102 – الدعاء المقيد في ضوء الكتاب والسنة

الخميس 20 رجب 1445هـ 1-2-2024م

 

102 –  الدعاء المقيد في ضوء الكتاب والسنة pdf

 

 

  

الدعاء المقيد

في ضوء الكتاب والسنة

 

تأليف

أ. د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

عضو الإفتاء بالقصيم

والأستاذ بكلية التربية بالزلفي – جامعة المجمعة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله غ، أما بعد:

فإن من عظيم خلق الله ـ لعباده أنه لم يخلقهم سدى، ولم يتركهم هملًا، بل خلقهم جَلَّ في علاه لغاية عظيمة ألاَ وهي: عبادته سبحانه، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36]،أي أن يترك هملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يتعبد بعبادة([1]).

ومن أعظم ما أمر الله تعالى عباده أن يتعبدوا له به هو الدعاء قال اللَّه تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]، وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].

وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].

والخلق جميعًا مفطورون على الاحتياج إلى الله تعالى والافتقار إليه افتقارًا ذاتيًا كاملًا وشاملًا، فهم محتاجون إلى الله تعالى من جهة كونه ربهم يستعينون به على جلب منافعهم ودفع المضار عنهم، كما أنهم محتاجون إليه من جهة كونه معبودهم وإلههم الذي تُؤلهه قلوبهم محبةً ورجاءً وخوفًا وتعظيمًا، فهم لا يستغنون عن الله في لحظة من لحظاتهم في حركاتهم وسكناتهم، وهم وإن غفلوا عن هذا في وقت الرخاء إلا أنهم سرعان ما يرجعون إلى الفطرة إذا داهمتهم المدلهمات، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ..} [الإسراء:67].

ولما كان الدعاء أساس العبادة وسر قوتها وروح قوامها، لأن الداعي إنما يدعو الله وهو عالم يقينًا أنه لا أحد يستطيع أن يجلب له خيرًا أو يدفع عنه ضرًا إلا الله جَلَّ وعَلاَ، وهذه هي حقيقة التوحيد والإخلاص، ولا عبادة أعظم منهما. فقد جاءت هذه الرسالة الموسومة بـ (الدُّعَاء المُقَيَّد في ضوء الكتاب والسنة) لبيان أحد أنواع الدعاء وهو الدعاء المقيد الذي جاءت نصوص الشرع بتقييده بزمان أو مكان أو أحوال يحتاج فيها الداعي إلى ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة لكي يدعو بها في هذا المكان وهذا الزمان وتلك الحال، وهي إشارات سريعة في هذا الموضوع الحيوي العملي الذي يحتاج إليه كل مسلم.

ولا يفوتني أن أشكر الأخوين الفاضلين (الذين رفضا أن أفصح عن اسميهما) حيث أشارا عليَّ بتأليف هذه الرسالة وتابعاها وتوليا طباعتها فجزاهما الله عني خير الجزاء وجعل ذلك بركة في عمرهما وعملهما ورزقهما وزوجهما وذريتهما وغفر لهما ولوالديهما وجميع المسلمين.

كما أسأله سبحانه أن ينفع بهذه الرسالة وأن يجعلها من المدخرات في الحياة وبعد الممات وعند العرض على رب البريات إنه سميع قريب مجيب الدعوات.

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

                                                                                                                    كتبه

                                                                                          أ. د / عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                                     الزلفي  15/ 9/ 1437هـ

 

المطلب الأول

تعريف الدعاء لغة واصطلاحًا

الدعاء لغة:

الطلب والابتهال: يُقال: دعوتُ الله أدعوه دعاءً: ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير([2])، ودعا الله: طلب منه الخير، ورجاه منه، ودعا لفلان: طلب الخير له، ودعا على فلان: طلب له الشر([3]).

والدعاء: سؤال العبد ربه على وجه الابتهال، وقد يطلق على التقديس، والتحميد ونحوهما([4]).

والدعاء في الاصطلاح:

استدعاء العبد ربه ﻷ العناية، واستمداده إياه المعونة. وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة. وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل وإضافة الجود والكرم إليه([5]). أو هو التضرع إلى الله والافتقار إليه بطلب تحقيق المطلوب أو دفع المكروه بصيغ السؤال والخبر([6]).

ومعنى قوله: (بصيغ السؤال والخبر) لأن الدعاء تارة يكون بصيغة الطلب والسؤال، وتارة يكون بصيغة الخبر كدعاء زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم:4] وكقوله تعالى عن أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] ([7]).

 

المطلب الثاني

فضائل الدعاء

جاء في فضل الدعاء آيات وأحاديث كثيرة، منها:

قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [ غافر:60].

وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]. وقال تبارك وتعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر:14]، وقال عز وجل: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر:65].

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ)، وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]([8]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ)([9]).

وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ)([10]).

وتتلخص فضائل الدعاء فيما يأتي:

1 -أنه أعظم العبادة وأشرفها وأحبها إلى الله.

2 -أنه من أسباب خلق الله سبحانه للعباد على هذه البسيطة.

3 -أنه سبب محبة الله للعبد وقربه منه وإجابة دعائه.

4 -أن ترك الدعاء والإعراض عنه سبب يوجب غضب الله ومقته.

5 -الدعاء سبب لرفع العذاب، وتركه سبب يستدعي نزوله ([11]).

 

المطلب الثالث

أهمية الدعاء

ومنزلته في الشريعة

يعد الدعاء من أكثر العبادات سموًا في الدين الإسلامي، و هو إحدى وسائل الخطاب، والمناجاة بين العبد وربه، حيث يشعر الداعي لربه بتغذية روحه، ونقاء سريرته، وصفاء قلبه، وطهارة جوارحه، ودواء من الاعتلالات الروحية، والنفسية، وبه يقوى الإيمان، ويزداد التفاؤل، ويتخلص الإنسان من كل آثار اليأس.

وتتلخص أهمية الدعاء فيما يأتي:

أولًا: استعانة الانسان الضعيف، برب العباد القوي المتين، فالإنسان دائمًا بأمس الحاجة لله ﻷ ما دام معترفًا بأُلوهيته وربوبيته.

ثانيًا: يعد الدعاء من العبادات العظيمة، وأكثر الطاعات قربًا لله تعالى، فالله عز وجل لا يرد دعوة داع، ولا حاجة ملهوف.

ثالثًا: يعمل الدعاء على تقوية الصلة بين العبد وربه، حيث لا وسيط بينهما.

رابعًا: يعمل الدعاء على إراحة الإنسان في قلبه، وسريرته، وتفكيره، وكل ذلك يتجلى، ويظهر على سلوك الإنسان، شيئًا فشيئًا.

خامسًا: تفتح أبواب الفرج، والانفراج من الكروب، والهموم، حين الدعاء.

سادسًا: يرزق الإنسان، بما يتمنى، وما يريد، ويختار الله الأفضل له دائمًا.

سابعًا: الدعاء يرد القدر، حيث يمكن أن يتغير قدر مكتوب، لشخص ما، في زمان، ومكان ما، بحيث يدفع البلاء، ويشفى الداء، ويستقيم الفرد تحت طاعة الله، ويعمل على اجتناب المعاصي، والابتعاد عن المنكرات، وييسر له سلوك طريق الهداية، والإيمان أكثر فأكثر. قال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ)([12]).

ثامنًا: الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل.

 

المطلب الرابع

آثار الدعاء

الدعاء عبادة، وله أثر بالغ وفائدة عظيمة، ولولا ذلك لم يأمرنا الحق ﻷ بالدعاء ولم يُرغِّب النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فكم رُفعت محنة بالدعاء، وكم من مصيبة أو كارثة كشفها الله بالدعاء. وللدعاء آثار عاجلة وآثار آجلة.

أولًا: الآثار العاجلة:

1 -يستدعي حضور القلب مع الله:

وذلك لأن الغالب على الخلق أنه لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض فالحاجة تحوج إلى الدعاء والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والاستكانة، فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات ولذلك صار البلاء موكلًا بالأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل ويمنع من نسيانه.

2 -الدعاء يهذب النفس:

الدعاء من أهم العوامل التي تسهم في بناء الإنسان المؤمن، لما فيه من العبودية المطلقة للواحد الأحد، والتي تكسب الداعي النقاء والصفاء وخشوع القلب ورقته، وتصنع منه ذاتًا متواضعة لله تعالى.

3 -الدعاء تلقين لأصول العقيدة:

وذلك لما تشتمل عليه الأدعية من توحيد الخالق وصفاته ومشيئته وإرادته وعلمه وقضائه وقدره، فتثبت في الداعي أصول العقيدة في الروح، وتعمّق إحساسها بخالقها جلَّ وعلا، حينما يجد المؤمن ربه قريبًا فيناجيه، ومحيطًا به فيدعوه، ويجد نفسه محتاجًا إليه فيعطيه.

4 -الدعاء سلاح المؤمن:

الدعاء سلاح المؤمن، وهو أظهر مظاهر العبادة، به يستنزل العبد أسباب النصر، ويستمد أسباب القوة، وبه يرتبط العبد بخالقه، وهو سبب لرفع كثير من البلاء.

ثانيًا: الآثار الآجلة:

1 -الدعاء مفتاح الحاجات:

الدعاء باب مفتوح للعبد إلى ربّه سبحانه، يلتمس من خلاله كل ما يحتاجه في دنياه من صحة الأبدان وسعة الأرزاق والخلاص من البلاء والنصر على الأعداء.

2 -الدعاء شفاء من كلِّ داء:

الدعاء شفاء من كلِّ داء، ومن أوكد الأسباب في إزالة الأمراض المستعصية لا سيَّما الأمراض النفسية الشائعة في زماننا هذا، وقد أكدت البحوث الطبية أنّ الطب الروحي من أهم الأسباب في تخفيف مثل هذه الأمراض وإزالتها، والدعاء يقف على رأس مفردات الطب الروحي والعلاج النفسي، باعتباره وصفةً طبيَّةً روحيَّةً مقرونةً بالرحمة والشفاء للمؤمنين، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82].

3 – الدعاء إدخار وذخيرة:

من آثار الدعاء إذا واظب عليه العبد في حال الرخاء أنّه يكون له ذخيرة لاستخراج الحوائج في البلاء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ)([13])، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ…) ([14]).

 

المطلب الخامس

آداب الدعاء وأسباب اجابته

1-كون الداعي من أهل التوحيد:

أي أن يكون الداعي موحدًا لله تعالى ممتلئًا قلبه بالتوحيد، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

2- الإخلاص لله تعالى في الدعاء:

وهو من أعظم الشروط وأهمها في إجابة الدعاء، لأن الإخلاص هو الذي تدور عليه دوائر الإجابة قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البيِّنة:5]، فالدعاء كأي عبادة لا بد لقبولها أن تكون خالصة لله ﻷ فليس للإنسان إلا الله وحده هو القادر على إجابة الدعاء فلا يجلب له النفع إلا الله وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].

3- أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى:

فإن أشرف الوسائل وأعلاها وأقواها فيما يتقرب به العبد إلى الله أن يتوسل إليه بأسمائه الحسنى، وقد أمرنا الله في كتابه أن ندعوه بها فقال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180].

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن للهِ تِسْعَة وَتِسْعِين اسْمَا مِائة إلا وَاحِدًا مَنْ أحْصَاهَا دَخَل الجنة)([15]).

وقد ذكر ابن القيم أن مراتب إحصاء الأسماء الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.

المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها.

المرتبة الثالثة: دعاؤه بها ([16]).

4-الثناء على الله تعالى قبل الدعاء:

والمقصود بتمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء: هو البداءة بحمد الله تعالى وشكره، وذكر بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى، والاعتراف بين يديه ـ بالذل والفقر إليه، لتكون هذه الكلمات تمهيدًا لسؤاله عز وجل، فهو سبحانه يحب من عبده التذلل إليه، والاعتراف بعظيم نعمه وجليل فضله، فإذا قدم العبد صدق التذلل، ثم أتبعه بصدق الدعاء والمسألة، كان ذلك أدعى لإجابة الدعاء.

فعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ)([17])، وفي رواية له: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ). قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ)([18]).

5-الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

 عن عليٍّ رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتَّى يُصلَّى على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم )([19]). قال النووي رحمه الله: “أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة مرفوعة” ([20]).

والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لها ثلاث مراتب:

إحداها: أن يُصلى عليه قبل الدعاء، وبعد حمد الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ)([21]).

والمرتبة الثانية: أن يُصلى عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره.

والمرتبة الثالثة: أن يصلى عليه في أوله وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما ([22]).

6-استقبال القبلة:

استقبال القبلة من الآداب العظيمة في الدعاء، والقبلة التي هي الجهة الفاضلة التي يتوجه إليها، وهي قبلة الصلاة، فكذلك هي قبلة الدعاء، فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ)، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ([23]).

ولكن استقبال القبلة ليس شرطًا في الدعاء، وقد لا يتهيأ دائمًا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء دعا على المنبر وهو مستدبرًا القبلة مستقبلًا الناس، فإذا تيسر فهو أحسن وأفضل.

7-رفع اليدين عند الدعاء:

فيستحب رفع اليدين عند الدعاء، وهي من علامات الافتقار إلى الله عز وجل، وهذا قد ثبت في نحو من مائة حديث، فهو من الأمور المتواترة، فَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)([24]).

ويكون باطن الكف إلى السماء على صفة الطالب المتذلل الفقير المنتظر أن يُعْطَى فعن مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا)([25]).

* هل رفع اليدين مشروع في كل دعاء؟

الجواب: رفع اليدين في كل دعاء على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما ورد فيه رفع اليدين. مثاله إذا دعا الخطيب باستسقاء، أو استصحاء فإنه يرفع يديه والمأمومون كذلك لما رواه البخاري في حديث أنس رضي الله عنه في قصّة الأعرابي الذي طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة أن يستسقي فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون([26]).

ومما جاء في السنة رفع اليدين في القنوت في النوازل أو في الوتر. وكذلك رفع اليدين على الصفا وعلى المروة، وفي عرفة، وما أشبه ذلك فالأمر فيها واضح.

القسم الثاني: ما ورد فيه عدم الرفع. كالدعاء حال خطبة الجمعة في غير الاستسقاء والاستصحاء، فلو دعا الخطيب للمؤمنين والمؤمنات أو لنصر المجاهدين في خطبة الجمعة فإنه لا يرفع يديه، ولو رفعهما لأنكر عليه، ففي صحيح مسلم عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعًا يديه فقال: “قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد أن يقول بيده هكذا. وأشار بإصبعه المسبحة”([27])، وكذلك رفع اليدين في دعاء الصلاة كالدعاء بين السجدتين، والدعاء بعد التشهّد الأخير، وما أشبه ذلك، هذا أيضًا أمره ظاهر.

القسم الثالث: مالم يرد فيه شيء: فالأصل الرّفع لأنه من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيْمٌ يَسْتَحْيِيْ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهَ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرَا)([28]).

لكن هناك أحوال قد يُرَجَّحُ فيها عدم الرّفع وإن لم يرد كالدعاء بين الخطبتين مثلًا، فهنا لا نعلم أن الصحابة كانوا يدعون فيرفعون أيديهم بين الخطبتين، فرفع اليدين في هذه الحال محلّ نظر، فمن رفع على أن الأصل في الدعاء رفع اليدين فلا يُنْكَرُ عليه، ومن لم يرفع بناءً على أن هذا ظاهر عمل الصحابة فلا ينكر عليه، فالأمر في هذا إن شاء الله واسع([29]).

