإسلام “التقوى هي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه” مجموع الفتاوى (3/1416).

([30]) قال طلق بن حبيب رحمه الله “التقوى عمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله والتقوى ترك معصية الله مخافة الله على نور من الله” أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان (99) بسند صحيح.

قال الذهبي رحمه الله تعليقاً: “أبدع وأجاد فلا تقوى إلا بعمل ولا عمل إلا بترو من العلم والاتباع، ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله، لا يقال: فلان تارك للمعاصي بنور الفقه إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها، ويكون الترك خوفاً من الله، ولا يمدح بتركها فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز” سير أعلام النبلاء (4/601).

([31]) سورة الطلاق الآيات (2، 3) ومعنى الآية أن من حقق تقوى الله جعل له مخرجاً من كرب الدنيا والآخرة، ورزقه الله من جهة لا تخطر على باله، نسأل الله تعالى أن يرزقنا تقواه .

([32]) سورة الطلاق الآية (5).

([33]) الحديث رواه الترمذي في سننه برقم (616)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1190) وبرقم (502).

 

وأخلصوا أقوالكم وأفعالكم فإن الأعمال بنيات وإنما لكل امرئ ما نوى([34]).

فمن تمت نيته تم عونه من الله سبحانه وتعالى([35])، وإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لله صواباً على سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ([36]) قال صلعم([37]) عن الله أنه يقول (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)([38]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([34]) يشير إلى حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إنما الأعمال بالنيات) البخاري (1/7) ومسلم برقم (3530).

([35]) فكلما كان العبد إخلاصه أقوى كلما نال معية الله له، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}(النحل:128)، والإحسان هو أعلى درجات الإيمان وهو بلا شك أعلى درجات الإخلاص.

([36]) هذان هما الشرطان اللذان لا يتحقق قبول العبادة إلا بهما، وهما: الأول الإخلاص لله تعالى. الثاني: أن يكون العمل صواباً يعني على وفق ما جاءت به السنة، فإذا فقدت العبادة أحد هذين الشرطين لم تقبل، و بهذا قال سلف الأمة .

([37]) قوله (صلعم) كتابة صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة مما أنكره بعض السلف رضوان الله عليهم فلا ينبغي كتابتها بهذه الصفة، بل على الإنسان إذا صلى على النبي فليكتب صلى الله عليه وسلم.

([38]) رواه مسلم برقم (2985) عن أبي هريرة رضي الله عنه .

 

وحافظوا على الصلوات([39])، في أوقاتها([40]) بشروطها([41])، وأركانها([42])، وواجباتها([43])، وسننها([44]) فإنها عمود الإسلام([45])، ونور السماوات والأرض([46]) من حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. 

قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }([47])، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((ولو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا لا، قال فذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا))([48])، وقال صلى الله عليه وسلم:((من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله))([49])، قال عمر رضي الله عنه :((لا حظ في الإسلام لمن أضاع الصلاة))([50])، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر))([51]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([39]) لقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}(البقرة: 238).

([40]) لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}(النساء: 103).

([41]) فمن شروطها: دخول الوقت، والطهارة من الحدث، والنجس، والنية، واستقبال القبلة، وكذا الإسلام والعقل والتمييز.

([42]) ومن أركانها: القيام فيها، وتكبيرة الإحرام، والفاتحة، والركوع، والسجود والاعتدال منها، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة، والتشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

([43]) ومن واجباتها: التكبير في غير تكبيرة الإحرام، وقول سمع الله لمن حمده، والتسبيح في الركوع والسجود والتشهد الأول وقول رب اغفر لي.

([44]) وسننها: نوعان قولية، وفعلية: فالفعلية كرفع اليدين حال تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول. ومن السنن أيضاً العملية وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة وكذا جلسة الاستراحة على القول الصحيح من أقوال أهل العلم. أما السنن القولية: كدعاء الاستفتاح، وقول آمين، والقراءة بعد الفاتحة للإمام في الصلاة الجهرية، وللإمام والمأموم في الصلاة السرية، وحال الانفراد، فهذه سنن الصلاة.

([45]) لقوله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس: وذكر منها الصلاة) سيأتي تخريجه إن شاء الله ولقوله صلى الله عليه وسلم (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) رواه الترمذي برقم (2762)، وصححه الألباني (2/328) برقم (2110).

([46]) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:(والصلاة نور) رواه مسلم في كتاب الطهارة باب فضل الوضوء ـ برقم (423). 

([47]) سورة البينة آية (5).

([48]) رواه البخاري. فتح الباري (2/9)، ومسلم برقم (667).

([49])  رواه أحمد (5/138) وعزاه البيهقي في مجمع الزوائد (1/295) إلى الطبراني في الكبير قال: وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس، وقد عنعنه، وله شاهد من حديث مكحول عن أم أيمن عند أحمد (6/421) قال البيهقي رجاله رجال الصحيح، إلا أن مكحولاً لم يسمع من أم أيمن .

قال المنذري: في الترغيب والترهيب (1/383) رواه الطبراني في الأوسط، ولا بأس في إسناده في المتابعات. والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/227) برقم (566).

([50]) ورد مرفوعاً من كلام عمر رضي الله عنه رواه مالك في الموطأ (1/40) وإسناده صحيح وهو في سنن البيهقي (1/356) من طريق مالك .

