مقال بعنوان ” الإخوان المسلمون أهل بدع مخالفون لمنهج السلف وفتاويهم باطلة تقوم على التكفير والخروج على الحاكم ” الجمعة 25-1-1440هـ
الخميس 9 جمادى الآخرة 1440هـ 14-2-2019م
كشف عن كيفية ترعرع الحزبية في البلاد.. د. عبدالله الطيار عضو الإفتاء لـ«الجزيرة»: الإخوان المسلمون أهل بدع مخالفون لمنهج السلف وفتاواهم باطلة تقوم على التكفير والخروج على الحاكم
د. عبدالله الطيار. الجمعة 05 أكتوبر 2018 الرياض – خاص بـ«الجزيرة»:
جدد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار – عضو الإفتاء بمنطقة القصيم تحذيره من الحزبيات والولاءات والانتماءات التي ظهرت على الساحة باسم الدعوة إلى الإسلام حيث إن هؤلاء لايهمهم إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم، ويركبون المصلحة ليحققوا كل ما يريدون، وتهمهم الكثرة وتنوع أتباعهم ولو كان على حساب العقيدة ووحدة الصف واجتماع الكلمة.
وقال د. عبدالله الطيار في حواره مع «الجزيرة» عن التحزب وخطورة بعض الجماعات أن على العلماء والدعاة استشعار مسؤوليتهم تجاه فكر الافتراق والتحزب، وعليهم أن يدركوا خطورة سلوك هذا المنهج على الأفراد والمجتمعات.
وشدد د. الطيار بالسعي لتوعية المنخرطين في هذا الفكر المنحرف وما يسيطر عليهم من أفكار، وذلك لأنهم مكلفون بتحمل المسؤوليات، مع بيان انعكاس سلوك التحزب والتفرق والتشرذم على صورة الإسلام وأهله عند غير المسلمين.
كما تناول الحوار مع د. الطيار أسباب ظهور الفرق والأحزاب في المجتمعات الإسلامية بصفة عامة، وفي مجتمعنا على وجه الخصوص. وغير ذلك من القضايا المتعلقة بأساليبهم وطرقهم الملتوية.. وفيما يلي نص الحوار:
* منذ بدأت الفرق والأحزاب تنخر في جسد الأمة وتمزقها، كثرت الأزمات وتفاقمت المشكلات بين المسلمين.. ترى ما أسباب ظهورها في المجتمعات الإسلامية؟
– بداية لابد من التركيز على جانب مهم وهو أن اجتماع الكلمة ولمّ الشمل من أهم مقومات هذا الدين، ومن الدعائم الأساسية لهذا المجتمع، ولا يتأتى هذا إلا بنبذ الفرقة والتنازع، فعلينا أن نسعى بجد واجتهاد من أجل زرع المحبة، وتوطيد الأواصر الأخوية فيما بيننا، وأن نجتنب الأسباب المؤدية إلى التشتت والتشرذم، فلن يتأتى النصر على الأعداء إلا بعد أن نتوحد على منهج الكتاب والسنة. ونترك الخلاف ونوحّد الرأي ونقف صفًا واحدًا في مواجهة الأفكار المنحرفة والحزبيات المقيتة، ونثبت على نهج الوحدة القائم على التوحيد الذي يجمعنا. إن رهان الشر على أمتنا المسلمة كان ولا يزال وسيظل متوجهًا إلى محاولة زعزعة الصفوف والنيل من دينها ووحدتها، وهذا ما حذرها ربها منه: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].
والمتأمل في أسباب الفرقة والاختلاف يجد أن أبرزها ثلاثة أسباب الابتداع، واتِّباع الهوى، والتَّعصب والتَّجزُّب». فالبدعة لها أثر كبير في إلقاء العداوة، والبغضاء بين أهل الإسلام، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والبدعة مقرونةٌ بالفرقة، كما أنَّ السُّنَّة مقرونةٌ بالجماعة». فالبدع هي سببُ كلِّ بلاءٍ، فقد كان المسلمون أمَّةً واحدةً وجماعةً واحدةً، متآلفين على عقيدةٍ واحدةٍ، ومنهجٍ واحدٍ، على أيَّام رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-ثمَّ في خلافة أبي بكر وعمر، وبعد مقتل الخليفة الثَّاني بدأت الفتنة تطلُّ برأسها، ولا زال أهل الشَّرِّ يسعون في الغواية حتَّى قُتل عثمان -رضي الله عنه- فتوالت الفتن، وتتابعت، وبدأت فرق الأهواء والبدع في الظِّهور، فتفرَّقت الكلمة، وبدأ الانشقاق عن جماعة المسلمين ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!
أما الأمر الثاني الذي أدى إلى حصول التفرق والتحزب فهو اتباع الهوى الذي نشأ بسببه كثيرا من الفرق الضَّالَّة، والطَّوائف المنحرفة؛ لأنَّ أصحاب هذه الفرق قدموا أهواءهم على الشَّرع أولًا، ثمَّ حاولوا جاهدين أن يستدلوا بالشَّريعة على أهوائهم، وحرَّفوا النُّصوص والأدلَّة؛ لتوافق ما هُم عليه من البدع، فلم يأخذوا الأدلَّة الشَّرعيَّة مأخذ الافتقار إليها، بل اعتمدوا على آرائهم وعقولهم في تقرير ما هُم عليه، ثمَّ جعلوا الشَّريعة مصدرًا ثانويًّا، نظروا فيها بناءً على ما قرَّروه وأصَّلوه، ولأجل ذلك كان السَّلف يطلقون على أهل البدع، وفرق الضَّلالة لفظة: «أهل الأهواء».
