دور فقه الموازنات في المقاطعة الاقتصادية

السبت 11 جمادى الآخرة 1440هـ 16-2-2019م

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين يقول الحق وهو يهدي السبيل، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، جدد الله به الوحي من السماء، وأحيا ببعثته سنة الأنبياء، ونشر بدعوته آيات الهداية، وأتم به مكارم الأخلاق ورضي الله عن أصحابه وأتباعه، الذين فقههم الله في دينه، فدعوا إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، فهدى الله بهم العباد، وفتح على أيديهم البلاد، وجعلهم أئمة يهدون الخلق إلى الحق تحقيقاً لسابق وعده:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}[النور: 55].

وفي ظل ما تمر به أمة الإسلام وخاصة في هذه الفترة من تنوع في الأمور والأزمات والنوازل المستحدثة التي تحتاج إلى صلاح في المعتقد وغزارة في العلم وخبرة في الحياة ورصانة في الفكر وقبل ذلك كله تقوى من الله تعالى يكون الناس في حاجة ماسة لمعرفة حكم كل نازلة تمر بهم سواء كانت هذه النازلة في العبادات أو المعاملات حتى لا يقعوا فيما لا يرضى الله سبحانه وتعالى.
وأهل العلم المعتبرون لم يلو جهداً في التصدي لهذه النوازل في توضيح حقيقة كل نازلة وبيان الحكم فيها إما ببحث مستقل خاص ببيان ما يختص بها من أحكام أو بفتوى تبين حكمها الشرعي، ومن النوازل التي اهتم بها أهل العلم نازلة المقاطعة الاقتصادية.
ولما كانت هذه النازلة كغيرها من النوازل مما يكون للاجتهاد فيها نصيبه الأكبر تنوعت آراء أهل العلم في بيان حمكها.
ونظراً لأهمية هذه النازلة التي أخذت حيزاً كبيراً بين يدي طلبة العلم أقدم هذا البحث الموسوم بـ (دور فقه الموازنات في المقاطعة الاقتصادية).

وقد قسمته إلى مبحثين:
المبحث الأول: نظرات في فقه الموازنات، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف فقه الموازنات ومدى مشروعيته.
المطلب الثاني: مدى حاجة النوازل المعاصرة إلى فقه الموازنات.
المطلب الثالث: أهمية تعلم فقه الموازنات.
المبحث الثاني: فقه الموازنات وعلاقته بالمقاطعة الاقتصادية، وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالمقاطعة الاقتصادية.
المطلب الثاني: أهمية الاقتصاد في نهضة الدول.
المطلب الثالث: المقاطعات الاقتصادية ودورها في زعزعة اقتصاد الدول.
المطلب الرابع: على من يقع الضرر في المقاطعة الاقتصادية.
المطلب الخامس: علاقة فقه الموازنات بالمقاطعة الاقتصادية وما يلزم اعتباره عند التعامل بفقه الموازنات في المقاطعة الاقتصادية.
المطلب السادس: المقاطعة الاقتصادية وعلاقتها بقاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد.
المطلب السابع: حكم المقاطعة الاقتصادية.

وفي الختام أتقدم بالشكر إلى عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى فضيلة الدكتور/غازي بن مرشد العتيبي وزملائه في اللجنة التنظيمية واللجنة العلمية على دعوتي للمشاركة في مؤتمر (فقه الموازنات ودوره في الحياة المعاصرة) برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز السعود حفظه الله -، سائلاً الله تعالى أن يحقق هذا المؤتمر أهدافه المرجوة، كما أسأله سبحانه أن يحفظ علينا ديننا، وأن يرزقنا الثبات عليه حتى الممات إنه سبحانه وتعالى القادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

*أ . د . عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
*الأستاذ بكلية التربية بالزلفي ـ جامعة المجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الأول: نظرات في فقه الموازنات:

المطلب الأول: تعريف فقه الموازنات ومدى مشروعيته:

أولاً: تعريف الفقه:
الفقه هو الفهم، قال الله سبحانه وتعالى:{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}، وفي الاصطلاح: معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
ثانياً : تعريف الموازنات:
الموازنة تأتي بمعنى المقابلة والمحاذاة يقال وازنه أي عادله وحاذاه والجمع موازنات([1]).
وأما في الاصطلاح: فهي المفاضلة بين المصالح والمفاسد المتعارضة والمتزاحمة لتقديم أو تأخير الأولى بالتقديم أو التأخير([2]).
وقيل في تعريفها: ترجيح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتقريب أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما ([3]).
ثالثاً: تعريف فقه الموازنات باعتبار أنه مركب إضافي:
فقه الموازنات هو العلم الذي يتمكن به المكلف من اختيار الواجب، أو الأولى.
فقولنا (اختيار)، لأنه لا يمكن تصور الموازنة إلا بين أمرين فما زاد. وقولنا (اختيار الواجب)، لأنه قد ينتهي البحث والتأمل في المسألة إلى القول بالوجوب لأن الموازنات كما سيأتي تتم بالنظر بين المصالح والمفاسد وعلى هذا فالواجب قد يتضمن مفسدة، ولكنها مغمورة في مصلحة أعظم منها، فاختيار الوجوب ناتج عن موازنة بين مصالح ومفاسد تمخضت عن ترجيح جانب على آخر.
وقولنا (أو الأولى) أي أو اختيار الأولى، حيث لا يكون في المسألة وجوب أو تحريم، لعدم ظهور الحكم، أو للتنازع فيه، فيرجح المرء وجهاً أو سبيلاً على جهة الميل، لا على جهة القطع واليقين.
أدلة الكتاب والسنة على مشروعية فقه الموازنات:
تنوعت أدلة الكتاب والسنة في بيان هذا النوع من الفقه وهي كثيرة ولله الحمد فمن الكتاب ما يلي:
الدليل الأول: قول الله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}[الكهف: 79].

وجه الدلالة من الآية أن الخضِر عليه الصلاة والسلام أقدم على مفسدة، وهي خرق السفينة، محدثا بذلك عيباً فيها حيث كان وجود العيب سيُزهِّد الملك في السفينة، لكن إقدامه على هذا الفعل قصد من ورائه تفويت مفسدة أعظم، وهي احتجاز السفينة، وغصبُها من قبل الملك الظالم، فقد اجتمعت مفسدتان، فكان المصير إلى أخفهما ضررا وهو خرق السقينة.
الدليل الثاني: قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}[البقرة: 219].
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى قد بين ما في الخمر من المنافع والمضار وأن الأضرار فيها أكبر من المنافع ولم يبين الحكم الذي اقتضته المصلحة وهو التحريم لأن القاعدة الشرعية أن المفسدة إذا زادت على المصلحة فالحكم للمفسدة لذلك حرمهما الشارع.
يقول العز بن عبد السلام:”حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتيهما([4]).
الدليل الثالث: قوله تعالى:{قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}[الأعراف: 94].

وجه الدلالة من الآية على فقه الموازنات حيث راعى هارون عليه الصلاة والسلام حفظ بني اسرائيل من الوقوع في الفرقة والاختلاف الذي يحصل من جرائهما الهرج وهذا غاية الاجتهاد منه عليه الصلاة والسلام يقول العلامة ابن عاشور:” وهذا اجتهاد منه* في سياسة الأمة، إذ تعارضت عنده مصلحتان؛ مصلحة حفظ العقيدة، ومصلحة حفظ الجماعة من الهرج، وفي أثنائها حفظ الأنفس، والأموال، والأخوة بين الأمة، فرجَّح الثانية. وإنما رجَّحها لأنه رآها أدوم، فإن مصلحة حفظ العقيدة يُستدرك فواتها الوقتي برجوع موسى وإبطاله عبادة العجل، حيث غيَّوْا عكوفهم على العجل برجوع موسى. بخلاف مصلحة حفظ الأنفس والأموال واجتماع الكلمة، إذا انثلمت عسر تداركها”([5]).
وهذا بلا شك تقدير من هارون عليه الصلاة والسلام للأمور؛ وهو غير التقدير الذي قدره موسى عليه الصلاة والسلام. يقول ابن عاشور رحمه الله :”وكان اجتهاده ذلك مرجوحاً ـ يقصد اجتهاد هارون ـ لأن حفظ الأصل الأصيل للشريعة، أهم من حفظ الأصول المتفرعة عليه، لأن صلاح الاعتقاد هي أُمُّ المصالح التي بها صلاح الاجتماع”([6]).
لكن لا بد من تغليب جانب الشرع عند التعارض قال تعالى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}[الزمر: 18].
ووجه الدلالة من الآية هو أن اختيار أكمل المصلحتين وأعلى الحسنيين – بعد التمييز – يكون وفق الدليل الشرعي الصحيح .