([51]) الحديث رواه أحمد (2/290 و425)، (4/60 و103)، ورواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/101) برقم (451) .

 

وأدوا زكاة أموالكم فإنها أحد أركان الإسلام، قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}([52])، وقال:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة}([53]).

وقال صلى الله عليه وسلم :((أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله فيها وفقير فخور))([54])، وهي مما يحفظ المال ويزكيه وينميه وما تلف من مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة([55]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([52]) سورة المزمل آية (20) .

([53]) سورة فصلت آية (6، 7 ).

([54]) رواه أحمد (2/425) عن إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائي به مرفوعاً ورواه الترمذي برقم (1642)، وقال حسن صحيح ورواه الحاكم (1/287) والبيهقي (4/82).

([55]) لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال)) رواه مسلم برقم (588) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله  أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) السلسلة الصحيحة للألباني برقم (106).

 

وقد استقبلتم هذا الشهر العظيم، وهو شهر رمضان، شهر القرآن والمغفرة والإحسان والعتق من النيران([56])، وموسم القيام وطاعة الرحمن قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}([57]).

وهو الركن الرابع من أركان الإسلام قال صلى الله عليه وسلم :((بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأنـي رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام))([58])، وقال:((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))([59])، وقال:((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار))([60])، وقال:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))([61]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([56]) يشير إلى ما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((يا أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم))  الحديث، وفيه ((وهو شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)) الحديث ضعفه الألباني برقم (871).

([57]) سورة البقرة آية (185).

([58]) متفق عليه. رواه البخاري، انظر فتح الباري (1/46)، ومسلم برقم (16) كلاهما عن ابن عمر رضي الله عنهما.

([59]) متفق عليه. انظر: فتح الباري (4/221)، ومسلم برقم (760) كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([60]) متفق عليه. انظر: فتح الباري (4/97)، ومسلم برقم (1079) كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([61]) متفق عليه. انظر: فتح الباري (4/106)، ومسلم برقم (1081) ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ((فإن غم عليكم)) أي إذا حال بينكم وبين رؤية الهلال غيم فلم تروه فضيقوا عليه العدد وذلك بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً .

 

فأكثروا فيه من القرآن والقيام كما هو شأن نبيكم صلى الله عليه وسلم فإنه أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن([62]).

واحفظوا صيامكم عما يفسده وينقص ثوابه، فقد قال صلى الله عليه وسلم :((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))([63]) ، وقال:((إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم))([64]).

وأكثروا فيه من الصدقات فإنها مضاعفة([65]). وقال صلى الله عليه وسلم: ((من فطر صائماً فله مثل أجره))([66]).

والأحاديث في فضله كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم شهيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([62]) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فالرسول حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) فتح الباري (4/99)، ومسلم (2307).

([63]) رواه البخاري ـ فتح الباري (4/99).

([64]) متفق عليه. انظر فتح الباري (4/88)، ومسلم برقم (1151) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([65]) لما سبق ذكره من حديث ابن عباس رضي الله عنه .

([66]) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من فطر صائماً كان لـه مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء)) حديث صحيح رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (811) وفي صحيح الترغيب والترهيب برقم (1072) .

 

ومن استطاع منكم الحج فليبادر إليه عند القدرة عليه([67])، فإنه الركن الخامس من أركان الإسلام([68])، قال تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}([69]).

وقال صلى الله عليه وسلم:((من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه))([70]). وقال:((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))([71]).

والآيات والأحاديث في شأن أركان الإسلام وعقوبة تاركها والمتكاسل عنها كثيرة لا نطيل بذكرها، فامتثلوا ما أمر الله به ورسوله وانتهوا عما نهيتم عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([67]) لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} والاستطاعة قسمان : قسم يشترك فيه الرجال والنساء، وقسم تختص به النساء أما القسم المشترك فهو القدرة على الزاد والراحلة وصحة البدن وأمن الطريق، وإمكان السير. أما القسم الخاص بالنساء فهو اشتراط المحرم وقوله ((فليبادر إليه)) هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم على أن الحج مأمور به على الفور وليس على التراخي .

([68]) لحديث عمر رضي الله عنه ((بني الإسلام على خمس..)) سبق تخريجه.

([69]) سورة آل عمران (97).

([70]) متفق عليه ـ انظر فتح الباري (3/302)، ومسلم برقم (1350).

([71]) متفق عليه ـ فتح الباري (3/476)، ومسلم برقم (1349).

 

وأقبلوا على ما خلقتم لأجله تفوزوا بجنة ربكم وثوابه وتسلموا من غضبه وعقابه([72]) فقد أمركم الله ورسوله ببر الوالدين([73])، وصلة الأرحام([74])، والإحسان إلى الأيتام([75])، والجيران([76]) والصبر على الأقدار([77]) ومراقبة أمر الله([78])، والتوكل عليه([79]) والتفكر([80]) في خلـقه وأمره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([72]) دليل ذلك قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(الذريات:56). والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة فجميع ما أمر الله تعالى به هو عبادة وجميع ما نهى الله عنه إذا تركه العبد ممتثلاً لله تعالى بتركه هو في الحقيقة عبادة.

([73]) لقوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا}(الاسراء: 23). وعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله قال: ((الصلاة على وقتها)) قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين)) قلت: ثم أي؟ قال:((الجهاد في سبيل الله)) رواه البخاري (10/336)، ومسلم برقم (85).