أما الأمر الثالث الذي أدى إلى حصول التفرق والتحزب فهو التَّعصُّب والتَّخزُّب وأعني بالتَّعصُّب أن يجعل العبد ما يصدر عن شخصٍ ما من الرَّأي والاجتهاد حجَّةً عليه وعلى سائر العباد. وأعني بالتَّخزُّب: التَّجمع لشخصٍ أو طائفةٍ أو حزب أو جماعة أو نحوها، والاعتقاد أنَّهم على حقٍّ وغيرهم على باطلٍ، فالحزبية كانت وما تزال حجاباً عن معرفة الحق لداء التعصب المقيت الذي يلازمها وهي كذلك من أسباب ضعف الغيرة على التوحيد الخالص، بل هي سبب للفرقة التي هي من أقوى المعاول التي حطمت بها الأمة ولا تزال، فالحزبيون لا يهمهم إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم، ويركبون المصلحة ليحققوا كل ما يريدون، وتهمهم الكثرة وتنوع أتباعهم ولو كان على حساب العقيدة ووحدة الصف واجتماع الكلمة.
* المتأمل لحال كثير من البلاد الإسلامية التي عصفت بها رياح الفتن والاختلافات ودخلها التفرق وتغلغلت بها الحزبيات والجماعات يرى العجب حتى وصل الحال على بعضهم بالتهم والإشاعات الكاذبة، فما الذي تتميز به المملكة حتى تكون بمنأى عن هذه الحزبيات والجماعات؟
– إن المتأمل لحال كثير من البلاد الإسلامية التي عصفت بها رياح الفتن والاختلافات ودخلها التفرق وتغلغلت بها الحزبيات والجماعات يرى العجب كما تفضلتم فانتشار الطوائف والفرق والجماعات والأحزاب في العديد من الدول العربية والإسلامية، أدى بلا شك إلى كثير من الصراع والفتن، الذي تتنافى مع أسس الإسلام التي تؤكّد على أن المسلمين أمّة واحدة، وأن التزام الجماعة وبيعة ولي الأمر على الكتاب والسنة والسمع والطاعة هو من الواجبات المؤكدة في الإسلام، ومن أهم المهمات ومن أعظم ما يحفظ البلاد والعباد.
غير أننا في مملكتنا المملكة العربية السعودية تميزنا عن غيرنا من البلدان الأخرى فقد منَّ الله على ولاة أمرنا وشعب المملكة بنعمة تميزت بها، ولا توجد متكاملة في غيرها، ألا وهي قيام دولتهم المباركة على كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلَّم – وفق فهم السلف الصالح، والدعوة إلى التوحيد ونبذ ما سواه، وتطبيقها شرع الله، وخلو أرضها من التماثيل والأوثان والأضرحة والمقامات التي تنتشر في سائر بلاد المسلمين ، وحرص قادتها على العدل والوسطية، ورعاية مصالح الناس، وذلك مقتضى البيعة التي في عنق كل مواطن لولاة الأمر في المملكة، وأنّنا قد نشأنا في مجتمع وبيئة بعيدة عن الطائفية والجماعات والفرق، والأحزاب والتجمعات المتنازعة، فالشعب وولاة أمره لحمة واحدة، وسفينة نجاة واحدة، وشرفها الله بوجود البيت العتيق فيها قبلة المسلمين في صلاتهم ومحط رحالهم في حجهم وعمرتهم.
* الحزبية سبب للفرقة التي هي من أقوى المعاول التي حطمت بها الأمة ولا تزال، فهم لا يهمهم إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم، وهم لا يرون الدعاء لولي الأمر. فهل هذا من الإسلام وتعاليمه؟
– من أهم طرق ووسائل الحزبيين في تفرقة الناس عن قادتهم وجرهم للخروج عليهم أنهم يمتنعون عن الدعاء لولاة الأمور ويجتهدون في بذر الفرقة والخلاف بين عامة الناس وولاة أمورهم بنشر الكذب والزور وتضخيم بعض الأمور فوق حجمها وتوزيع المنشورات في كل مكان. وإخفاء محاسن ولاة الأمر، فلا يظهرون شيئا من محاسنهم، ويكرهون الحديث عن محاسنهم، ليوهموا الناس أنه ليس عندهم شيء من الخير، وبالتالي يكرههم الناس، فيتهيأ الشباب للخروج على ولاة أمرهم وإذا حصل من ولاة الأمر شيء من الخير شككوا في نياتهم. وهذا بلا شك من الجهل العظيم بمنهج أهل السنة والجماعة التي تناقلت الأخبار عن علمائها الدعاء لولاة أمورها وجعل ذلك دينا يدينون لله تعالى به فمن ذلك مثلاً ما قاله الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله: (مَن قال: الصلاة خلفَ كُلِّ برٍّ وفاجرٍ، والجهاد مَعَ كُلِّ خليفةٍ، ولم يرَ الخروجَ على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خَرَجَ من قول الخوارج أوله وآخره)، وقال الإمام إسماعيل الصابوني رحمه الله: (ويرى أصحاب الحديث: الجمعة، والعيدين، وغيرهما من الصلوات، خلف كلِّ إمام مسلم، برَّاً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدُّعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح. ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العُدول عن العدل إلى الجور والحيف). وقال البربهاري رحمه الله: (إذا رأيتَ الرَّجلَ يدعوا على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيتَ الرجلَ يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحبُ سُنَّةٍ إن شاء اللهُ تعالى.
