81 – لقاء بعنوان من أحكام الفتوى

الأربعاء 19 رجب 1445هـ 31-1-2024م

 

81 –  لقاء بعنوان من أحكام الفتوى pdf

 

 

لقاء بعنوان

من أحكام الفتوى

 

تأليف

أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

من أحكام الفتوى

 

السؤال الأول: كيف يختار المسلم مفتيًا له؟ هل المتشدد أم المتساهل؟

الإجابة على السؤال الأول:

ينبغي للمستفتي أن يأخذ فتواه عمّن يثق في دينه وعلمه وورعه، فإذا حصل له ذلك فليأخذ منه، وينبغي للمفتي أن تكون فتواه حسب الدليل، وإذا كان في الأمر سعة فعليه أن يوسع على الناس، أما الترخيص دون مستند شرعي ودون الاستناد على قاعدة من قواعد الشرع فهذا لا ينبغي.

قال بعض السلف: “إن الفقيه هو الذي ييسر على الناس برخص الشرع”، فما دام أن هناك رخصة والمستفتِي واقع في أمر ما فإن الأَولى للمفتي أن يرخص للمستفتي ولا يشدد عليه في الفتوى، فإن الله يحب أن تؤتى رخصُه، ولا يتم هذا الترخيص إلا بما جاءت به النصوص الشرعية، وعلى اعتبار القواعد الشرعية التي وضعها أهل العلم والمستنبطة من الأدلة الشرعية، أما أن يرخص للمستفتي من قبل رأيه وهواه دون الرجوع إلى ما جاءت به نصوص الشرع فلا يجوز، أما عن جانب مراعاة المفتي جانبَ الرحمة في فتواه فلا شك أن الرحمة مطلب شرعي في جميع الأمور، بل هذا كان هديَه ه في فتواه ونصوصُ السنة في ذلك كثيرة.

السؤال الثاني: في مسألة اختلاف العلماء كيف يجد المسلم نفسه من فتواهم، فمثلًا التصوير الفوتوغرافي بعض العلماء قال: يجوز، وبعضهم قال: لا يجوز حرام، وكل منهم له بينتُه فماذا يفعل المسلم في هذه الفتوى؟ وأيٍّا منهم يتبع خصوصًا إذا اقتنع بكلتا الفتوتَين؟

الإجابة على السؤال الثاني:

للإجابة على هذا السؤال نقول: سؤال نطرحه عليك إذا مرض المريض فذهب إلى طبيبين، كل منهما يصف له دواء غير الآخر، في هذه الحالة إلى من يرجع المريض؟ لاشك أنه يرجع إلى من يطمئن إليه قلبُه أنه هو الأعلمُ والأوثق لأنه ليس كل عالم يكون ثقة.

إذا كان هذا في أمر المرض العضوي فكيف لا يتحرى المسلم من يشفيه بعد إذن الله له بالشفاء من المرض المعنوي، وقد جاء في الحديث (شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ)([1]).

فالذي ينبغي على المسلم القيام به عند اختلاف عالمَين ينظر أيهما أوثق في نظره من حيث العلمُ ومن حيث الدين، ويأخذ بما يطمئن قلبه إليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ واطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ)([2])، ولا ينبغي له سؤال غيره، لكن إن لم يكن عنده طمأنينة ولا ترجيح فبعض العلماء قال: لك أن تأخذ بقول هذا، أو بقول هذا؛ فأنت مخيّر، وبعضهم قال: يأخذ بالأشد لأنه الأحوط، هذا إذا كان العالمانِ محلَّ ثقة واطمئنان عندك.

وهناك قول آخر: وهو أنك تأخذ بالأيسر لأنه هو المناسب لروح لشريعة الإسلام، لأن الشريعة مبناها على اليسر؛ فما دمنا أننا لا نعلم أن الدين أوجب هذا الشيء أو منع هذا الشيء فنحن في حِلٍّ.