* وهل يضم يديه عند رفعهما أو يجعل بينهما فرجة؟

نص شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: أنها تكون مضمومة. ونص كلامه : “وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلًا لا في السنة ولا في كلام العلماء”([30]).

* وهل يمسح وجهه عقب الدعاء؟

 أما أحاديث مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء فإن طرقها كلها ضعيفة جدًا، كما أشار عدد من أهل العلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء: فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة، وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث، أو حديثان، لا يقوم بهما حجة”([31]).

8-اليقين بإجابة الله تعالى، وحضور القلب:

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ)([32]).

ومعنى (موقنون بالإجابة)، أي: جازمون بأنَّ الله تعالى سيتقبَّل دُعاءكم، ويحقِّق مرادكم، وهذا من إحسان الظنِّ بالله تعالى. وفي الصحيحين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي)([33])، وفي رواية أحمد: (إن ظنَّ بي خيرًا فله، وإن ظنَّ شرًّا فله)([34])، وفي رواية: (فليظنَّ بي ما شاء)([35]).

وفي الصحيحيْن عن أبي هُريْرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقُلْ أحدُكُم: اللَّهُمَّ اغفِرْ لي إن شئت، اللَّهُمَّ ارْحمني إن شئت، ليعزِمِ المسألة، فإنَّ الله لا مُكْرِه له)([36]).

قال القرطبي: “قيل: معناه: ظنّ الإجابة عند الدعاء، وظنّ القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن قبول الأعمال عند فعلِها على شروطها، تمسُّكًا بصادق وعْده، وجزيل فضلِه، قلت: ويؤيدهُ قولُه صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ)([37])، وكذلك ينبغي للتَّائب والمستغفر، وللعامل أن يَجتهد في القيام بِما عليه من ذلك، موقنًا أنَّ الله تعالى يقبل عملَه، ويغفِر ذنبه، فإنَّ الله تعالى قد وعد بقبول التَّوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، فأمَّا لو عمل هذه الأعمال، وهو يعتقد أو يظنُّ أنَّ الله تعالى لا يقبلُها، وأنَّها لا تنفعُه فذلك هو القنوط من رحْمة الله، واليأس من رَوْح الله، وهو من أعظمِ الكبائر، ومَن مات على ذلك، وصل إلى ما ظنَّ منه”([38]).

فالحاصل أنه لا بد من اليقين بأن الله تعالى سيستجيب له مع حضور القلب، وإحْسان الظنِّ بالله تعالى، كما وعد هو سبحانه بذلك بقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60]، وقوله أيضًا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186]، جزم في مسألته، وليحقق رغبته، ويتيقَّن الإجابة، فإنَّه إذا فعل ذلك دلَّ على عِلْمه بعظيم ما يطلب من المغفرة والرحمة.

9-الإكثار من المسألة:

فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة، والإلحاح في الدعاء، وعدم استعجال الاستجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ)([39]).

10-التضرع والخشوع والرغبة والرهبة:

فالتضرع هو دعاء الله وسؤاله بذل وخشوع وإظهار للفقر والمسكنة، وهذه الحالة يحبها ربنا ويرضاها، بل أمر عباده بها: قال الله تعالى قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [ الأعراف: 55]، وقال: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]، وقال: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].

11-تكرار الدعاء ثلاثًا:

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استحباب تكرار الدعاء ثلاثًا، وذلك في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا)([40])، وأصله في البخاري أيضًا.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا)([41]).

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: “تكرار الدعاء أمر مطلوب، كلما كرر الإنسان الدعاء كان ذلك أفضل، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثا، هذا في غالب الأحيان، وعلى هذا فتكرار الدعاء لا بأس به، لأن الدعاء عبادة لله ﻷ، وليعلم أن الداعي بصدق وإخلاص لا بد أن يغنم: إما أن يستجيب الله تعالى له ما أراد، وإما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخر له الأجر يوم القيامة، لأن الدعاء عبادة، فلا بد فيه من خير”([42]) انتهى.

فائدة: حكم الزيادة عن تكرار الدعاء بأكثر من ثلاث:

الغالب من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكرر الدعاء ثلاث مرات، وإن كان قد ثبت عنه أنه دعا مرَّةً خمس مرات، وذلك حين دعا بالبركة لقبيلة أحمس، كما في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، قال: (بَرَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّات)([43]).

وكذلك ورد تكرار الدعاء سبع مرات في أكثر من حديث، منها ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ إِلا قَالَتِ النَّارُ: يَا رَبِّ! إِنَّ عَبْدَكَ فُلانًا قَدِ اسْتَجَارَكَ مِنِّي فَأَجِرْهُ. وَلا يَسْأَلُ اللهَ عَبْدٌ الْجَنَّةَ فِي يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلا قَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ! إِنَّ عَبْدَكَ فُلانًا سَأَلَنِي فَأَدْخِلْهُ)([44]).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ. إِلَّا عَافَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ)([45]).

فالحاصل: أن السنة في تكرار الدعاء أن يكون ثلاث مرات، ومن زاد على ذلك أحيانًا فلا حرج عليه، كما أن من اقتصر على الدعاء مرة واحدة لا حرج عليه.

12-إطابة المأكل والملبس:

وهذه والله هي قاصمة الظهر، التي لا يكاد يسلم منها أحد في هذه الأزمان، نظرًا لانغماس الناس في الملذات، وإقبالهم المتزايد على الدنيا وطلبها، وتساهلهم في ملبسهم وما دخل أجوافهم من المأكول والمشروب، وكثرة المعاملات المحرَّمة، والمآكل القادمة من بلاد الكفر المشكوك في حلها، وتساهُل الناس فيها، وفيها ما فيها من الشبهات.

كل هذه وأمثالها: نخشى أن تكون هي الحاجز الذي يحجز الدعاء عن أسباب الإجابة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]، وَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)([46]).

13- إخفاء الدعاء وعدم الجهر به:

قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، وأثنى الله تعالى على عبده زكريا عليه السلام بقوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم:3]، إلا إذا كان يُؤمَّن عليه مثل دعاء القنوت، ودعاء الخطبة، هذا يؤمن عليه يرفع صوته حتى يسمع الناس، أما الدعاء بينه وبين ربه فالسنة أن يخافت به.

14-الصدق مع الله:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].

وعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: (مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)([47]).

قال المناوي رحمه الله: “قيد السؤال بالصدق، لأنه معيار الأعمال، ومفتاح بركاتها وبه ترجى ثمراتها (بلَّغه الله منازل الشهداء): مجازاة له على صدق الطلب”([48]).

فمن أراد النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة بإذن الله، فعليه بالصدق مع الله جل جلاله بقلبه وعمله، قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:21].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره…. ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره”([49]).

15 -الاستجابة لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيق الإيمان:

لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

16 – التقرُّب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض:

قال تعالى عن أنبيائه ورسله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَربِ، وَمَا تَقَرَّبَ إَلِىَّ عَبْدِي بِشْيءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَ بي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدّدتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)([50])وفي رواية عند البزار في مسنده: (وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ دَعَانِي لَأُجِيبَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)([51]).

17 – كثرة ذكر الله:

ذِكرُ اللّه خير الأعمال وأزكاها عند اللّه تعالى، وهو أيسر العبادات، وأثقلها في الميزان، وأرفعها في الدرجات، وأنجاها للمرء من العذاب، وكثرة ذكر اللّه علامة الإيمان، وقلة ذكره تعالى علامة من علامات النفاق.

وذكر الله يرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويزيل الهمّ، ويجلب الفرح، ويذهب السيّئات، وهو سبيل الفلاح، وبه تحصل الطمأنينة للقلب، ومجالس الذكر مجالس الملائكة، تحفّها بأجنحتها، وتتنزّل فيها السكينة، وتغشاها الرحمة، ويذكر الله تعالى أهلها فيمن عنده. قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35] .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (ثَلاثَةٌ لا يَردُّ اللهُ دُعَاءَهُمْ: الذَّاكر الله كَثِيرًا، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَالإِمَامُ الْمُقْسِط)([52]). والمقسط هو العادل.

18 – الدعاء باسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى وصفاته العلى:

قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: سَمِعَ رَجُلًا يدعو وهو يقول: اللهمَّ إِني أسألُكَ بأني أَشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ، لا إلهَ إلا أنتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُوًا أحَدٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ)([53]).

19 – التوسُّل إلى الله تعالى بأنواع التوسُّل المشروعة ومن ذلك:

1-التوسُّل إلى الله ـ بالإيمان به، وبوحيه، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم واتِّباعه: قال تعالى عن المؤمنين: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}[آل عمران:53].

2-التوسُّل بأسماء الله تعالى وصفاته، لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180].

3-التوسُّل بدعاء الرجل الصالح أو المرأة الصالحة (الحاضر الحي): قال تعالى عن أبناء يعقوب عليه السلام لأبيهم بعد ما فعلوه بيوسف عليه السلام: { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}  [يوسف: 97، 98].

 

المطلب السادس

التحذير من الأدعية المبتدعة

الدعاء من أجلّ العبادات وأفضل القربات، به يكشف الله الضر، ويجيب المضطر، ويرفع البلاء، ويقضي الحاجات، ويعين على الطاعات، ولذلك كان دعاء غير الله عز وجل من الشرك الأكبر، حيث صرف صاحبه العبادة لغير الله.

وحيث كان الدعاء هو العبادة وجب أن يتأدب الداعي بأدب العبودية لله في دعائه، ومن جملة تلك الآداب أن لا يعتدي فيه، فإن الله لا يحب المعتدين. فعَنْ أَبِي نَعَامَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ، عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، سَلِ اللهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ)([54]).

قال ابن حجر رحمه الله: “والاعتداء في الدعاء يقع بزيادة الرفع فوق الحاجة أو بطلب ما يستحيل حصوله شرعا أو بطلب معصية أو يدعو بما لم يؤثر خصوصا ما وردت كراهته كالسجع المتكلف وترك المأمور”([55]).

قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله: في معنى الاعتداء في الدعاء: “هو أن يدعو بغير دعاء شرعي فهذا اعتداء، كونه يرفع صوته في غير محل الرفع، والمطلوب منه السر، أو يتوسل بأشياء غير مشروعة، أو يدعو على من لا يستحق الدعاء، فهذا كله اعتداء، ولهذا في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو دَعْوَةً لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يُؤَخِّرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا قَالُوا إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللهُ أَكْثَرُ)، فكونه يعتدي يقول: اللهم اقتل فلانًا بغير حق، أو اللهم أهلك فلانًا بغير حق، أو اللهم أتلف ماله أو أعمِ بصره، أو كذا أو كذا مما يضره بغير حق، هذا اعتداء، أو يدعو على أرحامه أو على أخيه أو على قريبه بغير حق، أو على خاله أو على عمه أو على أبيه بغير حق، فهذا فيه قطيعة رحم، فلا يجوز، وهذا من الاعتداء أيضًا. ومن الاعتداء عند بعض أهل العلم أن يجهر في محل لا يجهر فيه بالجهر، كونه يجهر في الدعاء مثل السجود أو بين السجدتين أو في آخر التحيات يشوش به على الناس، يكون الدعاء بينه وبين ربه هذا هو الأفضل، والجهر به في هذه الأحوال يُخشى أن يكون من الاعتداء….” ([56]).

ومن الاعتداء فيه أن يتعهد دعاءً مخترعًا يدعو به، ويجعله وردًا له، يلازمه ملازمة الأوراد الشرعية، فيؤدي به إلى ترك السنة، وهجر أدعية الكتاب، بقدر ما أخذ وانشغل به من الأدعية المخترعة.

وكثيرًا ما نجد من هؤلاء من يتعهد دعاءً حفظه عن شيخه، أو قرأه في كتاب فاستحسنه، فهجر به الدعاء المأثور، ورغب عن أدعية الكتاب والسنة إلى دعاءٍ مُحدثٍ مخترع.

قال ابن القيم رحمه الله: “ومن الاعتداء في الدعاء أن تعبده بما لم يشرعه، وتثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولا أذن فيه، فإن هذا اعتداء في دعاء الثناء والعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب”([57]). انتهى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرمًا وقد يكون مكروهًا وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس، وهي جملة يطول تفصيلها.

وليس لأحد أن يسن للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانًا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به… وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه. ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد”([58]). انتهى.

وقال القاضي عياض رحمه الله: “أذن الله في دعائه، وعلَّم الدعاءَ في كتابه لخليقته، وعلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاءَ لأمَّته، واجتمعت فيه ثلاثةُ أشياء: العلمُ بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمَّة، فلا ينبغي لأحدٍ أن يعدلَ عن دعائه صلى الله عليه وسلم ، وقد احتال الشيطانُ للناس من هذا المقام، فقيَّض لهم قومَ سوء يخترعون لهم أدعيةً يشتغلون بها عن الاقتداء بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم”([59]). انتهى.

وقال القرطبي رحمه الله: “فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه، ولا يقول أختار كذا، فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون”([60]). انتهى.

 

المطلب السابع

أنواع الدعاء

كل دعاء ورد في كتاب الله تعالى، وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فإنه يتناول نوعين اثنين: دعاء العبادة، ودعاء المسألة: فإن الدعاء في القرآن يُراد به هذا تارة، وهذا تارة، ويُراد به مجموعهما. قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: “كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله تعالى، والثناء على الداعين يتناول: دعاء المسألة، ودعاء العبادة، وهذه قاعدة نافعة، فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة، دعاء المسألة فقط، ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء”([61]).

وكلٌّ من نوعي الدعاء متلازمان، فإذا أريد به المسألة والطلب يدل على العبادة بطريق التضمن، لأن الداعي دعاء المسألة عابد للَّه تعالى بسؤاله، ورغبته، والتضرع إليه، والابتهال إليه، والانطراح بين يديه، وهو يرجو قبول دعوته، وقضاء حاجته، وهو مع ذلك خائف من طرده، وعدم قبول دعوته، فهذا هو لبُّ العبادة، ومخّها، وروحها، وحقيقتها، فالآيات التي ورد فيها الدعاء مرادًا به دعاء المسألة، تدل هذه الآيات بطريق التضمن على دعاء العبادة، وأما إذا أريد بالدعاء دعاء العبادة، فإنه يدل على دعاء المسألة بطريق دلالة الالتزام، وذلك لأن العابد للَّه تعالى كالذي يذكر الله تعالى مثلًا، فهو في الحقيقة سائل للَّه تعالى، يسأله الفوز بالجنة، والنجاة من النار، فإنه يعبد الله تعالى خوفًا من عقابه، وطمعًا في رحمته، ولا يخلو العابد في قرارة نفسه من الخوف والرجاء، ولهذا فالعبادة تستلزم السؤال والطلب، فإذا أريد من الدعاء دعاء العبادة، فإنه يدل على دعاء المسألة استلزامًا.

 

المطلب الثامن

هل هناك علاقة بين الذكر والدعاء؟

الجواب: نعم. لقد ورد في أحاديث اشتمال الذكر على الدعاء كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ عِنْدَ الكَرْبِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ)([62]).