يقول فضيل بن عياض: (لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلاَّ في السلطان)… قيل له: يا أبا عليٍّ: فسِّر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تَعْدُني، وإذا جعلتها في السلطان صَلُح، فصَلُحَ بصلاحه العباد والبلاد)، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (وإني لأرى طاعةَ أميرِ المؤمنين في السرِّ والعلانيةِ، وفي عُسري ويُسري، ومَنشطي ومكرهي، وأثرةٍ عليَّ، وإني لأدعو اللهَ له بالتسديدِ والتوفيقِ في الليلِ والنهارِ)، وقال شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله: (والنصيحة لولاة الأمور: بتوجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر بالأساليب الحسنة، وبالدُّعاء لهم بظهر الغيب أنَّ الله يُوفِّقهم، تدعو لولاة الأمور: اللهمَّ وفِّقهم، اللهم اهدهم سواءَ السبيل، اللهم اهدهم للحقِّ، اللهم أعنهم على تنفيذه، في أيِّ مكان، حتى ولو كنتَ في بلادٍ كافرة، تدعو الله بأن يهديهم للحقِّ، كما قال بعض الناس: «يا رسولَ الله، إن دوساً كَفَرَت واعتدت، قال: اللهم اهدِ دوساً وأتِ بهم»، فهداهم الله وجاءوا وأسلموا، تدعو الله لأميرك في بلدك تقول: اللهم اهده، اللهم أصلح قلبه وعمله، اللهم اهده للحقِّ، اللهم أعنه على تنفيذ الحقِّ، اللهم وفِّقه لِما يُرضيك، اللهم اكف المسلمين شرَّه، اللهم اهده للصواب).
وقال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: (إذا وجدت من ولاة الأمور شيئاً مُخالفاً، فادعُ الله لهم، لأن بصلاحهم صلاح الأمة. لكن تسمع بعض السفهاء، إذا قلنا: الله يُصلح ولاة الأمور، الله يهديهم، قال: الله لا يصلحهم. سبحان الله العظيم!
إذا لم يُصلحهم الله فهو أردى لك. ادعُ الله لهم بالهداية والصلاح، والله على كلِّ شيءٍ قدير). فهذه هي أقوال علماء الإسلام في الوصية بالدعاء لولاة الأمور وجعل ذلك ديناً، وأن من خالف ذلك لا يعد من عداد أهل السنة بل هو من الخوارج الممقوتين.
* « بصراحة كيف ترعرعت الحزبية في بلادنا، وما الموقف الشرعي تجاههم، وما مسؤولية العلماء في تنبيه الغافلين وتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة؟
-نشأت الحزبية في بلادنا وترعرعت بسبب كثرة الاختلاط بالوافدين. فأهل هذه البلاد -ولله الحمد والمنة- نشئوا على التوحيد والسنة، ونشئوا على طريقة واحدة، ليس بينهم اختلاف، ولا تباغض، ولا عداوة، ولا أحزاب، ولا جماعات، فلما اختلط بعضهم بمن يحمل هذه الأفكار تأثر بها، ومما يجب أن نعلمه، أن العلماء يرفضون وجود مثل هذه الجماعات بيننا، وعامة الناس كذلك يرفضون ذلك، ولا يريدون التفرق في الدين والاختلاف، لكن هؤلاء جاءوا بطرق ملتوية فاغتر بهم من اغتر من عامة المسلمين، ولا شك أن الاعتراف بالداء سبب من أسباب العلاج، إذ لا يمكن أن نعالج أمرا، ونحن لا نعترف به، ولا نقر بوجوده، ومن يرى أن إهمال وجود هذه الجماعات، وإنكار وجود من تأثر بها، يميت هذه الدعوات، مخطئ، لأن بلادنا ليست معصومة، فهي كغيرها من البلاد، تتأثر، وفينا الصالح، وفينا من هو دون ذلك، لكننا -ولله الحمد والمنة- نسعى للإصلاح، ونسعى لمعالجة الخطر. وقد حذرت كثيراً من الحزبيات والولاءات والانتماءات في رسائل ومقالات نشرت قبل عشرين عاماً وهذا دين ندين إلى الله به، والواجب على كلِّ من عنده علمٌ وبصيرةٌ أن يُبَيِّن خطر هذه الجماعات والأحزاب التي ظهرت على الساحة باسم الدعوة إلى الإسلام، وكثيرٌ من أفرادها لا يعرفون حقيقة الإسلام. ويبرز دور العلماء والدعاة في المجتمع نحو الافتراق والتحزب فيما يأتي:
1 – استشعار العلماء والدعاة مسؤوليتهم تجاه فكر الافتراق والتحزب وعليهم أن يدركوا خطورة سلوك هذا المنهج على الأفراد والمجتمعات.
2 – السعي لتوعية المنخرطين في هذا الفكر المنحرف وما يسيطر عليهم من أفكار؛ وذلك لأنهم مكلفون بتحمل المسؤوليات ولما يترتب على توعية أصحاب هذا الفكر من سعادة الأمة في حاضرها ومستقبلها وذلك بحفظ دينها وقيمها وأمنها واقتصادها ووحدتها.
3 – إرشاد وتوجيه الناس إلى أهمية اجتماع الكلمة والنهي عن الافتراق والتحزب والتأكيد على خطورة ذلك، والتحذير من عواقبه، وتبصير الناس بأبعاد القضية، وتفنيد الادعاءات الزائفة، وكشف زيف أهل الباطل، وإعلام الناس بغاية الشريعة الإسلامية ومراد دينهم منهم أفرادًا ومجتمعا، وأن يشرحوا للناس هذه الغاية ويلفتوا أنظار الناس إلى جوانبها حتى يدركوها لأنفسهم وينشئوا ناشئتهم عليها.
4 – إعلام الناس بالمنهج التوجيهي الصحيح الذي يسير عليه العلماء والدعاة والذي يجب على الناس اتباع أصحابه والتمسك بتوجيههم وإرشادهم دون من سواهم. وتحذير الناس من المناهج التي تعتمد على الآراء والأهواء والأغراض دون نظر إلى مراد الشرع ومقصد الحق.
5 – توجيه أفراد المجتمع للمحافظة على هويتهم وانتمائهم لعقيدتهم وقيمهم ووطنهم، انتماء تغمره أحاسيس العزة والتضحية؛ لأن هذا الانتماء يعيد حياة الفرد في ضميره الذي يشكل أهم أبعاد شخصيته، كما أنه يعيد حياة الفرد في الدولة التي يعيش فيها، ويقوم بدور مهم في إخلاصه وجديته في العمل من أجل إثبات استحقاق نعمة العيش في ظلالها.