السؤال الثالث: هل يمكن أن يجعل المسلم له أكثرَ من مُفتٍ بحيث يسأل أكثر من مفت أم يلزمه مفتيًا واحدًا بأن يتبعه؟ وماذا لو سأل مفتيًا آخرَ في نفس المسألة؟

الإجابة على السؤال الثالث:

ذكرنا في الإجابة على السؤال السابق نحوًا من الإجابة على هذا السؤال ولكن نقول: لا ينبغي للسائل أن يسأل أكثر من شخص إذا كان سؤاله من باب الاستفتاء لأنه يلزمه أن يعمل بفتوى من يجيبه، وعليه قبل أن يسأل أن يتحرى في سؤاله، فلا يسأل إلا من يثق بدينه وعلمه وتقاه وورعِه.

لكن لو كان السؤال من باب البحث والتعلم فلا إشكال في ذلك، وبهذا الجواب لا يرد الاختلاف لأننا نقول بأنه لا ينبغي أن يسأل إلا واحدًا، لكن لو قرأ الشخص جوابين لعالمين أو سمع ذلك من غير استفتاء منه فهنا يجوز له أن يأخذ بالأيسر والأحوط.

السؤال الرابع: ما السبب الذي يجعل البعض يفتي بغير علم؟ وما هي عقوبة ذلك في الدنيا والآخرة؟ وبمَ تنصحون أولئك المفتين بغير علم؟

الإجابة على السؤال الرابع:

كان السلف يتحرجون من الفتوى ويتدافعونها حتى إنهم تعرض عليهم في المجلس الواحد المسألة فيتدافعونها فترجع إلى الأول.

ولذا فمن أخطر الأمور وأعظمها جرمًا القول على الله بغير علم، وقد قرنه الله جل وعلا بالشرك فقال:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 33]، وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117].

ولذا فالناس حِيال هذا الأمر أربعةُ أصناف:

الأول: من رزق علمًا وعملًا، وهؤلاء هم الخيار، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

الثاني: من حُرم العلم والعمل وهؤلاء هم شر الدواب، وإن علموا شيئًا من ظاهر الحياة لكنهم في أبواب العلم والخير كالخُشب المسَنَّدة.

الثالث: من فتح له باب العلم وأغلق عنه باب العمل وهذا شر من الجاهل لأنه علم لم يزده إلا وبالًا.

الرابع: من رُزق العزيمةَ على العمل والطاعة واجتهد في هذا الباب وقلَّ نصيبه من العلم؛ فهذا خَليق أن يوفَّق بداع من دعاه.

وإذا لاحظنا مجالس الناس وجدنا الجرأة على هذا الأمر:

* فبعض العامة يستعجلون في أمور الشرع، ويقولون هذا جائز، هذا حرام، هذا بدعة، هذا ما عرفناه في حياتنا.

* بَعضُ الناس إذا أراد أن يستفتي عالمًا قال له فلان أو فلانة: هذا معروف، هذا حلال لماذا تسأل عنه.

* مَن عندهم شيء من العلم لكنهم حُرموا الورعَ والتروي؛ فهم أجرأ الناس على الفتيا وأكثرهم استعجالًا في التحليل والتحريم.

* بعض الشباب يتصدر المجلس وهو حدَث ويُسأل عن عشرات المسائل فلا يقول لا أدري أو الله أعلم، وقديمًا قيل: من ترك لا أدري أصيبت مقاتله، وإذا كان رسولنا ه سئل عن أشياء فلم يجب وانتظر الوحي من ربه فكيف بعامة الناس.

وإني أنصح هؤلاء الذين يفتون بغير علم ويقولون على الله الكذب أن يتقوا الله تعالى فيما يقولون، وأن يحذروا غضب الله تعالى وسخطه وأليم عذابه، وليتوبوا وليحسنوا فيما بقي من أعمارهم عسى الله أن يتجاوز عنهم.