فبعض الأذكار ورد في بعض النصوص أنها دعاء من باب أن الداعي أحيانًا يذكر ربه ولا يطلب منه مثل: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، والمعنى خلصني يا رب مما أنا فيه، وكقول موسى عليه السلام {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24]. والمعنى أني محتاج إليك فارزقني.

فبعض الأذكار يطلق عليها الدعاء في بعض النصوص وليس هناك طلب من الداعي وذلك من باب أن الثناء والمدح لله ﻷ يتضمن الطلب وإن لم يقل الداعي أعطني.

قال ابن القيم رحمه الله: “فنفس الحمد والثناء متضمن لأعظم الطلب وهو طلب المحب فهو دعاء حقيقة بل أحق أن يسمى دعاء من غيره من أنواع الطلب الذي هو دونه والمقصود أن كل واحد من الدعاء والذكر يتضمن الآخر ويدخل فيه، وقد قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205].

فأمر تعالى نبيه أن يذكره في نفسه…..إلى أن قال رحمه الله: وتأمل كيف قال في آية الذكر {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}، وفي آية الدعاء {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55].

فذكر التضرع فيهما معا وهو التذلل والتمسكن والانكسار وهو روح الذكر والدعاء وخص الدعاء الخفية لما ذكرنا من الحكم وغيرها”([63]).

فالعلاقة بين الذكر والدعاء كما يلي:

1 – إذا أريد بالدعاء دعاء العبادة فهو حينئذٍ يراد به الذكر لأن الذكر يدخل في باب العبادات كلها فيطلق على الصلاة والصيام والحج وبر الوالدين وغير ذلك.

2 – إذا أريد بالدعاء دعاء المسألة فيكون أخص مطلقًا من الذكر ويكون الذكر أعم مطلقًا منه لأن الدعاء لا ينفك عن كون الداعي ذاكرًا أما الذكر فيكون سؤالًا ولكن من غير سؤال كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ)([64]).

3 – أن بينهما تلازمًا وذلك من حيث أن دعاء المسألة ذكر وثناء وتضرع وافتقار كما أن في الذكر طلب جلب نفع ودفع ضر مع رجاء الثواب.

فالحاصل أن هناك علاقة وثيقة بين الذكر والدعاء، ولكن الغالب إطلاق الذكر على معناه الخاص وهو ذكر اللسان وإطلاق الدعاء على معناه الخاص وهو السؤال والطلب.

 

المطلب التاسع

مواضع الدعاء

أولًا: الدعاء المطلق:

تعريفه:

الدعاء المطلق هو الدعاء الذي لم يقيد بزمان ولا مكان ولا حال، بل يسأل المسلمُ اللهَ تعالى كل ما يحتاج إليه في أمر دينه أو دنياه في أي وقت، وعلى أي حال.

أو هو سؤال الله الحاجات العامة والخاصة، والتوجه إليه سبحانه بما يحتاجه المرء وما يريده، كالدعاء في السجود، وفي ثلث الليل الآخر، وفي يوم عرفة ونحوه.

وهذا النوع من الدعاء له حالتان:

الأولى: أن يكون ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيؤتى بلفظه ولا يحدد بزمان أو مكان يخص به، أو بعدد يلتزم به.

الثانية: أن يكون غير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل أتى به الداعي من عند نفسه أو من المنقول عن السلف، فيجوز للعبد الذكر والدعاء به بخمسة شروط:

شروط الدعاء المطلق الذي لم يرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

1- أن يتخير من الألفاظ أحسنها، وأنبلها، وأجملها للمعاني، وأبينها، لأنه مقام مناجاة العبد لربه ومعبوده سبحانه.

2- أن تكون الألفاظ على وفق المعنى العربي، ومقتضى العلم الإعرابي.

3-أن يكون خاليًا من أي محذور شرعًا، لفظًا أو معنى.

4-أن يكون في باب الذكر والدعاء المطلق، لا المقيد بزمان أو حال أو مكان.

5-أن لا يتخذه سنة راتبة يواظب عليها ([65]).

أمثلة للدعاء المطلق الذي لم يرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم إنا نسألك أن تعلي راية الإسلام وراية أهله، وأن تذل الكفر وأن تذل أهله يا قوي يا عزيز، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون لتحقيق كلمة التوحيد في كل مكان، اللهم انصرهم وأيدهم بتأييدك وقوهم بقوتك فإنك أنت القوي العزيز، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ودلهم على الرشاد وباعد بينهم وبين سبل أهل الغي والفساد يا أكرم الأكرمين، اللهم إنا نسألك أن تدفع عنا الربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا هذه خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أكرم الأكرمين. اللهم إنا نسألك أن توفقنا لتوبةٍ نصوح قبل الممات، اللهم لا تمتنا إلا وقد وفقتنا للتوبة التي نلقاك بها وأنت راضٍ عنا وأنت أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك صلاحًا في أنفسنا وفي أهلينا وفي أولادنا وفي علمائنا وفي ولاتنا أنت أرحم الراحمين وأجود الأجودين.

ثانيًا: الدعاء المقيد:

تعريفه:

الدعاء المُقَيَّد: هو المرتبط بزمان أو مكان أو عبادة، أو جاء الشرع بتقييده بعدد أو فضيلة ونحو ذلك من القيود، كالأدعية الواردة في استفتاح الصلاة، وأذكار الصباح والمساء، وأدعية النوم، والطعام، ونحوها.

فهذا النوع يجب التقيُّدُ فيه بما جاء في الشرع الحكيم، من غير زيادة ولا نقصان، ولا يجوز ابتداع شيء من الأدعية لتحل محل ما ورد في السنة. وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازبٍ رضي الله عنه حين قال له: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ. قَالَ: لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ)([66]).

أنواع الدعاء المقيد: ينقسم الدعاء المقيد إلى ثلاثة أقسام:

أولًا: الدعاء المقيد بالزمان:

والمراد به ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت من الأوقات. وسنذكر هنا جملة مما ورد في هذا النوع من الدعاء:

1-الدعاء في جوفِ الليل من الثلث الأخير:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ)([67]).

فائدة:

هذا الحديث العظيمُ يدلُّ على شرف هذا الوقتِ عند الله وعِظَمِ شأنه عنده، وأنَّه أفضلُ أوقات الدعاء والاستغفار والإقبال على الله بالسؤال، وأنَّ الدعاءَ في ذلك الوقت مستجابٌ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والناس في آخر الليل يكون في قلوبهم من التوجُّه والتقرُّب والرِّقةِ ما لا يوجد في غير ذلك الوقت، وهذا مناسبٌ لنزوله إلى سماء الدنيا، وقوله: هل من داعٍ، هل من سائل، هل من تائب”([68]).

2 -دعاء ساعة الجمعة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا)([69]).

الفائدة الأولى:

اختلف أهل العلم في تحديد وقت هذه الساعة، على أقوال كثيرة، وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر:

الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، لحديث أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ)([70]).

القول الثاني: أنها بعد العصر، دليل ذلك ما رواه أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ ﻷ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ)([71]). وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ)([72]).

ورجَّح ابن القيم رحمه الله: في كتابه زاد المعاد القولَ الثاني، يعني أنَّها بعد صلاة العصر، واحتجَّ بالأحاديث المتقدمة وكذا حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه وفيه: قَالَ أَبُو هَرِيرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كعب، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ، قُلْتُ فَأَخْبِرْنِي بِهَا، قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَقُلْتُ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي) وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا؟ فَقَالَ ابن سلام: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَى يُصَلِّيَ)، وهذا هو الراجح ([73]).

الفائدة الثانية:

كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي)، والأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر؟

الجواب: هناك احتمالان في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي):

الأول: أن يكون معناه الجلوس وانتظار الصلاة، ويسمى ذلك شرعًا (صلاة).

كما في حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه المتقدم وفيه. أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ)؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هُوَ ذَاكَ([74]).

الثاني: ويحتمل أن يكون معناه الدعاء، والصلاة في اللغة هي (الدعاء).

قال العيني رحمه الله: “فهذا دل على أن المراد من الصلاة: الدعاء، ومن القيام: الملازمة، والمواظبة، لا حقيقة القيام”([75]).

فيكون معنى (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) أي: وهو ملازم للدعاء.

فمن أراد أن يتحرى وقت الإجابة بعد العصر يوم الجمعة: فلذلك صور متعددة، منها:

1-أن يبقى بعد صلاة العصر لا يخرج من المسجد يدعو، ويتأكد ذلك منه في آخر ساعة من العصر. وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس.

2-أن يذهب إلى المسجد قبل المغرب بزمن، فيصلي تحية المسجد، ويدعو إلى آخر ساعة من العصر.

3-أن يجلس في مجلس في بيته أو غيره يدعو ربه تعالى في آخر ساعة من العصر.

وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: من أراد إدراك الساعة الأخيرة من يوم الجمعة للدعاء وسؤال الله هل يلزم أن يكون في المكان الذي صلى فيه العصر، أم قد يكون في المنزل، أو في مسجد آخر؟

فأجاب:

“ظاهر الأحاديث الإطلاق، وأن من دعا في وقت الاستجابة: يُرجى له أن يجاب في آخر ساعة من يوم الجمعة، يُرجى له أن يجاب، ولكن إذا كان ينتظر الصلاة في المسجد الذي يريد فيه صلاة المغرب فهذا أحرى ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصّلِّي) رواه البخاري، والمنتظر في حكم المصلي، فيكون في محل الصلاة أرجى لإجابته، فالذي ينتظر الصلاة في حكم المصلين، وإذا كان مريضًا وفعل في بيته ذلك: فلا بأس، أو المرأة في بيتها كذلك تجلس تنتظر صلاة المغرب في مصلاها، أو المريض في مصلاه ويدعو في عصر الجمعة يرجى له الإجابة، هذا هو المشروع، إذا أراد الدعاء يقصد المسجد الذي يريد فيه صلاة المغرب مبكرًا فيجلس ينتظر الصلاة، ويدعو”([76]). انتهى.

3 -الدعاء في ليلةِ القدر:

قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدْر].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ: قُولِي: (اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)([77]).

فائدة:

هذا الدعاءُ المبارك عظيمُ المعنى عميقُ الدلالة كبيرُ النفع والأثر، وهو مناسب لهذه الليلة غاية المناسبة، فهي كما تقدَّم الليلة التي يُفرق فيها كلُّ أمر حكيم، ويُقدَّر فيها أعمالُ العباد لسنة كاملة حتى ليلةَ القدر الأخرى، فمن رُزق في تلك الليلة العافية وعفا عنه ربُّه فقد أفلح وفاز وربح أعظم الرِّبح ومن أوتي العافيةَ في الدنيا والآخرة فقد أوتي الخير بحذافيره، والعافيةُ لا يعدلها شيء.

4 -الدعاء بين الأذان والإقامة:

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، فَادْعُوا)([78]).

فائدة: قوله: (بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ): يؤخذ منه بعض الفوائد:

أ. أنه ليس هناك دعاء قبل الأذان أو قبل الإقامة عندما يهم المؤذن بها.

ب. أن الدعاء بين الأذان والإقامة مرغّب فيه ومستحب كما في حديث أنس المتقدم.

ج. أن الدعاء بعد الأذان مباشرة داخل في جملة الأدعية فيما بين الأذان والإقامة

 وله صيغ مخصوصة كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)([79]).

د. قول بعض الناس: أقامها الله وأدامها الله عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة لم يثبت فيه حديث صحيح والحديث الوارد في ذلك ضعيف([80]).

5 -الدعاء دبر الصلوات المكتوبة:

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ)([81]).

وأوصى صلوات الله وسلامه عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه أن يقول في دبر كلِّ صلاة: (اللهمَّ أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتك)([82]).

ودبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام ويطلق على ما بعد السلام مباشرة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك وأكثرها يدل على أن المراد آخرها قبل السلام فيما يتعلق بالدعاء كحديث ابن مسعود رضي الله عنه لما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال: (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو)([83]).

ومن ذلك ما جاء عن عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيَّ قَالَ كَانَ سَعْدٌ -يعني ابن أبي وقاص رضي الله عنه – يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ وَيَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)([84]).

قوله: (الْجُبْنِ)، وهو المهابة للأشياء، والتأخّر عن فعلها، وهو ضد الشجاعة، لأنه يؤدّي إلى عدم الوفاء بكثير من الواجبات كفرض الجهاد في سبيل الله تعالى، والصَّدْع بالحق، ونصرة المظلوم وإنكار المنكر، وكذلك عدم الجرأة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك، لأن العبادات لا تتم على أكمل وجه، إلا بشجاعة النفس وقوتها.

قوله: (أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ): وهو البلوغ إلى حدٍّ في حالة الكبر، وهو ما يسمى بالخرف، يعود معه كالطفل في قلّة الفهم، وضعف القوة البدنية والعقلية، فيصبح عالة على غيره.

قوله: (مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا): أي الافتتان بالدنيا في شهواتها وغرورها، فإنها تنسي الآخرة، وتدخل في هذه الاستعاذة المهمّة كل الفتن حال الحياة في هذه الدار.

قوله: (مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ): أي مما يعرض له عند مساءلة الملكين، وما ينشأ عنهما من فتنة عظيمة، ومشاهدة أعماله السيئة في أقبح صورة، وضيقه، وضمّته، فعذاب القبر ينشأ بعد فتنة الملكين، فتضمّن السؤال سؤال الله تعالى العصمة منه بالتوفيق إلى صالح الأعمال المانعة من عذابه.

 6 -الدعاء في جوف الليل الآخر:

لقد مدح الله المستغفرين بالأسحار فقال ـ: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17، 18].

وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ)([85]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ)([86]).

فائدة:

جوف الليل الآخر أي ثلثه الأخير، والليل يتفاوت طولًا وقصرًا كما هو معروف، ويعرف ثلثه بقسمة سـاعاته من غروب الشمس إلى طلوع الفجر على ثلاثة، فالثلث من ذلك من آخر الليل هو ثلث الليل الآخر، وفيه جوف الليل الآخر.

7 – الدعاء في الوتر من ليالي العشر من رمضان:

عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الوِتْرِ: اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)([87]).

ذكر بعض الفوائد المتعلقة بهذا الدعاء:

الفائدة الأولى:

هذا الدعاء الجليل، عظيم القدر والشأن، مشتمل على مقاصد ومطالب عظيمة، في الدين، والدنيا، والآخرة، وفيه معان جليلة، في مسائل العقيدة والتوحيد، من التوسلات: بأسماء الله تعالى وصفاته، وأفعاله، وتوسل بآلائه وإنعامه، وكذلك إثبات وإقرار بصفاته تعالى المثبتة والمنفية، وإيمان بالقضاء والقدر، والمشيئة، بأجمل المباني، وأوسع المعاني.

 الفائدة الثانية: في ذكر بعض معاني ألفاظ الحديث:

 قوله: (اللهُمَّ اهْدِنِي) فيه سؤال الله تبارك وتعالى الهداية، الجامعة لعلم العبد بالحق، والسير عليه.