6 – بيان انعكاس سلوك التحزب والتفرق والتشرذم على صورة الإسلام وأهله عند غير المسلمين. فينبغي على العلماء والدعاة أن يبرزوا الأثر السلبي الذي يحدثه هذا السلوك في الصد عن دين الله تعالى حتى لا يحمل أحد معول الهدم للدعوة والإسلام وهو يحسب أنه يحسن صنعا ويرفع دين الله تعالى.
7 – إن واجب العلماء وطلاب العلم والدعاة التركيز على الشباب وأن يوجهوا جل اهتمامهم لتربية هذه الجموع، ويبينوا لهم الطريق الصحيح، لئلا تغرق السفينة بمن فيها، وأن يرشدوهم ويأخذوا بأيديهم إلى المسلك الحسن والمنهج الوسط.
* «النصوص الشرعية تؤكد على ذم التفرق في الدين، والحث على الاجتماع.. فكيف نرسخ هذا المنهج الشرعي في بلاد التوحيد لدى الناشئة والشباب في وقت مبكر حتى لا يتأثرون بالدعاوى الباطلة للجماعات والأحزاب؟
– واجب العلماء وطلاب العلم والدعاة التركيز على الشباب وأن يوجهوا جل اهتمامهم لتربية هذه الجموع، ويبينوا لهم الطريق الصحيح، لئلا تغرق السفينة بمن فيها، وأن يرشدوهم ويأخذوا بأيديهم إلى المسلك الحسن والمنهج الوسط. وتحذيرهم من الجماعات والأحزاب والأفكار المنحرفة وذلك بالتحصين الوقائي والعلاجي ضد الانحرافات الفكرية، والجماعات المنحرفة والمبادئ الضالة، والتحذير من كل من يريد زرع الفرقة والشقاق والفتنة، وذلك في المراحل التأسيسية أو في الجامعات ومراحل التعليم العليا.
* ولا تحيط بها الشداد، ولا تلحقها النكبات وتحيط بها الفتن إلا بعد أن تصاب من الداخل فكيف يحدث ذلك؟
– من المعلوم أن كل مجتمع له عدوان رئيسان هما: العدو الداخلي، والعدو الخارجي.
وعدو الداخل هو انقسام المجتمع إلى طوائف واحزاب متعادية تماما كما حصل في بعض البلدان، ولمعرفة خطر عدو الداخل ما علينا إلا دراسة واقع هذه الدول التي حصل فيها الانقسام الداخلي من الدمار وضياع هيبة هذه الدول بل وضياعها كلية. فالأمة لا تصاب من الخارج، ولا تحيط بها الشدائد، ولا تلحقها النكبات وتحيط بها الفتن، إلا بعد أن تصاب من الداخل، فالحصن الحصين للأمة في الأزمات يكمن في الإيمان بالله وحده وصدق التوكل عليه وحسن الاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه والاستمساك بشرعه، ثم في تآزر المجتمع وتماسكه والتفافه حول قادته ودعاته وعلمائه.
* من أشد الظواهر قبحاً وأعظمها انحرافاً وتيهاً ظهور أحزاب ألبسها أصحابها لباس الإسلام وأطلقوا عليها أسماء الإسلام، كالإخوان المسلمين، والدواعش، والقاعدة وغيرها؟
– منذ فترة بعيدة كنت أتكلم عن خطورة التحزب والافتراق وكنت أشير إلى هذه الجماعة وخطورتها على الأفراد والمجتمعات والدول، وأنها رأس فتنة، وقد صدر لي رسالة بعنوان (الجماعات الحزبية خنجر مسموم طعنت به أمة الإسلام)، ونشرت عدة مقالات في الصحف، وكل ذلك قبل عشرين عاماً ولله الحمد، فهذه الجماعة وإن سموا أنفسهم باسم (الإخوان المسلمين) هم من أبعد الناس عن السنة، بل هم أهل بدع مخالفين لمنهج السلف، وأهل تعصب ممقوت ، وفتاوى باطلة، وتقليد أعمى، وأصحاب مداهنات سياسية، تقوم مبادئها على التكفير، والخروج على الحاكم، وهذه الجماعة تتبنى تنظيماً جماعياً داخل المجتمع المسلم يقود إما إلى السيطرة عليه أو الاصطدام به، وهي فكرة تنظيم الخوارج بعينها.
أما داعش فهي أيضاً جماعة ممقوتة ابتليت بها بلاد المسلمين فهم عبارة عن مجموعة وتنظيم من الخوارج التكفيريين الإرهابيين المسلحين يضم أشخاص من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية تُحرك بأيدي أجنبية من بُعد، قد جمع بينهم الهوى ومخالفة الشرع والتعطش للدم والتغير بالطرق اللاشرعية والأطماع الدنيوية، ولدت هذه الدسيسة على الإسلام وأهلها في العراق ومن ثمَّ ترعرعت في سوريا وهي تسعى مستقبلا كأي فكر خارجي لإقامة الخلافة الإسلامية (زعموا) في أنحاء المعمورة، وقد قاتلهم أئمة السلف، وحذر منهم العلماء كثيراً، ولا يزال شرهم مستطيراً، نسأل الله أن يرد كيدهم إلى نحورهم. قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ فيهم: «يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ «، قَالَ يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا قَالَ: «يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ «، فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَأَنَا أَسْمَعُ» رواه الإمام أحمد.
أما القاعدة ففكرهم وعقيدتهم لا تختلف كثيراً عن فكر الدواعش ولذلك تراهم كثيراً ما يجتمعون في المواقف والأقوال إلا أن (داعش) توسعت في التكفير، وفي القتل بناء على التوسع في التكفير، كما توسعت في نظرية التترس، أو قتل من لا يبايع البغدادي، كما امتحنت الناس في عقائدهم بغرض تصنيفهم. وهم يشتركون في عداء أهل الإسلام ويكيدون لبلادنا أعظم الشر ويستغلون الناشئة ويسممون أفكارهم ويجعلونهم معاول هدم في مجتمعهم وسكاكين طعن لبلادهم بل لأقرب الناس إليهم.