أدلة السنة على فقه الموازنات:
استفاضت نصوص السنة بذكر هذا النوع من الفقه ومن هذه النصوص ما يلي:
1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْـلاً مِنْ مَـاءٍ، أَوْ ذَنُوبًـا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ)([7]).
وجه الدلالة من الحديث أن بول الأعرابي في المسجد مفسدة وقد حصلت وفي مقابل ذلك أن الانكار عليه بالعتاب أو التوبيخ قد يترتب عليه نفور وترويع للأعرابي؛ وأقل ما يمكن أن يقابل به هذا السلوك، هو اللوم والعتاب، لكن الرسول الكريم، وازَن بين مفسدتين، مفسدة التعنيف، ومفسدة نجاسة المسجد بالبول التي يمكن أن تزول بإهراق الماء عليه، فرجَّح عليه الصلاة والسلام
مفسدة السكوت في مقام اللوم على مفسدة التعنيف والإزرام. *
قال النووي رحمه الله- تعليقا على حديث الأعرابي: “وفيه: دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:”دَعُوهُ”. قال العلماء: كان قوله صلى الله عليه وسلم:”دَعُوهُ” لمصلحتين؛ إحداهما: أنه لو قُطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به”.
والثانية أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد([8]).

2 – ومن الأحاديث الدالة على إعماله عليه الصلاة والسلام لفقه الموازنات، قوله لعائشة رضي الله عنها:(وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ)([9]).
*وجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أحجم عن مصلحة وهي هدم البيت، وإعادة بنائه على قواعد إبراهيم عليه السلام، ومفسدة عدم تحمل قريش لهذا الفعل، وربما ثارت ثائرتها،وأخذ منها الغضب سوْرته؛ فقدَّم صلى الله عليه وسلم درء المفسدة على جلب المصلحة، يقول ابن حجر رحمه الله- عند شرحه لهذا الحديث:(… إن قريشا كانت تعظم أمر الكعبة جدا، فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظُنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام، أنه غيَّر بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه”([10]).
3 ومن أروع الأمثلة التي تبين مدى الأخذ في الاعتبار بفقه الموازنات صلح الحديبية ونحن لن نتحدث بتفصيلات وتفريعات وكثرة ما نقل فيه من روايات لكن الذي يعنينا هنا هو مدى استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لفقه الموازنات في هذا الصلح فالمتأمل في شروط الحديبية يرى فيها الغبن والحيف ظاهرين على المسلمين من الكافرين في إملاء جملة من الشروط وذلك كالتالي :

1- منعهم المسلمين من كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) وقالوا: لا نَعرفُ إلا رحمان اليمامة، ولكن اكتب:(باسمك اللهم)، فرفض المسلمون ذلك وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم .
2- رفضهم كتابة (هذا ما قضى به عليه محمد رسول الله ) وقالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب:(محمد بن عبد الله)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني رسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم بما أرادوا، موازنة منه صلى الله عليه وسلم بين المصالح والمفاسد.
3- لما وصلوا إلى شرط:(على ألا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا)، قال المسلمون: سبحان الله! كيف يُرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
4- ومن الموازنات الكبيرة التي قدمها المسلمون من أجل تحقيق مصلحة أكبر في صلح الحديبية، أنهم صُدوا عن المسجد الحرام، فقبل المسلمون بذلك، على أن يعودوا في العام القادم، كما حكى الله تعالى ذلك في كتابه في سورة الفتح. قال ابن القيم رحمه الله: ومن فوائد قصة الحديبية:”أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيمٌ على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة، ودفع ما هو شرُ منه، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما”([11]).
وهكذا يكون الفقه في الموازنات من تحقيق المصلحة الكبرى، وإن وقع مفسدة أقل، فما أحوجنا إلى هذا الفقه الذي قال عنه ابن القيم:”وهذا من أدق المواضع وأصعبها، وأشقها على النفس”([12]).
*
المطلب الثاني: مدى حاجة النوازل المعاصرة إلى فقه الموازنات:
النـوازل هي:”المسائل أو المستجدّات الطّارئة على المجتمع* بسبب توسع الأعمـال، وتعقـد المعاملات، والتي لا يوجد نص تشريعي مباشر، أو اجتهاد فقهي سابق ينطبق عليها. وصورهـا متعددة، ومتجددة، ومختلفة بين البلدان أو الأقاليم؛ لاختلاف العادات والأعراف المحلية”([13]).
هذا هو تعريف النازلة ومن هنا تحتاج هذه النازلة إلى حكم شرعي وتشتد الحاجة إلى هذا الحكم، كلما تداخلت القضايا وتعددت النوازل، وتشابكت خيوطها، نظراً لأن المصالح والمفاسد تتفاوت رتبهما، وقد تتعارض المصالح فيما بينها، والمفاسد مع بعضها، وأحيانا تتعارض المصالح مع
المفاسـد، وهنا لابد من ترجيح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيـل أعظم المصلحتين بتقريب أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.
وتشتد الضرورة لفقه الموازنات مع وجود هذه النوازل والمتغيرات المعاصرة التي تتطلب نظرة فاحصة للواقع، وما يكتنفه من تجاذبات خاصة في حالة انعدام النص الصريح، فكثيرا ما تتعارض أمام أهل الفقه وأهل الرأي المصلحة والمفسدة، أو المنافع بعضها مع بعض، أو المفاسد بعضها مع بعض، وهنا تكمن حاجة النوازل المعاصرة إلى فقه الموازنات فحاجة فقه النوازل ماسة إلى فقه الموازنات، لما لذلك من صلة بمنهج التطبيق، وآليات تنزيل الأحكام الشرعية، والقوانين المستمدة من أصول الإسلام، على واقع الناس([14]).
*
المطلب الثالث: أهمية تعلم فقه الموازنات:
يُعد فقه الموازنات أو فقه التعارض والترجيح من العلوم الأساسية الواجب معرفتها على طالب العلم لضبط فقه الواقع والفقه السياسي، لما له من حاجة ماسة في مختلف شؤون الحياة الإنسانية على مستوى ما يحيط بالفرد من قضايا أو ما يتعلق بالمجتمع من مصالح ومفاسد أو ما تسير عليه الدولة في سياساتها العامة وبرامجها التنفيذية وخططها المستقبلية.
إن لهذا الفقه أهمية بالغة للفقه والفقهاء، ولعل كتب الأشباه والنظائر، والمقاصد هي أكثر المصنفات اهتماما بهذا الضرب من الفقه، من حيث تأصيله، وتقعيد قواعده، أما كتب الفقه فهي غنية بتطبيقاته، وتنزيل مبادئه. ولأهمية فقه الموازنات اهتم العلماء بالتأليف فيه منذ القدم كالعز بن عبد السلام في كتابه “قواعد الأحكام في مصالح الأنام”. *
وتشتد الضرورة لفقه الموازنات، لتقرير مسائل فقه السياسة الشرعية عند أولي الأمر، فكثيرا ما تتعارض أمامهم المصلحة والمفسدة، أو المنافع بعضها مع بعض، أو المفاسد بعضها مع بعض.
وعليه جاء هذا العلم، الذي أرسى قواعده علمـاء الأصـول، ليضع أمام المعنيين من الأمـراء
والقضاة والسياسيين القواعد الضابطة للوصول إلى المصلحة المرجوة عند تعارض الأدلة.
المبحث الثاني: فقه الموازنات وعلاقته بالمقاطعة الاقتصادية:
المطلب الأول: التعريف بالمقاطعة الاقتصادية:

أولاً: معنى المقاطعة:
1 – المقاطعة في اللغة: مفاعلة من القطع، يقال: قطعه يقطعه قطعاً، والقطع: إبانة بعض أجزاء الجرم من بعضٍ فصلاً([15])،*والقطع والقطيعة: الهجران ضد الوصل([16]).
جاء في المعجم الوسيط:« قاطع فلانًا: هجره، والقومَ: امتنع عن التعاون معهم، وحرَّم الاتصال بهم اقتصاديًا أو اجتماعيًا وفق نظام جماعي مرسوم، ويقال: قاطع بضائعهم ومنتجاتهم»([17]).
2 – المقاطعة في الاصطلاح: تنوعت الأقوال في تعريفها، فمن ذلك مثلاً:
المقاطعة* هي وسيلة من وسائل الضغط الجماعي، الغرض منها؛ الامتناع عن التعامل اجتماعياً، أو اقتصاديا مع شخص أو جماعة ما، إبرازا لروح السخط وعدم الرضا.. ([18]).
وقيل بأنها: رفض التعامل تجاريا مع مؤسسات معينة ، أو مع قطر معين ، وقد تكون لأسباب سياسية شاملة لكافة المجالات ، سواء كانت تجارية أو غيرها([19]).
وقيل بأنها : قطع العلاقة الاقتصادية والاجتماعية مع طرف آخر وفق نظام جماعي مرسوم([20]).