وأصل الهداية: الدلالة، وهي نوعان: هداية دلالة وإرشاد، وهي معرفة الحق، والعلم به، وهداية توفيق وسداد وثبات، وهذه الهداية لا يملكها إلا الله ﻷ فينبغي للعبد حين يسأل الله ـ الهداية أن يستحضر هاتين الدلالتين التي تجمع بين: العلم، والعمل.

* قوله: (فِيمَنْ هَدَيْتَ) أي: في جملة من هديت، وهذا فيه نوع من التوسل بفعل الله ـ، وهو هدايته مَنْ هدى، فكأنك تتوسل إلى الله الذي هدى غيرك أن يهديك في جملتهم، كأنك تقول: كما هديت غيري فاهدني. والهداية هنا يراد بها: هداية الإرشاد، وهداية التوفيق.

فهداية الإرشاد: ضدها الضلال. وهداية التوفيق: ضدها الغي.

فسؤال العبد ربه بقوله: (اللهم اهدني) فإنه قد سأل الله ـ الهدايتين: هداية الإرشاد وذلك بالعلم، وهداية التوفيق وذلك بالعمل، لأنه ليس كل من عَلِم عَمِل، وليس كل من عمل يكون عمله عن علم وتمام، فالتوفيق أن تعلم وتعمل.

* قوله: (وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ) أي: كما عافيت غيري فعافني.

والمعافاة: المراد بها المعافاة في الدين والدنيا، فتشمل الأمرين: أن يعافيك من أسقام الدين، وهي أمراض القلوب التي مدارها على الشهوات والشبهات، ويعافيك من أمراض الأبدان، وهي اعتلال صحة البدن.

والإنسان محتاج إلى هذا وإلى هذا، وحاجته إلى المعافاة من مرض القلب أعظم من حاجته إلى المعافاة من مرض البدن. ولهذا يجب علينا أن نلاحظ دائماَ قلوبنا، وننظر: هل هي مريضة أو صحيحة؟ وهل صدئت أو هي نظيفة؟ فإذا كنت تنظف قلبك دائماَ في معاملتك مع الله، وفي معاملتك مع الخلق، حصلت خيراَ كثيراَ، وإلا، فإنك سوف تغفل، وتفقد الصلة بالله، وحينئذ يصعب عليك التراجع.

وأما دواء القلوب من أمراض الشبهات، فالقرآن كله بيان وفرقان ومملوء بالعلم والبيان الذي يزول به داء الشبهات، ومملوء بالترغيب والترهيب الذي يزول به داء الشهوات، ولكننا في غفلة عن هذا الكتاب العزيز، الذي كله خير، وكذلك في غفلة مما في السنة المطهرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدخل في هذا الباب.

أما عافية الأبدان، فطبها نوعان:

النوع الأول: طب جاءت به الشريعة، فهو أكمل الطب وأوثقه، لأنه من عند الله الذي خلق الأبدان، وعلم أدواءها وأدويتها، والطب الذي جاءت به الشريعة ضربان:

الضرب الأول: طب مادي، كقول الله تعالى في النحل: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:69].

وكقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء: (فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ السَّامَ)([88]). يعني: الموت، وكقوله صلى الله عليه وسلم في الكمأة: (الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وماؤُهَا شِفاءٌ للعَيْنِ)([89]). وأمثال ذلك، وكل هذا طب مادي قرآني ونبوي.

الضرب الثاني: طب معنوي روحي: وذلك بالقراءة على المرضى، وهذا قد يكون أقوى وأسرع تأثيرًا.

النوع الثاني: طب مادي يعرف بالتجارب، وهو ما يكون على أيدي الأطباء، سواء درسوا في المدارس المخصصة وعرفوا، أو أخذوه بالتجارب، لأنه يوجد أناس من عامة الناس يجرون تجارب على بعض الأعشاب، ويحصل منها فائدة، ويكونون بذلك أطباء بدون دراسة، لأن هذا يدرك بالتجارب([90]).

* قوله: (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) هل هي من (الولي) بفتح الواو، وسكون اللام مخففة، بمعنى القرب. أو هي من التولي بمعنى الولاية والنصرة. أو هي منهما جميعا؟

الجواب: هي منهما جميعًا، فعلى المعنى الأول: اجعلني قريبا منك، وعلى المعنى الثاني: اعتن بي فكن لي وليًا وناصرًا ومعينًا لي في أموري، فيشمل الأمرين، وإن كان المتبادر إلى الذهن أنه من الموالاة وهي النصرة.

والمراد بالولاية هنا الولاية الخاصة، لأن الولاية العامة شاملة لكل أحد مؤمن وكافر، بر وفاجر، فالله ولي كل أحد، قال الله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]، فقوله: {مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام:62].

يشمل كل من مات من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، وهذه هي الولاية العامة، لأن الله يتولى شؤون جميع الخلق.

أما الولاية الخاصة فهي المذكورة في قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257].

 وفي قوله: { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63]، والسائل الذي قال: (تولني فيمن توليت) يريد الولاية الخاصة.

* قوله: (وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ) أي: أنزل البركة لي فيما أعطيتني من المال، والعلم، والجاه، والولد، ومن كل ما أعطيتني {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53].

 والمعنى: بارك لي في جميع ما أنعمت به علي، وإذا أنزل الله البركة لشخص فيما أعطاه صار القليل منه كثيرًا، وإذا نزعت البركة منه صار الكثير قليلًا، وكم من إنسان يجعل الله على يديه من الخير في أيام قليلة ما لا يجعل على يد غيره في أيام كثيرة؟، وكم من إنسان يكون المال عنده قليلا لكنه متنعم في بيته، قد بارك الله له في ماله، ولا تكون البركة عند شخص آخر أكثر منه مالًا؟ وأحيانًا تحس بأن الله بارك لك في هذا الشيء بحيث يبقى عندك مدة طويلة.

* قوله: (وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ) ما قضاه الله ﻷ قد يكون خيرًا، وقد يكون شرًا، فما كان يلائم الإنسان وفطرته فإن ذلك خير، وما كان لا يلائمه فذلك شر، فالصحة والقوة والعلم والمال والولد الصالح وما أشبه ذلك خير، والمرض والجهل والضعف والولد الطالح وما أشبه ذلك شر، لأنه لا يلائم الإنسان.

وقوله: (مَا قَضَيْتَ) (ما) هنا بمعنى الذي، أي: الذي قضيته، ويجوز أن تكون مصدرية، أي: شر قضائك. والمراد: قضاؤه الذي هو مقضيه، لأن قضاء الله الذي هو فعله كله خير. وإن كان المقضي شرًا، لأنه لا يراد إلا لحكمة عظيمة، فالمرض مثلًا قد لا يعرف الإنسان قدر نعمة الله عليه بالصحة إلا إذا مرض، وقد يحدث له المرض توبة ورجوعًا إلى الله، ومعرفة لقدر نفسه، وأنه ضعيف، ومحتاج إلى الله عز وجل، بخلاف ما لو بقي الإنسان صحيحًا معافى، فإنه قد ينسى قدر هذه النعمة، ويفتخر كما قال الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود:9،10].

وقوله: (ما قضيت) يشمل ما قضاه من خير وشر. فإن قيل: وهل في الخير من شر؟

فالجواب: نعم، قد يكون فيه شر، فتكون النعم سببًا للأشر والبطر، فتنقلب شرًا، فكم من إنسان كان مستقيمًا، أنعم الله عليه، فحملته النعم على الاستكبار عن الحق وعلى الخلق فهلك.

* قوله: (إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ) فالله ـ يقضي بما أراد، ولا أحد يقضي على الله ويحكم عليه، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر:20].

* قوله: (وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ) أي: لا يلحق من واليته ذل وخذلان، والمراد: الولاية الخاصة المذكورة في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63].

* قوله: (وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ) أي: لا يغلب من عاديته، بل هو ذليل، لأن من والاه الله فهو منصور، وأما من عاداه الله فهو ذليل، لأن الله إذا نصر أولياءه فعلى أعدائه. إذًا، فالعز للأولياء، والذل للأعداء. فإن قال قائل: هل هذا على عمومه، لا يذل من والاه الله، ولا يعز من عاداه؟

فالجواب: ليس هذا على عمومه، فإن الذل قد يعرض لبعض المؤمنين، والعز قد يعرض لبعض المشركين، ولكنه ليس على سبيل الإدالة المطلقة الدائمة المستمرة.

* قوله: (تَبَارَكْتَ رَبَّنَا) التقدير: تباركت يا ربنا، والبركة: كثرة الخير وسعته. مشتق من (بركة الماء) وهي حوض الماء الكبير ومعنى التبارك في الله عز وجل أنه ـ عظيم البركة واسعها، ومنزل البركة، وأن بذكره تحصل البركة، وباسمه تحصل البركة. والمعنى: تعاظمت يا الله، فلك العظمة الكاملة من كل الوجوه والاعتبارات، ومن ذلك كثرت بركاتك، وعمّت خيراتك التي يتقلّب بها أهل السموات والأرض.

وقوله: (ربنا) أي: يا ربنا، وحذفت (ياء النداء) لسببين:

1 ـ للتبرك بالبداءة باسم الله عز وجل.

2 ـ لكثرة الاستعمال.

* قوله: (وَتَعَالَيْتَ) من التعالي وهو العلو، وزيدت التاء للمبالغة في علوه. وعلو الله ـ ينقسم إلى قسمين: علو الذات، وعلو الصفة. فأما علو الذات فمعناه: أن الله نفسه فوق كل شيء. وأما علو الصفة فمعناه: أن الله تعالى موصوف بكل صفات عليا.

8 -الدعاء في شهر رمضان:

للدعاء في رمضان خاصية عظيمة، حيث اجتمَع فيه فضيلتان، هما: فضْل الزمان، وحال الصيام، ولقد نبَّه القرآن الكريم إلى خاصيَّة الدعاء في الصيام، حيث إن الله تعالى ذكَر استجابته لدعاء الداعين في أثناء آيات الصيام، فبدأ بفرضية الصيام وبعض ما يتعلَّق به، ثم قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

 ثم عاد لذِكر بعض ما يتعلق بالصيام، وفي ذِكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العِدة، بل وعند كل فطرٍ، بل في حال الصيام كله ([91]).

وقد ثبَت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يُفطِر، ودعوة المظلوم)([92]). فعلى الصائم أن يَحرِص على الدعاء أثناء صيامه، ويُكثِر منه، فإنه مجابٌ بإذن الله تعالى.

9 -الدعاء في يوم عرفة:

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيرُ الدعاءِ الدعاءُ يومَ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أنا والنَّبيُّونَ مِن قَبلي: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ، ولهُ الحمدُ، وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ)([93]).

فائدة:

ينبغي للإنسان أن يكثر من الدعاء، ومن الذكر في هذا اليوم وينبغي له أن يختار الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء وردت في هذا المكان أو وردت في مكان آخر، لأن الأدعية النبوية أجمع الأدعية وأنفعها وهي صادرة من أعرف الناس بالله عز وجل وأعلمهم بما يحبه الله تعالى ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)([94]).

10 -الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر:

عن عبد الله بن السَّائب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي أربعًا بعد أن تزول الشَّمس قبل الظهر، وقال: (إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ)([95]).

فائدة:

وقت زوال الشمس هو الوقت الذي تزول فيه الشمس عن كبد السماء إلى جهة المغرب، فمن المعلوم أن الشمس تظهر من جهة المشرق ثم تصعد في السماء شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى كبد السماء قبيل الظهر، فإذا مالت عن كبد السماء وبدأت تسير إلى جهة المغرب فهذا هو وقت زوالها وعندها يدخل وقت صلاة الظهر.

وبهذا يتبين أن الأربع ركعات المشار إليهما في الحديث ليست سنة الضحى، بل هي إما أن تكون راتبة الظهر القبلية، أو تكون أربعا أخرى غيرها، كما قال ابن القيم في زاد المعاد حيث قال: “وقد يقال إن هذه الأربع لم تكن سنة الظهر، بل هي صلاة مستقلة كان يصليها بعد الزوال كما ذكره الإمام أحمد عن عبد الله بن السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس وقال إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح”([96]) هـ.

وقال المباركفوري في شرح المشكاة عن هذه الركعات الأربع: “هذه سنة الزوال، وهي غير سنة الظهر” ([97]).

ويرى كثيرٌ من العلماء أن هذه الأربع هي سنة الظهر القبلية، وهذا هو الراجح.

قال صاحب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: “وتلك الركعات الأربع سنة الظهر التي قبله، كذا قاله بعض الشراح من علمائنا، وأراد به الرد على من زعم أنها غيرها وسماها سنة الزوال، (وقال: إنَّها): أي ما بعد الزوال وأنثه باعتبار الخبر وهو (ساعةٌ تُفْتحُ): بالوجوه المذكورة (أَبْوَابُ السَّمَاءِ،): لطلوع أعمال الصالحين (وأُحِبُّ أن يَصْعَدَ): بفتح الياء ويضم. (لي فيها ): أي: في تلك الساعة (عَمَلٌ صَالحٌ)، أي: إلى السماء وفيه تلميح إلى قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]” ([98]).

11 – الدعاء عند وفاة الميت وعند الصلاة عليه ودفنه وتعزية المصاب:

من الأوقات التي ينبغي للمسلم أن يحرص على الدعاء فيها الدعاء بعد قبض روح الميت ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: (إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ)([99]).

وكذلك عند الصلاة على الميت لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ)([100]). وعن عائشة رضي الله عنها: (مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ)([101]).

ومن الأدعية الواردة في هذا المقام (اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ)([102]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال: (اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، اللهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، اللهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ)([103]).

ومن الأوقات التي ينبغي تحري الدعاء فيها في هذا المقام أيضًا عند الفراغ من الدفن فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النّبي صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ)([104]).

أما التعزية فالأفضل أن يُعزى المصاب بما عَزَّى به النبي صلى الله عليه وسلم ابنته بقوله: (إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ)([105]).

12 ـ الأدعية عند الصباح والمساء:

ورد في الصباح والمساء أدعية عدة نذكر بعضها مع بيان بعض معانيها. فمن ذلك:

1 – عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَمْسَى قَالَ: (أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ).

وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا: (أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلهِ)([106]).

قوله: (أصبحنا) أو: (أمسينا) أي: دخلنا في الصباح، أو دخلنا في المساء متلبسين بنعمةٍ وحفظٍ من الله تعالى.

قوله: (وأصبح الملك لله)، وأيضًا قوله: (وأمسى الملك لله) أي: استمر دوام الملك والتصرف لله تعالى.

قوله: (خير ما في هذا اليوم. أو هذه الليلة) أي: الخيرات التي تحصل في هذا اليوم -أو هذه الليلة- من خيرات الدنيا والآخرة، أما خيرات الدنيا فهي حصول النعم والأمن والسلامة من طوارق الليل وحوادثه… ونحوها، وأما خيرات الآخرة فهي حصول التوفيق لإحياء اليوم والليلة بالصلاة والتسبيح، وقراءة القرآن… ونحو ذلك.

قوله: (وخير ما بعده. أو ما بعدها) أي: أسألك الخيرات التي تعقب هذا اليوم أو هذه الليلة.

قوله: (من الكسل) وهو عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة، فلا يكون معذورًا، بخلاف العاجز، فإنه معذور لعدم القوة وفقدان الاستطاعة.

قوله: (وسوء الكِبَر) أراد به ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل، والتخبط في الرأي، وغير ذلك مما يسوء به الحال.

