112 – كيف يصوم المسلم؟

الخميس 20 رجب 1445هـ 1-2-2024م

 

112 –  كيف يصوم المسلم؟ pdf

 

 

كيف يصوم المسلم؟

صفة الصيام

في ضوء الكتاب والسنة

 

تأليف

أ.د عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

عضو الإفتاء بالقصيم

والأستاذ بكلية التربية بالزلفي جامعة المجمعة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنتُم مُسْلِمُونَ} {آل عمران: 102}.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكَمْ رَقِيبًا}{النساء: 11}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً}{الأحزاب:70 -71}.

أما بعد:

فصوم رمضان هو أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، من جحد وجوبه كفر إذا كان مثله لا يجهل، ومن تركه تهاوناً فهو على خطر عظيم، لأنه قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، يفسق بها، ولا يكفر، ويُلزَم بالصوم ويُعَزِّره الحاكم الشرعي بالحبس، أو الجلد، أو كليهما.

وقد فُرِضَ صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة بالإجماع، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، وكان أول ما فُرض يُخيَّر الناس بين الصيام وبين الفطر مع الإطعام عن كل يوم مسكيناً مع ترجيح الصوم.

ولما كان الصوم في الإسلام بهذه المنزلة العظيمة كان ولابد من بيان بعض الأحكام المتعلقة به لكي يصوم المسلم وفق ما جاءت به النصوص الشرعية من الكتاب والسنة.

وإني لما انتهيت من كتابة رسالة (كيف تؤدي زكاة أموالك؟)، ورسالة (كيف يحج المسلم ويعتمر؟)، أشار عليَّ بعض الزملاء أن أُتبع ذلك بـ (كيف يصلي المسلم ويصوم؟) لتعم الفائدة ونكون بذلك قد انتهينا من بيان أركان الإسلام الخمسة، لا سيما أنني قد انتهيت من الشهادتين وما يتعلق بهما من أحكام، وهو مطبوع ولله الحمد({1}).

أسأل الله جلّت قدرته أن يجعل هذا العمل خالصاً، وإليه مقرباً، وعن النار مباعداً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

                                                                                               وكتب

                                                                      أ.د/ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                        1/ 1/ 1439 هـ

 

أولاً: حكم وأسرار الصيام.

الصيام:

هو التعبد لله تعالى بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

ـ وللصوم حكم وأسرار كثيرة منها:

1ـ أنه سرٌّ بين العبد وخالقه سبحانه يتمثل فيه عنصر المراقبة الصادقة، فهو يربي في المسلم مراقبة الله وخشيته، فلا يتطرق له الرياء مطلقاً.

2ـ أنه يعوُّد الأمة على النظام، والاتحاد، وحب العدل والمساواة، ويكِّون في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان، ويصون المجتمع من الشرور والمفاسد.

3ـ أنه يجعل المسلم يشعر ويحس بآلام أخيه، فيدفعه ذلك إلى البذل والإحسان إلى الفقراء والمساكين ويتحقق فيه مبدأ

التكافل والتراحم فتعم الرحمة والمحبة والإخوةِ بين المسلمين.

4ـ وفي الصيام أيضاً تدريب عملي على ضبط النفس وجهادها، ويؤدي إلى تحمل المسؤولية والمشاق.

 

ثانياً: فضائل الصيام.

ـ ولشهر رمضان فضائل كثيرة ومن تلك الفضائل:

1ـ أنه وقاية للمسلم من الوقوع في الإثم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ..(({2}).

2ـ عظم ثواب الصيام كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)({3}).

3ـ أن الله تعالى قد خصَّه بباب من أبواب الجنة لا يدخل منه أحد

إلا الصائمون، كما جاء في حديث سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القيامةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)({4}).

 

ثالثاً: ما يثبت به دخول شهر رمضان.

ـ يثبت دخول شهر رمضان بأحد أمرين:

الأول: رؤية الهلال، سواء رُؤي بالعين المجردة، أو رُؤي بالوسائل المقرِّبة، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوا الهِلال، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوهُ، فَإِنْ غُمَّ عَليكُمْ فَاقْدُرُوا لهُ)({5}).

الثانِي: إكمال شعبان ثلاثين يوماً، وذلك في حالة عدم رؤية الهلال والجو صحوٌ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا لرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّيَ عَليكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ).

وفي لفظ: (فَإِنْ غُبِّيَ عَليكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ)({6}).

 

رابعاً: ذكر الأحكام المتعلقة

برؤية هلال شهر رمضان.

إذا حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر لم يجز الصيام. لعموم الأدلة السابقة فهي نصوص صريحة توجب الرجوع إلى الرؤية لا يقبل التأويل فيها حيث قال صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا لرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّيَ عَليكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ). ويقبل في الشهادة على دخول الشهر شخص واحد يُخْبِر به، سواء كان ذكراً أم أنثى، بشرط أن يكون عدلاً مكلفاً.

والعدالة تعني: أن يكون موثوقاً بخبره، لأمانته وبصره، أما من لا يوثق بخبره، لكونه معروفاً بالكذب أو بالتسرع، أو كان ضعيف البصر بحيث لا يمكن أن يراه فلا يثبت الشهر بشهادته.

ـ وإذا رؤي الهلال نهار الثلاثين سواء قبل الزوال أو بعده فهو لِلَّيلة المقبلة، فلا يُمْسِكُ في ثَلاثين من شعبان، ولا يفطر إن كان في ثَلاثين من رمضان، أما إذا رُئي نهار التاسع والعشرين فلم يقل أحد: إنه للماضية، لما يلزم عليه من كون الشهر ثمانية وعشرين يوماً.

ـ وإذا رؤي الهلال ببلد وكانت البلاد متقاربة والمطالع متحدة فيلزمهم الصيام، وإلا فلا.

ـ ومن رأى وحده هلال رمضان ورُدَّ قوله لسبب من الأسباب لم يلزمه الصوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصَّومُ يَومَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَومَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَومَ تُضَحُّونَ)({7}).

ـ ومن رأى وحده هلال شوال فإنه لا يفطر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم، ولاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط.

ـ وعلى ولِيِّ الصغير أن يأمره بالصوم إن أطاقه، وله ضربه عليه ليعتاده كالصلاة فالطاقة معتبرة، ولا يتقيد بسن، بل تراعى القدرة البدنية فقد كان الصحابة رضي الله عنهم: (يُصَوِّمُونَ أَولادَهُم وَهُم صِغَارٌ، وَيَجْعَلُونَ لهُم اللُّعبَة مِن العِهْنِ ـ أي الصوف ونحوه ـ فَإذَا بَكُوا مِنْ فَقدِ الطَّعامِ أَعْطَوهُم إيَّاهَا يَتَلَهَّون بها حَتّى يُتِمُّوا صَومَهُم)({8}).

ولا ينبغي للوليّ منع ولده من الصيام مع رغبته فيه وقدرته عليه، بل عليه أن يشجعه ويُرَغِّبَهُ، لينشأ على شعائر الإسلام وتعاليمه القيمة.

ـ ومتى صام الناس بشهادة رجل ثلاثين يوماً ولم يروا الهلال أفطروا، سواء كان الجو صحواً، أو غيماً، لقوله : (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا)({9})، ولأن الصوم إذا وجب فقد وجب الفطر لاستكمال العدة لا بالشهادة.

ـ والآلات التي تستخدم في رصد القمر طلوعاً وخروجاً ظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بها، بل تكفي رؤية العين، لكن لو طالع الهلال بها وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا مانع من العمل برؤيته لأنها من رؤية العين لا من الحساب.

ـ ولا يعتمد على قول أهل الحساب في دخول الشهر ولا في خروجه، ولو كان حساباً دقيقاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ الحكم بالرؤية لا بالحساب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ، وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ.) ({10}).

ـ وإذا ثبتت رؤية هلال رمضان أو شوال فإنه يجب إعلام الناس لأداء الصوم أو الإفطار وصلاة عيد الفطر أو الأضحى، ويتم ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة التي تيسرت في زماننا ولله الحمد، وهو المعمول به في البلاد الإسلامية حالياً.

ـ ويكون الإخبار برؤية هلال رمضان قبل فجر اليوم الأول منه، فإن حصل بعد ذلك وجب الإمساك وقضاء ذلك اليوم لما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صيام عاشوراء وكان صومه واجباً قبل أن يفرض رمضان قال: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقيةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ)({11}).