ثانياً :تعريف الاقتصاد:
1 – الاقتصاد في اللغة: مشتق من القصد، وهو: التوسط وطلب الأسَدّ. وقصد في الأمر:لم يتجاوز فيه الحد، ورضي بالتوسط.
والقصد: ضد الإفراط وهو ما بين الإسراف والتقتير([21]).
2 – وفي الاصطلاح: هو دراسة النشاط الإنسـاني في المجتمع من جهة الحصول على الأموال
والخدمـات([22]).
3 أما تعريفه باعتباره مصطلحاً اقتصادياً: فالاقتصاد هو العلم الاجتماعي الذي يهتم بتحليل الأنشطة التجارية، وبمعرفة كيفية انتاج السلع والخدمات. ويَدرس علم الاقتصاد الطريقة التي تُنتج بها الأشياء التي يرغب فيها الناس وكذلك الطريقة التي توزع بها تلك الأشياء. كما يدرس الكيفية التي يختار بها الناس والأمم الأشياء التي يشترونها من بين الحاجات المتعددة التي يرغبون فيه.*
ثالثاً: معنى المقاطعة الاقتصادية باعتبارها مصطلحاً اقتصادياً:
أما التعريف العام لمعنى المقاطعة الاقتصادية باعتبارها مصطلحاً اقتصادياً فهي:
قطع كل الصلات الاقتصادية مع دولة معينة، ورفض التفاوض في أية معاملات تجارية معها كذلك، ويطلق هذا المصطلح أيضاً في حالة قطع العلائق ما بين الأشخاص، أو المنشآت أو الشركات على اختلاف أنواعها([23]).
جاء في الموسوعة العربية العالمية ما نصه : المقاطعة الاقتصادية: رفض التعامل مع شخص أو منظمة أو دولة، وتشمل معظم أنواع المقاطعة رفض شراء منتجات شركة أو دولة، وعادة ما تلجأ إلى المقاطعة نقابات العمال ومجموعات المستهلكين، والحكومات؛ لإجبار شركة أو حكومة للتغيير من سياستها([24]).
وبناء على ما سبق؛ فإن المقاطعة الاقتصادية للأعداء تعني: امتناع المسلمين عن معاملتهم اقتصادياً، بهدف رد عدوانهم، ومنع ظلمهم، والاحتجاج على سياستهم ضد المسلمين، وحتى الوصول إلى التأثير فيهم، وتحقيق مصالح مطلوبة.
*
المطلب الثاني : أهمية الاقتصاد في نهضة الدول:
يعد الاقتصاد أحد الدعائم التي تقوم عليها الدول ولذلك تعاقب بعض الدول مثيلاتها بقطع العلاقات الاقتصادية وذلك لأهمية المال فهو عصب حياة الأمم والدول فبقوته تقوى الأمم والدول
وبضعفه تضعف.
وهو أيضاً القوة الفعالة في رقي الأمم وازدهارها كما أن المساس بالعامل الاقتصادي أو محاولة زعزعته وإضعافه يعد اعتداءً خطيراً على حياة الأمم واستقرارها([25]).
والدول ذات الاقتصاد القوي هي التي تنعم بموارد مالية قوية وينعكس ذلك على وضع الشعب من حيث وفرة الدخل والحياة المنعمة، والرفاهية المصاحبة لهذه الحياة ومن هنا نجد أن كل بلدان العالم تسعى إلى تحسين اقتصادها لتنعم شعوبها بالرفاهية ويعود عليها كذلك بالطمأنينة فسلاح المال والاقتصاد من أشد الأسلحة تأثيراً في هذا العصر كما أن العامل الاقتصادي هو من بين العوامل المهمة التي تدفع الأمم إلى مكان الصدارة على الساحة الدولية([26]).
فالعامل الاقتصادي يلعب دورا حاسما في تطور الشعوب ورسم آفاق مصيرها، كما يساهم في تركيبة البنية الاجتماعية والسياسية وتغيراتها من حين إلى أخر.
وفي ظل الرخاء الاقتصادي للمجتمع تتوسع الخيارات في التمتع بالحياة أمام أفراده وتعزز إمكانيات الوصول إلى وسائل العيش الكريم، ومن ثم الحصول علي العديد من الحقوق والتي تشمل الحق في البقاء والصحة والتغذية والتعلٌم والمشاركة والحماية من الأذى والاستغلال والتمييز.
وفي الجانب الآخر فإن فشل السياسات الاقتصادية من شأنه إضعاف الحالة الاقتصادية عامة ومن ثم تدهور المستوى المعيشي للأسر والأفراد وانتشار حالة الفقر التي تتخذ العديد من المظاهر والكثير من الأبعاد .
ومن هنا كانت أهمية الاقتصاد في الإسلام من أعظم الأمور التي أهتم بها من خلال توجيهات الكتاب والسنة التي تدعو البشرية جميعاً إلى الاستفادة من كل ما يكون وسيلة إلى ربهم وما يكون من سعادتهم في حياتهم لكن بلا تفريط ولا إفراط بل يراعى مع ذلك الضوابط الشرعية مثل ضوابط البيع والشراء وأكل الحلال وصناعة ما فيه حاجة وضرورة* للشعوب لا ما فيه ضررهم.
وأن يراعي أهل الإسلام أثناء ذلك حسن الأخلاق في المعاملات الاقتصادية من خلق الصدق والأمانة والإتقان والوفاء بالوعد والعهد فهي من أهم الخصال التي بها ينمو اقتصاد الدول.
المطلب الثالث: المقاطعات الاقتصادية ودورها في زعزعة اقتصاد الدول:
سبق أن ذكرنا دور الاقتصاد في بناء الدول ورفاهية الشعوب، ولذلك لا غرابة حينما نجد أن المقاطعة الاقتصادية من دولة تجاه الأخرى يؤتي ثماره.
فالمقاطعة بأشكالها المختلفة بما فيها المقاطعة الاقتصادية إحدى وسائل الدفاع عن النفس بين الدول ضد أي دولة تتعدى على أراضها أو سيادتها أو مواطنيها.
أما من جهة زعزعة اقتصاد الدولة التي وقفت عليها المقاطَعة فهو ظاهر وبيَّن وهذا أمر مشاهد عبر القرون. فمن ذلك مثلاً هذه المقاطعة الجائرة الظالمة التي قامت بها قريش لبني هاشم حيث تحالفت قريش وكنانة على بني هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه. وقد استمرت هذه المقاطعة الظالمة ثلاث سنين ذاق فيها بنو هاشم وبنو المطلب أبناء عبد مناف أشد البلاء ([27]).
ومن ذلك أيضاً قصة ثمامة بن أثال الحنفي حينما أسلم قدم مكة معتمرا، فقال له قائل: صبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فقطع الميرة([28]) عن أهل مكة، وكانوا يمتارون، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألونه أن يأذن له في حمل الطعام إليهم، فأذن له في ذلك وأهل مكة يومئذ كانوا حرباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم([29]).
وجاء في سيرة ابن هشام: ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تأمر بصلة الرحم، وإنك قد قطعت أرحامنا، وقد قتلت الآباء بالسيف، والأبناء بالجوع، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم([30]).