السؤال الخامس: في رأيكم متى يصل طالب العلم إلى مرحلة الفتيا؟

الإجابة على السؤال الخامس:

وضع علماء أصول الفقه بابًا خاصًا به يسمى (باب المفتي والمستفتي)، بل أُلفت فيه كتب مستقلة تتناول فيه الشروط المعتبرة في المفتي والآداب المتعلقة بالمستفتي، وشروط الفتوى وغير ذلك، وللإجابة عن هذا السؤال نقول وبالله التوفيق: يجب على من يتصدر للفتوى الوصول إلى قدر معين من العلم الشرعي لكي يتمكن من الإفتاء والإجابة على استفسارات المستفتي، فينبغي أن يكون:

أولًا: عالمًا باللغة العربية: فإن شريعتنا عربية ولا تُفهم أصولها إلا من الكتاب والسنة، ولا نقول بأنه لا بد أن يكون غوّاصًا في بحور هذه اللغة، وإنما تكون عنده الأدلة التي من خلالها يتعرف على الاستنباط ومعرفة مراد المستفتي، وينبغي أن يكون أيضًا عارفًا بالنحو والإعراب لأنه قد تختلف باختلاف معاني الألفاظ ومقاصدها.

ثانيًا: ومما يُشترط أيضًا في المفتي أن يكون عالمًا بنصوص الكتاب والسنة التي لها تعلق بما يجتهد فيه من الأحكام، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة آيات الأحكام وتفسيرها والأحاديث التي تتعلق بها الأحكام.

لكن هل يشترط حفظ الآيات والأحاديث الخاصة بها؟

نقول إنه لا يشترط حفظها، بل يكفي معرفة مظانها في أبوابها لكي يراجعها وقت الحاجة إليها.

ومما يشترط أيضًا في معرفة الكتاب والسنة معرفة الناسخ والمنسوخ فيها، ومعرفة درجة الأحاديث من حيث الصحة والضعف والوضع، وهكذا.

ثالثًا: ومما يشترط فيه أيضًا أن يكون عالمًا بمسائل الإجماع حتى لا يفتي بما يخالف الإجماع، ولا يلزم أن يكون حافظًا لجميع مواقع الإجماع والخلاف بل يكفي أن يعلم أنه لم يخالف الإجماع فيما قاله.

رابعًا: أن يكون عالمًا بأصول الفقه وفروعه؛ فأصولُه أدلةُ الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة من هذه الأصول، وفروعه أي مسائله الجزئية، ونقول هنا أيضًا: بأنه لا يُشترط حفظُ جميع القواعد الفقهية والمسائل الفقهية المتعلقة بها، بل يكون حافظا جملة من هذه القواعد لكي يتمكن من الفتوى.

فهذه بعض الأمور التي ينبغي لطالب العلم أن يأخذ بها كي يتمكن من التصدر للفتيا، وإلا فالأمور كثيرة. أذكر أن بعض أهل العلم أوصلها إلى أربعين شرطًا يجب أن تتوفر في الإنسان ليكون مفتيًا، والله المستعان.

السؤال السادس: يُطلق بعض الناس – هداهم الله- على بعض مشائخنا مسمى مفتي السلطان أو المتساهل في أمور الدين ويقاطعونه، بل ويتعدَّوْنَ في ذلك عليه بالنميمة والغِيبة بسبب ذلك الظن؛ فما تعليقكم على ذلك؟ وما الواجب علينا تجاه علمائنا الأفاضل؟

الإجابة على السؤال السادس:

إن الله تعالى رفع قدر العلماء وأعلى مكانتهم وقرنهم مع ملائكته في الشهادة على التوحيد، فهم الأدِلاءُ على طريق الله، وهم سراج الأمة، وهم النجوم التي يهتدى بها، وهم الذَّابُّونَ عن شرع الله، بهم يهتدي الحائرون، ويتبين الطريق للسالكين؛ فكم من قتيل لإبليس أَحيوه، وكم من تائه هدوه، وكم من غريق أنقذوه، بهم تنجلي عن الأمة الهموم والغموم لأنهم يقفون كالجبال سدًا منيعًا وقت الأزمات والفتن.