وفي هلال شوال يخبر به ليلة دخوله وهي ليلة العيد، فإن لم يتم الإخبار به إلا نهاراً فإنهم يفطرون وتقام صلاة العيد في اليوم الثاني.

ـ ويبدأ يوم الصوم من طلوع الفجر الثاني وينتهي بغروب الشمس. لقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}({12}).

ـ ولو صام شخص برؤية بلد ثم سافر لبلد آخر وقد صاموا بعدهم بيوم، وأتم هو ثلاثين يوماً ولم ير الهلال في تلك البلد التي سافر إليها فلا يفطر، بل يلزمه الصوم، وإن زاد على ثلاثين يوماً لدخوله في عموم الخطاب الموجه إليهم، ولأن العبرة في بدء صيام رمضان في البلد التي سافر منها وفي نهايته في البلد التي قدم إليها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ)({13}).

. ولو صام شخص برؤية بلد، ثم سافر إلى بلد آخر قد صاموا قبلهم بيوم، وأتموا هم تسعة وعشرين يوماً وهو يعتبر في حقه اليوم الثامن والعشرون فيلزمه أن يفطر معهم ثم يقضي هذا اليوم الذي يكون في حقه تمام التاسع والعشرين.

ـ ومن كان في الطائرة وهو يرى الشمس لم تغرب فلا يجوز له الفطر حتى تغرب الشمس، حتى وإن كان غروبها يتأخر عن بلده، وذلك لأنه لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه سواء كان على سطح الأرض أم كان على طائرة.

 

خامساً: على من يجب صيام رمضان؟

ويجب صوم رمضان على من اجتمعت فيه الأوصاف التالية:

 أولاً: الإسلام: فلا يجب على كافر، ولا يصح منه، لأنه ليس أهلاً للعبادة.

ـ ومن أسلم في رمضان فلا يخلو من حالين:

الأول: أن يسلم في شهر رمضان بعد غروب شمس يوم منه، فهذا يجب عليه صيام ما يستقبله من بقية شهره بلا خلاف، أما قضاء ما مضى قبل إسلامه فلا يلزم الكافر قضاء ما فاته حال كفره، لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ({14}) وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.

الثاني: أن يسلم في شهر رمضان في جزء من نهار يوم من أيامه، فالصحيح من أقوال الفقهاء أنه لا يلزمه الإمساك ولا القضاء لأنه لم يدرك في زمن العبادة ما يمكنه التلبس بها فيه، فأشبه ما لو أسلم بعد خروج اليوم.

ـ ومن ارتد عن الإسلام في رمضان أفطر وحبط عمله، فإن عاد إلى الإسلام في بقية النهار صام ما بقى، ولا يجب عليه قضاء هذا اليوم إذا أسلم لقوله تعالى:{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} ({15})

ثانياً: البلوغ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ القَلمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلمَ)({16})  فالصبي الذي لم يبلغ ليس مكلفاً وإنما يؤمر به إن أطاقه.

ـ ويحصل البلوغ بواحد من ثلاثة أشياء للذكر، بإتمام خمسة عشر عاما، وإنبات شعر العانة، وإنزال المني بشهوة. وللأنثى بواحد من أربعة أشياء. هذه الثلاثة المذكورة، ويضاف إليها أمر رابع وهو الحيض، فإذا حاضت فقد بلغت ولو كانت في سن أقل من خمسة عشر عاما.

ـ ومتى بلغ الصبي في جزء من نهار رمضان، لزمه الإمساك دون القضاء، لأنه لا يلزمه الإمساك في أول النهار لعدم شرط التكليف، فلما بلغ في أثناء النهار ووجد شرط التكليف لزمه الإمساك، ومن أتى بما أمر به لم يكلف الإعادة.

ثالثاً: العقل: وهو شرط التكليف للحديث فلا يجب عليه الصيام.

ومن كان جنونه مطْبِقاً فلا تكليف عليه، فإن كان متقطعاً بأن كان يجنُّ أحيــاناً ويفيــــقُ أحيــاناً لزمه الصـــــوم متى أفـــــاق، ولا يلزمه قضاء ما جُنَّ فيه، لعدم تكليفه.

رابعاً: القدرة على الصيام: لقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ({17})، فالعاجز عن الصيام كالمريض الذي يرجى برؤه يفطر ويقضي بعد شفائه، أما المريض الذي لا يرجى برؤه والكبير الذي لا يطيق فيطعم عنه عن كل يوم مسكيناً.

 

سادساً: شروط صحة الصيام.

 يشترط لصحة الصيام ما يلي:

أولاً: النِّيَّة: كسائر العبادات، ويشترط في النية أن تكون من الليل لحديث حفصة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ)({18})، أما التطوع فلا يشترط له تبييت النية من الليل.

ـ والصوم المتتابع كرمضان وصيام الشهرين المتتابعين يكفيه نية من أوله، فلا يشترط تجديد النية لكل يوم من صيام رمضان، إلا إذا قطعه لعذر فيجب عليه أن يجدد النية.

ثانياً: الخلو من الموانع: كطهارة المرأة من الحيض والنفاس لقوله صلى الله عليه وسلم : (أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ)({19}).

فإذا حاضت المرأة أو نُفِسَتْ في جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم ولو قبل الغروب بلحظة، ووجب عليها القضاء إن كان فرضاً.

 

سابعاً: مفسدات الصوم.

أولاً: الردة:

فمن ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم فسد صومه، لأن الصوم عبادة من شرطها النِّيَّة فأبطلتها الردة.

ثانياً: الجماع:

فمتى جامع الصائم ذاكراً عالماً؛ بطل صيامه، ولزمه قضاء ذلك اليوم الذي جامع فيه، ويجب عليه مع قضائه الكفارة، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد الرقبة أو لم يجد قيمتها؛ فعليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين؛ بأن لم يقدر على ذلك لعذر شرعي؛ فعليه أن يطعم ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف صاع من الطعام المأكول في البلد.

ثالثاً: إنزال المني:

إنزال المني بسبب تقبيل، أو لمس، أو استمناء، أو تكرار نظر، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (من لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ ،فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)({20})، فإذا حصل شيء من ذلك؛ فسد صومه، وعليه القضاء فقط بدون كفارة؛ لأن الكفارة تختص بالجماع.

ـ والنائم إذا احتلم فأنزل؛ فلا شيء عليه، وصيامه صحيح؛ لأن ذلك وقع بدون اختيار، لكن يجب عليه الاغتسال من الجنابة. وكذلك لو أمذى لا يفطر، لأنه خارج لا يوجب الغسل، أشبه البول.

ـ وإذا أصبح الصائم جنباً من جماع، أو احتلام فصومه صحيح ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر إذا أمسك عن الطعام والشراب والمفطرات بنية قبل طلوع الفجر.

وكذا الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ولم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر صح صومها، لما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن : (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ)({21}).

رابعاً: الأكل أو الشرب:

لقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ({22}).

ويشترط لفساد الصوم بالأكل والشرب ما يلي:

أ ـ أن يكون ذاكراً: فإن كان ناسياً فلا يفطر بذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهْوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاه)({23}). ولعموم قوله تعالى:{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا..} ({24}) .

ب ـ أن يكون متعمداً: فإن كان قد أدخل إلى جوفه أكلاً أو شرباً من غير تعمد منه فلا يفطر بذلك لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}({25}).

ج ـ أن يكون مختاراً، فإن كان مكرهاً على الفطر فإنه لا يفطر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)({26}).

د ـ أن يكون عالماً، فإن كان جاهلا بالحكم أو بالحال فلا يفطر بذلك.

ـ ومما يفطر الصائم إيصال الماء ونحوه إلى الجوف عن طريق الأنف، وهو ما يسمى بالسعوط، وأخذ المغذي عن طريق الوريد، وحقن الدم في الصائم، كل ذلك يفسد صومه؛ لأنه تغذية له.

ويلحق بالأكل والشرب ما في معناهما فيفطر به، وذلك كالإبر المغذية التي يُكتفى بها عن الأكل والشرب، مثل الجلوكوز وغيرها، لأنها وإن لم تكن أكلاً وشرباً حقيقة فإنها بمعناهما لكونها تغذي، فيثبت لها حكم الطعام والشراب.