المطلب الرابع: على من يقع الضرر في المقاطعة الاقتصادية:
ذكرنا فيما سبق أن الاقتصاد أحد دعائم الدول، ولا تقوم دولة من الدول إلا على الاقتصاد وبحسب قوة الاقتصاد تقوى الدول فكلما كان الاقتصاد قوياً كانت الدولة قوية والعكس بالعكس.
ومن هنا كانت المقاطعة الاقتصادية لبعض الدول ذات تأثير فعال في خضوع هذه الدولة وركوعها للخصم.
لكن من جانب آخر قد يحصل نوع ضرر على نفس الدولة التي حصلت منها المقاطعة سواء كان على مستوى الدولة أو على مستوى أفرداها.
فقد تحتاج الدولة المقاطِعة إلى نوع منتج لا يكون إلا عند هذه الدولة، أو أن جودة هذا المنتج أفضل من هذا المنتج عند دولة أخرى أو يكون هذا المنتج سعره عند الدولة التي تمت مقاطعتها أقل بكثير من دولة أخرى فهنا يحصل الضرر على الدولة التي حصلت منها المقاطعة.
أما على سبيل الأفراد فمنهم البائع ومنهم المستهلك وحصول المقاطعة قد يحدث شيئاً من الاضطراب عليهم وبذلك قد يحصل نوع الخسائر المباشرة وغير المباشرة من جراء ممارسة المقاطعة.
والناس متفاوتون في حصول الضرر الواقع عليهم من جراء المقاطعة ومن صور ذلك مثلاً:
أولاً: أصحاب البضائع المصنعة في بلاد المسلمين لكن المصنع نفسه يدفع ثمن امتيـاز لمؤسسة
أخرى كافرة لحصوله على ثمن الامتياز فمتى حصلت المقاطعة حصل نوع ضرر على المصنع الذي هو في بلاد المسلمين وعمالته من أبناء المسلمين.
أما حصول الضرر على المؤسسة الكافرة التي لها جزء من حصة الربح من هذا المصنع فهو قليل جداً بالنسبة للضرر الذي يحصل معه جراء هذه المقاطعة لهذا المصنع.
ولذلك نقول بأن المقاطعة بلا شك لهذا المصنع فيها ضرر كبير على هذا المصنع لما يتكلف من مصاريف لتشغيله وعُمَّاله، ولما يقوم به هذا المصنع من الاقتصاد المحلي، ناهيك عن الضرر الذي يحصل للعشرات أو المئات من العاملين في هذا المصنع.
ثانياً: أصحاب المحلات لسوق التجزئة أو الجملة ممن يشترون بضائع الدولة التي جرت عليها المقاطعة فهؤلاء لا شك أن حصول الضرر بهم مما لا تقره الشريعة.
فإذا حصل مثلاً أن اشترى مسلم منتجاً أو سلعة من دولة ثم صاحب ذلك مقاطعة لهذه السلعة وهذا المنتج فالمتضرر لا شك هو المسلم.
نعم حصول المقاطعة تضر بالكافر إذا امتنع التاجر المسلم من شراء منتجات الدولة المقاطعة مرة أخرى لعدم رواجها أما ما تم شرائه فحصول الضرر به لا يكون إلا على المشتري المسلم.
ثالثاً: أصحاب الحاجات والضروريات من المستهلكين: إن عدم وجود السلعة أو المنتج في الأسواق قد يسبب ضرراً على المستهلك إما بارتفاع أسعارها أو عدم تحصيلها مع حاجته لهذه السلعة ومن هنا لا غربة حينما نجد أن هيئة كبار العلماء وكذا سماحة شيخنا ابن باز وشيخنا محمد بن صالح العثيمين يفتون بجواز بيع وشراء البضائع المباحة كالملابس والأغذية والأدوات المنزلية من غسالات وثلاجات ونحو ذلك ولو كانت البضائع من هذه الدولة المعادية للإسلام إذا وجدت مصلحة مترتبة على وجود هذه البضائع.
نعم إذا كان يستطيع التاجر أن يستغني عن هذه البضائع ببضائع أخرى لدول لم تظهر عدوانها للإسلام بقصد النكاية بهذه الدولة وأضعاف اقتصادها فهذا قد نقول بأنه مباح وقد يؤجر الإنسان على نيته وشعوره وغيرته على الإسلام والمسلمين بذلك([31]).
*
المطلب الخامس: علاقة فقه الموازنات بالمقاطعة الاقتصادية وما يلزم اعتباره عند التعامل بفقه الموازنات في المقاطعة الاقتصادية:
أولاً: علاقة فقه الموازنات بالمقاطعة الاقتصادية:
النظر في مثل هذه القضية لا بد أن يكون معتمداً على اليقين الشرعي والنظر في المصالح والعمل على تكثيرها والقضاء على المفاسد وتقليلها وهذا ليس في مثل هذه القضية وحدها بل في جميع القضايا التي تخص أمة الإسلام أفراداً وجماعات.
فلا بد من النظر في مجريات الأمور، وما ينشأ عن هذا الأمر من تحقيق المصالح، ودفع المفاسد، ولا بد من الموازنة بين الخير والشر، وما يترتب على هذا التصرف من المآل والآثار.
إن قضية المقاطعة الاقتصادية وربطها بفقه الموازنات هي قضية كغيرها من القضايا التي يكون للاجتهاد فيها نصيب فيبقى الكلام فيها متعلقاً بالاستنباط وتخريجها على قواعد المصالح والمفاسد وتنزيلها عند التنازع. وهذا الأمر قد يعتريه خلاف في الحكم عند المجتهدين، ولاسيما أن الحوادث تتنوع، والنوازل تختلف فليست المقاطعات في درجة واحدة من حيث الثمرة وليس تأثيرها واحداً من حيث كونها وسيلة.

ولكي نبين دور فقه الموازنات على المقاطعة الاقتصادية وحكم ذلك لا بد من النظر فيما يلي:
1ـ بيان العلة الشرعية التي يناط بها الحكم:
قبل بيان الحكم الشرعي في أي مسألة وبخاصة ما يتعلق بالنوازل المعاصرة وعلى وجه الخصوص نازلة المقاطعة الاقتصادية لا بد من تخريج هذه المسألة على العلة الشرعية التي يناط بها الحكم وهذا يقتضي المعرفة الجيدة بالواقع ومكوناته وبالأشياء وأوصافها، وبالأفعال وأسبابها وآثارها، إذ من دون هذا يمكن أن يقع تنزيل الأحكام على غير ما وضعت له، أو على أقل ما وضعت له.
ومن نظر إلى العلة المرجوة من المقاطعة الاقتصادية للدول المتطاولة على دين الإسلام وخاصة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم فالعلة في مقاطعة هذه الدول هو حصول النكاية في اقتصادهم وكسر شوكتهم ومنع تطاولهم على النبي صلى الله عليه وسلم.

2ـ اعتبار المآل:
ومعناه النظر إلى ما تؤول إليه الأفعال والتصرفات بغرض تقدير المصالح وتقدير النتائج وتحقيقها
وهذا لا يتحقق إلا بمعرفة الواقع لأن معرفة المآل جزء من معرفة الواقع.
فإذا كانت المقاطعة الاقتصادية يغلب على الظن أنها ستفضي إلى الإضرار بالكفار لكنها ستؤدى أيضاً في المقابل إلى وقوع مفسدة راجحة على المفسدة التي يراد إزالتها أو تحقيقها كأن تؤدي مثلاً إلى ردة فعل عنيفة من قبل بعض الدول مما سيكون له أثر سلبي على المسلمين ودخولهم في صراع مع هذه الدول وإقحام المسلمين في معارك ليسوا مستعدين لها فهنا لا بد من تغليب جانب المصلحة وهو بلا شك عدم المقاطعة الاقتصادية لأن الغاية كما سبق من المقاطعة هو جلب مصلحة أو درء مفسدة.
*
3ـ مراعاة المتغيرات:
ليس عالم اليوم كعالم الأمس وبخاصة في هذه الفترة التي يحصل فيها تغير يومي سواء على سبيل الأفراد والمجتمعات أو الدول ومن هنا فلا بد من مراعاة هذه المتغيرات، لكن لا يكون مراعات هذه المتغيرات مؤثراً على الثوابت وخاصة في جانب العقيدة أو ما جاءت نصوص الشريعة بتحريمه تحريماً قطعياً كالزنى وشرب الخمر ونكاح المحارم وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة تحريمه فلا يمكن أن يأتي حكم يقول بجواز ذلك في يوم من الأيام مراعاة للمتغيرات أما مراعاة المتغيرات في بعض الجوانب كجانب الاقتصاد مثلاً فحاجة الناس إلى بعض المنتجات والسلع اليوم ليس كحاجتهم لهذه السلع والمنتجات في الماضي.
وبناءً على ما ذكرناه نقول إن مما ينبغي أن يكون في الحسبان، أن استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية كما سبق قد يواجه بردّة فعل عنيفة من قبل بعض الدول الكافرة التي تتمتع بنفوذ وسيطرة على مستوى العالم، ولا سيما إذا كانت هذه المقاطعة متضمنة لقطع بعض السلع الإستراتيجية، التي يلحق المساس بها ضرراً بالمصالح القومية العليا لهذه الدول، مما قد ينتج عنه إقحام المسلمين في معركة ليسوا مستعدين لخوضها.

لأجل كل ما سبق؛ ولأن الغاية من استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية هو: جلب مصلحة أو درء مفسدة، فينبغي لنا أن نلتفت إلى معنيين هما:

1 أن تحقق المقاطعة الاقتصادية مصلحة، تتمثل في: الإضرار بالكفار وإيقاع النكاية بهم.
2 عدم إفضاء المقاطعة الاقتصـادية إلى مفسـدة أعظم من المفسدة التي نسعى لإزالتها أو
تخفيفها، كأن يترتب على المقاطعة الاقتصادية شنّ حربٍ على المسلمين لا قدرة لهم على مواجهتها، أو أن يزيد العسف والظلم على المستضعفين من المسلمين، الذين أردنا أن نرفع الظلم عنهم بهذه المقاطعة.
ثانياً: ما يلزم اعتباره عند التعامل بفقه الموازنات في المقاطعة الاقتصادية:

مما يجب أخذه في الاعتبار عند التعامل بفقه الموازنات وبخاصة في المقاطعة الاقتصادية ما يلي:
أولاً: الموازنة بين المصالح:
أي الموازنة بين المصالح بعضها مع بعض، من حيث حجمها وسعتها ومن حيث عمقها وتأثيرها ومن حيث دوامها وبقاؤها وأيها ينبغي أن يقدم ويعتبر وأيها ينبغي أن يسقط ويلغى.
وقد استنبط العلماء قاعدة الموازنة بين المصالح: من قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}[البقرة:219]. فقدم القرآن الكريم مصلحة الإنفاق على العيال في حال عدم وفرة المال، على مصلحة الإنفاق على الفقير. قال العز بن عبد السلام:”واعلم أن تقديم الأصلح فالأصلح، ودرء الأفسد فالأفسد، مركوز في طبائع العباد نظراً لهم من رب الأرباب”([32]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “إذ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، والورع ترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما ودفع شر الشرين وإن حصل أدناهما”([33]).
والمصلحة كما عرفها الغزالي هي: ” المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، وأنفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة, وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.” ([34])

ثانياً: الموازنة بين المفاسد بعضها مع بعض:
الموازنة بين المفاسد بعضها مع بعض معناه أن يراعى أيها يجب تقديمه وأيها يجب تأخيره أو إسقاطه كما سبق في المصالح.
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى في قصة الخضر عليه الصلاة والسلام حين خرق السفينة وهي صالحة. فقد أحدث فيها مفسدة، ليدفع بها مفسدة أعظم، ألا وهي غصب السفينة من قبل الملك. فلولا هذا الخرق أو المفسدة لأخذها الملك، وضاع أهلها الذين يقتاتون بما رزقهم الله من دخلها. قال تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}[الكهف:79].
ففي هذه القصة دليل على جواز قصد إحداث مفسدة مّا، لدفع أخرى راجحة.