([74]) قال الله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأَرْحَام}(النساء: 1) وقال أيضاً:{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}(الرعد:21) قيل المراد بها صلة الرحم ولقوله صلى الله عليه وسلم :((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)) متفق عليه. البخاري (10/373)، ومسلم برقم (47) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([75]) لقوله تعالى:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}(الحجر: 88)، وقوله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (الكهف: 28) ولقوله صلى الله عليه وسلم :((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما)) رواه البخاري (10/365) عن سهل بن سعد رضي الله عنه .

([76]) أما الإحسان إلى الجيران فلقوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْب} (النساء: 36) وفي حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه. انظر فتح الباري (10/369)، ومسلم برقم (2624).

([77]) أما الصبر على الأقدار فلقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}(آل عمران: 200)،  وقوله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(الزمر:10)، ولقوله صلى الله عليه وسلم :((ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر)) متفق عليه. انظر فتح الباري (3/165)، ومسلم برقم (1053) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

([78]) ومراقبة أمر الله تعالى لأن الله تعالى أمر بمراقبته قال تعالى:{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}(الشعراء:218، 219) وقال:{إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ}(آل عمران:5) ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور لما سأله عن الإحسان قال:(أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه مسلم برقم (8) عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

([79]) والتوكل عليه: لأن التوكل شرط في الإيمان قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة: من الآية23).

([80]) أما التفكر فقد أمر الله تعالى به ووصف المؤمنين به فقال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً  وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(آل عمران:190،191)، وقال أيضاً {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}(الغاشية: 17- 20).

 

والاستقامة على طاعته([81])، والمبادرة إلى الخير([82])، وجهاد النفس والهوى والشيطان([83])، فإنه الجهاد الأكبر([84]).

والانقياد لحكم الله([85]) والمحافظـة على سنة رسوله([86])، وصدق الحديث([87])، وأداء الأمانة([88])، وستر عورات المسلمين([89])، وقضاء حوائجهم([90])، والشفاعة لهم([91])، والإصلاح بينهم([92])، وملاحظة ضعفتهم وهم النساء والفقراء والأيتام فإن الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أمرا بالإحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع لهم والرفق بهم وتوقير الكبير ورحمة الصغير([93]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([81]) والاستقامة على طاعة الله لقوله تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا}(هود: 112)، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا  اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الاحقاف: 13)، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي عمرو سفيان بن عبدالله:((قل آمنت بالله ثم استقم)) رواه مسلم برقم(38).

([82]) والمبادرة إلى الخيرات: لأمر الله بذلك فقد قال جل وعلا:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}(البقرة:148) ولقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (آل عمران: 133) .

([83]) قوله وجهاد النفس والهوى والشيطان. لأنهم ألدّ أعداء بني آدم، و لذا تجب مجاهدتهم قال تعالى عن النفس {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}(يوسف: 53) أما الهوى فقد قال الله تعالى فيه:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (ص: 26)، أما الشيطان فقد قال الله تعالى في شأنه:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(فاطر:6) .

([84]) لأنه لا يتم جهاد أعداء الملة والدين إلا بجهاد هذه الثلاثة ، ولذا كان جهاد هذه الثلاثة أكبر .

([85]) قوله (الانقياد لحكم الله)، لقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(النساء:65).

([86]) قوله (والمحافظة على سنة رسوله) لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر: 7)، وقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النور: 63)  وعن أبي هريرة أن رسول الله رضي الله عنه قال:((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)) رواه البخاري – فتح الباري (13/214).

([87]) قوله (وصدق الحديث): لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة : 119) ولقوله صلى الله عليه وسلم ((إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا)) رواه البخاري (10/42)، ومسلم برقم (2607) من حديث ابن مسعود.

([88]) قوله (وأداء الأمانة): لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}(النساء: 58)  ولقوله صلى الله عليه وسلم ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) متفق عليه من حديث أبي هريرة. انظر: فتح الباري (1/83)، ومسلم برقم (59).

([89]) قوله (وستر عورات المسلمين): لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(النور:19) ولقوله صلى الله عليه وسلم ((لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة))(رواه مسلم برقم (2590) وبرقم (72) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([90]) قوله:(وقضاء حوائجهم): لقوله تعالى:{وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(الحج:77)، ولقوله صلى الله عليه وسلم ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) متفق عليه فتح الباري (5/70،71) ومسلم برقم (2580) .

([91]) قوله (والشفاعة لهم): لقوله تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}(النساء: 85) ولقوله صلى الله عليه وسلم:(اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب) متفق عليه البخاري (3/238)، ومسلم برقم (2627) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

([92]) قوله (والإصلاح بينهم) لقوله تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}(النساء: 114)، ولقوله صلى الله عليه وسلم ((كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة)) ومعنى تعدل بين اثنين تصلح بينهم بالعدل. رواه البخاري (5/226)، ومسلم برقم (1009).

([93]) قوله: (وملاحظة ضعفتهم وهم النساء والفقراء والأيتام..)، أما النساء فقد قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف}(النساء: 19)، ولقوله صلى الله عليه وسلم ((استوصوا بالنساء خيراً)) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فتح الباري (6/261 ،262)، ومسلم برقم (1468) أما الفقراء والأيتام فقد مرت الأدلة من الكتاب والسنة في حقهم.