ـ أما الإبر غير المغذية فإنها لا تفطر في أي مكان من الجسم أخذها الصائم وعلى أي كيفية، ما لم تصل إلى جوفه.

خامساً: إخراج الدم:

إخراج الدم من البدن بالحجامة لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَفْطَرَ الْحَاجِمُ  وَالْمَحْجُومُ)({27}).

ـ وأما الحجامة بالآلات الحديثة فلا يفطر بها الحاجم، أما المحجوم فإنه يفطر بها.

ويلحق بالحجامة الفصد، والشرط، والإرعاف، والتبرع بالدم إذا أضعفت الشخص وبلغت حداً مثل الحجامة فإنه يفطر بها كما يفطر بالحجامة.

ـ وأما الدم الذي يستخرج للتحليل؛ فهذا لا يؤثر على الصيام، ومثله خروج الدم بغير اختياره برعاف أو جرح أو خلع سن؛ فكل ذلك لا يؤثر على الصيام.

سادساً: التقيؤ عمداً:

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيقْضِ)({28}).

سابعاً: خروج دم الحيض والنفاس:

فمتى رأت المرأة دم الحيض والنفاس فسد صومها، سواء رأته في أول النهار أو في آخره لحديث:(أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا)({29}). وقول عائشة رضي الله عنها :(.. كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ)({30}).

ثامناً: ذكر بعض الأحكام المتعلقة بما يفسد به الصوم:

ـ إذا طار إلى حلق الصائم غبار، أو دقيق ونحوهما لم يفطر، وذلك لعدم إمكان التَّحرُّز منه، فإن قصد شيئاً من ذلك أفطر به.

ـ ويجوز للصائم استعمال دواء الرَّبو وضيق التنفس، وهو الغاز البخاخ، لأنه لا يصلُ إلى المعدة، وإنما يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية، فليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعناهما.

ـ ولا يفطر كذلك بريقٍ معتاد إذا وصل إلى جوفه، لمشقة التحرز منه.

ـ وأما النخامة فلا تفطر، لأنها شيء معتاد في الفم غير واصل من خارج، أشبه الريق، وليست أكلاً ولا شرباً، والأصل عدم الفطر، ولكن يُنهى الصائم عن ابتلاعها، لما فيها من الاستقذار والضرر.

ـ ويسن السِّواك للصائم في نهار رمضان قبل الزوال وبعده، لعموم الأدلة في فضله والحث عليه، فإن كان للسواك طَعْمٌ، أو كان يتفتت، فإنه لا ينبغي للصائم استعماله، لما يخشى من وصول الطعم إلى جوفه، أو من نزول ما يتفتت منه إلى جوفه، فإذا تحرز ولَفَظَ الطعم أو المتفتت منه، فإنه يكون قد احتاط لصيامه.

ـ ويجوز للصائم استعمال معجون الأسنان في نهار رمضان، لكن مع التحفُّظ عن ابتلاع شيء منه، وإن استعمله في الليل أو بعد أكلة السَّحور فهو أحوط، لأن المعجون له نفوذ قوي، قد يصل إلى الحلق، وينْزل إلى المعدة، والإنسان لا يشعر به، فإذا تركه في النهار يكون قد توقَّى ما يخشى فساد الصوم به.

ـ ومن أكل شاكَّاً في غُرُوب الشمس، ثم تبين له أنها لم تغرب فعليه القضاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَل الليلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)({31}) فلابد من الغروب، ولأن الأصل بقاء النهار.

ـ أما من أكل، أو شرب، أو جامع، شاكَّاً في طلوع الفجر ولم يتبين له الأمر فإن صومه يصح، لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}({32}). ولأن الأصل بقاء الليل، وزمانُ الشكِّ منه ما لم يعلم تيقن زواله.

ـ وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير، فإنه يجتهد في معرفة شهر رمضان، ويصوم ما يغلب على ظَنِّهِ أنَّه رمضان بناء على قرينة قامت في نفسه، لأن ذلك غاية جُهدِه، فإن لم ينكشف له شيء فصومه صحيح، لأنه أدَّى فرْضَهُ باجتهاد، وإن انكشفت له الحال وتبين أنه وافق الشهر أو صام بعد خروجه، فإنه يُجزئه، وإن اتضح أنه صام قبل الشهر فلا يجزئه الصيام، لأنه أتى بالعبادة قبل دخول وقتها.

 

تاسعاً: سنن ومستحبات الصوم.

ـ يسن تأخير السَّحور إلى قبيل الفجر: لأنه أرفق بالصائم وأدعى إلى النشاط، فعن أنس، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَامَ إِلى الصَّلاةِ، قُلتُ: كَمْ كَانَ بَينَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَال: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً)({33}).

والمراد بالأذان: الإقامة. سميت أذاناً لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة.

ـ ويُسَنُّ أيضاً تعجيلُ الفطر: والمراد به المبادرة بالإفطار إذا غربت الشمس لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ)({34}).

ـ ويستحب الإفطار على رطب، فإن لم يتيسر أفطر على تمر، وهو

يابس ثمر النخل، فإن لم يتيسر فعلى ماء لحديث أنس رضي الله عنه. قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلى رُطَبَاتٍ قَبْل أَنْ يُصَليَ، فَإِنْ لمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لمْ تَكُنْ، حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ)({35}).

ـ ويُسَنُّ أن يدعو بما أحب عند الإفطار، لأنه وقت إجابة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ)({36}).

ـ وينبغي للصائم الكف عما يتنافى مع الصيام: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) ({37}).

ـ ويسن الجود ومدارسة القرآن: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ـ قال:(وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ) ({38}).

 

عاشراً: بيان أحكام القضاء للصيام.

ـ من أفطر أياماً من رمضان كالمريض والمسافر لزمه قضاء ما فاته، لقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}({39}).

ـ ومن فاته شهر رمضان كله لزمه قضاء الشهر كله ولا يلزمه أن يبتدأ الصوم من أوله، بل متى ابتدأ الشهر من أوله أو من أثنائه جاز.

ـ وإن ابتدأ من أول الشهر وكان شهر رمضان ثلاثين يوماً وكان الشهر الذي يقضي فيه تسعة وعشرين يوماً لزمه أن يصوم ثلاثين يوماً.

ـ والأولى والأفضل في حق من عليه قضـــاء أن يبادر بالقضاء،

ولا يجوز له تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر لغير عذر وإلا أثم وعليه القضاء والفدية إن كان قادراً، وأما إن أخره لعذر فليس عليه إلا القضاء فـقط.

ـ ولا يلزم التتابع في قضاء رمضان، بل يستحب ليكون أقرب إلى مشابهة الأداء لأن الأداء متتابع وأسرع في إبراء الذمة ولأن التتابع العمل به أحوط فإن الإنسان لا يدري ما يعرض له.

ـ ومن أخر قضاء رمضان لعذر حتى مات ولم يتمكن من القضاء فلا شيء عليه لعدم تقصيره ولا إثم عليه لأن القضاء فرض لم يتمكن منه إلى الموت فسقط حكمه.

ـ ويستحب لأوليائه أن يقضوا عنه، فإن لم يفعلوا فإنه يطعم عنه لكل يوم مسكين، فإن لم يكن له شيء من مال استحب لأوليائه الإخراج عنه ولا يلزمهم.

ـ ولا ينبغي التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان كصيام ست من شوال أو عرفة أو عاشوراء لمن أخر القضاء، لقوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (.. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ….. )({40}) فإن قدم التطوع على الفرض كره ذلك مع صحة صوم ما تطوع به.

 

حادي عشر: ما يكره للصائم.

يكره للصائم فعل ما يلي:

1ـ المبالغة في المضمضة أو الاستنشاق عند الوضوء: لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا)({41})

فلو دخل ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه عمداً بطل صومه إجماعاً وعليه القضاء. أما لو سبقه الماء بدون قصد فلا يفسد صومه.

2ـ القبلة: لأنها قد تؤدي إلى إثارة الشهوة التي تجر إلى إفساد الصوم بالإمناء أو الجماع، ولا فرق في ذلك بين الشيخ والشاب؛ فالاعتبار أولاً وأخيراً بتحريك الشهوة وخوف الإنزال. وكالقبلة المعانقة، والمباشرة باليد وغير ذلك من المثيرات.