ثالثاً: الموازنة بين المصالح والمفاسد:
أي إذا تعارضا بحيث نفرق بين متى نقدم درء المفسدة على جلب المصلحة ومتى تغتفر المفسدة من أجل المصلحة([35]). ومن الآيات الدالة على الموازنة بين المصالح والمفاسد:
قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}[البقرة:219]. ففي قوله تعالى:{وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}، دلالة واضحة على الموازنة بين المصالح والمفاسد. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}[النساء:2]. وفيها تقديم مصلحة الزواج من واحدة، على مفسدة التعدد في الزواج من النساء. وقاعدتها الأصولية: “درء المفاسد أولى من جلب المنافع”.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” فالواجبات والمستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة, إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب”([36]).

ومما يوضح ما ذكرناه هنا ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صلح الحديبية فهو من أروع الأمثلة التي توضح استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا النوع من الفقه.
وقد يظنه البعض تنازلاً من النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش وهذا خطأ وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يوازن بين المصالح والمفاسد في هذا الصلح. ثم إنه ليس كل تنازل للأعداء مرفوضاً، وليست كل استجابة لمطالبهم أمراً منكراً، والفقـه في ذلك تحقيق أعلى المكاسب بأدنى التنازلات.

ثم إن اختلال فقه الموازنات وبخاصة فيما يتعلق بهذا البحث أعني (فقه الموازنات ودوره في المقاطعة الاقتصادية) أمر طبيعي وذلك لأن فقه الموازنات يعتمد بشكل أساس على المعرفة الدقيقة بالواقع، وهذا غير متصور وجوده عند كثير من الناس لا سيما تجاه هذا الأمر وغيره من الأمور التي تحتاج إلى موازنة بين المصالح والمفاسد، فتجد أقوالهم غير متزنة ومنفعلة وردود فعل سريعة وغير منضبطة ومدروسة، ومن هنا تحصل البلبلة في الآراء ويدب الخلاف بين من قال بكذا وخالفه الآخر بقوله كذا، وهذا هو الأمر المشاهد تجاه ما يحصل على الساحة الإسلامية تجاه هذه القضيـة
وغيرها من القضايا المستجدة.
*
المطلب السادس: المقاطعة الاقتصادية وعلاقتها بقاعدة (جلب المصالح ودرء المفاسد):
تظهر العلاقة بين المقاطعة الاقتصادية، وقاعدة: اعتبار المصلحة ودرء المفسدة، في أن المقاطعة الاقتصادية، ضربٌ من ضروب الردع وأنها تحقق بعض الإضرار بالكفار وإغاظتهم، وأنها وسيلة من وسائل الضغط عليهم يمكن أن تدفعهم إلى التراجع عن ظلمهم وطغيانهم، أو على الأقل تخفف من هذا الظلم والطغيان، وهي بذلك تحقق مصلحة كبرى يجب أن تراعى وتعتبر.
وتحقيق المقاطعة الاقتصادية لما سبق من المصالح المعتبرة، هو أمر أغلبي، قد يتخلف في بعض الأحيان تبعاً لظروف الزمان والمكان ولذلك ينبغي لنا عند النظر في موضوع المقاطعة الاقتصادية كسلاح من أسلحة الردع والضغط، أن نستصحب فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد، على ما سبق تقريره، إذ قد يترتب على المقاطعة الاقتصادية تفويت مصلحة أكبر من المصلحة التي يراد تحقيقها، أو ارتكاب مفسدة أكبر من المفسدة التي يراد دفعها وهذا خلاف مقصود الشارع: من جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها.
*
المطلب السابع: حكم المقاطعة الاقتصادية:
قبل بيان الحكم الشرعي للمقاطعة الاقتصادية ثمة أمور لابد من بيانها:
أولاً: معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين التعامل فيه، وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم هو الأصل فيجوز معاملة الكفار بالبيع والشراء سواء كانوا أهل ذمّة أو عهد أو حرب إذا وقع العقد
على ما يحل، ولا يكون ذلك من موالاتهم([37]). قال شيخ الإسلام ابن تيمية:”وإذا سافر الرَّجل إلى دار الحرب ليشتري منها جاز عندنا كما دل عليه حديث تجارة أبي بكر رضي الله عنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام، وهي حينذاك دار حرب، وغير ذلك من ألأحاديث([38]).
قال الحافظ ابن حجـر: “تجوز معامـلة الكفـار فيما لم يتحقق تحريم على المتعامَل فيه، وعدم
الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم”([39]). هذا هو الأصل العام في معاملة الكفار.
لكن يستثنى من هذا الأصل أنه لا يجوز أن يبيع المسلم للكفار ما يستعينون به على قتال المسلمين لقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان}[المائدة: 2].
قال ابن بطال: “معاملة الكفار جائزة، إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين”([40]) .
ثانياً: أن البضائع عموماً سواء باعها كفار أو مسلمون، إما أن تكون ضرورية أو حاجيّة أو تحسينية ولا شك أن بينها فرقاً كبيراً:
1- فالبضائع الضرورية: هي التي لا بد منها في قيام مصالح الناس بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الناس على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة كالدقيق مثلاً.
2- والبضائع الحاجية: هي التي يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب كبعض المراكب مثلاً.
3- والبضائع التحسينية: هي ما لا ترجع إلى ضرورة ولا إلى حاجة ولكن تقع موقع التحسين والتزيين فلا بد أن نفرّق بين هذه الأنواع الثلاثة فيخفف في أمور الضرورات والحاجيات العامة ويراعى فيها ما لا يراعى في غيرها. قال الإمام الشاطبي: “الأمور الضرورية إذا اكتنفها من خارج أمور لا تُرضى شرعاً فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة
من غير حرج”([41]).
ثالثاً: أن قاعدة سد الذرائع هامة في فقه النوازل وخاصة في هذا الزمان الذي استجدَّ فيه كثير من الوقائع التي لم ينص عليها بدليل خاص من الكتاب والسنة ولذلك استند بعض المفتين في فتاواهم إلى هذه القاعدة* سد الذرائع* فقالوا بوجوب “المقاطعة الاقتصادية ” للأعداء، استناداً لهذه القاعدة.

لكننا ننبه على أنه يجب على المفتي والمجتهد أن لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل من مصلحة أو مفسدة تنشأ عنه كما سبق. فلا يأذن بفعل ولو كان فيه جلب مصلحة إلا بعد النظر في مآله لئلا يكون استجلاب المصلحة فيه مؤدياً إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها([42]).
رابعاً: أن التعامل المالي مع الأعداء إما أن يكون استيراداً أو تصديراً ولكل منهما شروطه.

فمن الشروط المتعلقة بالاستيراد:
أولاً: أن يكون الاستيراد موافقاً لأحكام الإسلام في العقود.
ثانياً: ألاَّ يلحق بالمسلمين مضرة من الاستيراد، ولا يكون قوة للأعداء علينا.
ثالثاً: أن يلتزم الداخل إلى دار الإسلام للتجارة، ما يُفرض عليه من الأموال والتي عرفت عند المسلمين بالعشور. وهذه العشور حق للمسلمين وليست بمكس، لأنه إذا اتجر في بلاد المسلمين يكون هو المستفيد.

أما الشروط المتعلقة بالتصدير فهي:
أولاً: أن لا تكون* السلعة مما يمكن أن يستخدمها أهل الحرب ضد المسلمين كما سبق بيانه.
ثانياً: أن يكون التصدير مبنياً على قواعد الشريعة الإسلامية.
ثالثاً: ألا يكون بالمسلمين حاجة إلى المواد والسلع المصدرة إلى بلاد الحرب.