قوله: (رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر) وإنما خصَّ عذابي النار والقبر، من بين سائر عذاب يوم القيامة، لشدتهما، وعظم شأنهما، أما القبر: فلأنه أول منزل من منازل الآخرة، فإن من سلم فيه سلم في الجميع، وأما النار: فإن عذابها شديد، نعوذ بالله من ذلك ([107]).

2 -عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: (اللهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)([108]).

قوله: (بك أصبحنا) متعلق بمحذوف، فكأنه يريد: بنعمتك أصبحنا، أو بحفظك…. أو بذكرك….، وكذلك التقدير في قوله: (وبك أمسينا).

قوله: (وبك نحيا) يكون في معنى الحال، أي: مستجيرين ومستعيذين بك في جميع الأوقات، وسائر الأحوال، في الصباح والمساء، والمحيا والممات.

قوله: (وإليك النشور) أي: الإحياء للبعث يوم القيامة.

قوله: (وإليك المصير) أي: المرجع.

وإنما قال في الصباح: (وإليك النشور)، وفي المساء: (وإليك المصير)، رعاية للتناسب والتشاكل حيث أن الصباح يشبه النشر بعد الموت، والمساء يشبه الموت بعد الحياة.

3 – عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْت َ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ). قَالَ: (وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا،فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ،فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ)([109]).

فهذا دعاءٌ عظيمٌ جامعٌ لمعاني التوبةِ والتَّذَلُّلِ لله تبارك وتعالى والإنابة إليه، وَصَفَهُ صلى الله عليه وسلم بأنَّه سيِّدُ الاستغفار، وذلك لأنَّه قد فاق سائرَ صيغِ الاستغفار في الفضيلة، وعلا عليها في الرتبة، ومن معاني السيِّد، أي: الذي يفوق قومَه في الخير ويرتفع عليهم.

ووجهُ أفضليةِ هذا الدعاء على غيره من صِيَغِ الاستغفار أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بدأه بالثَّناء على الله والاعتراف بأنَّه عبدٌ لله مربوبٌ مخلوق له عز وجل، وأنه سبحانه المعبود بحقٍّ ولا معبود بحقٍّ سواه، وأنَّه مقيمٌ على الوعد، ثابتٌ على العهد من الإيمان به وبكتابه وبسائر أنبيائه ورسله، وأنَّه مقيمٌ على ذلك بحسب استطاعته وما يطيقه، ثم استعاذ به سبحانه من شَرِّ كلِّ ما صَنَع من التقصير في القيام بما يجب عليه مِن شُكر الإنعام واجتناب الآثام، ثم أَقَرَّ بترادف نِعمِه سبحانه وتوالي عطاياه ومِنَنِه، واعترف بما يصيبُ من الذنوب والمعاصي، ثم سأله سبحانه المغفرةَ مِن ذلك كلِّه، معترفًا بأنَّه لا يغفرُ الذنوبَ سواه سبحانه وهذا أكملُ ما يكون في الدُّعاء، ولهذا كان أعظمَ صِيغ الاستغفار وأفضلَها وأجمعَها للمعاني الموجبة لغفران الذنوب.

قوله: (أنتَ ربِّي لا إلَه إلاَّ أنت خلقتَنِي وأنا عبدُك) اعتراف بالوحدانية والخالقية. ففيه تذَلُّلٌ وخضوعٌ، وانكسارٌ بين يدي الله، وإيمان بوحدانيته سبحانه في ربوبيَّتِه وألوهيته.

قوله: (وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ) أي: عهدك إليَّ بأن أوحدك، وأعترف بألوهيتك ووحدانيتك، ووعدك الجنة لي على هذا، يعني: أنا مقيم على توحيدك، وعلى حقيقة وعدك لي.

قوله: (مَا اسْتَطَعْتُ) أي: قدر استطاعتي، لأن العبد لا يقدر على الشيء إلا قدر استطاعته.

قوله: (أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ) أي: أعترف وأقر لك بما أنعمت به علي.

قوله: (وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي) أي: أُقِرُّ وأعترف بما اجترحت من الذنب. من تقصير في واجب أو فعلٍ لمحظور، والاعترافُ بالذَّنب والتقصيرِ سبيلٌ إلى التوبة والإنابة، ومَن اعترف بذنبه وتاب منه تاب الله عليه.

قوله: (فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) أي: لا يتعاظمُك ذنبٌ أن تغفرَه، فأنت الغفورُ الرحيم، ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

فائدة:

أذكار الصباح والمساء لها وقت محدد وقد اختلف العلماء في تحديد وقت الصباح والمساء بداية ونهاية، والأقرب في هذه المسألة أنه ينبغي للمسلم أن يحرص على الإتيان بأذكار الصباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بدليل ما ورد في القرآن من الحث على الذكر في البكور وهو أول الصباح، والعشي، وهو وقت العصر إلى المغرب.

فإن فاته هذا الوقت فلا بأس أن يأتي بأذكار الصباح إلى نهاية وقت الضحى وهو قبل صلاة الظهر بوقت يسير، وأن يأتي بأذكار المساء من العصر إلى المغرب، فإن فاته هذا الوقت فلا بأس أن يأتي بها إلى ثلث الليل.

13 ـ الدعاء عند خسوف القمر وكسوف الشمس:

عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا)([110]).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى المَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ)([111]).

فائدة:

أمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم أمته عند الكسوف أو الخسوف أن يفزعوا إلى الصلاة والذِّكر والدعاء والاستغفار والتكبير والصَّدقة، يدلُّ على عِظَم شأن الكسوف وأهميَّة الفزع فيه إلى الصلاة والدعاء والاستغفار، ومن نظر إلى حال الناس يجد أنَّ كثيرًا من الناس في هذا الزمان تهاونوا بأمر الكسوف ولم يُقيموا له وزنًا ولم يُحرِّك لهم ساكنًا، وما ذاك إلاَّ لضعف الإيمان والجهل بالسُّنَّة والاعتماد على مَن يحيل أمر الكسوف إلى الأسباب الطبيعية، مع الغفلة عن أسبابه الشرعية والحكمة البالغة التي من أجلها يُحدث الله الكسوف والله المستعان.

14 ـ الدعاء عند رؤية الهلال:

عن طلحة رضي الله عنه : أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رَأَى الهِلاَلَ قَالَ: (اللهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، والتَّوْفِيقِ لِمَا تُحبُّ وتَرْضَى، رَبِيَ وَرَبُّكَ اللهُ)([112]).

فائدة:

قوله: (اللهُمَّ أَهِلَّهُ) أي: أطلعه علينا، وأرنا إياه، والمعنى: اجعل رؤيتنا له مقترنًا بالأمن والإيمان.

وقوله: (بِاليُمْنِ) اليُمن هو السعادة، والإيمان هو الإقرار والتصديق والخضوع لله. وفي رواية: (بالأمن والإيمان) الأمنُ هو الطمأنينة والراحة والسكون والسلامة من الآفات والشرور، قوله: (وَالإِيمَانِ) أي: بثبات الإيمان فيه.

وقوله: (وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ) أي: السلامة من آفات الدنيا والدين، والإسلام هو الاستسلام لله والانقياد لشرعه.

وقوله: (ربِّي وربُّك الله) خطاب للهلال الذي استهل، وهذه إشارة إلى تنزيه الخالق أن يشاركه شيء في ما خلق فجميع المخلوقات كلّها مربوبةٌ لله مسخَّرة بأمره خاضعة لحكمه.

ومن فوائد الحديث:

1 -أنَّ فيه بيانًا للفرق بين الإيمان والإسلام وأنَّهما ليسا شيئًا واحدًا عندما يجتمعان في الذِّكر، بل لكلِّ واحد منهما معنى خاص، فالإيمان يُراد به الاعتقادات الباطنة، والإسلام يُراد به الأعمال الظاهرة، أمَّا عند إفراد كلِّ واحد منهما بالذِّكر فإنَّه يكون متناولًا لمعنى الآخر.

2 -أنَّ الأمنَ مرتبطٌ بالإيمان، والسلامةَ مرتبطةٌ بالإسلام، فالإيمان طريق الأمان، والإسلام طريق السلامة، ومن رام الأمن والسلامة بغيرهما ضلَّ، والله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82].

3 -أنَّ أهمَّ ما تُشغل به الشهور وتُمضى فيه الأوقات هو الإيمانُ بالله وبما أمر عباده بالإيمان به، والاستسلامُ له سبحانه في كلِّ أحكامه وجميع أوامره.

ومرور الشهور على العبد مع الانشغال عن هذا المقصد الجليل ضياعٌ للشهور وحرمان من الخير، فالشهور لَم تُخلق ولم توجد إلاَّ لتكون مستودعًا للإيمان والأعمال، وهذا إنَّما ينجلي أمره للناس عندما يقفون يوم القيامة بين يدي الله ليروا نتائج أعمالهم وحصاد حياتهم وثمرة أوقاتهم.

14 ـ الدعاء عند الاستسقاء:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ المِنْبَرِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثَنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ: (اللهُمَّ اسْقِنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا)، قَالَ أَنَسٌ: وَلاَ وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلاَ قَزَعَةٍ وَلاَ شَيْئًا، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ ورَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكَهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ). قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ([113]).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: شَكَى النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي المُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ فَكَبَّرَ، وَحَمِدَ اللهَ عز وجل، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ المَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ ﻷ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللهُمَّ أَنْتَ اللهُ لاَ إله إِلاَّ أَنْتَ الغَنِيُّ، وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنُا قُوَّةً وَبَلاَغًا إِلَى حِينٍ)، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَّبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الكِنِّ ضَحِكَ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذهُ فَقَالَ: (أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ)([114]).

15 ـ دعاء الحاج ودعوة المعتمر ودعوة الغازي في سبيل الله:

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ، وَفْدُ اللهِ، دَعَاهُمْ، فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ)([115]).

ذكر بعض الفوائد على هذا الحديث:

1 – الوفد هنا هم الضيوف الذين وفِدُوا مسافرين من مكان، والعادة في الوفد أنهم زوار للملك أو قادمون إلى الملك، ووفد الله هم الغزاة في سبيل الله وزوار بيته الحرام، لأنهم تركوا الأوطان في سبيل الرحمن.

2 – المجاهد في سبيل الله والحاج والمعتمر، تجمعهم علاقة ترك أوطانهم وديارهم، وإقدامهم على ربهم جل وعلا، طمعًا في كرمه وجوده وعطائه. يقول صاحب مرقاة المفاتيح في شرحه لهذا الحديث: “وفد الله ثلاثة أشخاص أو أجناس: المجاهد لإعلاء الدين، والحاج والمعتمر: المتميزون عن سائر المسلمين بتحمل المشاق البدنية والمالية ومفارقة الأهلين… ثم قال: والحاصل أنهم قومٌ معظمون عند الكرماء، ومكرمون عند العظماء، تُعطى مطالبهم وتُقضى مآربهم”([116]).

3 – حث الإسلام على الغزو في سبيل الله، وجعله أفضل من الحج والعمرة، ومن صلاة وصوم التطوع باتفاق العلماء، وذلك لأن نفع الجهاد يكون لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ولأنه مشتمل على جميع العبادات الظاهرة والباطنة: من محبة الله، والإخلاص له، والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له، والصبر والزهد، وذكر الله.

ولا يقف الفضل عند هذا الحد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على تجهيز الغزاة، وجعل أجر من جهّز غازيًا أو خلفه في أهله كأجر الغازي في سبيل الله، فإذا فاتتك الفرصة أن تكون غازيًا في سبيل الله لتكون في ضيافة الله، فلا أقل من أن تساعد الغزاة في سبيل الله، وتخلفهم في أهليهم بالخير.

4 – (الحجاج والعمّار وفد الله، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم)، (والحاج والمعتمر) المتميزون عن سائر المسلمين بتحمل المشاق البدنية والمالية ومفارقة الأهلين. كل ذلك وغيره يجعل الحجاج والمعتمرين والغزاة هم وفد الله جل وعلا، الذين ينالون كرمه وفضله ورضاه.

16 ـ الدعاء عند النداء وعند البأس ووقت المطر:

عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ، أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ البَأسِ حِيْنَ يُلْحِمُ بَعْضُهُم بَعضًا). زاد في رواية: (وَوَقْتَ المطر)([117]).

فائدة:

قوله: (الدعاء عند النداء) النداء هو الأذان.

وقوله: (وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضًا) هو شدة البأس حين يلتحم المسلمون مع الكفار ويقتتلون، فإن الدعاء في هذه الحالة يكون مجابًا.

وقوله: (وَوَقْتَ المطر)، أي لا يرد الدعاء عند نزول المطر ولذلك جاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا)([118]).

وقوله: (نافعًا) فيه دلالة على أنَّ المطر قد يكون نزولُه رحمةً ونعمةً، وهو النافع، وقد يكون نزوله عقوبةً ونقمةً وهو الضار.

ثانيًا: الأدعية المتعلقة بالمكان:

أ -الأمكنة المتعلقة بمناسك الحج والعمرة:

في الحجِّ أمكنةٌ خاصةٌ ينبغي للمسلم أن يقفَ بها ويتحرَّى فيها الدعاءَ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت عنه أنَّه كان يقفُ فيها ويستقبلُ القبلةَ ويدعو الله عز وجل: فمن ذلك ما يلي:

1-الدعاء في مكةَ:

عَن عَمْرُو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ فَرَفَع رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: (اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ ثُمَّ سَمَّى اللهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ (نَحْفَظْهُ) قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ([119]).

ذكر بعض الفوائد على هذا الحديث:

قال ابن حجر رحمه الله: “وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار، وما ازدادت عند المسلمين إلا تعظيمًا. وفيه معرفة الكفار بصدقه صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه، ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له، وفيه حلمه صلى الله عليه وسلم عمن آذاه، ففي رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لم أره دعا عليهم إلا يومئذ. وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما أقدموا عليه من الاستخفاف به صلى الله عليه وسلم حال عبادة ربه.

وفيه استحباب الدعاء ثلاثًا. وفيه جواز الدعاء على الظالم، لكن قال بعضهم: محله ما إذا كان كافرًا، فأما المسلم فيستحب الاستغفار له والدعاء بالتوبة، ولو قيل: لا دلالة فيه على الدعاء على الكافر لما كان بعيدًا لاحتمال أن يكون اطلع صلى الله عليه وسلم على أن المذكورين لا يؤمنون، والأَوْلَى أن يُدعى لكل حي بالهداية.

وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء مع صغرها، لشرفها في قومها ونفسها، لكونها صرخت بسبهم وهم رءوس قريش، فلم يردوا عليها. وفيه أن المباشرة آكد من السبب والإعانة لقوله في عقبة: (أشقى القوم)، مع أنه كان فيهم أبو جهل وهو أشد منه كفرًا وأذى للنبي صلى الله عليه وسلم لكن الشقاء هنا بالنسبة إلى هذه القصة لأنهم اشتركوا في الأمر والرضا وانفرد عقبة بالمباشرة فكان أشقاهم، ولهذا قتلوا في الحرب وقتل هو صبرًا”([120]).

2-الدعاء عند الصفا:

لحديث: جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، وفيه: فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ). ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ([121]).

3-الدعاء عند المروة:

للحديث السابق، وفيه: (ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا).