 

والحب في الله والموالاة لله والمعاداة فيه([94])، وزيارة أهل الخير وصحبتهم([95])، والخوف من الله([96])، والرجاء([97])، والشكر له([98])،

والبكاء من خشـيته([99])، والشوق إليه والقناعة والعفاف والإيثار والمواساة([100])، وترك حظ النفس والشهوات([101]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([94]) قوله (والحب في الله والموالاة لله والمعاداة فيه) : هذا يعتبر أصلاً من أصول الدين، يعنى أصل (الولاء والبراء) وقد غفل الكثيرون للأسف عن هذا الأصل العظيم. قال تعالى في وصف نبيه ومن آمن به:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم}(الفتح: 29) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}(الحشر: 9) أما في المعاداة لأولياء الشيطان فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} (الممتحنة:1). وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار)) متفق عليه. فتح الباري (1/56،58)، مسلم برقم (43)

([95])  قوله (وزيارة أهل الخير وصحبتهم): فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟ قال: لا غير أني أحبه في الله تعالى قال: ((فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)) رواه مسلم برقم (2567) .

([96])  قوله (والخوف من الله): لقوله تعالى:{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}(البقرة: 40) أي خافوني خوفاً معه تحرز فيما تأتون وما تذرون، والخوف من الله يوجب محبته وهو أعظم مراتب العبودية لله تعالى، ولذا أعد الله لمن خاف مقامه والوقوف بين يديه جنتين  فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}(الرحمن:46).

([97])  قوله (والرجاء): أي ورجاء العبد ربه سبحانه وتعالى في كشف الضر أو دفعه وجلب النفع، ورجاء الله تعالى يورث صاحبه حسن الظن بربه سبحانه وتعالى، فقد جاء في المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى: ((أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه حيـن يذكرني..)) الحديث انظر فتح الباري (13/325،328)، ومسلم برقم (2675).

([98]) قوله (والشكر له): لقولـه تعالى:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(لقمان: ة14)، وشكر الله تعالى يتمثل في نعمه الظاهرة والباطنة، فمن أعظم نعم الله الباطنة الإيمان به وبكل ما جاء في العبادات التي مدارها على القلب، فكل هذا من نعم الله على العبد . والنعم الظاهرة يستحق عليها كذلك الشكر ونعم الله الظاهرة كثيرة يعرفها الصغير و الكبير، وهي لا تحصى كما قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}(إبراهيم: 34).

([99])  قوله (والبكاء من خشيته): لأن هذا هو حال عباد الله المخبتين، قال تعالى في وصف عباده المؤمنين:{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}(الاسراء:109) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، إلى أن قال: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). متفق عليه فتح الباري (2/119)، ومسلم برقم (1031).

([100])  الآيات والأحاديث التي جاءت في بيان هذه الخصال الحميدة كثيرة منها قوله تعالى:{للْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}(البقرة: 273). وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الحشر:9)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الغنى كثرة العَرَض ولكن الغنى غنى النفس)) والعَرَض هو المال رواه البخاري ـ انظر فتح الباري (11/231)، ومسلم (1051).

([101]) قوله (وترك حظ النفس والشهوات): لأن هذا ليس من الخصال الحميدة التي يثنى على المرء من قبل ربه سبحانه، فإن الله قد ذم  أهل الشهوة وبين عاقبة من أطلق شهوته قال جل وعلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ  أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}(مريم:59) وقال:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص:83).

 

وعليكم بالتنافس في أمور الآخرة([102])، والتواضع وحسن الخلق([103])، والرفق والحلم والعفو([104])، والإعراض عن الجاهلين([105])، واحتمال الأذى([106])، والانتصار لدين الله، والغضب عند حرماته وحرمات شرعه([107])، وطاعة ولاة الأمر في طاعة الله ورسوله([108]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([102]) قوله:(عليكم بالتنافس في أمور الآخرة): لأن الله تعالى حينما ذكر ما أعده للمؤمنين في جنته حث على التنافس في ذلك، ولا يتـم ذلك إلا بكثرة الأعمال الصالحة التي ترفع للعبد درجته في الجنة قال تعالى:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ}(المطففين: 22- 25).

([103]) قوله (والتواضع وحسن الخلق): لقوله صلى الله عليه وسلم ((إن الله أوحى إلىَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)) رواه مسلم برقم (2865) عن عياض بن حمار رضي الله عنه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) رواه مسلم برقم (2588) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ((قال أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم )) رواه الترمذي برقم (1162).

([104]) قوله: (والحلم والرفق والعفو): لأن الله مدح أصحاب هذه الصفات فقال: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}(آل عمران: 134)، وقال:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(الأعراف:199)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) متفق عليه. انظر فتح الباري (10/325)، ومسلم (2165) .

([105]) قوله (والإعراض عن الجاهلين): لقوله تعالى:{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(الحجر: 85)، وقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(الأعراف:199).

([106]) قوله (واحتمال الأذى): لقوله تعالى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (الشورى :43)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال:((لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله تعالى ظهير عليهم ما دمت على ذلك)) رواه مسلم برقم (2558).

