شهر رمضان هدية الرحمن لعباده المؤمنين
الحمد لله الذي بلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية وأمن وأمان، وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم المنان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قدوة الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فمن فضائل الله تعالى على عباده أن أكرمهم بشهر كريم مبارك، جمع فيه كثيراً من أبواب الطاعات والخيرات، وأكثر فيه بعتق الكثير من عباده من النيران، وفتح لهم أبواب الرحمات والبركات.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل شهر رمضان بدعاء جميل تعليماً لأمته كي تقتدي به في استقباله، فكان يقول (اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله)(رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي).
وكان سلف الأمة ـ رضوان الله عليهم ـ يتباشرون بقدومه، ويهنأ بعضهم بعضاً بقولهم: (اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر، فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن).
فهو شهر يبذل المسلمون فيه جهدهم من أجل إرضاء رب الأرض والسماوات، فترى الصوُّام، والقوُّام، والمنفقين أموالهم بالليل والنهار، والمستغفرين بالأسحار، والتالين للقرآن، والذاكرين لربهم قائمين وقاعدين وعلى جنوبهم.
ترى فيه التنافس الشريف، والإقبال على كل عمل صالح يقرب إلى الرحيم الرحمن.
فأي فضل بعد فضل الله، وأي عطاء بعد عطاء الله، وأي إحسان بعد إحسان الله؟ فلله الحمد والمنة على هذه النعمة.
لقد أكرمنا الله بشهر هو خير من كل الشهور، وفيه ليلة خير من كل الليالي، يكثر فيه عتقاء الله، ومن ينالون الرحمة، والفوز بالرضوان.. ينظر إليهم ربهم نظرة محبة وفرح، ويفتح لهم أبواب الجنان، ويغلق أبواب النيران، ويبشر الصائمين بباب الريان.
فهو للأمة ربيعها، وللعبادات موسمها، وللخيرات سوقها، فلا شهر أفضل للمؤمن منه، ولا عمل يفضل عما فيه، فهو بحق غنيمة المؤمنين، وموسم الطاعة للمتقين، والسوق الرائجة للمتنافسين، يرتقي فيه أقوام إلى أعالي الدرجات، ويُسِفُّ فيه أقوام استعبدتهم الأهواء والشهوات.
فأين أصحاب الهمم العالية؟ وأين أصحاب القلوب الصادقة؟ وأين المحبون للإنفاق والبذل والعطاء؟ وأين التائبون إلى ربهم قبل نزول المنية والسكرات؟ وأين المحبون للقرآن؟ وأين البكاؤون من خشية الرحمن؟ وأين المشمرون للدخول من باب الريان؟ وأين الغافلون طول العام عن طاعة ربهم كي ينالوا الرحمة والإحسان والعتق من النيران قبل فوات الأوان؟
فهيا إلى السعادة والسرور، والتلذذ بعبادة الرب الغفور، وأحسنوا قبل فوات الأوان، فاليوم عمل وغداً حساب.. [أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ..](الزمر:الآية 56).
أسأل الله الكريم المنان ذا الفضل والإحسان أن يبلغنا إياه وأن يعيننا على صيامه وقيامه، والعمل بكل ما يرضيه عنا إنه جواد كريم وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير البرية أجمعين.
1-9-1429هـ