4-الدعاء في عرفة:

لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)([122]). وقد سبق الإشارة إلى هذا في الأدعية المتعلقة بالزمان.

5-الدعاء عند المشعر الحرام:

كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه السابق، وفيه: (ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا).

6 -الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى:

لحديث: سَالِمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه: (أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ)([123]).

7-الدعاء بعد رمي الجمرة الوسطى:

للحديث السابق، وفيه: (ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا).

8-الدعاء عند شرب ماء زمزم:

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ)([124]).

فائدتان:

الفائدة الأولى: قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “ماء زمزم سيد المياه وأشرفها وأجلها قدرًا وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمنًا وأنفسها عند الناس وهو هَزْمَةُ جبريل وسقيا الله إسماعيل. وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة ليس له طعام غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنها طعام طعم)([125])، وزاد غير مسلم بإسناده: (وشفاء سقم)”([126]).

وقال أيضًا رحمه الله: “وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورًا عجيبة واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبًا من نصف الشهر أو أكثر ولا يجد جوعًا ويطوف مع الناس كأحدهم وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يومًا وكان له قوة يجامع بها أهله ويصوم ويطوف مرارًا”([127]) أ.هـ

الفائدة الثانية:

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: “فإذا كان مريضًا وشرب من أجل أن يذهب مرضه فليفعل ويشفى بإذن الله، وإذا كان عطشانًا وشرب لأجل الري فليفعل ويروى بإذن الله، وإذا كان كثير النسيان فشرب ليقوى حفظه فليفعل، وقد فعل ذلك بعض المحدثين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لما شرب له)، والحديث حسن، وهذا فيه تردد.

أما شربه لإزالة العطش فواضح، ولرفع الجوع واضح، وللمرض واضح، لأن المرض علة بدنية عضوية يمكن أن يزول بشرب زمزم كما يزول العطش والجوع…. إلى أن قال رحمه الله : (ويتضلع منه)، أي: يملأ بطنه حتى يمتلئ ما بين أضلاعه، لأن هذا الماء خير.

وقد ورد حديث في ذلك لكن فيه نظر وهو: (أن آية ما بيننا وبين المنافقين إنهم لا يتضلعون من ماء زمزم)([128])، لأن المؤمن يؤمن بأنه شفاء، ونافع، والمنافق لا يؤمن بهذا، فالمنافق لا يشرب منه إلا عند الضرورة لدفعها فقط، والمؤمن يتضلع رجاء بركته التي جاءت في الحديث: (ماء زمزم لما شرب له).

وذلك لأن ماء زمزم ليس عذبًا حلوًا، بل يميل إلى الملوحة، والإنسان المؤمن لا يشرب من هذا الماء الذي يميل إلى الملوحة إلا إيمانًا بما فيه من البركة، فيكون التضلع منه دليلًا على الإيمان)([129]) أ.هـ.

9 ـ الدعاء في الطواف:

لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم – فيما نعلم- أدعية أو أذكار تقال في الطواف، إلا فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)([130]). أما في باقي الطواف فهو مخير بين الذكر والدعاء وقراءة القرآن. قال ابن قدامة رحمه الله: “ويستحب الدعاء في الطواف، والإكثار من ذكر الله تعالى; لأن ذلك مستحب في جميع الأحوال، ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى، ويستحب أن يَدَعَ الحديثَ (الكلام)، إلا ذكرَ الله تعالى، أو قراءةَ القرآن، أو أمرًا بمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو ما لا بد منه”([131]) انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وليس فيه – يعني الطواف- ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب، ونحو ذلك فلا أصل له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة”([132]) انتهى.

وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: “ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر الله تعالى كلما أتى على الحجر الأسود، وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء مخصص لكل شوط. وعلى هذا، فيدعو الطائف بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ويذكر الله تعالى بأي ذكر مشروع من تسبيح أو تحميد أو تهليل أو تكبير أو قراءة قرآن”([133]) انتهى باختصار.

10ـ الدعاء عند الملتزم:

الملتزم: هو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ومعنى التزامه أي: وضع الداعي صدره ووجهه وذراعيه وكفيه عليه ودعاء الله تعالى بما تيسر له مما يشاء.

ومما ورد في ذلك حديث: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قُلْتُ لأَلْبَسَنَّ ثِيَابِي – وَكَانَتْ دَارِي عَلَى الطَّرِيقِ- فَلأَنْظُرَنَّ كَيْفَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقْتُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَرَجَ مِنَ الْكَعْبَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدِ اسْتَلَمُوا الْبَيْتَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الْحَطِيمِ وَقَدْ وَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَى الْبَيْتِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسْطَهُمْ ([134]).

وعن: عَمْرُو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ السَّبْعِ، رَكَعْنَا فِي دُبُرِ الْكَعْبَةِ فَقُلْتُ: أَلَا نَتَعَوَّذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: (أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ) قَالَ: ثُمَّ مَضَى، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ قَامَ بَيْنَ الْحَجَرِ، وَالْبَابِ، فَأَلْصَقَ صَدْرَهُ، وَيَدَيْهِ، وَخَدَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ)([135]).

فائدة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وإنْ أحبَّ أنْ يأتيَ الملتزم -وهو ما بين الحجر الأسود والباب- فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته فعل ذلك، وله أنْ يفعل ذلك قبل طواف الوداع فإنَّ هذا الالتزام لا فرق بين أنْ يكون حالَ الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين دخول مكة، وإنْ شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس: اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرتَ لي مِن خلقك وسيرتَني في بلادك حتى بلغتَني بنعمتِك إلى بيتِك وأعنتَني على أداء نسكي فإنْ كنتَ رضيتَ عني فازدَدْ عني رضا وإلا فمِن الآن فارضَ عني قبل أنْ تنآى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إنْ أذنتَ لي غير مستبدلٍ بك ولا ببيتِك ولا راغبٍ عنك ولا عن بيتِك اللهمَّ فأصحبني العافيةَ في بدني والصحةَ في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتَني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير. ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسنًا”([136]).

والحاصل أنه ليس هناك دعاء معين يدعوه المسلم في ذلك المكان، وله أن يلتزمه عند دخوله الكعبة -إن تيسَّر له دخولها-، وله أن يفعله قبل طواف الوداع، وله أن يفعله في أي وقت شاء، وينبغي للداعي أن لا يضيِّق على غيره فيطيل الدعاء، كما لا يجوز مزاحمة الناس وأذيتهم من أجله، فإن رأى فسحة ومجالًا دعا وإلا فيكفيه الدعاء في الطواف وسجود الصلاة.

ذكر بعض مواطن الدعاء الأخرى:

1 ـ الدعاء في مجالس الذكر:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ-: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللهِ مَا رَأَوْكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا. قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي (فَمَا يَسْأَلُونَنِي)؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ. قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا. قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً. قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ. قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا. قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً. قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ! قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ)([137]).

2 ـ الدعاء عند سماع الديكة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا)([138]).

ذكر بعض الفوائد:

الفائدة الأولى: قوله: (إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ): بكسر الدال المهملة وفتح التحتانية جمع ديك وهو ذَكَر الدجاج وللديك خصيصة ليست لغيره من معرفته الوقت الليلي فإنه يقسط أصواته فيها تقسيطًا لا يكاد يتفاوت ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده لا يكاد يخطئ سواء طال الليل أم قصر.

وقوله: (فإنها رأت ملَكًا): بفتح اللام قال عياض: “كأن السبب فيه جاء تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم له وشهادتهم له بالإخلاص والتضرع”.

الفائدة الثانية:

جاء في رواية أبي داود: (لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة)، وعند البزار أن ديكا صرخ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبه رجل (فنهى عن سب الديك)، فيؤخذ من هذه الرواية أن كل من استفيد منه الخير لا ينبغي أن يسب ولا أن يستهان به بل يكرم ويحسن إليه ([139]).

3 ـ الدعاء عند رؤية أهل البلاء:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مُبْتَلًى، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ البَلاَءُ)([140]).

فائدة:

قوله: (مَنْ رَأَى مُبْتَلًى) قيل بأن هذا الدعاء إنما يقوله إذا كان مبتلى بالمعاصي والفسوق وأما إذا كان مريضا أو ناقص الخلقة لا يحسن الخطاب.

والصواب كما الملا على القاري في المرقاة أنه عام لورود الحديث بذلك لكن ينبغي أن يقول هذا الذكر سرًا، بحيث يُسمع نفسه، ولا يُسمعه المبتلى، لئلا يتألم قلبه بذلك، إلا أن تكون بليته معصية، فلا بأس أن يُسمعه ذلك، من باب الزجر له إن لم يخف من ذلك مفسدة.

قوله: (وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا) يجوز أن يكون المراد به الجماعة المبتلون، وتفضيل الله تعالى إياه عليهم، بحيث إنه سلمه من هذا البلاء، الذي ابتلاهم به.

ثالثًا: الأدعية المتعلقة بالأحوال:

1- دعاء الوالد لولده:

عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ)([141]).

ذكر بعض الفوائد على هذا الحديث:

أولًا: الأبناء من زينة الحياة الدنيا، كما قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46]، وهم قرة عين الوالدين، وفلذة كبدهما، فكيف يدعوان عليهم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس، خشية أن يوافق ساعة إجابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فيَسْتَجِيبُ لَكُمْ)([142]).

ثانيًا: دعاء الوالد لولده أو عليه مستجاب كما في حديث أنس المتقدم، ومن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الآباء والأمهات أنهم يدعون على أولادهم إذا حصل منهم ما يغضبهم، والذي ينبغي هو الدعاء لهم بالهداية وأن يصلحهم الله ويلهمهم رشدهم.

ثالثًا: من رحمة الله تعالى أنه لا يستجيب دعاء الوالدين على أولادهما إذا كان في وقت الغضب والضجر، وذلك لقوله تعالى:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس:11]. قال ابن كثير : في تفسيرها: “يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم، في حال ضجرهم، وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه- لطفًا ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم، أو لأموالهم، أو لأولادهم، بالخير والبركة والنماء”([143]) انتهى.

2- دعاء الولد الصالح لوالديه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)([144]).

ذكر بعض الفوائد على هذا الحديث:

أولًا: ليس دعاء الولد لوالده في حد ذاته هو الذي يجعله صالحًا، وإنما هو ثمرة لصلاحه بسبب حسن تربية والده له، الذي رباه على الإسلام والإيمان.

ثانيًا: قوله: (أو ولد صالح يدعو له) تقييده بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على الدعاء.

ثالثًا: دعاء الولد لوالده من بره به فهو من عبادته لمولاه أيضًا لأن الدعاء عبادة، وليس هنالك دعاء مخصوص ينبغي للولد أن يدعو به لوالده، وإنما يدعو له بالمغفرة والرحمة بدخول الجنة، مثل دعاء نوح في سورة نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح:28]، ومثل ما في سورة الإسراء: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24].

3- دعاء الصائم عند فطره:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ..)([145]). وأولى ما يقول عند فطره ما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَال: (ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ)([146]). وأما دعاء: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)([147]). فقد رواه أبو داود وهو حديث مرسل ضعيف.

فائدتان:

الفائدة الأولى: متى يكون دعاء (ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ) قبل الإفطار أم بعده؟

قال شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله: “الدعاء يكون قبل الإفطار عند الغروب، لأنه يجتمع فيه انكسار النفس والذل وأنه صائم، وكل هذه أسباب للإجابة وأما بعد الفطر فإن النفس قد استراحت وفرحت وربما حصلت غفلة”([148]).

الفائدة الثانية: على الصائم أن يغتنم هذا الوقت ويدعو بحضور قلب وإيقان بالإجابة في وقت تُرجى فيه الإجابة، فإنه وقت ذل وانكسار بين يدي الله تعالى، مع كونه صائمًا ويكرر الدعاء ثلاثًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة)([149])، وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ)([150]).

فمن دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع وهو صائم ولم يمنع من إجابة الدعاء مانع كأكل الحرام ونحوه فإن الله تعالى قد وعده بالإجابة وخصوصًا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء وهو الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية والإيمان به الموجب للاستجابة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وعليه أن يلح في الدعاء وطلب الغفران فإنه في شهر فاضل وموسم عظيم من مواسم العبادة، وموطن حري أن يستجاب فيه الدعاء.

وعلى الصائم أن يحذر أن تكون لحظات الإفطار وقتًا للقيل والقال أو الانشغال بأمور لا تفوت بتأخيرها، فإن هذه أوقات غالية فلا ترخصوها بالغفلة.

4- دعاء المسافر:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ….)([151]).

فائدة:

ورد في السنة بعض الأذكار التي يستحب لمن أراد السفر أن يقولها، ومن ذلك: عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا استَوَى عَلى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كبَّر ثلاثًا ثم قال: (سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنينَ، وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللهُمَّ هَوّْن عَلَيْنا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ. اللهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأهْلِ. اللهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ، وكآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأهْلِ. وإذا رَجع قالهنّ وزاد فيهنّ: آيِبُونَ، تائبُونَ، عابدُونَ، لرَبِّنَا حامِدُون)([152]).

وقوله: (وما كنا له مُقرِنِين) أي: مُطِيقين، أي: ما كنا نطيق قهر واستعمال هذه الراحلة لولا تسخير الله تعالى إياها لنا.

وقوله: (وَعثَاء) أي: المشقة والشدة. (وكآبة): هي تغير النفس من حزن ونحوه.

وقوله: (المنقلب) أي: المرجع ([153]).

ومتى حافظ المسافر على أذكار الصباح والمساء، وسأل الله تعالى السلامة والعافية، ودعا بدعاء السفر السابق، فإنه يرجى أن يستجيب الله له، فيحفظه ويسلمه إلى أهله كما يحب، إلا أن يشاء الله بحكمته ابتلاء العبد، فلا راد لقضائه سبحانه، ولا مُعَقِّب لحكمه.

ومما ينبغي أن يحافظ عليه إذا أراد أن يخرج من بيته لسفر أو غيره لعل الله يحفظه به ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قالَ -يعني إذا خرج من بيته-: باسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ على اللهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ. يُقالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَهُدِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وكُفِيَ وَوُقِيَ؟)([154]).

قوله: (هُديت): بصيغة المجهول، أي: طريق الحق، (وكُفيت) أي هَمَّك، (وَوُقيت) من الوقاية، أي: حُفِظت ([155]).

5- الدعاء عند الغضب:

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ) فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، َقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ([156]).

فائدة:

الغضب نزغة من نزغات الشيطان، يقع بسببه من السيئات والمصائب مالا يعلمه إلا الله، ولذلك جاء في الشريعة ذكرٌ واسعٌ لهذا الخلق الذميم.

وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحدّ من آثاره، فمن ذلك:

أولًا: الاستعاذة بالله من الشيطان كما في الحديث المتقدم:

ثانيًا: السكون: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا غضِب الرَّجلُ فقال أعوذُ باللهِ سكَن غضبُه)([157]).

ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل -كما سيرد بعد قليل- وربما أتلف مالًا ونحوه، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية. قال العلامة الخطابي: في شرحه على أبي داود: “القائم متهيء للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى، والمضطجع ممنوع منهما، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد”([158]).

4-حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ)، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ)([159]). وفي رواية قال الرجل: (ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله)([160]).