ولذا فهم يُبلغون عن الله شرعَه، وهم الموقعون عن الله يبينون أخطر الأمور وأعظمَها وهي مسألة الحلال والحرام في كل مناحي الحياة.

ولذا ينبغي على من يتكلمون في حق العلماء أن يتقوا الله وليعلموا أن الطعن في العلماء هو طعن في الحقيقة للوحيين الكتابِ والسنة رضِي الطاعن أم أبى.

ثم نقول لهؤلاء الطاعنين كيف سلِمَ منكم من طعن في الشريعة من أهل العلمنة والزندقة وأهل النفاق والشقاق، ولم يسلم منكم من ذبَّ عنها من أهل العلم والفضل، ومن هنا كان التشديد من قبل السلف عن النهي في طعن أهل العلم والفضل.

قال الإمام مالك: “حقٌ على العاقل ألا يستخف بثلاثة: العلماء، والسلاطين، والإخوانِ، فإنه من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته”.

وقال بعضهم: “إن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومةٌ، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم”.

فالحذرَ الحذرَ منَ الاستهزاء بالعلماء والطعن فيهم، والحذر من غِيبتهم، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.

السؤال السابع: في الحديث الشريف: (من تتبع رخص العلماء فقد تزندق) فما معنى ذلك؟ وما الواجب في اتباع العلماء؟

الإجابة على السؤال السابع:

هذا ليس بحديث وإنما هو قول مأثور عن بعض السلف، والمأثور عن الأوزاعي رحمه الله قوله: “من أخذ بنوادر العلم خرج من الإسلام”([3])، وهو قول وجيه لأنه مهما بلغ الإنسان في العلم فإنه ليس بمعصوم، فقد يصدر من بعض العلماء قول مخالف لبعض نصوص الكتاب والسنة، أو يكون هذا القول مبني على اجتهاد ورأي منه، وبهذا القول يخالف النصوصَ الشرعيةَ دون تعمد منه للمخالفة، وإنما لأمور ذكرها أهل العلم لشيخ الإسلام في رسالته المرموقة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) فقد ذكر فيها رحمه الله أسبابَ اختلاف العلماء.

فالمهم المطلوبُ من المسلم ألا يتتبع سَقطاتِ العلماء؛ فإنه إذا تتبع زلَّة كل عالم لم يبق له في دينه شيء، ومن هنا حذَّر السلف من تتبع زلات العلماء لأن ذلك في الحقيقة يوصل الإنسان إلى الزندقة.

والواجب على المسلم أن يأخذ الحق بدليله وألا يتتبع أحدا من العلماء إلا من حيث أنه متوجه نحو الشريعة، قائم بحجتها، حاكم بأحكامها جملة وتفصيلًا، وأنه متى وجد متوجهًا غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكمًا، ولا استقام أن يكون مقتدى به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة، هذا هو المطلوب من المسلم في اتباع العلماء.

السؤال الثامن: ما هي شروط الاستفتاء؟

الإجابة على السؤال الثامن:

على المستفتي أن يحذر التصدر، وألا يتتبع الرخص، وألا يسيء الأدب، وألا يعرض المسائل الشاذة، ومن الشروط أيضًا:

أ – ينبغي للسائل أن يلطف بالسؤال ويرفق بالمفتي ولا يسأله في حالة ضجر أو ملل أو غضب لئلا يتصور خلاف الحق مع تشويش الذهن.

ب – ينبغي للسائل ألا يتكلف المسائل والأغاليط، ولذا قال بعض التابعين حينما سئل عن مسألة فيها أغاليط: (أمسكها حتى تسأل عنها أخاك إبليس)([4]).