د. عبدالله الطيار. الجمعة 05 أكتوبر 2018 الرياض – خاص بـ«الجزيرة»:
جدد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار – عضو الإفتاء بمنطقة القصيم تحذيره من الحزبيات والولاءات والانتماءات التي ظهرت على الساحة باسم الدعوة إلى الإسلام حيث إن هؤلاء لايهمهم إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم، ويركبون المصلحة ليحققوا كل ما يريدون، وتهمهم الكثرة وتنوع أتباعهم ولو كان على حساب العقيدة ووحدة الصف واجتماع الكلمة.
وقال د. عبدالله الطيار في حواره مع «الجزيرة» عن التحزب وخطورة بعض الجماعات أن على العلماء والدعاة استشعار مسؤوليتهم تجاه فكر الافتراق والتحزب، وعليهم أن يدركوا خطورة سلوك هذا المنهج على الأفراد والمجتمعات.
وشدد د. الطيار بالسعي لتوعية المنخرطين في هذا الفكر المنحرف وما يسيطر عليهم من أفكار، وذلك لأنهم مكلفون بتحمل المسؤوليات، مع بيان انعكاس سلوك التحزب والتفرق والتشرذم على صورة الإسلام وأهله عند غير المسلمين.
كما تناول الحوار مع د. الطيار أسباب ظهور الفرق والأحزاب في المجتمعات الإسلامية بصفة عامة، وفي مجتمعنا على وجه الخصوص. وغير ذلك من القضايا المتعلقة بأساليبهم وطرقهم الملتوية.. وفيما يلي نص الحوار:
* منذ بدأت الفرق والأحزاب تنخر في جسد الأمة وتمزقها، كثرت الأزمات وتفاقمت المشكلات بين المسلمين.. ترى ما أسباب ظهورها في المجتمعات الإسلامية؟
– بداية لابد من التركيز على جانب مهم وهو أن اجتماع الكلمة ولمّ الشمل من أهم مقومات هذا الدين، ومن الدعائم الأساسية لهذا المجتمع، ولا يتأتى هذا إلا بنبذ الفرقة والتنازع، فعلينا أن نسعى بجد واجتهاد من أجل زرع المحبة، وتوطيد الأواصر الأخوية فيما بيننا، وأن نجتنب الأسباب المؤدية إلى التشتت والتشرذم، فلن يتأتى النصر على الأعداء إلا بعد أن نتوحد على منهج الكتاب والسنة. ونترك الخلاف ونوحّد الرأي ونقف صفًا واحدًا في مواجهة الأفكار المنحرفة والحزبيات المقيتة، ونثبت على نهج الوحدة القائم على التوحيد الذي يجمعنا. إن رهان الشر على أمتنا المسلمة كان ولا يزال وسيظل متوجهًا إلى محاولة زعزعة الصفوف والنيل من دينها ووحدتها، وهذا ما حذرها ربها منه: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].
والمتأمل في أسباب الفرقة والاختلاف يجد أن أبرزها ثلاثة أسباب الابتداع، واتِّباع الهوى، والتَّعصب والتَّجزُّب». فالبدعة لها أثر كبير في إلقاء العداوة، والبغضاء بين أهل الإسلام، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والبدعة مقرونةٌ بالفرقة، كما أنَّ السُّنَّة مقرونةٌ بالجماعة». فالبدع هي سببُ كلِّ بلاءٍ، فقد كان المسلمون أمَّةً واحدةً وجماعةً واحدةً، متآلفين على عقيدةٍ واحدةٍ، ومنهجٍ واحدٍ، على أيَّام رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-ثمَّ في خلافة أبي بكر وعمر، وبعد مقتل الخليفة الثَّاني بدأت الفتنة تطلُّ برأسها، ولا زال أهل الشَّرِّ يسعون في الغواية حتَّى قُتل عثمان -رضي الله عنه- فتوالت الفتن، وتتابعت، وبدأت فرق الأهواء والبدع في الظِّهور، فتفرَّقت الكلمة، وبدأ الانشقاق عن جماعة المسلمين ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!
أما الأمر الثاني الذي أدى إلى حصول التفرق والتحزب فهو اتباع الهوى الذي نشأ بسببه كثيرا من الفرق الضَّالَّة، والطَّوائف المنحرفة؛ لأنَّ أصحاب هذه الفرق قدموا أهواءهم على الشَّرع أولًا، ثمَّ حاولوا جاهدين أن يستدلوا بالشَّريعة على أهوائهم، وحرَّفوا النُّصوص والأدلَّة؛ لتوافق ما هُم عليه من البدع، فلم يأخذوا الأدلَّة الشَّرعيَّة مأخذ الافتقار إليها، بل اعتمدوا على آرائهم وعقولهم في تقرير ما هُم عليه، ثمَّ جعلوا الشَّريعة مصدرًا ثانويًّا، نظروا فيها بناءً على ما قرَّروه وأصَّلوه، ولأجل ذلك كان السَّلف يطلقون على أهل البدع، وفرق الضَّلالة لفظة: «أهل الأهواء».
أما الأمر الثالث الذي أدى إلى حصول التفرق والتحزب فهو التَّعصُّب والتَّخزُّب وأعني بالتَّعصُّب أن يجعل العبد ما يصدر عن شخصٍ ما من الرَّأي والاجتهاد حجَّةً عليه وعلى سائر العباد. وأعني بالتَّخزُّب: التَّجمع لشخصٍ أو طائفةٍ أو حزب أو جماعة أو نحوها، والاعتقاد أنَّهم على حقٍّ وغيرهم على باطلٍ، فالحزبية كانت وما تزال حجاباً عن معرفة الحق لداء التعصب المقيت الذي يلازمها وهي كذلك من أسباب ضعف الغيرة على التوحيد الخالص، بل هي سبب للفرقة التي هي من أقوى المعاول التي حطمت بها الأمة ولا تزال، فالحزبيون لا يهمهم إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم، ويركبون المصلحة ليحققوا كل ما يريدون، وتهمهم الكثرة وتنوع أتباعهم ولو كان على حساب العقيدة ووحدة الصف واجتماع الكلمة.