5-استحضار ما أعده الله تعالى للكاظمين الغيظ:

إن تَذكُّر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب، ومما ورد من الأجر العظيم في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللهُ ﻷ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([161])، وأجر عظيم آخر كما في حديث سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ عز وجل عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ)([162]).

6-معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ)([163]).

وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة. قال صلى الله عليه وسلم: (الصُّرَعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ، الصُّرَعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ، الرَّجُلُ يَغْضَبُ فَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ، وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ، وَيَقْشَعِرُّ شَعَرُهُ، فَيَصْرَعُ غَضَبَهُ)([164]).

7-التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب:

من التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله، وكذا إذا انتهكت محارم الله، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته، وغضب لما رأى في بيت عائشة رضي الله عنها سترًا فيه صور ذوات أرواح، وغضب لما كلمه أسامة رضي الله عنه في شأن المخزومية التي سرقت، وقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها، وغير ذلك. فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله.

8-معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين:

وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأعدت لهم جنات عرضها السموات والأرض، ومن صفاتهم أنهم: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم، ماتشرئبّ الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم، ومن أخلاقهم أنهم: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37].

9-معرفة مساوئ الغضب:

وهي كثيرة، مجملها الإضرار بالنفس والآخرين، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب، وقد يصل الأمر إلى القتل، وهذه قصة فيها عبرة: عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا قَتَلَ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَقَتَلْتَهُ؟) فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ – قَالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ، قَالَ: (كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ (قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فَأَغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ،…)([165]).

وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه، فربما مزق ثوبه، أو لطم خده، وربما سقط صريعًا أو أغمي عليه، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع.

ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها الطلاق فينتج عن ذلك تشريد الأولاد، والندم والخيبة، والعيش المرّ وكله بسبب الغضب. ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسارة.

وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلّط الدم، وارتفاع الضغط، وزيادة ضربات القلب، وتسارع معدل التنفس، وهذا قد يؤدي إلى سكته مميتة أو مرض السكري وغيره. نسأل الله العافية.

6- الدعاء عند المصيبة:

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ك، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا)، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ، فَقَالَ: (أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ)([166]).

فائدة:

هناك أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت، منها:

1- أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه، وادَّخر له إن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي.

2- أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بعظيم ومن أعظمها فقد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ وأنه لو فتَّش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن شرور الدنيا أحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلًا أبكت كثيرًا، وإن سرَّت يومًا ساءت دهرًا، وإن متَّعت قليلًا منعت طويلًا، ولا سرته بيوم سروره إلا خبأت له يوم شرور، قال ابن مسعود رضي الله عنه: لكل فرحة ترحة، وما مليء بيت فرحًا إلا مليء ترحًا. وقال ابن سيرين رحمه الله: “ما كان ضَحِكٌ قط إلا كان من بعده بكاء”.

3-أن يعلم أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها.

4-أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة. قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156].

5-أن يعلم أن الجزع يغضب ربه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، ويسوء صديقه، ويسر شيطانه، يشمت عدوه، وإذا صبر واحتسب وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، والسخط على المقدور.

6-أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ويكفيه من ذلك (بيت الحمد) الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه، فلينظر أي المصيبتين أعظم: المصيبة العاجلة، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد، وفي الترمذي مرفوعًا: (يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء)، وقال بعض السلف: (لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس).

7-أن يعلم أن الذي ابتلاه بها هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به، ولا ليجتاحه، وإنما ابتلاه به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحًا ببابه، لائذًا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعًا قصص الشكوى إليه.

8-أن يعلم أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعُجب وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلًا وآجلًا، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يبتليه في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظًا لصحة عبوديته، واستفراغًا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه، كما قيل:

قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالْبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ *** وَيَبْتَلِي اللهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ

9-أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، يقلبها الله سبحانه، كذلك حلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك، فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (حُفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)([167]).

7 -الدعاء عند المريض:

عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ، أَوِ الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ)، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ، قَالَ: (قُولِي: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً)، قَالَتْ: فَقُلْتُ، فَأَعْقَبَنِي اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ([168]).

8 -دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب:

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ)([169]).

فائدتان:

الفائدة الأولى: يجوز للإنسان طلب الدعاء من غيره مع مراعاة ما يلي:

1-ألا يعتاد الإنسان ذلك ويتوانى في الدعاء لنفسه.

2-ألا يخشى اغترار المطلوب منه، وإعجابه بنفسه.

3-أن يقصد بذلك نفع نفسه ونفع المطلوب منه، لأن الملائكة تُؤمن على دعائه حين يدعو لأخيه بظهر الغيب.

الفائدة الثانية:

لا حرج في الدعاء أمام الشخص، أو كتابة ذلك في رسالة، وفي ذلك تطييب لخاطره، وإدخال السرور على نفسه، لكن الدعاء له بظهر الغيب يختص بالفضل الوارد في حديث: (مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ). قال النووي رحمه الله: (أَمَّا قَوْله صلى الله عليه وسلم: (بِظَهْرِ الْغَيْب) فَمَعْنَاهُ: فِي غَيْبَة الْمَدْعُوّ لَهُ، وَفِي سِرّه؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغ فِي الْإِخْلَاص… وَفِي هَذَا فَضْل الدُّعَاء لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِظَهْرِ الْغَيْب. وَلَوْ دَعَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَة، وَلَوْ دَعَا لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِر حُصُولهُا أَيْضًا، وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة; لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب، وَيَحْصُل لَهُ مِثْلُهَا)([170]).

9 -الدعاء عند دخول الخلاء:

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد دخول الخلاء قال: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ)([171]).

فائدة:

ذكر العلماء أن العلة من استحباب الاستعاذة بالله ـ عند دخول الخلاء هي الالتجاء إليه سبحانه في الحماية من الشياطين التي تحضر أماكن النجاسات وكشف العورات، وقد جاء في الحديث الشريف ما يدل على ذلك. فعنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ)([172]).

الحشوش: مواضع قضاء الحاجة (دورات المياه).

جاء في الموسوعة الفقهية: “قال الحطّاب: وخصّ هذا الموضع بالاستعاذة لوجهين:

الأوّل: بأنّه خلاءٌ، وللشّياطين بقدرة اللّه تعالى تسلّطٌ بالخلاء ما ليس لهم في الملأ.

الثّاني: أنّ موضع الخلاء قذرٌ ينزّه ذكر اللّه تعالى فيه عن جريانه على اللّسان، فيغتنم الشّيطان عدم ذكره، لأنّ ذكر اللّه تعالى يطرده، فأمر بالاستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمةً بينه وبين الشّيطان حتّى يخرج”([173]). انتهى.

ويقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: “فائدة هذه الاستعادة: الالتجاء إلى الله ﻷ من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول: أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر، ولا الخبائث وهي النفوس الشريرة”([174]) انتهى.

وهذه العلة تقتضي من المسلم أن يحافظ على الاستعاذة عند كل دخول للخلاء، سواء كان بقصد قضاء الحاجة، أو كان لغير ذلك من الأمور التي يستعمل الناس اليوم لها دورات المياه من أمور النظافة المتنوعة، وبذلك يحفظ المسلم نفسه من أذى الشياطين.

10 -دعاء المظلوم على ظالمه:

 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: (إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ)([175]).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ)([176]).

11 -الدعاء عند لبس الثوب الجديد:

 الأحاديث الواردة في الذكر المستحب عند لبس الثوب على نوعين:

النوع الأول: أحاديث تخصص الذكر المستحب عند لبس الثوب الجديد: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ، إِمَّا قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً، ثُمَّ يَقُولُ: (اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ)([177]).

النوع الثاني: أحاديث مطلقة، لم تقيد استحباب الذكر عند لبس الثوب الجديد فقط، بل عند لبس أي ثوب: عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ)([178]).

فائدتان: الأولى: في بعض الكتب التي تنقل حديث: (اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ)، إضافة قيد (ثوبًا جديدًا) والغالب أنها زيادة ليست من أصل هذا الحديث بل هي من كلام بعض رواة الحديث.

الفائدة الثانية: بناء على هذا التنوع في الأحاديث فرق العلماء بين هذين الذكرين، فجعلوا الذكر الأول: (اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ) عند لبس الثوب الجديد.

وجعلوا الذكر الثاني: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ) عند لبس أي ثوب، سواء كان قديمًا أم جديدًا.

قال النووي رحمه الله: “السنة…أن يقول إذا لبس ثوبًا…..الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة. وإذا لبس جديدًا قال: اللهم أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له”([179]) انتهى.

12- الدعاء عند الدخول بالزوجة:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ)([180]).

فائدة:

يستحب للمسلم إذا دخل على زوجته عدة أمور قد وردت في السنّة، منها:

أولًا: أن يسأل الله تعالى خيرها كما في الحديث المتقدم.

ثانيًا: أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئًا من الشراب ونحوه لحديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدِ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: إِنِّي قَيَّنْتُ عَائِشَةَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جِئْتُهُ فَدَعَوْتُهُ لِجِلْوَتِهَا فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهَا فَأُتِيَ بِعُسِّ لَبَنٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا وَاسْتَحْيَا قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَانْتَهَرْتُهَا وَقُلْتُ لَهَا: خُذِي مِنْ يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ فَأَخَذَتْ فَشَرِبَتْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَعْطِي تِرْبَكِ)([181]).

ومعنى قولها: (قَيَّنْتُ) أصلحت العروس.

وقولها: (بِعُسِّ) العس القدح الكبير.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (أَعْطِي تِرْبَكِ) أي صاحبك يعني نفسه.

ثالثًا: وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها وأن يسمي الله تبارك وتعالى ويدعو بالبركة ويقول ما ورد في الحديث المتقدم.

رابعًا: ويستحب له أن يصلي بها ركعتين يؤمّها وهي خلفه فقد نقل عن السلف فعله.

خامسًا: أن يقول إذا أراد أن يأتيها ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ بِسْمِ اللهِ اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ)([182]).

13 -الدعاء عند الجماع:

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللهِ اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا)([183]).

وفي رواية: (لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ)([184]).

ذكر بعض الفوائد على هذا الحديث:

أولًا: الحديث يدل على أن هذا الذكر يقال عند الجماع، لا عند مجرد المداعبة.

ثانيًا: اختلف في المراد بقوله: (لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) فقيل: “المراد أنه يكون من الصالحين الذين لا سلطان للشيطان عليهم، وقيل: أي لا يصرعه الشيطان، أو لا يضله بالكفر، أو لا يشارك أباه فيه عند جماع أمه. قال: ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والإغواء” انتهى ([185]).

ثالثا: في هذا الحديث وعد لمن قال ذلك ورزق ولدًا أن الشيطان لا يضره، فينبغي الحرص على هذا الدعاء والمواظبة عليه رجاء أن يحفظ الله الولد من الشيطان.

 وليس في الحديث أن من نسي هذا الذكر أن الشيطان يضر ولده ولا بد، أو أن الشيطان يكون له نصيب في ذلك الجماع ولا بد، وإنما ورد ذلك عن بعض السلف.

رابعًا: هذا الدعاء مشروع في حق الرجل إذا أراد أن يأتي أهله، لكن لو دَعتْ به المرأة فلا بأس، لأن الأصل عدم الخصوصية ([186]).

14 -الدعاء عند الاستيقاظ من الليل وقول الدعاء الوارد في ذلك:

قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ)([187]).

فائدتان:

الأولى: قال ابن حجر في شرحه في بيان معنى التعار: “وقال ثعلب: اختلف في تعار فقيل انتبه، وقيل تكلم، وقيل علم، وقيل تمطى، وقال الأكثر: التعار اليقظة مع صوت،…إلى أن قال. ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ، لأنه قد يصوت بغير ذكر فخص الفضل المذكور بمن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى، وهذا هو السر في اختيار لفظ تعار دون استيقظ أو انتبه، وإنما يتفق ذلك لمن تعود الذكر واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته”([188]) اهـ.

الفائدة الثانية: لا يلزم من استجابة الدعاء حال التعار من الليل إعطاء السائل عين ما سأل، أو أن يجاب في الوقت الذي عينه في دعائه، لحديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا:إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ)([189]).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربي العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

                                                    وكتبه

                                                                                       أ. د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                                        عضو الإفتاء بالقصيم

                                                                                                 والأستاذ بكلية التربية بالزلفي

                                                                                                          جامعة المجمعة

                                                                                                   المملكة العربية السعودية

                                                                                                     بتاريخ 15/ 9/ 1437هـ

فهرس الموضوعات

الموضوع                                           

تقديم

المطلب الأول: تعريف الدعاء لغة واصطلاحًا

المطلب الثاني: فضائل الدعاء

المطلب الثالث: أهمية الدعاء ومنزلته في الشريعة

المطلب الرابع: آثار الدعاء

أولًا: الآثار العاجلة

1 -الدعاء يستدعي حضور القلب مع الله

2 -الدعاء يهذب النفس

3 -الدعاء تلقين لأصول العقيدة

4 -الدعاء سلاح المؤمن

ثانيًا: الآثار الآجلة

1 -الدعاء مفتاح الحاجات

2 -الدعاء شفاء من كلِّ داء

3 -الدعاء ادخار وذخيرة

المطلب الخامس: آداب الدعاء وأسباب اجابته

1-كون الداعي من أهل التوحيد

2-الإخلاص لله تعالى في الدعاء

3-أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى

4-الثناء على الله تعالى قبل الدعاء

5-الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

6-استقبال القبلة

7-رفع اليدين عند الدعاء

8-اليقين بإجابة الله تعالى، وحضور القلب

9-الإكثار من المسألة

10-التضرع والخشوع والرغبة والرهبة

11-تكرار الدعاء ثلاثًا

12-إطابة المأكل والملبس

13-إخفاء الدعاء وعدم الجهر به

14-الصدق مع الله

15 -الاستجابة لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتحقيق الإيمان

16 -التقرُّب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض

17 -كثرة ذكر الله

18 -الدعاء باسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى وصفاته العلى

19 -التوسُّل إلى الله تعالى بأنواع التوسُّل المشروعة

المطلب السادس: التحذير من الأدعية المبتدعة

المطلب السابع: أنواع الدعاء باعتباره ومعناه

المطلب الثامن: هل هناك علاقة بين الذكر والدعاء؟

المطلب التاسع: مواضع الدعاء

أولًا: الدعاء المطلق

أ – تعريفه

ب – شروط الدعاء المطلق الذي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم

ج – أمثلة للدعاء المطلق الذي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم

ثانيًا: الدعاء المقيد

أ – تعريفه

ب – أنواع الدعاء المقيد

أولًا: الدعاء المقيد بالزمان

1-الدعاء في جوفِ الليل من الثلث الأخير

2 -دعاء ساعة الجمعة

3 -الدعاء في ليلةِ القدر

4 -الدعاء بين الأذان والإقامة

5 -الدعاء دبر الصلوات المكتوبة

6 -الدعاء في جوف الليل الآخر

7 -الدعاء في الوتر من ليالي العشر من رمضان

8 -الدعاء في شهر رمضان

9 -الدعاء في يوم عرفة

10- الدعاء بعد زوال الشمس فيل الظهر

11 -الدعاء عند وفاة الميت والصلاة عليه ودفنه والتعزية

12 ـ الأدعية عند الصباح والمساء

13 ـ الدعاء عند خسوف القمر وكسوف الشمس

14 ـ الدعاء عند رؤية الهلال

14 ـ الدعاء عند الإستسقاء

15 ـ دعاء الحاج ودعوة المعتمر ودعوة الغازي في سبيل الله

16 ـ الدعاء عند النداء وعند البأس ووقت المطر

ثانيًا: الأدعية المتعلقة بالمكان

1-الدعاء في مكةَ

2-الدعاء عند الصفا

3- الدعاء عند المروة

4-الدعاء في عرفة

5-الدعاء عند المشعر الحرام

6 -الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى

7-الدعاء بعد رمي الجمرة الوسطى

8-الدعاء عن شرب ماء زمزم

9 ـ الدعاء في الطواف

10ـ الدعاء عند الملتزم

ذكر بعض مواطن الدعاء الأخرى

1 ـ الدعاء في مجالس الذكر

2 ـ الدعاء عند سماع الديكة

3 ـ الدعاء عند رؤية أهل البلاء

ثالثًا: الأدعية المتعلقة بالأحوال

1 _ دعاء الوالد لولده

2 _ دعاء الولد الصالح لوالديه

3 _ دعاء الصائم عند فطره

4 _ دعاء المسافر 

5 _ الدعاء عند الغضب

6 _ الدعاء عند المصيبة

7 -الدعاء عند المريض

8 -دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب

9 -الدعاء عند دخول الخلاء

10 -دعاء المظلوم على ظالمه

11 -الدعاء عند لبس الثوب الجديد

12 -الدعاء عند الدخول بالزوجة

13 -الدعاء عند الجماع

14 -الدعاء عند الاستيقاظ من الليل وقول الدعاء الوارد

فهرس الموضوعات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) جامع البيان في تأويل القرآن – للطبري – (33/ 526).