وقد سُئل الإمام مالك عن رجل دهس دجاجة ميتة بقدمه فأخرجت بيضة فخرج منها فرخ أيأكله أم لا؟ فقال مالك: “سل عما يكون ودع ما لا يكون”، ومنه أن شخصًا سأل الشعبي عنِ امرأة إبليس ما اسمها؟ فقال: “ذاك عرس ما شهدته”([5]).

ومن سوء الأدب من بعض المستفتين أن يقول للمفتي: ما دليلك على هذا وهو لا يفقه شيئًا.

السؤال التاسع: لقد حصل من بعض الناس أن قال: لا أذهب إلى المفتي الفلاني بسبب أنه متشدد في الفتوى، فما ردكم على ذلك؟

الإجابة على السؤال التاسع:

إذا كانت هذه الفتوى التي يريد أن يسأل عنها معلومة واضحة بأدلة الكتاب والسنة على أنها محرمة أو مكروهة؛ فإن الواجب على المستفتي ألا يذهب إلى من هو مشهور بالتساهل في فتواه، وإن أفتاه بما يخالف نصوص الشريعة فهذا لا يخرجه عن الإثم إن وقع في المخالفة، وذلك بسبب إعراضه عمن يفتي بما يوافق نصوص الشريعة، وهذا أمر معلوم ومُشاهَد ولا حول ولا قوة إلا بالله فبعض الناس يذهبون إلى من يتساهل في فتواه ويسأله فيجيبه بما يخالف النصوص الشرعية ويعمل بهذه الفتوى التي وافقت هواه ويقول: هو أجابني والعهدة عليه، وهذا خطأ بل كلاهما عليه إثم في ذلك.

أما إذا كانت المسألة التي يريد أن يسأل عنها ما يسع الخلاف فيه بين العلماء فبعضهم يشدد فيها، وبعضهم يتسامح فيها؛ فللمستفتي الخيار في اختيار من يفتيه وإن كان الأولى والأحوط أن يأخذ بما تبرأ به الذمة، هذا هو الأولى والأحوط في حقه.

السؤال العاشر: نود من فضيلتكم كلمةً أخيرة حول فضل العلماء ومعاملتهم؟

الإجابة على السؤال العاشر:

قد ذكرنا من قبل بعضًا من فضائل العلماء الربانيين في إجابة السؤال السادس، ونزيد على ذلك فنقول: لقد جاءت نصوص الكتاب والسنة في بيان فضل العلماء وهذه النصوص معروفة معلومة لكن الذي أذكره طرفًا مما قاله السلف رضوان الله عليهم في فضل العلماء.

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة”([6]).

وقال سفيان بن عينية رحمه الله: “أرفع الناس عند الله منزلة من كان بين الله وعباده هم الأنبياء والعلماء”([7]).

وقال سهل التستري رحمه الله: “من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء، فاعرفوا لهم ذلك”([8]).

وقال أبو مسلم الخولاني رحمه الله: “العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء، إذا بدت للناس اهتدوا بها، وإن خفيت عليهم تحيروا”([9]).

وأختم بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فيجب على المسلمين بعد موالاة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن خصوصًا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم”([10]).

أسأل الله تعالى أن يهدينا وإخوانَنا صراطَه المستقيمَ، وأن ينفعنا وإياهم بما نقول ونسمع إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])    أخرجه أبو داود (1/93، رقم 336)، وابن ماجه (1/190، رقم 572)، وحسنه الألباني.

([2])    أخرجه أحمد (4/228، رقم 18035).

([3]) تذكرة الحفاظ (1/185).

([4]) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 74).

([5]) سير أعلام النبلاء ( 4/294).

([6]) أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/79)، وابن عساكر (50/254).

([7]) صفة الصفوة (1/ 425).

([8]) صفة الصفوة (2/ 273).

([9]) المجموع شرح المهذب (1/ 19)

([10]) رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص 11).