3ـ إدامة النظر إلى الزوجة أو الأمة: إذا كان ذلك يثير شهوته لأنه قد يؤدي إلى فساد صومه.

4ـ التفكير في شأن الجماع: لأنه قد يؤدي به تفكيره إلى إنزال المني أو الإقدام على الجماع، وهذا يفسد صومه ويوقعه في الإثم.

5ـ مضغ العلك (اللبان): وإذا كان العلك يتحلل منه شيء يختلط مع الريق ويبتلعه الصائم كما هو معروف في العلك الحالي فهذا حرام، وهو مما يفطر به الصائم. وأما إذا كان لا يتحلل منه شيء أبداً كقطعة المطاط الرخو مثلاً فإن هذا يكره ولا يحرم.

6ـ ذوق الطعام، من مرق وغيره إذا لم ينزل إلى جوفه منه شيء ولم يحتج إليه، فإن نزل منه في جوفه شيء فقد أفطر، وإن احتاج إليه لمصلحة ولد صغير أو مريض أو ما شابه هذا فلا كراهة لأنه موضع ضرورة.

7ـ الوصال: لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه لئلا يضعف الجسم عن أداء الواجبات.

 

الثاني عشر: كيف يصوم المريض؟

أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة، والأصل فيه قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ({42}). وحد المرض الذي يجوز الفطر فيه: هو كل مرض خرج به الإنسان عن حدّ الصحة، أما الشيء الخفيف كالسعال والصداع فلا يجوز الفطر بسببه.

ـ وللمريض مع الصوم حالات:

الحالة الأولى: ألا يقدر على الصوم بحال، أو يخاف الهلاك أو الضعف أو يضره الصوم فهذا يجب عليه الفطر ولا يجوز له الصوم لقوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ({43})، وقوله تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ({44}).

ـ ومتى تحمل المريض الضرر فصام صح صومه ويجزئه لأنه صدر من أهله في محله، كما لو أتم المسافر الصوم، وكالمريض الذي يباح له ترك الجمعة إذا حضرها أجزأته عن الظهر.

الحالة الثانية: أن يقدر على الصوم بمشقة ولا يتضرر بصومه، فيكره له الصوم، ويسن له الفطر لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله تعالى.

الحالة الثالثة: ألا يشق عليه الصوم، ولا يخاف زيادة المرض، ولا يتأثر به فيجب عليه الصوم.

وإذا ثبت بالطب، أو علم الشخص من عادته وتجربته، أو غلب على ظنّه أن الصيام يجلب له المرض أو يزيده أو يؤخر البرء يجوز له أن يُفطر، بل يُكره له الصيام.

وإذا كان المرض مطبقاً فلا يجب على المريض أن ينوي الصوم بالليل ولو كان يُحتمل أن يُصبح صحيحاً لأن العبرة بالحال الحاضرة.

ـ وإن كان الصوم يسبب له الإغماء أفطر وقضى، وإذا أغمي عليه أثناء النهار ثم أفاق قبل الغروب أو بعده فصيامه صحيح ما دام أصبح صائماً، وإذا طرأ عليه الإغماء من الفجر إلى المغرب فالجمهور على عدم صحة صومه. أما قضاء المغمى عليه فهو واجب عند جمهور العلماء مهما طالت مدة الإغماء({45}).

ـ ذهب بعض أهل العلم إلى أن من أغمي عليه أو وضعوا له منوّما أو مخدرا لمصلحته فغاب عن الوعي فإن كان ثلاثة أيام فأقلّ فيقضي قياساً على النائم، وإن كان أكثر لا يقضي قياساً على المجنون.

ـ والمريض الذي يُرجى بُرؤه ينتظر الشفاء ثم يقضي ولا يُجزئه الإطعام، والمريض مرضاً مزمناً لا يُرجى برؤه، وكذا الكبير العاجز يُطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من قوت البلد (وذلك يعادل كيلو ونصف تقريبا من الرز)، ويجوز أن يجمع الفدية فيطعم المساكين في آخر الشهر ويجوز أن يطعم مسكيناً كلّ يوم، ويجب إخراجها طعاماً لنصّ الآية ولا يُجزئ إعطاؤها إلى المسكين نقودا({46}).

وله أن يوكّل ثقة أو جهة خيرية موثوقة لشراء الطعام وتوزيعه نيابة عنه.

ــ والمريض الذي أفطر من رمضان وينتظر الشفاء ليقضي ثم علم أن مرضه مزمن فالواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم أفطره.

ومن كان ينتظر الشفاء من مرض يُرجى برؤه فمات فليس عليه ولا على أوليائه شيء.

ومن كان مرضه يُعتبر مزمناً فأفطر وأطعم ثم مع تقدّم الطبّ وُجد له علاج فاستعمله وشفي لا يلزمه شيء عما مضى لأنّه فعل ما وجب عليه في حينه({47}) .

ـ ومن مرض ثمّ شفي وتمكن من القضاء فلم يقض حتى مات أُخرج من ماله طعام مسكين عن كل يوم. وإن رغب أحد أقاربه أن يصوم عنه فيصحّ ذلك، لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)({48}).

 

الثالث عشر: كيف يصوم المسافر؟

يجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواء كان قادراً على الصيام أم عاجزاً، وسواء شقّ عليه الصوم أم لم يشقّ لقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}({49}).

ـ واشترط الفقهاء للسفر المبيح للفطر شروطاً منها:

1ـ أن يكون السفر مما تُقْصَرُ فيه الصلاة.

2ـ أن لا يزيد على المدة التي يباح له فيها قصر الصلاة وهي أربعة أيام، فمتى زاد عن ذلك لم يشرع الفطر.

3ـ أن لا يكون سفر معصية: لأن الفطر رخصة فلا يستحقه العاصي بسفره.

4ـ أن يجاوز المسافر مدينته التي يسكن فيها وأفنيتها وأخبيتها.

ـ وللمسافر حالتان:

الحالة الأولى: أن يبدأ السفر قبل الفجر أو يطلع الفجر وهو مسافر وينوي الفطر، فيجوز له الفطر إجماعاً.

الحالة الثانية: أن يبدأ السفر بعد الفجر بأن يطلع الفجر وهو مقيم ببلده ثم يسافر بعد طلوع الفجر أو خلال النهار وهذه الحالة يجوز له الفطر فيها.

ـ والأفضل في حق المسافر فعل الأسهل عليه من الصيام أو الفطر، فإن تساويا فالصوم أفضل لما يلي:

1ـ لأنه أسرع في إبراء الذمة.

2ـ أنه أنشط له إذا صام مع الناس.

3ـ إدراك فضيلة الزمن.

4ـ ولأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ مَا فِينَا صَائِمٌ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.) ({50}).

– من عزم على السفر في رمضان فإنه لا ينوي الفطر حتى يسافر لأنه قد يعرض له ما يمنعه من سفره، ولا يُفطر إلا بعد خروجه ومفارقة بيوت قريته العامرة المأهولة، فإذا انفصل عن بنيان البلد أفطر، وكذا إذا أقلعت به الطائرة وفارقت البنيان، وإذا كان المطار خارج بلدته أفطر فيه، أما إذا كان المطار في البلد أو ملاصقا لها فإنه لا يُفطر فيه لأنه لا يزال في البلد.

ـ فإذا غربت الشمس فأفطر على الأرض ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس لم يلزمه الإمساك لأنه أتمّ صيام يومه كاملاً، فلا سبيل إلى إعادته للعبادة بعد فراغه منها.

وإذا أقلعت به الطائرة قبل غروب الشمس وأراد إتمام صيام ذلك اليوم في السفر فلا يُفطر إلا إذا غربت الشمس في المكان الذي هو فيه من الجوّ، ولا يجوز للطيار أن يهبط إلى مستوى لا تُرى فيه الشمس لأجل الإفطار لأنه تحايل لكن إن نزل لمصلحة الطيران فاختفى قرص الشمس أفطر.

ـ ومتى وصل المسافر إلى بلد ونوى الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام وجب عليه الصيام عند جمهور أهل العلم فالذي يسافر للدراسة في الخارج أشهراً أو سنوات فالجمهور ومنهم الأئمة الأربعة أنه في حكم المقيم يلزمه الصوم والإتمام .

