أسرار الصوم وخصوصياته
(1) ما ختمت به آية الصوم [لعلكم تتقون]، فالصوم يربي في المؤمن مراقبة الله ـ عز وجل ـ وخشيته، فلا يمتنع عن شهواته ويقاومها إلا لأنه يراقب ربه ويخشاه، وبإمكان المسلم أن يأكل ويشرب حيث لا يراه أحد ولكنه يعلم أن الله عز وجل يراه فيزعن لأمره، وهذا معنى ما ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به)(صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3877).
(2) الصوم يعين على التقوى إذ هو يضعف الشهوات والرغبات المادية، ويقوي جانب الروح في المسلم، وكل إنسان يتنازعه عنصران، عنصر الطين الذي يجره للأسفل حتى يكون كالحيوانات بل هو أضل سبيلا، وعنصر الروح الذي يرفعه إلى الأعلى حتى يصبح سامي الهدف عالي الهمة يتعبد لله بكل حركاته وسكناته، وهذا هو المعنى الدقيق للتقوى الذي ختمت به آية الصوم [لعلكم تتقون].
(3) الجانب المادي هو وسيلة الشيطان إلى إغواء الإنسان، وبالصوم يسد هذا المنفذ في وجهه فيكون تأثيره على المسلم معدوماً أو على الأقل يضعف، وهذا معنى تصفيد الشياطين في رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)(متفق عليه).
(4) والصيام جُنَّة من الشهوات: فهو سلاح قوي في وجهها، ولذا وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم علاجاً ناجعاً للشباب الذين يتوقدون حيوية ونشاطاً،ويتفجرون شهوة ولا يجدون مؤونة الزواج، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(متفق عليه).
(5) والصوم يخلص الجسم من كثير من العلل والأمراض التي يكون سببها التخمة وملء المعدة، بل ظلمها بشتى أصناف المآكل والمشارب التي يكون ضررها أكثر من نفعها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم موجهاً ومرشداً في هذا الجانب: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) (صححه الألباني في رياض الصالحين 239 برقم 521.).
(6) والصوم يدعو المسلم لأن يعرف قدر النعم التي عليه لأنه يفقد هذه النعمة في نهار رمضان فيحس بقيمتها وأهميتها، والشيء الذي يألفه الإنسان ويتكرر عليه قد لا يحس بقيمته ولكنه إذا فقده في بعض الأحيان عرف قدره ومدى حاجته إليه.
(7) والصوم تذكير عملي للأغنياء بحاجة إخوانهم الفقراء الذين يجوعون طول العام، وهذا دافع كبير لهم للبذل والعطاء وفي ذلك من التكافل بين فئات المجتمع الشيء الكثير، والصوم يثير في المسلم دوافع الرحمة والإحساس بأحوال الضعفاء والمحتاجين، فيتعلم الصائم من هذه المدرسة الصبر والعزيمة ويحس بأن المجتمع المسلم كيان واحد يساعد قويه ضعيفه، وغنيه وفقيره.
(8) والصيام يعود المسلم على الانضباط والنظام، فالإفطار له موعد محدد والإمساك له موعد محدد، وهكذا لا يستثني من هذا النظام أحد مهما كانت منزلته اللهم إلا من كان معذوراً فهؤلاء لهم وضع خاص، وقد رفع الله عنهم الحرج.
(9) والصوم يقوي الإرادة ويكبح جماح النفس، ويكسب الإنسان نشاطاً في الجسم وصفاء في الذهن، وترويض للجوارح على الطاعة، وأخذ الأمور بالجد وصدق النية.
(10) والصيام فرصة عظيمة للإقلاع النهائي عن الدخان الذي ابتلي به بعض الناس، فما دام المسلم يقهر نفسه ويلجمها بالصبر طيلة اليوم عن هذا الوباء الخبيث فلماذا لا يلحق الليل بالنهار، ويعقد العزم على التخلص من هذا الداء الخبيث الذي ثبت ضرره على الدين والعقل والبدن والمال، إنها العزيمة القوية والصدق مع الله واللجوء إليه.
(11) والصوم يحقق وفراً في الإنفاق إذ أن اختصار عدد الوجبات كماً ونوعاً إلى وجبتين يوجب ضغطاً في الإنفاق يبلغ ثلث الإنفاق العادي، وعليه ينبغي أن يكون الصوم ترويضاً للنفس المسلمة على القصد في البذل ثم يجود بما زاد على الفقراء والمحتاجين.
هذه شيء من أسرار الصوم وحكمه، وغيرها كثير ونحن نذكرها تقوية للإيمان، وربطاً للمسلم بالعبادة والصوم قبل هذه الحكم، وبعدها هو امتثال لأمر الله ونزول على حكمه، وإيمان به سبحانه وتعالى.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يتقبل صيامنا، وأن يوفقنا لقيام ليلة القدر، وأن يجعلنا ممن يتفضل عليهم بالعتق من النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.