حكم المقاطعة الاقتصادية:
بعد أن بينا جملة من الأمور التي ينبغي الوقوف عليها قبل بيان الحكم الشرعي للمقاطعة الاقتصـادية وذلك لتعلقهـا الشـديد بالحكم الشرعي في هذه المسألة نقول في حكم المقاطعـة الاقتصادية ما يلي:

لا يخلو الحكم في هذه المسألة من ثلاث حالات:
الأولى: أن يأمر الإمام بالمقاطعة.
الثانية: أن يأمر الإمام بعدم المقاطعة.
الثالثة: إذا لم يأمر الإمام بالمقاطعة ولا عدمها.
فهذه ثلاث حالات لكل واحدة منها حكمها الخاص بها.

*الحالة الأولى: وهي ما إذا أمر الإمام بالمقاطعة:
قبل بيان الحكم نقول يجب أن يعلم أن السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فطاعة الله ورسوله واجبة من كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عضلهم فما له في الأخرة من خلاق”([43]).

وبالسمع والطاعة لولاة الأمور تنتظم مصالح الدين والدنيا معاً وبالافتيات عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا وقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وليعلم أيضاً أن السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصيةٍ مجمعٌ على وجوبه عند أهل السنة والجماعة ، وهو أصلٌ من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}([44]) *قال النووي رحمه الله:”المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء ، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهـاء وغيرهم، وقيل: هم العلماء، وقيل: هم الأمراء والعلماء .. ” ([45]) اهـ .

وقال الإمام الطبري رحمه الله:”وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال:هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعةً، وللمسلمين مصلحة …. إلخ ” ([46]) . *
*وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ) ([47]).*
قال النووي رحمه الله: “معناه: تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصيةٍ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة” ([48]) اهـ .
*وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم:(يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ)، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ:(تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) ([49]).
وبناءَ على ما ذكرناه من وجوب طاعة ولاة الأمور نقول بأنه إذا صدر من إمام المسلمين أمراً بمقاطعة بضائع أو سلع معينة أو منتجات دولة من دول الكفر فإنه يجب على عموم الرعية طاعته وامتثال أمره استناداً إلى الأدلة التي مر ذكر بعضها([50]).

الحالة الثانية: إذا أمر الإمام بعدم المقاطعة:
ذكرنا سابقاً ما يلزم الرعية حيال ولاة الأمر من وجوب طاعتهم في المعروف فإذا أمر الإمام بالامتناع عن المقاطعة لمصلحة أكبر تتحقق من عدمها أو درء مفسدة أعظم من تلك التي دعت لها المقاطعة، فهنا يلزم الرعية الطاعة لأمر ولي الأمر حتى وإن لم تتبين لهم مصلحة في تصرف الإمام، إذ قد يظهر للإمام ما لا يظهر لرعيته من عوارض وأحداث فنبقى على الأصل في السمع والطاعة، وليس للإمام أن يأمر بالمقاطعة أو ينهى عنها، إلا أن يرى في ذلك مصلحة عامة لا تقابلها مفسدة أو ضرر أرجح منه، وذلك لأن الأصل في تصرفات الولاة النافذة على الرعية الملزمة لها في حقوقها العامة والخاصة أن تبنى على مصلحة الجماعة، وأن تهدف إلى خيرها. وتصرّف الولاة على خلاف هذه المصلحة غير جائز.

الحالة الثالثة: إذا لم يأمر الإمام بالمقاطعة ولا عدمها:
وهذه الحالة هي التي يكثر الكلام بصددها فقد اختلفت آراء أهل العلم المعاصرين بشأن هذه المسألة على قولين:
القول الأول: من يرى وجوبها لا سيما إذا علم المسلم أنَّ قيمة ما يشتريه يعين الكفار على قتل المسلمين أو إقامة الكفر لعموم قوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: 2] وجه الدلالة من الآية؛ أن الشراء منهم والحال ما ذكر مشمول بالنهي عن التعاون على الإثم والعدوان،ومشمول بقاعدة (سد الذرائع المفضية إلى الحرام).
وممن قال بمشروعية المقاطعة العلامة ابن سعدي رحمه الله حيث يقول : ” ومن أعظم الجهاد وأنفعه: السعي في تسهيل اقتصاديات المسلمين والتوسعة عليهم في غذائياتهم الضرورية والكمالية، وتوسيع مكاسبهم وتجاراتهم وأعمالهم وعمالهم، كما أن من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات، فلا يسمح لوارداتهم وتجاراتهم، ولا تفتح لها أسواق المسلمين ولا يمكَّنون من جلبها على بلاد المسلمين….، بل يستغني المسلمون بما عندهم من منتوج بلادهم، ويوردون ما يحتاجونه من البلاد المسالمة، وكذلك لا تصدَّر لهم منتوجات بلاد المسلمين ولا بضائعهم، وخصوصاً ما فيه تقوية للأعداء: كالبترول، فإنه يتعيَّن منع تصديره إليهم….، وكيف يصدّر لهم من بلاد المسلمين ما به يستعينون على قتالهم؟؟! فإنَّ تصديره إلى المعتدين ضرر كبير، ومنعه من أكبر الجهاد، ونفعه عظيم.

فجهاد الأعداء بالمقاطعة العامة لهم من أعظم الجهاد في هذه الأوقات، ولملوك المسلمين ورؤسائهم -ولله الحمد- من هذا الحظ الأوفر والنصيب الأكمل، وقد نفع الله بهذه المقاطعة لهم نفعاً كبيراً… وأضرت الأعداء وأجحفت باقتصادياتهم، وصاروا من هذه الجهة محصورين مضطرين إلى إعطاء المسلمين كثيراً من الحقوق التي لولا هذه المقاطعة لمنعوها، وحفظ الله بذلك ما حفظ من عزّ المسلمين وكرامتهم……، إلى أن قال والمقصود أن مقاطعة الأعداء بالاقتصاديات والتجارات والأعمال وغيرها ركن عظيم من أركان الجهاد، وله النفع الأكبر، وهو جهاد سلمي وجهاد حربي..” ([51]).

القول الثـاني: من يرى أن الأمر راجع فيهـا إلى ولي الأمر فإن أمر بهـا الإمام وجب السمع والطاعة لأمره وإن لم يأمر بها كان الحكم على الأصل وهو الإباحة واحتج أصحـاب هذا القول بأمور منها.

*أولاً: أن الأصل في حكم المتاجرة مع الكافر الحربي الإباحة مالم يكن التعامل فيه محرماً سواء كان عينًا أو عوضًا أو منفعة أو إجارة، هذا ما عليه الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم، بل نقُِل عليه الإجماع، فلا يقال إن دولة ما لا تجوز المتاجرة معها؛ لأنها إن كانت دولةً محاربةً فالأصل جواز المتاجرة معهم.

ثانياً: أن المقاطعة ما أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المواقف كلها التي اعتُدي فيها عليه صلى الله عليه وسلم، حتى تلك المواقف التي أهدر فيها النبي صلى الله عليه وسلم دمَ المعتدي (مثل كعب بن الأشرف). وقد كان في قريش من يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت القيان يغنّين بذلك، فما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاطعة قريش، بل لما أن وقعت المقاطعة من ثمامة بن أُثال رضي الله عنه، وأقرّها صلى الله عليه وسلم بادي الأمر، أمر بعد استرحام قريش بإنهاء المقاطعة، مع أن المسيئين من قريش لا اعتذروا ولا أقيم عليهم الحدّ، كعبدالله بن خطل وغيره، حتى قُتل ابنُ خطل بعد ذلك يوم الفتح.
ثالثاً: أن الدعوى إلى المقاطعة فيها نوع مخالفة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله كما في حديث عائشة رضي الله عنها([52])، وهؤلاء اليهود هم من دسوا للنبي صلى الله عليه وسلم السمَّ في كتف شاة في خيبر وما زال صلى الله عليه وسلم يرى أثر تلك الأكلة حتى توفي، ومع هذا استمر يتعامل معهم، وفي هذا إخبار وإشعار بجواز التعامل معهم في ما أحل الله لنا، فلا يجوز تحريم شراء ما أباحه الله لنا أو أباحه لنا رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان في مقاطعة الشراء منهم مصلحة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز مخالفته، وإدعاء المصلحة فيما لم يفعله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه”([53]) .

رابعاً: أن تقدير المصالح المتحققة من المقاطعة، التي هي مناط القول فيها إبراماً وإنهاءً، يعود إلى أمور وعلوم شرعيّة واقتصادية وسياسيّة، وإلى علمٍ بكل حال وما يصلح له فهي مبنية على أمور مدروسة هذه الأمور موكولة إلى ولي الأمر أو من يقوم مقامه في أمور الاقتصاد فليس كل أحد يصلح لهذا الجانب فقد يظهر للإمام ما لا يظهر لرعيته من عوارض وأحداث فنبقى على الأصل في
السمع والطاعة.