([107]) قوله (والانتصار لدين الله والغضب عند حرماته): قال الله تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}(الحج:30) وقولـه تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}(الحج:32). وقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد رضي الله عنه حيث أتى ليشفع في المرأة التي سرقت ((أتشفع في حد من حدود الله تعالى)) ثم قام فاختطب ثم قال: ((إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) متفق عليه. انظر: فتح الباري (12/77)، ومسلم (1688) .

([108]) قوله (وطاعة ولاة الأمر في طاعة الله ورسوله): لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: 59)، وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) متفق عليه. انظر: فتح الباري (13/109)، ومسلم برقم (1839) .

 

والوفاء بالعهد([109])، والحياء([110])، وطيب الكلام ([111])، وإكرام الضيف والجليس([112])، واستخارة الله تعالى([113])، في جميع الأمور.

ومشاورة أهل الخير، وإفشاء السلام([114])، وتشميت العاطس([115])، وعيادة المريض([116])، وتشييع الجنازة([117]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([109]) قوله (والوفاء بالعهد): لقوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}(الإسراء: 34) وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(المائدة: 1).

([110]) قوله (والحياء): لأنه من الإيمان قال صلى الله عليه وسلم :((..والحياء شعبة من شعب الإيمان)) متفق عليه. انظر: فتح الباري (1/48)، ومسلم برقم (35).

([111]) قوله (وطيب الكلام): لأنه خصلة من خصال الخير، كانت إحدى خصال النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى في وصفه:{وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك}(آل عمران: 159) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((والكلمة الطيبة صدقة)) متفق عليه. انظر: فتح الباري (6/92)، ومسلم برقم (1009).

([112]) قوله (وإكرام الضيف والجليس): لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم  ضيفه..)) متفق عليه. انظر: فتح الباري (10/373)،ومسلم برقم (47).   

([113]) قوله (واستخارة الله في جميع الأمور ومشاورة أهل الخير): لما جاء عن جابر رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن..)) الحديث رواه البخاري ـ فتح الباري (3/40). قال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر}(آل عمران: 15).

([114]) قوله (وإفشاء السلام): لقولـه تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا  عَلَى أَهْلِهَا } (النور: 27).

    وجاء في المتفق عليه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ ((قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) فتح الباري (11/ 18)، ومسلم (39). وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)) رواه مسلم برقم (54).

([115]) قوله (وتشميت العاطس): لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله  وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءبَ ضحك منه الشيطان)) رواه البخاري. انظر: فتح الباري (10/ 501) .

([116])  قوله (وعيادة المريض): لما جاء في المتفق عليه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار القسم ونصرة المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام )) فتح الباري (11/15)، ومسلم (2069).

([117]) قوله (وتشييع الجنازة): لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه السابق ذكره.

 

والإكثار من ذكر الله تعالى([118])، وذكر الموت([119])، وحفظ أوقات عمره عن إضاعتها فيما يضره أو بما لا ينفعه، وإشغال وقته فيما خلق لأجله([120])، وتلاوة القرآن([121]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([118]) قوله (والإكثار من ذكر الله): لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} (الأحزاب:41).

([119]) قوله: (وذكر الموت): لأن الموت يزهد العبد في دنياه بل هو من أعظم ما تعالج به القلوب، ولذا جاء في الأثر ((أكثروا من ذكر هادم اللذات، يعني الموت)) رواه الترمذي برقم (2308) وأخرجه ابن ماجة (4258)، وإسناده حسن وصححه ابن حبان (2559) (2562) .

([120]) لقوله تعالى:{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر) فالعصر هذا هو الزمن، والمراد به عمر الإنسان، وقسم الرب سبحانه وتعالى بهذا الزمن دليل على شرفه وأهميته، فبالاهتمام به تحصل السعادة في الدنيا والآخرة، وبالتفريط فيه تحصل الندامة في الدنيا والآخرة من عند ربه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم)) السلسلة الصحيحة برقم (946).

([121]) قوله (وتلاوة القرآن): لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً  وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}(فاطر:29،30). وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) مسلم برقم (104).

 

والمحافظة على الجمعة والجماعات([122])، والسنن الرواتب مع الفرائض([123])، وبقية النوافل كالتراويح وصلاة الضحى وتحية المسجد وقيام الليل([124]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([122]) قوله:(والمحافظة على الجمعة والجماعات): وذلك لأنها من جملة المأمورات التي أمر الله بها فالمحافظة عليها من أعظم الواجبات فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم)) متفق عليه. انظر: فتح الباري (2/107،108)، ومسلم برقم (251).

([123]) قوله: (والسنن الرواتب مع الفرائض): لقول أم حبيبة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد مسلم يصلي كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بَنىَ الله له بيتاً في الجنة أو إلا بُنِيَ له بيت في الجنة)) رواه مسلم برقم (728).

والسنن الرواتب هي: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها. وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. ويضاف إلى ذلك أربع ركعات بعد الجمعة فإنهن من الرواتب .

([124]) قوله (وبقية النوافل كالتراويح ……. إلى قوله وقيام الليل) أما صلاة التراويح فلما جاء في فضلها: فقد جاء في المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) انظر: فتح الباري (4/217،218)، ومسلم برقم (779). وصلاة الضحى: لما جاء أيضاً في المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم:((بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أو تر قبل أن أنام)) انظره في فتح الباري (3/47)، ومسلم برقم (721).

