خطبة بعنوان: (رسائل هامة إلى جنودنا المرابطين) بتاريخ 13 / 7 / 1436

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، كتب العزة والنصر لأوليائه، وحكم بالصغار والذلة لأعدائه، النّاصر لدينه وأوليائه، القائل في مُحكَم كتابه:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:51]، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، رب الأرباب وقيوم الأرض والسماوات، وخالق الخلق من تراب، ومقدر الآجال والأرزاق، بيده سبحانه موازين الأمر والقضاء، وأشهد أن محمّدًا عبد الله ورسوله القائل في سنته الغراء:(نصرت بالرعب مسيرة شهر)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدّين, أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18).
عباد الله: إن أهل الإيمان في هذا الزمان من أهل السنة والجماعة يعيشون في امتحان وابتلاء، حيث تكالب عليهم الأعداء، فاحتلوا أراضيهم، ونهبوا ثرواتهم، وضيقوا عليهم في دينهم وأعمالهم، وحاربوهم في شعائرهم وأرزاقهم، وأخرجوهم من ديارهم، وسجنوهم، وقتلوهم. كثرت استغاثاتهم، وتوالت صرخاتهم، وأناتهم، فلم يسمع لهم أحد، ولم يدافع عنهم من أهل الأرض أحد، بل كانوا من أهون الخلق على الخلق، وما ذاك إلا بسبب أنهم مسلمون. فعلى أهل الإسلام أن يتمسكوا بدينهم، وأن يعملوا بمقتضاه، وأن يبتعدوا عما نهى عنه، وأن يجاهدوا في سبيل الله بشتى وسائل المجاهدة ليَعْلُو الدِّين ويرتفع التوحيد ويقمع الشرك وينطفئ الكفر، وتحمى الديار، ويذاد عن الأنفس والأعراض.
عباد الله: هذه بعض الرسائل الهامة أوجهها لجنودنا المرابطين فأقول لهم:
أولاً: عليكم بإحسان النية، وإخلاص العمل لله، فأنتم درع البلاد وحراسها، وصمام أمنها، وجنودها الأوفياء، فقد قال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى)(متفق عليه)، وبذلك تنالوا خيري الدنيا والآخرة.
ثانياً: أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا في السر والعلن، والغيب والشهادة،فبتقواه تنالوا الحفظ والرعاية، والعون والسداد، والعزة والنصرة، والتمكين، قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}(النور: 55).
ثالثاً: اعلموا أنكم في جهاد ورباط، لأنكم خرجتم تدافعون عن دينكم، وبلادكم، وأعراضكم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها..)(رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم:(رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان(رواه مسلـم)
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:(كل الميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر)(رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).
رابعاً: اعلموا أنكم على الحق، وأن رباطكم وجهادكم لحفظ أمن بلاد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، والدفاع عن إخوانكم في اليمن، وسعيكم في رفع الظلم عنهم، وصدكم لهذه الفئة الباغية من الصفوية، من أفضل القربات إلى الله جل وعلا.
خامساً: طيّبوا ألسنتكم بالتهليل والتكبير والزموا الاستغفار وخاصة في وقت الأسحار،وأكثروا من ذكر الله تعالى عند لقاء عدوكم، فهي وصية ربكم جل وعلا لكم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(الأنفال: 45، 46).
سادساً: اعلموا أن الله جل وعلا{.اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، فعليكم بالثبات أمام عدوكم وإظهار القوة والشجاعة والإقدام، مع حسن التوكل عليه، وتسليم الأمر له، فهو وحده الناصر والمعين.
سابعاً: ألحوا على الله في الدعاء، فهو سبحانه قريب مجيب، ينصر جنده، ويهزم أعداءه، قال جل وعلا:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(الأنفال: 9، 10).
ثامناً: الحرص على طاعة من ولاه الله أمركم في المعروف، والمشورة فيما بينكم، وعدم العجلة في الإقدام، وأخذ الحيطة والحذر من عدوكم، فإنهم من أكذب الناس وأخبثهم، وقد يظهرون الاستسلام للغدر بكم وإيقاع القتل فيكم.
