الإسلام دين اليسر
امتاز الدين الإسلامي على غيره من الديانات باليسر والسهولة ورفع الحرج وصدق الله العظيم: (وما جعل عليكم في الدين من حرج).
وجميع الديانات الصحيحة وغير الصحيحة تحوي العبادات وغيرها وتشتمل على الأوامر والنواهي لكن هذه العبادات والأوامر والنواهي تختلف من دين لآخر وبين عبادة وأخرى.
فبعض العبادات لا يستطيع أداءها إلا القليل وفيها من تعذيب النفس والبدن الشيء الكثير ومن ذلك الصيام حيث يوجد في بعض الديانات صيام متواصل لا يكاد يطاق.
وأما الإسلام فالصوم ليس فيه تعذيب للنفس والبدن وإنما هو الكف عن بعض الشهوات طيلة النهار وأما في الليل فمن حق المسلم أن يستمتع بما امتنع عنه في النهار وهذا محض العبادة والتقرب إلى الله وليس فيه تقليل للإنتاج فالصائم قد يكون إنتاجه أكثر من غيره لتفرغه وقوة صلته بربه وقد ذكر لي أحد الثقات ممن درسوا في ألمانيا أن أحد المصانع الألمانية يعمل فيه آلاف المسلمين فلما جاء شهر رمضان أراد المصنع أن يخفف عنهم العمل فقلل ساعات العمل تطيباً لخواطرهم ومجاملة لهم في هذه العبادة التي لا تتكرر في العام إلا مرة واحدة لكن العمال رفضوا ذلك وأشعروا إدارة المصنع أن عطاءهم في رمضان وغيره سواء وفعلاً بعد نهاية الشهر كانت هناك مفاجأة غير متوقعة لإدارة المصنع حيث زاد الإنتاج وقل الاعتذار والتخلف وارتفع معدل صحة العمال عن سائر الشهور.
وهذا أمر معروف مشاهد فالصائم عنده من القوة والجلد ما ليس عند المفطر لإنه قطع طمعه في الأكل والشرب فبالتالي ينصرف للعمل والإنتاج أكثر من غيره والله جل وعلا لم يكلف عباده ما لا يستطيعون بل كل التكاليف الشرعية في حدود الطاقة لسائر الناس وصدق الله العظيم: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولو كان في الصوم تكليف ما لا يطاق لما أوجبه الله على عباده.
أما وجود المشقة فيه فهذه المشقة محتملة وكثير من العبادات لا تخلو من المشقة لكنها من قبيل التدريب على احتمال المكاره لإن الحياة ليست قائمة على السهولة دائماً بل لا تستمتع الحياة إلا إذا كانت فيها بعض الصعوبات في ثنيات الطريق وتكفينا حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم شاهداً على ما نقول. وإثباتنا أن الإسلام سمح يسير لا عنت فيه ولا تكليف لا يناقضه وجود المشقة فيبعض العبادات لإن من تمام اللذة أن يقطف المسلم ثمرة جهده وعمله وصبره وتحمله بعد أن يتخطى هذه المشقة المحتملة وهكذا تكون فرحة الصائم عند فطره.
ومتى وصل الحال إلى أن يكون الصيام عسيراً غير مطاق لبعض الناس فهنا يجيء التخفيف عن هؤلاء سواء كان تخفيفا وقتياً أو كان تخفيفاً أبدياً قال تعالى: (اياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من ايام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له).
وقال تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
لقد ختم الله كل الديانات بالإسلام وجعله سمحاً سهلاً يستطيع أداء فرائضه وعباداته كل بني البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم وعصورهم بل وحتى في تقلبات حياتهم من صحة ومرض وفقر وغنى وقوة وضعف وصغر وكبر بل إن الإسلام منع التشدد في الدين وأخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه وما خير رسولنا بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
وهكذا عبادة الصوم مبنية على اليسر والسهولة شأنها شأن سائر العبادات الأخرى وحينما يخرج الصوم عن هذه القاعدة ويصل إلى مرحلة العنت والتكليف فإن الإسلام يمنعه ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت فقلت له قد قلته بأبي أنت وأمي قال: (فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة ايام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر قلت إني اطيق أفضل من ذلك فقال فصم يوماً وأفطر يومين قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام فقلت إني أطيق أفضل من ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك).
فهنا لما وصلت الحال إلى إجهاد النفس وتكليفها منعه الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك بأسلوب مناسب وعبد الله بن عمرو بعن العاص حينما قال ذلك كان شاباً جلداً قوياً يتحمل المشقة ويصبر عليها لكنه لم يحسب حساب الضعف وكبر السن والمرض والشيخوخة التي تتطلب التيسير والتسهيل ولما كبر ندم على تشديده على نفسه وأخذه بالعزيمة وقد ثبت في صحيح البخاري قوله: (فكان عبد الله بن عمرو يقول بعدما كبر يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم).
فالإسلام دين الفطرة دين السماحة واليسر يتفيء ظلاله الضعفاء والأقوياء وأوساط الناس ويؤدون تكاليفه دون مشقة أو حرج والقاعدة العريضة فيه رفع الحرج عن أتباعه وكلما ضاق الأمر اتسع وما غلب عسر يسيرين وصدق الله العظيم (إن مع اليسر يسرا إن مع اليسر يسر) أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا للخير وأن يأخذ بأيدينا لما فيه خيرنا وصلاحنا وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا ويعفو عنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.