* المتأمل لحال كثير من البلاد الإسلامية التي عصفت بها رياح الفتن والاختلافات ودخلها التفرق وتغلغلت بها الحزبيات والجماعات يرى العجب حتى وصل الحال على بعضهم بالتهم والإشاعات الكاذبة، فما الذي تتميز به المملكة حتى تكون بمنأى عن هذه الحزبيات والجماعات؟
– إن المتأمل لحال كثير من البلاد الإسلامية التي عصفت بها رياح الفتن والاختلافات ودخلها التفرق وتغلغلت بها الحزبيات والجماعات يرى العجب كما تفضلتم فانتشار الطوائف والفرق والجماعات والأحزاب في العديد من الدول العربية والإسلامية، أدى بلا شك إلى كثير من الصراع والفتن، الذي تتنافى مع أسس الإسلام التي تؤكّد على أن المسلمين أمّة واحدة، وأن التزام الجماعة وبيعة ولي الأمر على الكتاب والسنة والسمع والطاعة هو من الواجبات المؤكدة في الإسلام، ومن أهم المهمات ومن أعظم ما يحفظ البلاد والعباد.
غير أننا في مملكتنا المملكة العربية السعودية تميزنا عن غيرنا من البلدان الأخرى فقد منَّ الله على ولاة أمرنا وشعب المملكة بنعمة تميزت بها، ولا توجد متكاملة في غيرها، ألا وهي قيام دولتهم المباركة على كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلَّم – وفق فهم السلف الصالح، والدعوة إلى التوحيد ونبذ ما سواه، وتطبيقها شرع الله، وخلو أرضها من التماثيل والأوثان والأضرحة والمقامات التي تنتشر في سائر بلاد المسلمين ، وحرص قادتها على العدل والوسطية، ورعاية مصالح الناس، وذلك مقتضى البيعة التي في عنق كل مواطن لولاة الأمر في المملكة، وأنّنا قد نشأنا في مجتمع وبيئة بعيدة عن الطائفية والجماعات والفرق، والأحزاب والتجمعات المتنازعة، فالشعب وولاة أمره لحمة واحدة، وسفينة نجاة واحدة، وشرفها الله بوجود البيت العتيق فيها قبلة المسلمين في صلاتهم ومحط رحالهم في حجهم وعمرتهم.
* الحزبية سبب للفرقة التي هي من أقوى المعاول التي حطمت بها الأمة ولا تزال، فهم لا يهمهم إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم، وهم لا يرون الدعاء لولي الأمر. فهل هذا من الإسلام وتعاليمه؟
– من أهم طرق ووسائل الحزبيين في تفرقة الناس عن قادتهم وجرهم للخروج عليهم أنهم يمتنعون عن الدعاء لولاة الأمور ويجتهدون في بذر الفرقة والخلاف بين عامة الناس وولاة أمورهم بنشر الكذب والزور وتضخيم بعض الأمور فوق حجمها وتوزيع المنشورات في كل مكان. وإخفاء محاسن ولاة الأمر، فلا يظهرون شيئا من محاسنهم، ويكرهون الحديث عن محاسنهم، ليوهموا الناس أنه ليس عندهم شيء من الخير، وبالتالي يكرههم الناس، فيتهيأ الشباب للخروج على ولاة أمرهم وإذا حصل من ولاة الأمر شيء من الخير شككوا في نياتهم. وهذا بلا شك من الجهل العظيم بمنهج أهل السنة والجماعة التي تناقلت الأخبار عن علمائها الدعاء لولاة أمورها وجعل ذلك دينا يدينون لله تعالى به فمن ذلك مثلاً ما قاله الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله: (مَن قال: الصلاة خلفَ كُلِّ برٍّ وفاجرٍ، والجهاد مَعَ كُلِّ خليفةٍ، ولم يرَ الخروجَ على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خَرَجَ من قول الخوارج أوله وآخره)، وقال الإمام إسماعيل الصابوني رحمه الله: (ويرى أصحاب الحديث: الجمعة، والعيدين، وغيرهما من الصلوات، خلف كلِّ إمام مسلم، برَّاً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة، ويرون الدُّعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح. ولا يرون الخروج عليهم بالسيف، وإن رأوا منهم العُدول عن العدل إلى الجور والحيف). وقال البربهاري رحمه الله: (إذا رأيتَ الرَّجلَ يدعوا على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيتَ الرجلَ يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحبُ سُنَّةٍ إن شاء اللهُ تعالى.
يقول فضيل بن عياض: (لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلاَّ في السلطان)… قيل له: يا أبا عليٍّ: فسِّر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تَعْدُني، وإذا جعلتها في السلطان صَلُح، فصَلُحَ بصلاحه العباد والبلاد)، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (وإني لأرى طاعةَ أميرِ المؤمنين في السرِّ والعلانيةِ، وفي عُسري ويُسري، ومَنشطي ومكرهي، وأثرةٍ عليَّ، وإني لأدعو اللهَ له بالتسديدِ والتوفيقِ في الليلِ والنهارِ)، وقال شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله: (والنصيحة لولاة الأمور: بتوجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر بالأساليب الحسنة، وبالدُّعاء لهم بظهر الغيب أنَّ الله يُوفِّقهم، تدعو لولاة الأمور: اللهمَّ وفِّقهم، اللهم اهدهم سواءَ السبيل، اللهم اهدهم للحقِّ، اللهم أعنهم على تنفيذه، في أيِّ مكان، حتى ولو كنتَ في بلادٍ كافرة، تدعو الله بأن يهديهم للحقِّ، كما قال بعض الناس: «يا رسولَ الله، إن دوساً كَفَرَت واعتدت، قال: اللهم اهدِ دوساً وأتِ بهم»، فهداهم الله وجاءوا وأسلموا، تدعو الله لأميرك في بلدك تقول: اللهم اهده، اللهم أصلح قلبه وعمله، اللهم اهده للحقِّ، اللهم أعنه على تنفيذ الحقِّ، اللهم وفِّقه لِما يُرضيك، اللهم اكف المسلمين شرَّه، اللهم اهده للصواب).