تاسعاً: أبشركم بثمرات الشهادة في سبيل الله، فهي والله رغبة كل مؤمن صادق محب للقاء ربه، وما أعظمها من شهادة عندما تكون لنصرة الدين وحفظ بلاد الإسلام من المعتدين الظالمين، فقد قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال، يغفر الله له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه)(رواه الترمذي وابن ماجة).
عاشراً: اعلموا أننا نحبكم، ونفتخر بكم، وألسنتنا تلهج بالدعاء لكم، فالله أسأل وهو الكريم الرحيم أن يحفظكم بحفظه، وأن يرعاكم برعايته، وأن يحرسكم بعينه التي لا تنام، وأن يتولى أمركم، وأن يمدكم بجند من جنده .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،{ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) }(آل عمران: 169ــ 174).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن التقوى خير زاد ليوم المعاد.
عباد الله: لقد صرح المتحدثُ الأمني في وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي، بأنه في إطار المتابعة المستمرة لأنشطة الفئة الضالة التي تسعى من خلالها للنيل من أمن هذه البلاد، وأمن مواطنيها والمقيمين على أراضيها كهدف استراتيجي لهم، أنه توفرت لدى الجهات الأمنية مؤشرات ودلالات عبر عمليات رصد متعددة، نتج عنها، معطيات أدت إلى الكشف المبكر عن أنشطة إرهابية في عدة مناطق من المملكة يقوم عليها عناصر من الفئة الضالة، وأكدت المتابعة أن هذه الأنشطة بلغت مراحل متقدمة في التحضير لتنفيذ أهدافها، وقد تمكنت الجهاتُ الأمنية بحمد الله من الإطاحة في أوقات مختلفة بتلك العناصر البالغ عددها (93) شخصًا بينهم امرأة، وإحباط مخططاتهم الإجرامية قبل تمكنهم من تنفيذها ومن ذلك استهداف مقرات أمنية ومجمعات سكنية، وعمليات انتحارية ضد بعض السفارات، واغتيال عسكريين من مختلف القطاعات، ومهاجمة سجون المباحث العامة، والقيام بعمليات تثير الفتنة الطائفية.
وقد أعلنت وزارةُ الداخلية هذه الوقائع رغبةً منها في إحاطة المواطنين والمقيمين بما يخطط له أصحابُ الفكر المنحرف من استهداف لهذه البلاد الطاهرة ومنهجها القائم على كتاب الله وُسنة رسوله صلى الله عليه وسلم خدمةً لتنظيمات إرهابية في الخارج، ولتؤكد في الوقت ذاته أن تعاون المواطن والمقيم هو بعد توفيق الله خير ضمان لإحباط هذه المخططات الإجرامية، كما تؤكد أن قوات الأمن ستقف بكل قوة وحزم في وجه كل من تُسوِّل له نفسه العبث بأمن واستقرار البلاد.
كما أعلنت وزارة الداخلية عن القبض على نواف شريف سمير العنزي بعد عمليات بحث دقيقة وموسعة على ضوء معلومات قادت إلى تحديد مكان وجوده وسرعة الوصول إليه، لتورطه في حادثة إطلاق النار على دورية أمن واستشهاد قائدها ورفيقه رحمهما الله تعالى، وهذا ما تم إلا بتوفيق الله جل وعلا ثم بيقظة وحكمة وكفاءة رجال الأمن وتعاون المواطنين والمقيمين في الإرشاد عن مكان تواجده.
ونحن في هذا المقام نحمد الله جل وعلا على يقظة رجال أمننا، وسرعة قبضهم على هذه الفئة الباغية، فلهم منا الشكر والدعاء، بأن يعينهم الله ويسددهم، ويحفظهم من كل سوء ومكروه. اللهم احفظ بلادنا من شر الأشرار وكيد الفجار، واحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا وعلمائنا. وانصر إخواننا المرابطين وسدد رميهم ودمر عدوهم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الجمعة: 13 / 7 / 1436هـ