– ومن ابتدأ الصيام وهو مقيم ثم سافر أثناء النهار جاز له الفطر على القول الراجح لأن الله جعل مطلق السفر سببا للرخصة بقوله تعالى : {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ({51})

– ومَن كان من عادته السفر وله بلد يأوي إليه كالبريد الذي يُسافر في مصالح المسلمين وأصحاب سيارات الأجرة والطيارين والموظفين ولو كان سفرهم يومياً فإنه يجوز لهم الفطر وعليهم القضاء، والصوم لهم أفضل إذا كان لا يشق عليهم لما ذكرناه سابقاً.

ـ والملاّح الذي له مكان في البرّ يسكنه يجوز له الفطر كحكم من سبق، فأما إن كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافراً فهذا لا يقصر ولا يفطر.

والبدو الرحّل إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى المصيف ومن المصيف إلى المشتى يجوز لهم الفطر والقصر وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم لم يُفطروا ولم يقصروا وإن كانوا يتتبعون المراعي.

– إذا قدم المسافر في أثناء النهار ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء:

قيل: عليه أن يمسك مراعاة لحرمة الشهر.

وقيل: لا معنى لإمساكه ما دام أفطر خلال النهار في سفره، وهذا أولى. لكن عليه القضاء أمسك أو لم يمسك.

– من ابتدأ الصيام في بلد ثم سافر إلى بلد صاموا قبلهم أو بعدهم فإن حكمه حكم من سافر إليهم فلا يفطر إلا بإفطارهم ولو زاد عن ثلاثين يوماً لقوله صلى الله عليه وسلم:(الصَّومُ يَومَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَومَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَومَ تُضَحُّونَ)({52}) ، وإن نقص صومه عن تسعة وعشرين يوماً فعليه إكماله بعد العيد إلى تسعة وعشرين يوما لأن الشهر الهجري لا ينقص عن تسعة وعشرين يوما.

 

رابع عشر: كيف يصوم أصحاب المهن الشاقة؟

ـ أصحاب المهن الشاقة كالخباز والحداد والنجار ومن كان على شاكلتهم لا يجوز لهم الفطر وعليهم نية الصيام بالليل، إلا إذا كان يلحقهم مشقة فيجوز لهم الفطر ويجب عليهم القضاء، ويكون ذلك بشروط:

الأول: أن ينوي الصيام ليلاً، فإن أحتاج إلى الإفطار ولحقته المشقة أفطر.

الثاني: أن يترتب على صومه ضرر في صنعته، كأن يكون محتاجاً إلى المال والإنفاق على الأهل، فإن لم يكن هناك حاجة إلى الصنعة وأمكنه الاستغناء عنها خلال الشهر لزمه الصوم، وإن ترتب على ذلك ترك الصنعة.

ـ وعلى العامل في المهن الشّاقة وغيرها إذا كان لا يستطيع تحمّل الصيام أن يحاول جعل عمله بالليل أو يأخذ إجازة أثناء شهر رمضان ولو بدون مرتّب، فإن لم يتيسّر ذلك بحث عن عمل آخر يُمكنه فيه الجمع بين الواجبين الديني والدنيوي، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).

ـ ومن أرهقه جوع مفرط أو عطش شديد فخاف على نفسه الهلاك أو ذهاب بعض الحواسّ بغلبة الظن لا الوهم أفطر وقضى لأن حفظ النفس واجب، ولا يجوز الفطر لمجرد الشدة المحتملة أو التعب أو توهم خوف المرض.

وليست امتحانات الطلاب عذراً يبيح الفطر في رمضان، ولا تجوز طاعة الوالدين في الإفطار لأجل الامتحان لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 

خامس عشر: من أحكام الصيام للمرأة:

المرأة كالرجل في أحكام الصيام إلا ما استثنته الشريعة في حقها ومن ذلك:

الحيض والنفاس: فلا يجوز لهن الصوم ولا الصلاة في حال الحيض والنفاس، ولا يصحان منهن، وعليهن قضاء الصوم دون الصلاة، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: هل تقضي الحائض الصوم والصلاة؟ فقالت: (كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ -تعني: الحيض- فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ) ({53}) .

ـ والحائض إذا رأت القصّة البيضاء ـ وهو سائل أبيض يدفعه الرّحم بعد انتهاء الحيض ـ التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت، تنوي الصيام من الليل وتصوم، وإن لم يكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه فإن خرج نظيفاً صامت، فإذا رجع دم الحيض أفطرت، ولو كان دماً يسيراً أو كدرة فإنه يقطع الصيام ما دام قد خرج في وقت العادة({54}).

ـ وإذا استمر انقطاع الدم إلى المغرب وكانت قد صامت بنية من الليل صحّ صومها، والمرأة التي أحست بانتقال دم الحيض ولكنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس صح صومها وأجزأها يومها.

ـ والحائض أو النفساء إذا انقطع دمها ليلاً فَنَوَت الصيام ثم طلع الفجر قبل اغتسالها صح صومها، والمرأة التي تعرف أن عادتها تأتيها غداً تستمر على نيتها وصيامها ولا تُفطر حتى ترى الدم.

ـ والأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها وترضى بما كتب الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الدم، وتقبل ما قَبِل الله منها من الفطر في الحيض والقضاء بعد ذلك، وهكذا كانت أمهات المؤمنين ونساء السلف، بالإضافة إلى أنه قد ثبت بالطبّ ضرر كثير من هذه الموانع، وابتليت كثير من النساء باضطراب الدورة بسبب ذلك، فإن فعلت المرأة وتعاطت ما تقطع به الدم فارتفع وصارت نظيفة وصامت أجزأها ذلك.

– وإذا أسقطت الحامل جنيناً متخلّقاً، أو ظهر فيه تخطيط لعضو كرأسٍ أو يدٍ فدمها دم نفاس، وإذا كان ما سقط علقة أو مضغة لحم لا يتبيّن فيه شيء من خَلْق الإنسان فدمها دم استحاضة وعليها الصيام إن استطاعت وإلا أفطرت وقضت.

وكذلك إن صارت نظيفة بعد عملية التنظيف صامت. وقد ذكر العلماء أن التخلّق يبدأ بعد ثمانين يوماً من الحمل.

ـ النفساء إذا طهرت قبل الأربعين صامت واغتسلت للصلاة({55}). فإن رجع إليها الدم في الأربعين أمسكت عن الصيام لأنه نفاس، وإن استمر بها الدم بعد الأربعين نوت الصيام واغتسلت، عند جمهور أهل العلم وتعتبر ما استمر استحاضة، إلا إن وافق وقت حيضها المعتاد فهو حيض.

والمرضع إذا صامت بالنهار ورأت في الليل نقطاً من الدم وكانت طاهراً بالنهار فصيامها صحيح({56}).

– والمرأة التي وجب عليها الصوم إذا جامعها زوجها في نهار رمضان برضاها فحكمها حكمه، وأما إن كانت مكرهة فعليها الاجتهاد في دفعه ولا كفارة عليها، قال ابن عقيل رحمه الله فيمن جامع زوجته في نهار رمضان وهي نائمة: لا كفارة عليها. والأحوط لها أن تقضي ذلك اليوم. وقد ذهب شيخ الإسلام رحمه الله: إلى عدم فساد صومها وأنه صحيح.

ـ وينبغي على المرأة التي تعلم أن زوجها لا يملك نفسه أن تتباعد عنه وتترك التزين في نهار رمضان.

ويجب على المرأة قضاء ما أفطرته من رمضان ولو بدون علم زوجها، ولا يُشترط للصيام الواجب على المرأة إذن الزوج، وإذا شرعت المرأة في قضاء الصيام الواجب فلا يحلّ لها الإفطار إلا من عذر شرعي، ولا يحلّ لزوج المرأة أن يأمرها بالإفطار وهي تقضي، وليس له أن يُجامعها وليس لها أن تطيعه في ذلك.

أمّا صيام النافلة فلا يجوز لها أن تشرع فيه وزوجها حاضر إلا بإذنه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ)({57}).