وقال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: (إذا وجدت من ولاة الأمور شيئاً مُخالفاً، فادعُ الله لهم، لأن بصلاحهم صلاح الأمة. لكن تسمع بعض السفهاء، إذا قلنا: الله يُصلح ولاة الأمور، الله يهديهم، قال: الله لا يصلحهم. سبحان الله العظيم!
إذا لم يُصلحهم الله فهو أردى لك. ادعُ الله لهم بالهداية والصلاح، والله على كلِّ شيءٍ قدير). فهذه هي أقوال علماء الإسلام في الوصية بالدعاء لولاة الأمور وجعل ذلك ديناً، وأن من خالف ذلك لا يعد من عداد أهل السنة بل هو من الخوارج الممقوتين.
* « بصراحة كيف ترعرعت الحزبية في بلادنا، وما الموقف الشرعي تجاههم، وما مسؤولية العلماء في تنبيه الغافلين وتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة؟
-نشأت الحزبية في بلادنا وترعرعت بسبب كثرة الاختلاط بالوافدين. فأهل هذه البلاد -ولله الحمد والمنة- نشئوا على التوحيد والسنة، ونشئوا على طريقة واحدة، ليس بينهم اختلاف، ولا تباغض، ولا عداوة، ولا أحزاب، ولا جماعات، فلما اختلط بعضهم بمن يحمل هذه الأفكار تأثر بها، ومما يجب أن نعلمه، أن العلماء يرفضون وجود مثل هذه الجماعات بيننا، وعامة الناس كذلك يرفضون ذلك، ولا يريدون التفرق في الدين والاختلاف، لكن هؤلاء جاءوا بطرق ملتوية فاغتر بهم من اغتر من عامة المسلمين، ولا شك أن الاعتراف بالداء سبب من أسباب العلاج، إذ لا يمكن أن نعالج أمرا، ونحن لا نعترف به، ولا نقر بوجوده، ومن يرى أن إهمال وجود هذه الجماعات، وإنكار وجود من تأثر بها، يميت هذه الدعوات، مخطئ، لأن بلادنا ليست معصومة، فهي كغيرها من البلاد، تتأثر، وفينا الصالح، وفينا من هو دون ذلك، لكننا -ولله الحمد والمنة- نسعى للإصلاح، ونسعى لمعالجة الخطر. وقد حذرت كثيراً من الحزبيات والولاءات والانتماءات في رسائل ومقالات نشرت قبل عشرين عاماً وهذا دين ندين إلى الله به، والواجب على كلِّ من عنده علمٌ وبصيرةٌ أن يُبَيِّن خطر هذه الجماعات والأحزاب التي ظهرت على الساحة باسم الدعوة إلى الإسلام، وكثيرٌ من أفرادها لا يعرفون حقيقة الإسلام. ويبرز دور العلماء والدعاة في المجتمع نحو الافتراق والتحزب فيما يأتي:
1 – استشعار العلماء والدعاة مسؤوليتهم تجاه فكر الافتراق والتحزب وعليهم أن يدركوا خطورة سلوك هذا المنهج على الأفراد والمجتمعات.
2 – السعي لتوعية المنخرطين في هذا الفكر المنحرف وما يسيطر عليهم من أفكار؛ وذلك لأنهم مكلفون بتحمل المسؤوليات ولما يترتب على توعية أصحاب هذا الفكر من سعادة الأمة في حاضرها ومستقبلها وذلك بحفظ دينها وقيمها وأمنها واقتصادها ووحدتها.
3 – إرشاد وتوجيه الناس إلى أهمية اجتماع الكلمة والنهي عن الافتراق والتحزب والتأكيد على خطورة ذلك، والتحذير من عواقبه، وتبصير الناس بأبعاد القضية، وتفنيد الادعاءات الزائفة، وكشف زيف أهل الباطل، وإعلام الناس بغاية الشريعة الإسلامية ومراد دينهم منهم أفرادًا ومجتمعا، وأن يشرحوا للناس هذه الغاية ويلفتوا أنظار الناس إلى جوانبها حتى يدركوها لأنفسهم وينشئوا ناشئتهم عليها.
4 – إعلام الناس بالمنهج التوجيهي الصحيح الذي يسير عليه العلماء والدعاة والذي يجب على الناس اتباع أصحابه والتمسك بتوجيههم وإرشادهم دون من سواهم. وتحذير الناس من المناهج التي تعتمد على الآراء والأهواء والأغراض دون نظر إلى مراد الشرع ومقصد الحق.
5 – توجيه أفراد المجتمع للمحافظة على هويتهم وانتمائهم لعقيدتهم وقيمهم ووطنهم، انتماء تغمره أحاسيس العزة والتضحية؛ لأن هذا الانتماء يعيد حياة الفرد في ضميره الذي يشكل أهم أبعاد شخصيته، كما أنه يعيد حياة الفرد في الدولة التي يعيش فيها، ويقوم بدور مهم في إخلاصه وجديته في العمل من أجل إثبات استحقاق نعمة العيش في ظلالها.
6 – بيان انعكاس سلوك التحزب والتفرق والتشرذم على صورة الإسلام وأهله عند غير المسلمين. فينبغي على العلماء والدعاة أن يبرزوا الأثر السلبي الذي يحدثه هذا السلوك في الصد عن دين الله تعالى حتى لا يحمل أحد معول الهدم للدعوة والإسلام وهو يحسب أنه يحسن صنعا ويرفع دين الله تعالى.
