خطبة بعنوان: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها) بتاريخ: 1438/5/20هـ في الجامع الكبير في الحلة بحوطة بني تميم.

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا،
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
عباد الله : يقول صلى الله عليه وسلم في حديث أبى ذر الغفاري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما في وصية جامعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لإمام العلماء أعلم الناس بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضوان الله عليه عَنْ أَبي ذَرٍّ ومعاذِ بن جَبَلٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أنَّ رَسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قال: (اتَّقِ الله حَيثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ) .رواه التِّرمِذيُّ وقال: حَديثٌ حَسنٌ وصية جامعة جمعت حق الله جل وعلا وحقوق العباد وصية عظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل عالم واعظ تقيٍ عابد ليست الوصية لفاسقٍ ولا لعاصٍ ولا إنسان عادي بل هي وصية لإمام العلماء الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أعلم الناس بالحلال والحرام الذي أقسم الرسول صلَى الله عليه وسلم أنه يحبه يا معاذ والله إني لأحبك الذي أرسله الرسول صلَى الله عليه وسلَم إلى اليمن وقال له إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة نعم إنها وصية جامعة اتقِ الله حيثما كنت عندما تكون في بيتك عندما تخلو بنفسك عندما تكون في مكتبك عندما تكون في مدرستك في الشارع في متجرك في لقائك مع أصحابك في خلواتك في جلساتك اتقِ الله حينما تستحضر عظمة من يكون يعلم حالك يعلم السر وأخفى من يكون معك بعلمه وإحاطته وقدرته سبحانه وتعالى لا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب إذا استحضر المسلم ذلك فإن نفسه لا تدعوه للمعصية لأنه يأطرها على الحق وتقوى الله ياعباد الله هي أن تفعل أوامر الله وتجتنب نواهيه تقوى الله ألا يفقدك حيث أمرك وألا يراك حيث نهاك تقوى الله هي العمل بالتنزيل والخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل تقوى الله هي أن تسارع إلى الخيرات وأن تبتعد عن المحرمات تقوى الله أن تجعل الله جل وعلا نصب عينيك في كل أحوالك في حركاتك وسكناتك وخطراتك أن تراقب الله جل وعلا أما حينما يكون الإنسان متقياً في المسجد فقط أوعند الناس فهذا لون من ألوان النفاق إذا خلا بمحارم الله انتهكها وإذا خلا بالناس غشهم وكذب عليهم وخان عهودهم وغدر بهم هذا لون من النفاق اتق الله حيثما كنت وتقوى الله جل وعلا أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ولهذا هي وصية الله جل وعلا للأولين والآخرين اتق الله حيثما كنت هذا هو حق الله جل وعلا أن تعبده سبحانه وتعالى ولا تشرك به شيئا إنها وصية ليست لمعاذ فقط بل هي لكل فرد من أمة محمد صلَى الله عليه وسلَم، أخي المبارك أيها المؤمن التقي وأنت تحضر صلاة الجمعة متقياً لربك جل وعلا أنظر لحالك في خلواتك انظر لحالك حينما تدعوك نفسك للمعصية انظر لحالك حينما تخلوا بمحارم الله هل أنت تتقي الله جل وعلا كما كنت تكون في المسجد وأمام الناس أم لا ؟هذه هي المراقبة الحقة هذه هي المحاسبة الحقيقية فانظر رعاك الله ما حالك معها ثم قال صلَى الله عليه وسلَم، واتبع السيئة الحسنة تمحها ولاحظوا
يا عباد الله كيف قدم السيئة قبل الحسنة لأن الحسنة تأتي إليها فتمحوها (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )(114) هود ، الحسنة تمحوها مكفرة لها ولهذا مكفرات الذنوب هي التوبة الصادقة والاستغفار وكثرة العمل الصالح وصدق الله العظيم (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) الفرقان ، نعم هؤلاء هم الذين يمحون السيئة بالحسنة لأنهم كلما أذنبوا استغفروا كلما أذنبوا أعلنوا توبة صادقة لله جل وعلا كلما أذنبوا دمعت أعينهم خشعت جوارحهم لله جل وعلا ذلت رقابهم لله جل وعلا هؤلاء تغسل ذنوبهم بل إذا صدقوا في توبتهم فإن سيئاتهم تتحول إلى حسنات أما أولئك الذين يقارفون المعصية ويستمرون عليها ولا يمحونها بالحسنة فأولئك تأتي سيئاتهم في موازينهم فترجح بحسناتهم وهنا لا تسل يا عبد الله عن حالهم وأتبع السيئة الحسنة تمحها هذا هو حق نفسك يا عبد الله فانظر ما تكون عليه اتق الله حيثما كنت حق الله جل وعلا واتبع السيئة الحسنة تمحها هذا هو شأنك هذا ما يتعلق بنفسك فانظر ماذا تكون عليه إذا دعتك نفسك للمعصية فأحدث بعدها توبة صادقة أكثر من الاستغفار والرجوع إلى الله فالمؤمنون الصادقون الأتقياء المخلصون هم الذين يتبعون السيئة بالحسنة تمحها وإذا كثرت حسناتهم وكثر استغفارهم وأتبعوا السيئة بالتوبة فهؤلاء لا يبقى من درن الذنوب عليهم شيئٌ لا يبقى من درنها شيء لأنهم يغسلون السيئة بالحسنة وأنت يا عبد الله وأنت تقع في المعصية سواء كانت بينك وبين ربك جل وعلا أو كانت المعصية بينك وبين الخلق فاحذر أن تبقى عليك ، احذر أن تستقر في صحيفتك بل بادر بالتوبة من أجل أن تمحوها من صحيفتك ولا تقابل ربك بها لأن هذه الجوارح ستشهد عليك يوم العرض على الله أسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالتوبة والعفو والرحمة واستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية :
الحمدلله على فضله وإحسانه وأشكره سبحانه على توفيقه وهدايته وأصلَي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وقدوتنا أجمعين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أيها المؤمنون ويقول صلى الله عليه وسلم وخالق الناس بخلق حسن وهذا ما يتعلق بالمجتمع من حيث التعامل معه بالخلق الحسن والخلق الحسن سبق العمل الصالح إن أكمل الناس إيمانا أحسنهم أخلاقا قال الله جل وعلا (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )(4) القلم ، لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له أقرب الناس من رسول الله صلَى الله عليه وسلَم أحاسنهم أخلاقا ، الخلق الحسن سبق صاحبه سبق غيره ممن جاءوا بأعمال صالحة كثيرة فاحرص يا عبد الله أن تكون على خلق حسن وأن تتعامل مع الناس بالصدق والوفاء والأمانة وأن تحفظ سمعك وبصرك وبطنك وفرجك ويدك ورجلك فقد قال صلَى الله عليه وسلَم في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، قال: (إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري. وإن أحب عبادي إلى الذين يتقربون إلى بالنوافل: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { إن الله تعالى قال : من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه } .[رواه البخاري:6502] . نعم لأنه هنا لا يسمع إلا الخير ولا يبصر إلا الخير ولا يمشى إلا إلى الخير ولا يكتب إلا خيرا ولا يرسل إلا خيرا لا يقلب من المقاطع إلا ما كان خيرا فاحرص يا عبدالله أن تكون على هذا الخلق واحذر ان تكذب على الناس أو أن تغشهم قال النبي صلى الله عليه وسلم (“مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا”) أخرجه مسلم في صحيحه ، وأربع من صفات المنافقين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ، قال : أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر) خرجه البخاري ومسلم . فاحذر ياعبدالله أن يكون فيك صفة من هذه الصفات وكن على هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه العظيم ألم يكن بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم يقول للأعرابي الذي بال في المسجد إن المساجد لا تصلح لمثل هذا (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء ، أو ذنوبا من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) رواه البخاري ، ألم يقل للرجل الذي جاء يطلب منه مالا ألم يقل له إئتنا غدا فلما جاء من الغد وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم من مال الله قال والله إنك أحب الخلق إلى ألم يقل رسول الله إن مثلي ومثل هذا كمثل رجل أضل راحلته فلحقها الناس فزادوها بعدا فأخذا لها من قتام الأرض فجاءت اليه طائعة مختارة وإني لو تركتكم وما فعل بالأمس وقتلتموه لدخل النار
أيها المؤمنون إن الخلق الحسن يفتح القلوب فافتحوا قلوب الخلق بحسن تعاملكم وادعوهم إلى الحق بكريم خصالكم واقتدوا بنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم (عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) رواه مسلم . نعم أنها أخلاق المتقين إنها أخلاق الصالحين إنها أخلاق المقربين فاحرصوا عليها في بيوتكم وفى أسواقكم وفى متاجركم وفي مدارسكم ومع عمالكم ومع كل من تتعاملون معه واحذر يا عبد الله أن يكون لأحد عليك حق من حقوق الدنيا قال صلى الله عليه وسلم (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتدرون ما المفلس؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال:” إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار”.؟) رواه مسلم والترمذي، احذر يا عبد الله فهذا من الديوان الذي لا يغفره الله جل وعلا إلا إذا تنازل أ صحابه قال الله جل وعلا (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48) النساء ، أما حقوق العباد فلابد فيها من المقاصة لابد فيها من أخذ الحق ولهذا يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء التي نطحتها في الدنيا فاحرصوا يا عباد الله على ألا يلحقكم أحد بحق من الحقوق في الدنيا وتخلصوا منها ولا سيما ما يتعلق باللسان من الغيبة والنميمة والسب والسخرية والاستهزاء والاحتقار والظلم والكذب وغير ذلك أسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بصدق القول وصحة العمل وأن يحفظ ألسنتنا وأبصارنا وجوارحنا من الحرام إنه ولى ذلك والقادر عليه وإن مما يذكر فيشكر أيها المؤمنون ما سمعناه من تصريحات من المتحدث الرسمي في وزارة الداخلية من ضبط لبعض أوكار الأرهاب فنحمد الله ونشكره الذي وفق رجال أمننا للقبض على هؤلاء ونسأله سبحانه أن يفضحهم في بيوتهم وخلواتهم واستراحاتهم واجتماعاتهم وأن يكفينا شرهم وأن يجعل كيدهم يعود إلى نحورهم وأن يحفظ هذه البلاد من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وعبث العابثين وأن يمن على جنودنا البواسل المرابطين بثغور بلادنا بالتوفيق والهداية والنصر المؤزر.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة : 20 / 5 / 1438هـ