ـ لا حرج على المرأة الحائض أو النفساء قراءة القرآن إذا كان لحاجة، كالمرأة المعلمة، أو الدارسة التي تقرأ وردها في ليل أو نهار، وأما قراءة القرآن لطلب الأجر وثواب التلاوة فالأفضل ألا تفعل لأن أكثر أهل العلم يرون أن الحائض لا يحل لها قراءة القرآن.

 

سادس عشر: كيف تصوم الحامل والمرضع؟

لما كان الحمل والرضاعة فيهما مشقة على المرأة ولاسيما في الأشهر الأخيرة عند المرأة، ولأن الصوم يؤثر على الجنين من جهة نموه.

أباحت الشريعة لهما – الحامل والمرضع – الفطر قياساً على المريض، فيجوز لهما الإفطار. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم)({58}) .

ـ وللمرأة الحامل والمرضع حالات مع الصوم:

الحالة الأولى: إذا خافتا على نفسيهما جاز لهما الفطر وعليهما القضاء فقط لأنهما بمنزلة المريض أو بمنزلة من يخاف حدوث المرض.

الحالة الثانية: إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً.

الحالة الثالثة: إذا خافتا على ولديهما ونفسيهما، فيجب عليهما القضاء فقط تغليباً لجانب الأم.

ـ ومتى عجزت الحامل والمرضع عن الإطعام سقط عنهما بالعجز ككفارة الوطء.

والحامل إذا صامت ومعها نزيف فصيامها صحيح ولا يؤثّر ذلك على صحة صيامها({59}).

 

سابع عشر: كيف يصوم كبار السن؟

قال الله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}({60}). ومعنى يطيقونه: يستطيعونه بمشقة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما :(لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا..) ({61}).

ـ من اختل عقله بحيث صار لا يحفظ الأمور ولا يتقنها لكبر سنه فليس عليه صوم، أما إن كان عقله باقياً ليس فيه خلل بل يعقل فإن الواجب عليه أن يصوم إذا كان يستطيع الصوم، فإن كان لا يستطيع لكبر السن فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكين، ولا يصام عنه بل يطعم عنه عن كل يوم مسكين نصف الصاع (كيلو ونصف تقريباً) من قوت البلد من تمرٍ أو أرزٍ أو حنطةٍ أو غير هذا.

ـ ليس لإفطار الشيخ الكبير سن معينة إذا وصلها جاز له الإفطار في رمضان، وإنما العمدة في ذلك العجز الدائم عن الصيام، فإذا كان الإنسان لا يطيق الصيام لكبر سنه جاز له الإفطار والإطعام عن كل يوم مسكيناً مقدار نصف صاع من قوت البلد، وإن أخرج الخمسة عشر صاعاً في أول شهر رمضان جاز ذلك.

 

ثامن عشر: من أحكام صومِ التطوعِ:

صوم التطوع: هو ما شُرع زيادة عن الفرض، كالسنن والنوافل.

ـ وأفضل صيام التطوع:

ـ صوم يوم وفطر يوم، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (فَصُمْ يَومَاً، وَأَفْطِرْ يَومَاً، فَذَلِكَ مِثْلُ صِيَام دَاود، وَهوَ أَفْضَلُ الصِّيَام)({62}).

ـ وأفضل الشهور صياماً بعد رمضان هو المحرمُ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ الليل)({63}).

وآكده عاشوراء لما روى أبو قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ)({64}).

وينبغي أن يصوم يوماً قبلهُ أو يوماً بعده، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لئِنْ بَقِيتُ إِلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)({65}).

ولصيام عاشوراء مراتب أربع:

 المرتبة الأُولى: صوم ثلاثة أيام: التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذه هي أفضل المراتب.

المرتبة الثانية: صوم التاسع والعاشر.

المرتبة الثالثة: صيام العاشر والحادي عشر.

المرتبة الرابعة: إفراد العاشر بالصوم.

ـ ويسن صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل أن تكون أيام البيض: وهي ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (أَوصَانِي خَليلي صلى الله عليه وسلم بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُل شَهْرٍ، وَرَكْعَتَي الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْل أَنْ أَنَامَ)({66}).

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يَا أَبَا ذَرٍّ، إذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ)({67}).

ـ ويسن صوم الخميس والاثنين لحديث أبي قتادة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال: (ذَاكَ يومٌ وُلِدتُّ فِيهِ، وبُعِثتُ فِيهِ، أو أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ)({68})، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَومَ الاثْنَينِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلي وَأَنَا صَائِمٌ)({69}).

وإذا كان عادة الإنسان أن يصوم الاثنين والخميس فوافق أحدهما آخر شعبان أو قبله بيوم فإنه يصوم، ولا يدخل في النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَومِ يَومٍ وَلا يَومَينِ، إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوماً فَليَصُمْهُ)({70}).  

ـ ويسن كذلك صيام ستة من شوال لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)({71}).

والأفضل أن يكون صيام الست متتابعاً، ويجوز تفريقها.

وإذا انتهى شهر شوال ولم يصمها فإنها لا تُقضى، لأنها سُنَّة فات وقتها، والشارع خصَّها بشوال، فلا يحصل فضلها لمن صامها في غيره، لفوات مصلحة المبادرة بها والمسارعة المحبوبة لله تعالى.

ـ ويسن أيضاً صوم تسع ذي الحجة لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهـ ـ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ). يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ (وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)({72}). فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على العمل الصالح فيها، والصيام من أفضل الأعمال، وآكدها يوم عرفة لغير الحاج وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو كفارة سنتين لحديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن صوم يوم عرفة فقال: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ، وَالسَّنَةَ البَاقِيَةَ)({73}).

ويكره إفراد رجب بالصوم، لأن فيه إحياءً لشعار الجاهلية بتعظيمه فعن خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ قَالَ: رَأَيْت عُمَرَ يَضْرِبُ أَكُفَّ الْمُتَرَجِّبِينَ، حَتَّى يَضَعُوهَا فِي الطَّعَامِ وَيَقُولُ: كُلُوا، فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ تُعَظِّمُهُ الْجَاهِلِيَّةُ)({74}).

ـ ويُكرَه إفراد يوم الجمعة بالصوم، لأنه هو العيد الأسبوعي للمسلمين، فإن صام يوماً قبله، أو يوماً بعده زالت الكراهة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يَصُومُ أحَدُكُم يَومَ الجُمُعَةِ إِلا يَومَاً قَبْلَهُ أَو بَعْدَهُ)({75}).

فإن وافق عادة للإنسان صَحَّ إفراده بالصوم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَخُصُّوا ليلةَ الجُمُعَة بِقِيَامٍ مِنْ بَين الليَالي , وَلا تَخُصُّوا يَوم الجُمُعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَين الأَيَّام , إِلا أَنْ يَكُون فِي صَومٍ يَصُومهُ أَحَدُكُمْ)({76}).

ـ ويكره إفراد يوم السبت بالصيام، لحديث: (لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ…)({77})، فإن صام قبله أو بعده لم يكره ، لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن إفراد الجمعة بالصوم.

ـ ويحرم إفراد يوم الشك بالصيام لمن اعتبره من رمضان وهو يوم الثلاثين إذا كان الجو ليلة الثلاثين غيماً أو قتراً.

ـ ويكره صيام الدَّهر، أي سرد الصوم متتابعاً في جميع الأيام، إلا الأيام التي لا يصح صومها، وهي: العيدان، وأيام التشريق فإنه يحرم صيامها.

ـ ويحرم صيام يومي عيد الفطر وعيد النحر، وهذا بالإجماع، لحديث: (نَهَى عَنْ صِيَامِ يَومَينِ: يَومِ الفِطْرِ، وَيَومِ النَّحْرِ)({78}).

ـ ويحرم صيام أيام التشريق، إلا للمتمتع إذا لم يجد الهدي لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للَّهِ)({79})، وهي اليوم الحادي  عشر، والثانِي عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.

ـ ولا يجوز لمن عليه صوم واجب كقضاء رمضان أو صوم نذر أو كفارة وغير ذلك الخروج منه بلا خلاف بين أهل العلم، لأنه يتعين بدخوله فيه، فصار كالمتعين، وإنما دخلت التوسعة في وقته رفقاً، فإن بطل فعليه إعادته، ما لم يقلبه نفلاً، فيثبت له حكم النفل.