أما تحية المسجد: لما جاء أيضاً في المتفق عليه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) فتح الباري (1/447)، ومسلم برقم (714). وقيام الليل: وذلك لأنه دأب الصالحين من عباد الله المتقين قال الله تعالى في وصفهم: {كَانُوا قَلِيلاً مِن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}(الذريات:17)، وقال أيضاً {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}(السجدة: 16). وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل))، مسلم برقم (1163).

 

والمحافظة على سنن الفطرة: مثل السواك([125])، وقص الشارب وإعفاء اللحية، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((قصوا الشوارب وأوفوا اللحى خالفوا المجوس))([126])، فالناصح لنفسه لا يرضى لها بمشابهة المجوس وتغره نفسه وشيطانه ويؤثر طاعتهما على طاعة مولاه ورسوله ومما أمر الله به ورسوله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([125]) قوله (مثل السواك): لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه ((لولا أن أشق على أمتي ـ أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)) فتح الباري (2/311، 312)، ومسلم (352).

([126]) الحديث رواه مسلم برقم (260).

 

والإحسان إلى المماليك ، والرفق بهم فقد قال صلى الله عليه وسلم عند موته ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم))([127]).

والسماحة في البيع والشراء، والأخذ والعطاء، وحسن القضاء والاقتضاء، والوفاء بالكيل والوزن([128])، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها ورسوله وخلفاؤه الراشدون([129]).

وكل واحدة من هذه الأنواع التي ذكرنا قد وعد الله ورسوله لمن فعلها وحافظ عليها بالحفظ والعزة في الدنيا والثواب في الجنة في الآخرة([130]) قال تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}([131])، وقال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}([132]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([127]) رواه أحمد (6/290) في مسند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها.

([128]) وهذا من أعظم خصال المعاملات أي أن يكون مبناها على السماحة في كل شؤون الحياة مما هو لازم بين الإنسان وأخيه الإنسان، أما المعاملات التي مبناها على الغش والخديعة، فضلاً عن كونها محرمة فهي تورث الكراهية والتباغض بين أفراد المجتمعات قال الله تعالى في بيان ما ذكره المؤلف: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*  الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}(المطففين: 1- 3).

وروى البخاري عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى و إذا اقتضى)) فتح الباري (4/260).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ لـه فهم به أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أعطوه سناً مثل سنه)) قالوا: يا رسول الله لا نجد إلا أمثل من سنه قال:((أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء)) متفق عليه. انظر: فتح الباري (4/394)، ومسلم برقم (3005).

([129]) قوله: (وخلفاؤه الراشدون) وذلك لأننا مأمورون بكل ما جاءوا به من أمور لم تكن في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم :((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) رواه الترمذي، وقال حسن صحيح .

([130]) وقد بينا جملة من الآيات والأحاديث التي تدل على ما قال المؤلف رحمه الله.

([131]) سورة النور الآية (52) .

([132]) سورة الحشر آية (7).

 

ومن أعظم ما نهى الله عنه ورسوله، الإشراك بالله ([133])، وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم، قال تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً}([134])، وقال تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}([135])وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اجتنبوا السبع الموبقات)) يعني توبق صاحبها في غضب الجبار وعذاب النار وهي:((الإشراك بالله، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))([136])وقال صلى الله عليه وسلم: ((أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور وكان صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت))([137])عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خمس بخمس، ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال و الميزان إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر))([138]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([133]) الشرك بالله : هو أعظم ذنب عصي الله به ، و لذا توعد الله تعالى فاعله بعدم دخول الجنة قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}(المائدة: 72). والشرك: معناه أن تجعل لله نداً تدعوه وتتقرب إليه وتسأله الشفاعة وتصرف أنواع العبادة له، فتذبح له، وتنذر له، وتسجد له، وهذا من أعظم الذنوب على الإطلاق نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه .

([134]) سورة النساء الآية (31).

([135]) سورة محمد الآية (22).

([136]) متفق عليه. انظر: فتح الباري (5/294)، ومسلم برقم (89) .

([137]) متفق عليه. انظر: فتح الباري (5/193)، ومسلم برقم (87) .

([138]) سبق تخريجه، ص26 – هامش رقم (5) .

 

ومما نهى عنه الله ورسوله الكذب في الحديث([139])، وكثرة الكلام فيما يضر في الدنيا والآخرة، وإطلاق اللسان فيما لا يعني الإنسان([140])، والغيبة([141])، والنميمة([142])، واللعن، والشتم للأحياء والأموات والتباغض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([139]) لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)) متفق عليه. انظر: فتح الباري (1/84)، ومسلم (58).

([140]) لأن كلام ابن آدم إما له وإما عليه فما كان فيه ذكر الله وطاعته فهذا هو له في حسناته يوم القيامة وإن كان غير ذلك فيما لا فائدة فيه فإن كان محرماً فهو عليه وزر وإن كان مباحاً فلا فائدة منه.

([141]) قوله (والغيبة): لقوله تعالى:{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}(الحجرات: 12)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال:((ذكرك أخاك بما يكره)) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال:((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته))، رواه مسلم برقم (2589).

([142]) قوله (النميمة): النميمة هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، قال تعالى:{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}(القلم: آية 10، 11)، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يدخل الجنة نمام)) متفق عليه. فتح الباري (10/394)، ومسلم برقم (105).