7 – إن واجب العلماء وطلاب العلم والدعاة التركيز على الشباب وأن يوجهوا جل اهتمامهم لتربية هذه الجموع، ويبينوا لهم الطريق الصحيح، لئلا تغرق السفينة بمن فيها، وأن يرشدوهم ويأخذوا بأيديهم إلى المسلك الحسن والمنهج الوسط.
* «النصوص الشرعية تؤكد على ذم التفرق في الدين، والحث على الاجتماع.. فكيف نرسخ هذا المنهج الشرعي في بلاد التوحيد لدى الناشئة والشباب في وقت مبكر حتى لا يتأثرون بالدعاوى الباطلة للجماعات والأحزاب؟
– واجب العلماء وطلاب العلم والدعاة التركيز على الشباب وأن يوجهوا جل اهتمامهم لتربية هذه الجموع، ويبينوا لهم الطريق الصحيح، لئلا تغرق السفينة بمن فيها، وأن يرشدوهم ويأخذوا بأيديهم إلى المسلك الحسن والمنهج الوسط. وتحذيرهم من الجماعات والأحزاب والأفكار المنحرفة وذلك بالتحصين الوقائي والعلاجي ضد الانحرافات الفكرية، والجماعات المنحرفة والمبادئ الضالة، والتحذير من كل من يريد زرع الفرقة والشقاق والفتنة، وذلك في المراحل التأسيسية أو في الجامعات ومراحل التعليم العليا.
* ولا تحيط بها الشداد، ولا تلحقها النكبات وتحيط بها الفتن إلا بعد أن تصاب من الداخل فكيف يحدث ذلك؟
– من المعلوم أن كل مجتمع له عدوان رئيسان هما: العدو الداخلي، والعدو الخارجي.
وعدو الداخل هو انقسام المجتمع إلى طوائف واحزاب متعادية تماما كما حصل في بعض البلدان، ولمعرفة خطر عدو الداخل ما علينا إلا دراسة واقع هذه الدول التي حصل فيها الانقسام الداخلي من الدمار وضياع هيبة هذه الدول بل وضياعها كلية. فالأمة لا تصاب من الخارج، ولا تحيط بها الشدائد، ولا تلحقها النكبات وتحيط بها الفتن، إلا بعد أن تصاب من الداخل، فالحصن الحصين للأمة في الأزمات يكمن في الإيمان بالله وحده وصدق التوكل عليه وحسن الاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه والاستمساك بشرعه، ثم في تآزر المجتمع وتماسكه والتفافه حول قادته ودعاته وعلمائه.
* من أشد الظواهر قبحاً وأعظمها انحرافاً وتيهاً ظهور أحزاب ألبسها أصحابها لباس الإسلام وأطلقوا عليها أسماء الإسلام، كالإخوان المسلمين، والدواعش، والقاعدة وغيرها؟
– منذ فترة بعيدة كنت أتكلم عن خطورة التحزب والافتراق وكنت أشير إلى هذه الجماعة وخطورتها على الأفراد والمجتمعات والدول، وأنها رأس فتنة، وقد صدر لي رسالة بعنوان (الجماعات الحزبية خنجر مسموم طعنت به أمة الإسلام)، ونشرت عدة مقالات في الصحف، وكل ذلك قبل عشرين عاماً ولله الحمد، فهذه الجماعة وإن سموا أنفسهم باسم (الإخوان المسلمين) هم من أبعد الناس عن السنة، بل هم أهل بدع مخالفين لمنهج السلف، وأهل تعصب ممقوت ، وفتاوى باطلة، وتقليد أعمى، وأصحاب مداهنات سياسية، تقوم مبادئها على التكفير، والخروج على الحاكم، وهذه الجماعة تتبنى تنظيماً جماعياً داخل المجتمع المسلم يقود إما إلى السيطرة عليه أو الاصطدام به، وهي فكرة تنظيم الخوارج بعينها.
أما داعش فهي أيضاً جماعة ممقوتة ابتليت بها بلاد المسلمين فهم عبارة عن مجموعة وتنظيم من الخوارج التكفيريين الإرهابيين المسلحين يضم أشخاص من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية تُحرك بأيدي أجنبية من بُعد، قد جمع بينهم الهوى ومخالفة الشرع والتعطش للدم والتغير بالطرق اللاشرعية والأطماع الدنيوية، ولدت هذه الدسيسة على الإسلام وأهلها في العراق ومن ثمَّ ترعرعت في سوريا وهي تسعى مستقبلا كأي فكر خارجي لإقامة الخلافة الإسلامية (زعموا) في أنحاء المعمورة، وقد قاتلهم أئمة السلف، وحذر منهم العلماء كثيراً، ولا يزال شرهم مستطيراً، نسأل الله أن يرد كيدهم إلى نحورهم. قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ فيهم: «يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الْأَعْمَالَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ «، قَالَ يَزِيدُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا قَالَ: «يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ، وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ، كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ «، فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَأَنَا أَسْمَعُ» رواه الإمام أحمد.
أما القاعدة ففكرهم وعقيدتهم لا تختلف كثيراً عن فكر الدواعش ولذلك تراهم كثيراً ما يجتمعون في المواقف والأقوال إلا أن (داعش) توسعت في التكفير، وفي القتل بناء على التوسع في التكفير، كما توسعت في نظرية التترس، أو قتل من لا يبايع البغدادي، كما امتحنت الناس في عقائدهم بغرض تصنيفهم. وهم يشتركون في عداء أهل الإسلام ويكيدون لبلادنا أعظم الشر ويستغلون الناشئة ويسممون أفكارهم ويجعلونهم معاول هدم في مجتمعهم وسكاكين طعن لبلادهم بل لأقرب الناس إليهم.