ـ ومن تطوع بعبادة من صلاة أو صوم أو صدقة وغيرها فإنه يسن له إتمامها والمضي فيها، ويكره الخروج منها لغير عذر، فإذا قطع النفل فليس عليه قضاء، إلا الحج والعمرة إذا أحرم بهما نفلاً فإنه يلزمه إتمامهما لقوله تعالى:{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} ({80}).

 

تاسع عشر:

ذكر بعض نوازل الصيام

ومفطراته المعاصرة:

ـ يباح بخاخ الربو الذي يستخدمه مرضى الجهاز التنفسي إذا اضطر له المريض، لأنه لا يشبه الأكل والشرب فأشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية، وإذا أمكن لمريض الربو أن يؤخر تعاطي هذا البخاخ ولا يترتب على ذلك مشقة ولا ضرر فالأفضل أنه يؤخره إلى الإفطار خروجاً من الخلاف.

ـ والأقراص التي توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، لا تفطر الصائم؛ لأن هذه الأقراص ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معنى الأكل أو الشرب، فإنها لا تصل إلى المعدة، ولا يحصل للبدن بها من القوة والنشاط ما يحصل بالطعام والشراب، لكن يشترط أن ما يتحلل من هذا القرص لا يبتلعه الإنسان وإنما يمجه.

ـ أما منظار المعدة فلا يفطر، لأنه ليس بأكل أو شرب ولا بمعناهما، إلا إذا كان يدخل معه مادة سائلة إلى جوف الإنسان، فهنا يفطر.

ـ والقطرة عن طريق الأنف لا تفطر إلا إذا وجد طعمها في حلقه ووصلت إلى جوفه.

ـ والقطرة عن طريق العين لا تفطر، لأنها ليست بأكل ولا شرب، ولا بمعنى الأكل والشرب، والدليل إنما جاء في منع الأكل والشرب فلا يلحق فيها ما ليس في معناهما، ولأن الصيام ثبت بيقين فلا يرفع إلا بيقين، وما يصل مما يوضع في العين من قطرة لو وصل فإنه لا يزيد على ما يعفى عنه مما يتبقى بعد المضمضة.

ـ والقطرة عن طريق الأذن لا تفطر، فإن وجد طعمها في حلقه، فالقضاء في حقه أحوط لكنه لا يجب لقوله ـصلى الله عليه وسلم: للقيط بن صبرة رضي الله عنه: (وبالغْ في الاستنشاقِ إِلا أن تكونَ صائماً) ({81}).

ـ أما استنشاق البخور فإنه يفطر إذا وصل إلى الجوف لأن له جرماً، أما إذا لم يصل إلى الجوف، فإنه لا يفطر، والبعد عنه أولى، لأن الإنسان لا يأمن أن يصل إلى جوفه.

ـ والتخدير ينقسم إلى قسمين:

1 ـ تخدير جزئي يقتصر مفعوله على جزء من البدن، ويبقى الوعي وإدراك المعالج لما يجري حوله طبيعياً، وهذا لا يؤثر في الصيام.

2ـ تخدير كامل للبدن، بحيث يفقد المعالج معه الوعي بما حوله، مع الحرص على أن يستمر على هذه الحالة حسب ما يقرره الفريق الطبي، وهي حالة أقرب ما تكون إلى الإغماء، فإن أفاق جزءًا من النهار صح صيامه، لأنه جمع بين ركني الصيام، (النية والإمساك عن المفطرات)، وإن لم يفق فإنه يقضي.

ـ والغسيل الكلوي يفسد الصيام، وذلك بسبب ما يضاف إليه من الإضافات التي تعمل على تنقية الدم.

ـ والقسطرة لا يحصل الفطر بها لأن هذه القسطرة ليست مما ورد به النص مما يفطر وليست مما في معنى المنصوص، وهذا الكلام مشروط بأن لا يكون هناك أمور مصاحبة كما في مسألة المنظار، فإن وضع عليها مادة هلامية أو مادة دهنية حصل الفطر بها، فإذا كانت عملية القسطرة بدون إضافات فإنه لا يحصل الفطر بها لأنها ليست مما نص الشارع على الفطر به وليست في معنى المنصوص، لكن لو حصل مع هذه القسطرة أن أعطي المريض بعض الإبر أو الحقن أو المحاليل المغذية في الدم فإنا نقول حينئذ إنها إذا كانت أشياء علاجية وليست مغذية مثل الإبر العلاجية فلا يحصل الفطر بها، وإن كانت مغذية فتأخذ حكم الإبر المغذية ويفطر بها الصائم.

ـ والحقنة الشرجية لا تفطر، والأولى في حق الصائم تأخير استعمالها إلى ما بعد الإفطار احتياطا للعبادة، سواء كانت تحمل مواد غذائية أو سوائل أخرى، ما دام العلم قد أثبت أن الأمعاء الغليظة لها قدرة على امتصاص السوائل.

ـ والتحاميل الشرجية التي توضع في دبر المريض لعلاج بعض الأمراض مثل البواسير، وتخفيض الحرارة لا تفطر، لأنها ليست أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب.

والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

فهرس الموضوعات

الموضوع
المقدمة:
أولاً: حكم وأسرار الصيام.
ثانياً: فضائل الصيام:
ثالثاً: ما يثبت به دخول شهر رمضان:
رابعاً: ذكر الأحكام المتعلقة برؤية هلال شهر رمضان:
خامساً: على من يجب صوم رمضان؟
سادساً: شروط صحة الصيام.
سابعاً: مفسدات الصوم:
ثامناً: سنن ومستحبات الصوم:
تاسعاً: ذكر بعض الأحكام المتعلقة بما يفسد به الصوم:
عاشراً: بيان أحكام القضاء للصيام:
حادي عشر: ما يكره للصائم:
ثاني عشر: كيف يصوم المريض؟
ثالث عشر: كيف يصوم المسافر؟
رابع عشر: كيف يصوم أصحاب المهن الشاقة؟
خامس عشر: من أحكام الصيام للمرأة؟
سادس عشر: كيف تصوم الحامل والمرضع؟
سابع عشر: كيف يصوم كبار السن؟
ثامن عشر: من أحكام صومِ التطوعِ:
تاسع عشر: ذكر بعض نوازل الصيام ومفطراته المعاصرة:
فهرس الموضوعات:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

({1}) هذه الرسالة اعتمدت فيها على كتابي (الصيام)، وكتابي (فيض الرحيم الرحمن)، وكتابي (وبل الغمامة).

({2}) رواه البخاري في الصوم، باب فضل الصوم (1894)، مسلم في الصيام باب حفظ اللسان للصائم وباب فضل الصيام رقم ( 1151).

({3}) رواه البخاري، كتاب الصوم: باب فضل الصوم، رقم(1894)، ومسلم، كتاب الصيام: باب فضل الصيام رقم (1151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

({4}) رواه البخاري في كتاب الصوم، باب: الريان للصائمين (1896)، ومسلم في الصيام باب فضل الصيام رقم (1152).

({5}) رواه البخاري في الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (ص:27): (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) (1906) و مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال (1080).

({6}) رواه البخاري في الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإن رأيتموه فأفطروا) (1909) ؛ ومسلم في الصيام ،باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً (1081) (19) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({7})  رواه الترمذي في الصوم، باب ما جاء في الفطر والأضحى متى يكون (802) عن عائشة، وقال:(حسن غريب، صحيح من هذا الوجه)، وأخرجه أبو داود في الصيام، باب إذا أخطأ القوم الهلال (2324) ؛ وابن ماجه في الصيام، باب ما جاء في شهري العيد (1660) وصححه الألباني في الإرواء (905).

({8})  رواه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم الصبيان (1960)، ومسلم في الصيام باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه (1136).

({9})  رواه أحمد (4/321)؛ والنسائي في الصوم، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان (4/133) ؛عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه في =الإرواء+ (4/16) .

({10}) رواه البخاري في الصوم ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكتب ولا نحسب)(1913)، ومسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال (1080).

({11}) رواه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب صوم الصبيان برقم (1960)، ومسلم ـ كتاب الصيام ـ باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه برقم (1136).

({12})  سورة البقرة: الآية (187).

({13}) سبق تخريجه، .

({14}) سورة الأنفال: الآية (38).

({15}) سورة الأنفال: الآية (38).