 

والتقاطع([143])، والحسد، والكبر، والغش في المعاملات والنقص في المكيال، والميزان([144]) والخداع، والغدر، والخيانة([145])، والمن بالعطية([146])، والافتخار والبغي([147]). 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([143]) وذلك لأن هذه الأشياء كلها محرمة لما ذكرنا من الأدلة السابقة، وقد حرمها الله لما فيها من مفاسد دنيوية وأخروية، فمن مفاسدها الدنيوية أنها تجعل المجتمع المسلم يسوده الظلم والبغض والكراهية بين أفراده، بل تسوده جريمة القتل بين أفرداه وقبائله، ولذا نبه المؤلف رحمه الله على هذه الأمور لكي يتجنبها الناس قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة}(الحجرات: 10) .

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) متفق عليه. انظره في فتح الباري (10/401)، ومسلم برقم (2559)، وعن عائشة رضي الله عنه الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)) رواه البخاري (3/206).

([144]) قوله (والحسد والكبر والغش في المعاملات والنقص في الميزان): أما الحسد، فلأنه من أعظم الذنوب وأخطرها، و لذا بدأ به. والحسد: هو تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء كانت نعمة دين أو دنيا قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه}(النساء: 54) ومر بنا حديث أنس رضي الله عنه السابق .

أما الكبر: فلأنه صفة غير محمودة في حق إنسان خلقه الله من تراب، فعلى أي شيء يتكبر؟ والله تعالى من أسمائه المتكبر فإذا كان العبد متكبراً فقد ضاهى الله في اسم من أسمائه وصفة من صفاته، ولذا توعد الله المتكبرين بقوله:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}(الزمر الآيات:71 ، 72).

أما الغش في المعاملة : فلأن فيه نوع أذية بالمؤمنين، وقد ذم الله ذلك فقال:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}(الأحزاب :58)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا)). رواه مسلم برقم (101)، (102).

أما قوله (والنقص في الميزان): فقد مر بنا طرف من الأدلة الدالة على بيان حرمة ذلك بعظيم النهي عنه.

([145]) قوله (والخداع والغدر والخيانة): لأنها صفات مذمومة جاءت نصوص الكتاب والسنة بالنهي عنها.

أما الخداع: فقد ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم رجل يخدع في البيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((إذا بايعت فقل لا خِلاَبةَ )) البخاري البيوع (1947). أي فقل لا خديعة.

وأما الغدر والخيانة: فقد مر بنا جملة من الأدلة على تحريمه وذلك عند الكلام على الوفاء بالعهد. 

([146]) قوله (والمن بالعطية):

لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}(البقرة: 264)، وقوله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً}(البقرة: 262).

وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) رواه مسلم برقم (106).

([147]) قوله (والافتخار والبغي): لأنهما صفتان مذمومتان قال تعالى:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}(النجم: 32). وروى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال:((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد)). رواه مسلم برقم (4865).

 

وهجر المسلم([148])، وتعذيب العبد والأمة والولد والأهل بغير سبب شرعي([149])، ومماطلة أصحاب الحقوق([150])، والرجوع في الهبة([151])، وأكل مال اليتيم وأكل الربا([152]). 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([148]) قوله (وهجر المسلم) : لورود النهي عن ذلك، فقد جاء في المتفق عليه عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) انظر: فتح الباري (10/401 ، 402)، ومسلم (2560).

أما إن كانت هجرة المسلم لله تعالى فليس في هذا شيء، كأن تكون الهجرة من أجل بدعة في دين الله أو لظهور فسق هذا المسلم، فهذا يجوز .

([149]) قوله (وتعذيب العبد والأمة والولد والأهل بغير سبب شرعي): لما جاء في المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)) انظره في فتح الباري (6/254)، ومسلم برقم (2242)، فهذه المرأة عذبت من أجل هرة، ولا شك أن العبد أعظم حرمة عند الله من هذه الهرة ورى مسلم رضي الله عنه عن سويد بن مقرن رضي الله عنه قال: لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن ما لنا خادم إلا واحدة، لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها) رواه مسلم برقم (1658). و إني من خلال هذه الرسالة أنصح إخواني ممن تحت أيديهم خدم أن يرعوا حق الله تعالى فيهم، وكذا حقوق هؤلاء الخدم من الرجال والنساء، فيأمروهم بطاعة الله وبخاصة المحافظة على الصلوات الخمس وأن يرعوا حق هؤلاء الخدم بمالهم عندهم من حقوق مادية وحقوق جسدية، حيث أنني أسمع وللأسف الشديد أن هناك صنفاً من الناس يعذب خدمه إما بالضرب أو بالتهديد أو نحو ذلك مما فيه أذية لهؤلاء الناس، بل إنني سمعت أن هؤلاء الخدم ليس لهم راحة في اليوم ولو ساعة واحدة، فهم في عمل دائم لا يفترون فيه ولم تأت إلا ساعة النوم فقط هي التي يستريحون فيها وهذا من أعظم الظلم للعباد، فهب أنك أنت مكان هذا الخادم أو هب أنك أيتها المسلمة مكان هذا الخادم أو الخادمة هل تستطيعين أن تتحملي هذا بالطبع لا، فإذا كان الأمر كذلك فَلِمَ الأذية لخلق الله؟ وإني لأ سمع من بكاء بعض الخادمات لما تراه من سوء المعاملة وعدم الراحة طوال يومها فهي كالماكينة نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً لما يحب ويرضى. وروى مسلم في صحيحه عن هشام بن الحكم رضي الله عنهما ((أنه مر بالشام على أناس من الأنباط (والأنباط هم الفلاحون من العجم) وقد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج ـ وفي رواية ـ (حبسوا في الجزية) فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا، فدخل على الأمير فحدثه فأمر بهم فخلوا)) رواه مسلم برقم (2613). ومعنى قوله (خلوا) أي تركوا من العقاب.