خامساً: أن التحليل والتحريم إنما يكون من قبل الشارع، ولا يجوز أن نُلزم الناس بأمر لم يُلزمهم الله به، فلا يسوغ إطلاق عبارات نُحرم فيها بيع بضائع هؤلاء أو نوجب شرعا مقاطعة منتجاتهم، ومعلوم أن البيع والشراء مع الكفار جائز شرعا حتى الحربي منهم كما سبق بيانه .

قلت وبهذا يتبين أن القول بجواز البيع والشراء من أي دولة كانت مشروع ما لم يأمر ولي الأمر بمقاطعة هذه الدولة وهذا ما ذهب إليه سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله وبه أيضاً أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حيث وجه إليها سؤال نصه ما يلي: تتردد الآن دعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية… فهل نستجيب لهذه الدعوات؟

فأجابت:”يجوز شراء البضائع المباحة أيًّا كان مصدرها، ما لم يأمر ولي الأمر بمقاطعة شيء منها لمصلحة الإسلام والمسلمين، لأن الأصل في البيع والشراء الحل، كما قال الله تعالى:”وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ”، والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود”([54]).
ومما جاء عن شيخنا ابن عثيمين رحمه الله حينما سئل عن حكم المقاطعة للمنتجات الأمريكية، قال رحمه الله: ” اشتر ما أحل الله لك، واترك ما حرم الله عليك”([55]) .

ومما قاله شيخنا العلامة الشيخ صالح بن الفوزان:”العلماء ما أفتوا بتحريم الشراء من السلع الأمريكية، والسلع الأمريكية ما زالت تُورد وتباع في أسواق المسلمين. وليس بضار أمريكا إذا أنت اشتريت منها ومن سلعها وليس بضارها هذا. ما تقاطع السلع إلا إذا أصدر ولي الأمر منعاً ومقاطعة لدولة من الدول، فيجب المقاطعة، أما مجرد أفراد أنهم يريدون عمل هذا ويفتون فهذا تحريم ما أحل الله لا يجوز”([56]). وهذا القول أعني القول الثاني في حكم هذه المسألة أن الأمر راجع إلى ولي الأمر، فإن أمر بالمقاطعة عملنا بها وإلا فنبقى على الأصل وهو الإباحة، هو الذي يترجح عندي.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين وأن يصلح حالنا وحال المسلمين أنه سبحانه وتعالى قريب مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
*
الخاتمـة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد: فقد ظهرت لي النتائج التالية من خلال هذا البحث:
1 ان فقه الموازنات مما يتأكد على طلاب العلم ضبطه* لما له من حاجة ماسة في مختلف شؤون الحياة الإنسانية، وتشتد الحاجة إليه كلما تداخلت القضايا وتعددت النوازل، وخاصة عند ولاة الأمر، وذلك لكثرة التعارض بين المصلحة والمفسدة، أو المنافع مع بعضها مع بعض، أو المفاسد بعضها مع بعض.

2 فقه الموازنات له علاقة وطيدة بواقع المسلمين اليوم وذلك لأنه يشمل أموراً تتعلق بحياة المسلمين وخاصة ما يتعلق بالسياسة الشرعية وعلاقة المسلمين مع غيرهم في باب المعاملات ومن ذلك موضوع بحثنا.
3 المقاطعة الاقتصادية كغيرها من القضايا التي يكون للاجتهاد فيها نصيب فيبقى الكلام فيها متعلقاً بالاستنباط وتخريجها على قواعد المصالح والمفاسد وتنزيلها عند التنازع.

4 المقاطعة الاقتصادية لا بد أن يكون النظر فيها معتمداً على اليقين الشرعي والنظر في المصالح والعمل على تكثيرها والقضاء على المفاسد وتقليلها، وكذلك لا بد فيها من النظر في مجريات الأمور، وما ينشأ عن هذا الأمر من تحقيق المصالح، ودفع المفاسد، والموازنة بين الخير والشر، وما يترتب على هذا التصرف من المآل والآثار مع مراعاة المتغيرات فحاجة الناس إلى بعض المنتجات والسلع اليوم ليس كحاجتهم لهذه السلع والمنتجات في الماضي وهذا ليس في مثل هذه القضية وحدها بل في جميع القضايا التي تخص أمة الإسلام أفراداً وجماعات.

5 – ينبغي في المقاطعة الاقتصادية أن يراعى فيها الإضرار بالكفار وإيقاع النكاية بهم وعدم إفضاءها إلى مفسدة أعظم من المفسدة التي نسعى لإزالتها أو تخفيفها.

6 – الاقتصاد هو أحد الدعائم التي تقوم عليه الدول فهو عصب حياة الأمم والدول فبقوته تقوى الأمم والدول وبضعفه تضعف. فالدول ذات الاقتصاد القوي هي التي تنعم بموارد مالية قوية، بل وتساهم قوة الاقتصاد في الوصول إلي وسائل العيش الكريم، ومن ثم الحصول علي العديد من الحقوق والتي تشمل الحق في البقاء والصحة والتغذية والتعلٌم والمشاركة والحمـاية من الأذى
والاستغلال والتمييز.

وعلى العكس من ذلك فإن فشل الاقتصاد من شأنه إضعاف الحالة الاقتصادية عامة ومن ثم تدهور المستوى المعيشي للأسر والأفراد وانتشار حالة الفقر التي تتخذ العديد من المظاهر والكثير من الأبعاد.

7 – المقاطعة الاقتصادية هي إحدى وسائل الدفاع عن النفس بين الدول ضد أي دولة تتعدى على أراضيها أو سيادتها أو مواطنيها فهي ذات تأثير فعال في خضوع هذه الدولة وتسليمها للخصم.

8 – إذا أمر الإمام بالمقاطعة الاقتصادية لدولة ما أو أمر بالامتناع عن المقاطعة فيلزم الرعية الطاعة لأمره فيجب على عموم الرعية طاعته وامتثال أمره استناداً إلى الأدلة الشرعية التي تأمر بطاعة ولاة الأمور، وإن لم تتبين لهم مصلحة في تصرف الإمام، إذ قد يظهر للإمام ما لا يظهر لرعيته من عوارض وأحداث فنبقى على الأصل في السمع والطاعة.

أما إذا لم يأمر بها الإمام فقد اختلفت آراء أهل العلم المعاصرين على قولين والأظهر عندي في حكم ذلك أن الأمر راجع إلى ولي الأمر فإن أمر بها الإمام وجب السمع والطاعة لأمره وإن لم يأمر بها كان الحكم على الأصل وهو الإباحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ**
مصادر البحث

1
القاموس المحيط، الطبعة الأولى (1995م)، نشر دار الكتب.
2
تأصيل فقه الموازنات، عبد الله الكمالي دار بن حزم، الطبعة (1421هـ _ 2000م).
3
فقه الموازنات بين النظرية والتطبيق، ناجي إبراهيم السويد دار الكتب العلمية.
4
قواعد الأحكام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، تحقيق: محمود بن التلاميد الشنقيطي، دار المعارف بيروت لبنان.
5
التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت: 1393هـ)، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1420هـ/2000م.
6
الجامع الصحيح، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (ت: 256هـ)، دار الشعب، القاهرة.
7
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1392هـ.
8
فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.
9
زاد المعاد في هدي خير العباد، شمس الدين ابن قيم الجوزية، مؤسسة الرسالة، بيروت، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت.
10
سبل الاستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة، د. وهبة الزحيلي، دار المكتبي للنشر والتوزيع، تاريخ النشر: 2001م.
11
لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر بيروت.
12
القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت.
13
مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت الطبعة، 1415هـ 1995م.
14
المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار، دار الدعوة. تحقيق: مجمع اللغة العربية.
15
القاموس السياسي دار النهضة العربية، أحمد عطية الله، دار النهضة العربية القاهرة، الطبعة الثالثة، 1968م.
16
قاموس المصطلحات العسكرية، تأليف محمد فتحي أمين.
17
قاموس الدولة والاقتصاد هادي العلوي، دار الكنوز الأدبية الطبعة، الأولى 1997م.
18
المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، دار المعرفة، بيروت (ط2ـ 1420هـ)،
19
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير،دار الكتب العلمية بيروت،الطبعة الأولى، 1414هـ
20
النظرية الاقتصادية في الإسلام، فكري أحمد نعمان المكتب الإسلامي، 2002م.
21
الموسوعة الاقتصادية، مسعود سميح، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1997م.
22
الموسوعة العربية العالمية، مجموعة باحثين، الطبعة الأولى، 1416هـ /1996م، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض.
23
المقاطعة الاقتصادية حقيقتها وحكمها، د خالد بن عبد الله الشمراني، دار ابن الجوزي .
24
انظر: المقاطعة الاقتصادية تأصيلها الشرعي واقعها والمأمول لها، عابد بن عبد الله السعدون
25
البداية والنهاية لابن كثير، دار إحياء التراث، الطبعة الأولى .
26
الروض الأنف، ابن إسحاق، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى.*
27
السيرة النبوية، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري أبو محمد: تحقيق طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، الطبعة، الأولى، 1411م.
28
قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء (ت:660هـ) تحقيق: محمود بن التلاميد الشنقيطي دار المعارف بيروت لبنان
29
مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام بن تيمية، تحقيق: أنور الباز، عامر الجزار، الناشر: دار الوفاء، الطبعة: الثالثة، 1426 هـ / 2005 م.
30
المستصفى في علم الأصول، أبو حامد الغزالي، تحقيق: محمد بن سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان الطبعة : الأولى، 1417هـ/1997م.
31
أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة، يوسف القرضاوي، الطبعة الأولى، 1991م مكتبة وهبة، القاهرة.**
32
كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية.
33
الولاء والبراء في الإسلام، محمد سعيد القحطاني.
34
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: د. ناصر عبد الكريم العقل، مكتبة الرشد الرياض.
35
الموافقات، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417هـ / 1997م.
36
جامع البيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (224 310)، دار هجر، الطبعة الأولى.
37
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1392 هـ.
38
المقاطعة ـ رؤية شرعية، د. هاني بن عبد الله الجبير، دار الهدي النبوي، الطبعة الأولى 1427هـ.
39
رسالة فضل الجهاد في سبيل الله، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، ضمن مجموع مؤلفات الشيخ.
40
مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش.
41
*الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة، صالح بن فوزان الفوزان، جمع وتعليق وتخريج جمال فريحان الحارثي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
فهرس الموضوعات
*
المقدمة:

المبحث الأول: نظرات في فقه الموازنات:

المطلب الأول: تعريف فقه الموازنات ومدى مشروعيته:

أولاً: تعريف الفقه:

ثانياً: تعريف الموازنات:

ثالثاً: تعريف فقه الموازنات باعتبار أنه مركب إضافي:

أدلة الكتاب والسنة على شرعية فقه الموازنات:

أدلة السنة على فقه الموازنات:

المطلب الثاني: مدى حاجة النوازل المعاصرة إلى فقه الموازنات:

المطلب الثالث: أهمية تعلم فقه الموازنات:

المبحث الثاني: فقه الموازنات وعلاقته بالمقاطعة الاقتصادية:

المطلب الأول: التعريف بالمقاطعة الاقتصادية:

أولاً: معنى المقاطعة:

ثانياً: تعريف الاقتصاد:

ثالثاً: معنى المقاطعة الاقتصادية باعتبارها مصطلحاً اقتصادياً:

المطلب الثاني: أهمية الاقتصاد في نهضة الدول:

المطلب الثالث: المقاطعات الاقتصادية ودورها في زعزعة اقتصاد الدول:

المطلب الرابع: على من يقع الضرر في المقاطعة الاقتصادية:

أولاً: أصحاب البضائع المصنعة في بلاد المسلمين:

ثانياً: أصحاب المحلات:

ثالثاً: أصحاب الحاجات والضروريات من المستهلكين

المطلب الخامس: علاقة فقه الموازنات بالمقاطعة الاقتصادية وما يلزم اعتباره عند التعامل بفقه الموازنات في المقاطعة الاقتصادية:

أولاً: علاقة فقه الموازنات بالمقاطعة الاقتصادية:

1ـ بيان العلة الشرعية التي يناط بها الحكم:

2ـ اعتبار المآل:

3ـ مراعاة المتغيرات:

ثانياً: ما يلزم اعتباره عند التعامل بفقه الموازنات في المقاطعة الاقتصادية:

أولاً: الموازنة بين المصالح:

ثانياً: الموازنة بين المفاسد بعضها وبعض:

ثالثاً: الموازنة بين المصالح والمفاسد:

المطلب السادس: المقاطعة الاقتصادية وعلاقتها بقاعدة (جلب المصالح ودرء المفاسد):

المطلب السابع: حكم المقاطعة الاقتصادية:

الشروط المتعلقة بالاستيراد:

الشروط المتعلقة بالتصدير:

حكم المقاطعة الاقتصادية:

الحالة الأولى: إذا أمر الإمام بالمقاطعة:

الثانية: إذا أمر الإمام بعدم المقاطعة:

الثالثة: إذا لم يأمر الإمام بالمقاطعة:

الخاتمة:

مصادر البحث:

فهرس الموضوعات:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *

الهوامش:

([1]) القاموس المحيط (4/283).
([2]) تأصيل فقه الموازنات، عبد الله الكمالي (ص49).
([3]) فقه الموازنات بين النظرية والتطبيق ـ ناجي إبراهيم السويد (ص27).
([4]) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام (1/136) تحقيق محمود بن التلاميد الشنقيطي.
([5]) التحرير والتنوير. لابن عاشور التونسي (16/172).
([6]) المرجع السابق.
([7]) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد، حديث رقم (220).
([8]) صحيح مسلم بشرح النووي (3/195).
([9]) رواه البخاري. كتاب الحج ، باب فضل مكة وبنيانها ،رقم (1584).
([10]) فتح الباري (1/274-275).
([11]) زاد المعاد في هدي خير العباد، شمس الدين ابن قيم الجوزية (3/265) .
([12]) المرجع السابق (3/303).
([13]) انظر كتاب سبل الاستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة، د. وهبة الزحيلي، ص (9) .
([14]) انظر: كتاب سبل الاستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة، د. وهبة الزحيلي، ص (9) .
(1) لسان العرب (7/416) الفيروز آبادي ، القاموس المحيط، ص (1423) ، مختار الصحاح ص(226).
(2) لسان العرب (7/419.
(3) المعجم الوسيط ( 2/774.
(4) القاموس السياسي، ص (1206).
(5) قاموس المصطلحات العسكرية ، ص(496).
(6) قاموس الدولة والاقتصاد، ص (40 ).
(7) انظر: المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني (ص504). المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: (قصدت)(1/ 505).
(1) النظرية الاقتصادية في الإسلام (ص 35).***
(2) الموسوعة الاقتصادية، مسعود، سميح، ص (168).
(3) الموسوعة العربية العالمية ( 23/548).
([25]) انظر: المقاطعة الاقتصادية حقيقتها وحكمها د خالد بن عبد الله الشمراني، ص (41 ـ 42).
([26]) انظر: المقاطعة الاقتصادية تأصيلها الشرعي واقعها والمأمول لها، عابد بن عبد الله السعدون، ص (35 ـ 36).
([27]) انظر في ذلك البداية والنهاية لابن كثير (3/106) ، الروض الأنف ـ ابن اسحاق (2/159).
([28]) الميرة: بكسر الميم، هي الطعام الذي يمتاره الإنسان أي: يجلبه لأهله يقال مار أهله يميرهم ميراً، قال الله تعالى:{وَنَمِيرُ أَهْلَنَا}[يوسف: الآية 65]، أي نجلب إلى أهلنا الطعام.
(1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضاً في المسجد، ص (462)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، ص (1764).
(2) السيرة النبوية لابن هشام (2/639).*
(1) انظر المقاطعة الاقتصادية تأصيلها الشرعي واقعها والمأمول لها. ـ عابد بن عبد الله السعدون ـ ص(129 ـ 140).
([32]) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ص (7).
([33]) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام بن تيمية (3/193).
([34]) المستصفى في علم الأصول، أبو حامد الغزالي، ص (1/416).
([35]) انظر في ذلك: أولويات الحركة الإسلامية، يوسف القرضاوي، ص (30).**
([36]) كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (28/126).
([37]) انظر: الولاء والبراء في الإسلام، محمد سعيد القحطاني (356).
([38]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/15).
([39]) فتح الباري (9/280) .
([40]) فتح الباري (4/410) .
([41]) الموافقات، للإمام الشاطبي (5/441).
([42]) انظر المرجع السابق.
([43]) مجموع الفتاوى (35/16-17).*
([44]) سورة النساء: الآية (59).
([45])شرح صحيح مسلم ( 12/223 ).
([46]) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ( 7/182 ).
([47]) رواه مسلم في الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (1836).
([48]) شرح صحيح مسلم (12/224).
([49]) رواه مسلم في الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، رقم (1847).
([50]) انظر: المقاطعة رؤية شرعية، د. هاني بن عبد الله الجبير، ص (62).
([51]) انظر: رسالة فضل الجهاد في سبيل الله”، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله مجموع مؤلفات الشيخ رحمه الله (26/103-107(.
([52]) رواه البخاري في كتاب المغازي، باب برقم (4467)، عن عائشة رضي الله عنها.
([53]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (7/76)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/144) برقم (1700).
([54])* مجموع فتاوى اللجنة الدائمة الفتوى رقم (21776) تاريخ الفتوى 25/12/1421 هـ.
([55]) لقاءات الباب المفتوح، اللقاء (64).
([56])* الأجوبة المفيدة عن اسئلة المناهج الجديدة، جمع وتعليق وتخريج جمال فريحان الحارثي، السؤال رقم (77)، ص (182).