({16})  رواه أبو داود في الحدود ـ باب في المجنون يسرق برقم (4398) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3512).

({17})  سورة البقرة: الآية (185).

({18})  رواه الدار قطني (2/172)، والبيهقي (4/203)، وصححه الألباني في الإرواء (4/25) .

({19}) رواه البخاري، كتاب الحيض: باب ترك الحائض للصوم رقم (304)، ومسلم، كتاب الإيمان: باب بيان نقصان الإِيمان بنقص الطاعات، رقم (80)، من حديث أبي سعيد الخدري.

({20})  رواه البخاري في الصوم، باب فضل الصوم (1894) ؛ ومسلم في الصيام، باب حفظ اللسان للصائم (1151)(164) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({21}) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب اغتسال الصائم، رقم (1931، 1932)، ومسلم، كتاب الصيام: باب صحَّة صوم من طلع عليه الفجرُ وهو جُنُبٌ، رقم (1109).

({22})سورة البقرة الآية: (187).

({23}) رواه البخاري في الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً (1933)؛ ومسلم في الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (1155).

({24}) سورة البقرة: الآية (286).

({25}) سورة الأحزاب: الآية (5).

({26}) رواه ابن ماجه ـ كتاب الطلاق ـ باب طلاق المكره والناسي برقم (2045)، وصححه الألباني في الإرواء برقم (82)، وفي المشكاة برقم (6284).

({27})  رواه أحمد (4/123)؛ وأبو داود في الصيام ،باب في الصائم يحتجم (2368)؛ والنسائي في (السنن الكبرى)(3126)، وابن ماجه في الصيام، باب ما جاء في الحجامة للصائم (1681) . وصححه الألباني في الإرواء (931) .

({28}) رواه أحمد (2/498) ؛ وأبو داود في الصيام ،باب الصائم يتقيأ عمداً (2380)؛ والترمذي في الصوم ،باب ما جاء فيمن استقاء عمداً (720)؛ وابن ماجه في الصيام، باب ما جاء في الصائم يقيء (1676)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({29})  رواه البخاري ـ كتاب الحيض ـ باب لا تقضي الحائض الصلاة برقم (321)، ومسلم ـ كتاب الحيض ـ باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة برقم (335).

({30}) سبق تخريجه.

({31})  رواه البخاري في الصوم، باب متى يحل فطر الصائم (1954) ومسلم في الصيام، باب بيان وقت انقضاء الصوم… (1100) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(32) سورة البقرة: الآية (187).

({33})  رواه البخاري في الصوم، باب قدركم بين السحور وصلاة الفجر (1921)؛ ومسلم في الصيام، باب فضل السحور (1097) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.

({34}) رواه البخاري في الصوم، باب تعجيل الإفطار (1957) ؛ ومسلم في الصيام، باب فضل السحور (1098) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

({35})  رواه الإمام أحمد (3/164) ، وأبو داود في الصيام باب ما يفطر عليه (2356) والترمذي في الصوم ،باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار (699) عن أنس رضي الله عنه ، قال الترمذي: (حسن غريب) وحسنه الألباني في الإرواء برقم (922)

({36})  رواه الترمذي أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3598) ، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب في الصائم لا ترد دعوته (1752) وقال الترمذي: حديث حسن.

({37}) رواه البخاري في الصيام، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم (1903) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({38}) رواه البخاري في بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي … (6)؛ ومسلم في الفضائل، باب جوده صلى الله عليه وسلم (2308) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

({39}) سورة البقرة: الآية (185).

({40})  رواه البخاري، كتاب الرقاق: باب التواضع، رقم (6502) من حديث أبي هريرة.

({41}) رواه أحمد (4/33، 211)، وأبو داود، كتاب الطهارة: باب في الاستنثار، رقم (142)، والنسائي كتاب الطهارة: باب المبالغة في الاستنشاق، (1/67) رقم (87)، والترمذي، كتاب الصوم: باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم، رقم (788)، وابن ماجه، كتاب الطهارة: باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار، رقم (407) . وصححه الألباني في الإرواء (935) . 

({42}) سورة البقرة: الآية ( 184).

({43})  سورة النساء: الآية ( 29).

({44})  سورة البقرة: الآية ( 195).

({45})  المغني مع الشرح الكبير ( 1/412) ،( 3/32).

({46})  أنظر فتاوى اللجنة الدائمة (10/198).

({47})  المرجع السابق (10/195).

({48})  رواه البخاري (1952) ومسلم (1147) .

({49}) سورة البقرة: الآية (185).

({50}) رواه مسلم في الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (1122).

({51})  سورة البقرة: الآية 184.

({52}) رواه الترمذي (697)، والدار قطني (2/164)، من طريق سعيد المَقْبُرِي عن أبي هريرة رضي الله عنه،  وقال الترمذي: (حديث حسن)، وأخرجه أبو داود (2324)، والدار قطني (2/163)، والبيهقي (4/251) من طريق محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({53})  رواه البخاري، كتاب الحيض: باب لا تقضي الحائض الصلاة، رقم (321)، ومسلم، كتاب الحيض: باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، رقم (335).

({54})  أنظر فتاوى اللجنة الدائمة (10/154).

({55}) المغني مع الشرح الكبير (1/360).

({56}) فتاوى اللجنة الدائمة (10/150).

({57})  رواه البخاري ـ كتاب الصيام ـ باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعاً (4793).

({58})  رواه الترمذي في أبواب الصوم ـ باب ما جاء في الرخصة في الافطار للحبلى والمرضع برقم (715)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (715).

({59})  فتاوى اللجنة الدائمة (10/225).

({60})  سورة البقرة: الآية (184).

({61})  رواه البخاري في التفسير، باب قوله تعالى:{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(4505) .

({62})  رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}(3418)؛ ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صيام الدهر (1159) (181).

({63})  رواه مسلم في الصيام، باب صوم المحرم (1163) ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({64})  رواه مسلم من الصيام، باب أي يوم يصام في عاشوراء (1134) عن ابن عباس رضي الله عنهما

({65}) رواه مسلم من الصيام، باب أي يوم يصام في عاشوراء (1134) عن ابن عباس رضي الله عنهما

({66})  رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفاً به (357) ؛ ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى (336) (80) (1667) .

({67})  رواه الإمام أحمد (5/173) ؛ والنسائي في الصيام ،باب صوم ثلاثة أيام من الشهر (4/217) ؛ وصححه ابن خزيمة (2128).

({68})  رواه مسلم في الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1162) (198) عن أبي قتادة رضي الله عنه.

({69})  رواه أحمد (5/200، 204، 208) ؛ وأبو داود في الصيام ،باب في صوم يوم الاثنين (2436) ؛ والترمذي في الصوم ،باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس (747) ؛ وصححه الألباني في الإرواء (949).

({70})  رواه البخاري في الصوم، باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين (1914) ؛ ومسلم في الصيام ،باب (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين) (1082) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({71}) رواه مسلم في الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

({72})  رواه البخاري في العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق (969)، وأبو داود في الصيام، باب في صوم العشر (2438) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

({73})  رواه مسلم في كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (1162) (196).

({74}) رواه  ابن أبى شيبة في المصنف (2/182/2)، والطبراني في الأوسط  (1/106/1)، وصححه الألباني في الإرواء (957).

({75}) رواه البخاري في الصوم، باب صوم يوم الجمعة (1985) ؛ ومسلم في الصيام ، باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته (1144) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({76})  رواه مسلم في الصيام، باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته (1144) (148) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

({77})  رواه أحمد (6/368)؛ وأبو داود في الصيام، باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم (2421)؛ والترمذي في الصوم، باب ما جاء في صوم يوم السبت (744)؛ والنسائي في (الكبرى)(2773)؛ وابن ماجه في الصيام، باب ما جاء في صيام يوم السبت (1726)؛ عن الصماء ـ رضي الله عنها. وصححه الألباني في الإرواء (960).

({78})  رواه البخاري في الصوم، باب صوم يوم الفطر (1990)؛ ومسلم في الصيام، باب تحريم صوم يومي العيدين (1137).

({79})  رواه مسلم في الصيام، باب تحريم صوم أيام التشريق (1141) عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه.

({80}) سورة البقرة: الآية (196) .

({81}) سبق تخريجه، .