([150]) قوله (ومماطلة أصحاب الحقوق): لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (النساء: 58).

([151]) قوله (والرجوع في الهبة): لما جاء في المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه))، وفي رواية ((مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله)). فتح الباري (5/160) ـ ومسلم برقم (1622).

([152]) قوله (وأكل مال اليتيم وأكل الربا): سبق أن ذكرنا الأدلة على تحريم ذلك.

 

والنظر إلى الأجنبيات([153])، والزنا والخلوة بالأجنبية([154])، وتشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال([155]). 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([153]) قوله (والنظر إلى الأجنبيات): لأن النظر إليهن هو بريد الوقوع في فاحشة الزنا، نعوذ بالله من ذلك، ولذا أمرنا بأن نغض أبصارنا عن النساء الأجنبيات غير المحارم. قال تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(النور: 30)، وروى مسلم عن جرير رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: ((احرف بصرك)). رواه مسلم برقم (2159).

([154]) قوله (والزنا والخلوة بالأجنبية): أما الزنا فلأنه محرم، ونصوص الكتاب والسنة لا تخفى على ذي لب في تحريمه. ولما كانت الخلوة بالمرأة الأجنبية هي إحدى الوسائل التي يحدث بسببها الزنا جاءت نصوص الكتاب والسنة بالنهي عن ذلك. قال تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}(الأحزاب: 53).

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخول على النساء)). فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت)) متفق عليه انظره في فتح الباري (9/289، 290)، ومسلم برقم (2172). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يخلو أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم)) متفق عليه. فتح الباري (9/290)، ومسلم برقم (1341).

(155) قوله (وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال): لما جاء في صحيح البخاري من النهي عنه فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال)) رواه البخاري. فتح الباري (10/280).

 

والنياحة على الميت، ولطم الخدود، وشق الجيـوب([156])، وإتيان الكهان والمنجمين والعرافين وأصحاب الرمل([157])، والتطير والتشاؤم([158])، والحلف بغير الله([159])).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([156])  قوله (والنياحة على الميت ولطم الخدود وشق الجيوب): لما جاء في المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية)) البخاري – فتح الباري (3/133)، ومسلم (103).

([157]) كل هذا لما فيه من الشرك بالله أو المعصية له، فمن أتاهم يعني الكهان والمنجمين والعرافين مصدقاً لهم فهو مشرك كافر، فعن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل لـه صلاة أربعين يوماً)) رواه مسلم برقم (2230)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم )) حديث صحيح صححه الألباني في الطحاوية برقم (768) وفي آداب الزفاف برقم (31)

([158])  قوله (والتطير والتشاؤم): لورود النهي عن ذلك :فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((لا عدوى ولا طيرة وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس)) متفق عليه. انظره في فتح الباري (10/180،181)، ومسلم برقم (2225). ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس)) شؤم الدار يكون بضيقها. وشؤم المرأة يكون في سوء خلقها وعقر رحمها. وشؤم الفرس أي الدابة يكون في منع ظهرها.

([159])  قوله (والحلف بغير الله): وذلك لأن الحلف تعظيم والتعظيم لا يكون إلا للرب سبحانه وتعالى، فمن حلف بالمخلوق فكأنه عظَّمه ولذا فقد جعله مساوياً لله تعالى في التعظيم.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النّهي في ذلك بل وعدَّه صلى الله عليه وسلم من الشرك فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً ؟ فليحلف بالله أو ليصمت)) متفق عليه. فتح الباري (11/461،462)، ومسلم برقم (164).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلاً يقول لا والكعبة، قال ابن عمر لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) رواه الترمذي (1535)، وصححه الألباني برقم (1241).

 

فهرس الموضوعات

الموضوع الصفحة
مقدمة  
عملي في هذه المخطوطة  
(رسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)  
ترجمة صاحب المخطوطة  
المولد والمنشأ  
أما نشأته  
طلبه للعلم وشيوخه  
ثناء العلماء عليه  
قال عنه محمد القاضي  
وفاة الشيخ رحمه الله  
ذريته  
وبه نستعين  
فهرس الموضوعات  

 

([1]) سورة آل عمران، الآية: (110).

([2]) سورة المائدة، الآيتان: 78، 79.

([3]) علماء نجد خلال ثمانية قرون 5/451.

([4]) روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد ـ محمد القاضي 2/196 .

([5]) انظر ترجمة الشيخ إبراهيم بن سيف رحمه الله في روضة الناظرين 1/35. علماء نجد خلال ثمانية قرون (عبدالله البسام ) 1/311.

([6]) علماء نجد ـ عبد الله البسام 1/451.

([7]) انظر ترجمته في علماء نجد 1/457.

([8]) علماء نجد 5/452.

([9]) روضة الناظرين ـ محمد القاضي 2/197 ـ 198.

([10]) علماء نجد 5/453.

([11]) المرجع السابق.