([2]) المصباح المنير(1/ 194).

([3]) المعجم الوسيط (1/ 268).

([4]) القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، (ص 131).

([5]) انظر: شأن الدعاء للخطابي (ص 4).

([6]) انظر: مجموع الفتاوى (10/239-240).

([7]) انظر: الدعاء وأحكامه. خلود المهيزع (ص 38، 54).

([8]) رواه أبو داود (2/ 77، برقم 1479)، والترمذي (5/ 211 برقم 2969)، وابن ماجه (2/ 1258، برقم 3823)، وانظر: صحيح الجامع الصغير (3/ 150، برقم 3401)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1/ 138).

([9]) رواه الترمذي برقم (3370)، وابن ماجه برقم(3829)، وأحمد برقم (3748)، وحسّن إسناده الألباني في صحيح الترمذي (3/ 138).

([10]) رواه الإمام أحمد (10749)، والترمذي برقم (1633) قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (حسن صحيح) حديث رقم (1633).

([11]) انظر كتاب: الدعاء وأحكامه الفقهية: خلود بنت عبد الرحمن المهيزع ص (37).

([12]) رواه ابن ماجة (90) وأحمد (21881)، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/286 برقم 154).

([13]) رواه الترمذي برقم (3304) ، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (3382).

([14]) رواه الإمام أحمد برقم ( 2664 ) والترمذي برقم ( 2516).

([15]) رواه البخاري برقم (6957)، ومسلم برقم (2677).

([16]) بدائع الفوائد (1/171).

([17]) رواه الترمذي برقم (3476).

([18]) رواه الترمذي برقم (3477) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2765، 2767).

([19]) رواه الطبراني في الأوسط (1/220)، الألباني في صحيح الجامع (4399).

([20]) الأذكار (ص 176).

([21]) رواه الترمذي (3477) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (1314).

([22]) انظر كتاب جلاء الأفهام لابن القيم (ص 531).

([23]) رواه مسلم (1763).

([24]) رواه أبو داود (1488)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1320).

([25]) رواه أبو داود (1486)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1318).

([26]) رواه البخاري، برقم (1014) ومسلم برقم (897).

([27]) رواه مسلم (874).

([28]) رواه الإمام أحمد (5/438) والحاكم (1/497) والترمذي، (3556) وصححه الألباني في الجامع (1757).

([29]) شرح الأربعين النووية: محمد بن صالح بن محمد العثيمين ص(150 – 151).

([30]) الشرح الممتع (4/25).

([31]) مجموع الفتاوى (22/519).

([32]) رواه الترمذي (3479)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2766).

([33]) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675).

([34]) رواه الإمام أحمد (9076)، وصحح إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (4/225)

([35]) رواه الإمام أحمد (16059)، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (4316).

([36]) رواه البخاري (6339) ومسلم (2679).

([37]) رواه الترمذي (3479) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245).

([38]) انظر فتح الباري لابن حجر (13/386).

([39]) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735).

([40]) رواه مسلم (1794).

([41]) رواه الإمام أحمد (1/397) وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (5/290).

([42]) فتاوى نور على الدرب.

([43]) رواه البخاري (4357) ومسلم (2476).

([44]) رواه أبو يعلى في المسند (11/54) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2506).

([45]) نور على الدرب.

([46]) رواه مسلم (1015).

([47]) رواه مسلم: (1909).

([48]) فيض القدير(6/144).

([49]) الفوائد (ص186).

([50]) رواه البخاري: (6502).

([51]) رواه البزَّار في مسنده برقم (8750).

([52]) رواه البيهقي في شعب الإيمان (6973)، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (3064)، والسلسلة الصحيحة (1211).

([53]) رواه الإمام أحمد (22952)، وأبو داود (1493)، والترمذي (3475)، وابن ماجة (3857)، وصحَّحه الألباني.

([54]) رواه أحمد (16354) وابن ماجة (3864) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1330).

([55]) فتح الباري شرح صحيح البخاري(8/298).

([56]) فتاوى نور على الدرب.

([57]) بدائع الفوائد (3 /524).

([58]) مجموع الفتاوى (22 /510-511).

([59]) الفتوحات الربانية – لابن علان (1/17).

([60]) الجامع لأحكام القرآن (4 /231).

([61]) القواعد الحسان لتفسير القرآن، ص 154.

([62]) رواه البخاري برقم (7431).

([63]) بدائع الفوائد (3/10).

([64]) رواه البخاري برقم (6345)، ومسلم (2730).

([65]) الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ( ص42 ).

([66]) رواه البخاري (247) ومسلم (2710).

([67]) رواه البخاري برقم:(1145)، (6321)، (7494)، و مسلم (رقم:758).

([68]) مجموع الفتاوى (5/130 ـ 131).

([69]) رواه البخاري (935)، ومسلم (852).

([70]) رواه مسلم في صحيحه برقم (853).

([71]) رواه أحمد في مسنده (7631).

([72]) رواه أبو داود (1048) والنسائي (1389) وصححه الألباني.

([73]) زاد المعاد (1/376).

([74]) تقدم تخريجه قريبًا.

([75]) عمدة القاري شرح البخاري (6/242).

([76]) فتاوى الشيخ ابن باز (30 / 270 , 271).

([77]) رواه الترمذي (رقم:3513)، وابن ماجه (رقم:3850)، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح ابن ماجه (رقم:3105).

([78]) رواه الإمام أحمد (3/119، 155)، والترمذي (رقم:212)، وأبو داود (رقم:521)، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:3408).

([79]) رواه البخاري (589).

([80]) عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:  أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أقامها الله وأدامها»، رواه أبو داود (528). والحديث ضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1 / 211) وضعفه الألباني في الإرواء برقم (241).

([81]) رواه الترمذي (رقم:3499)، وحسَّنه العلاَّمة الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (رقم: 2782).

([82]) رواه الإمام أحمد (5/244، 245)، وأبو داود، برقم (1522)، والنسائي، برقم (1304) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (1362).

([83]) رواه البخاري برقم (6265).

([84]) رواه البخاري برقم (2822).

([85]) رواه الترمذي برقم 3579 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 3/173.

([86]) رواه البخاري برقم 1145، ومسلم برقم 758.

([87]) رواه أحمد في المسند (3/ 249، برقم 1723)، وأبو داود برقم (1425)وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1281).

([88]) رواه البخاري (5687)، ومسلم (2215).

([89]) رواه البخاري (4478)، ومسلم (2049).

([90]) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لشيخنا محمد بن صالح بن عثيمين (4/21).

([91]) يُنظر تفسير ابن كثير، ونظم الدرر للبقاعي في تفسير الآية 186 من سورة البقرة.

([92]) رواه الإمام أحمد (2/305، 445)، والترمذي (3598)، وابن ماجه (1752)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1797).

([93]) رواه الترمذي (رقم:3585)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (3/184، رقم 1503).

([94]) رواه مسلم برقم (2690).

([95]) رواه الترمذي وهو صحيح الإسناد انظر تخريج المشكاة (1/337).

([96]) زاد المعاد في هدي خير العباد (1/298).

([97]) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/146).

([98]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/894).

([99]) رواه مسلم (2732).

([100]) رواه أبو داود (3199) وحسنه الألباني في سنن أبي داود.

([101]) رواه مسلم (2241).

([102]) رواه مسلم (963).

([103]) رواه أبو داود (3201) وصححه الألباني في سنن أبي داود.

([104]) رواه أبو داود (3221)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (ص198).

([105]) رواه البخاري (1284)، ومسلم (923).

([106]) رواه مسلم (2723).

([107]) انظر كتاب فقه الأدعية والأذكار للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (3/ 19).

([108]) رواه أبو داود (5068) والترمذي (3391) والنسائي في الكبرى (10323) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة ( 3868 ).

([109]) رواه البخاري (6306).

([110]) رواه البخاري برقم (1044)، ومسلم برقم(901).

([111]) رواه البخاري برقم (1059)، ومسلم برقم(912).

([112]) رواه الترمذي برقم (3451)، وحسَّنه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع برقم (4726).

([113]) رواه البخاري برقم (1013)، ومسلم برقم (897).

([114]) رواه أبو داود برقم (1173)، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح أبي داود برقم (1040).

([115]) رواه ابن ماجه (رقم:2893)، وابن حبان (رقم:4613)، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (رقم:1820).

([116]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/1755).

([117]) رواه أبو داود (2542)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (2290).

([118]) رواه البخاري برقم:(1032).

([119]) رواه البخاري (240) ومسلم (1794).

([120]) فتح الباري (1/349).

([121]) رواه مسلم (1218).

([122]) سبق تخريجه.

([123]) رواه البخاري برقم (1753).

([124]) رواه أحمد (3/357، 372)، وابن ماجه برقم (3062) وحسنه المنذري في الترغيب (2/334)، وابن القيم في الزاد (4/393).

([125]) رواه الإمام مسلم (2473).

([126]) رواه البزار (1171) و(1172) والطبراني في الصغير(295).

([127]) زاد المعاد (4/319، 320). ومعنى هزمة جبريل عليه السلام أي ضرب برجله فانخفض المكان فنبع الماء وقيل معناه أنه هزم الأرض أي كسر وجهها عن عينها حتى فاضت بالماء. وسقا من السقايا شرب منها إسماعيل.

([128]) رواه ابن ماجه في المناسك (1017) والحاكم (1/472) وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح ورجاله موثقون.

([129]) الشرح الممتع (7/377- 379).

([130]) رواه أحمد في المسند (3/411) وصححه ابن حبان (9/134)، والحاكم (1/625).

([131]) المغني (3/187).

([132]) مجموع الفتاوى (26/122).

([133]) مجموع فتاوى -ابن عثيمين -(24/327).

([134]) رواه أبو داود (1898) وأحمد (15124) وانظر تعليق الألباني على الحديث في السلسلة الصحيحة ( 5 / 170).

([135]) رواه أبو داود (1899) وابن ماجه (2962) وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (2415) وانظر السلسلة الصحيحة ( 2138 ).

([136]) مجموع الفتاوى ( 26 / 142، 143 ).

([137]) رواه البخاري برقم(6408)، ومسلم برقم(2689).

([138]) رواه البخاري برقم(3303)، ومسلم برقم(2729).

([139]) انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (9/299).

([140]) رواه الترمذي برقم (3432)، وحسَّنه الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع برقم (6248).

([141]) رواه ابن ماجه (3862) وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (596). ولفظ الإمام أحمد (7197): ( وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ).

([142]) رواه مسلم (3014).

([143]) تفسيره ابن كثير (2/554).

([144]) رواه مسلم (1631).

([145]) رواه الترمذي (2525) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2050).

([146]) رواه أبو داوود (2357) وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (2066).

([147]) رواه أبو داود ( 2358 ) وهو حديث مرسل، وهو ضعيف، ضعيف أبي داود (510 ) للألباني.

([148]) اللقاء الشهري رقم 8 للشيخ محمد بن صالح العثيمين يرحمه الله.

([149]) رواه أحمد (7401) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2169).

([150]) رواه ابن ماجه (1643) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1332).

([151]) رواه أبو داود برقم (1536) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2032) وفي الصحيحة (1797).

([152]) رواه مسلم (1342).

([153]) انظر: شرح النووي على مسلم (9/111).

([154]) رواه أبو داود (5095) والترمذي (3426) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

([155]) انظر عون المعبود (13/297).

([156]) رواه البخاري برقم (3282) ومسلم برقم (2610).

([157]) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم(1376) وفي صحيح الجامع الصغير رقم (695).

([158]) معالم السنن ( 5/141).

([159]) رواه البخاري برقم (6116).

([160]) رواه أحمد(5/373 ).

([161])رواه الطبراني (12/453) وهو في صحيح الجامع (176).

([162]) رواه أبو داود (4777) وغيره، وحسنّه في صحيح الجامع (6518).

([163]) رواه البخاري برقم (6114) ومسلم برقم (2609).

([164]) رواه الإمام أحمد (5/367)، وحسنه في صحيح الجامع (3859).

([165]) رواه مسلم برقم ( 1680).

([166]) رواه مسلم (918).

([167]) انظر زاد المعاد لابن القيم (4/189–195).

([168]) رواه مسلم برقم (919).

([169]) رواه مسلم (2732).

([170]) شرح النووي على صحيح مسلم (17/49).

([171]) رواه البخاري (142).

([172]) رواه أبو داود برقم (6) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

([173]) الموسوعة الفقهية (4/10).

([174]) الشرح الممتع (1/83).

([175]) رواه البخاري (469) ومسلم (19).

([176]) رواه أحمد برقم (2450) وانظر صحيح الجامع (3382).

([177]) رواه أبو داود (رقم/4022) وصححه ابن القيم في زاد المعاد (2/345)، والألباني في صحيح أبي داود برقم (4020).

([178]) رواه أبو داود (رقم/4025)، قال الألباني: حسن دون زيادة وما تأخر. صحيح أبي داود (4023).

([179]) المجموع (4/647).

([180]) رواه أبو داود برقم (2160) وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (341).

([181]) رواه الإمام أحمد برقم (27591) وصححه الألباني.

([182]) رواه البخاري برقم (3271).

([183]) رواه البخاري (6388) ومسلم (1434).

([184]) رواه البخاري (3283).

([185]) انظر: شرح صحيح مسلم (10/5).

([186]) فتاوى اللجنة الدائمة (19/356).

([187]) رواه البخاري (1154).

([188]) فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/40).

([189]) رواه أحمد (10749)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1633).