نعمة بلوغ رمضان
سعد فيه أشخاص وشقي فيه آخرون اهتدى فيه مهتدون وضل فيه هالكون.
لقد كانت البشرية على موعد مع فجر جديد يحمل إليها كل معالم الهدى والنور حين اصطفى الله خاتم النبيين رسولاً للعالمين [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين] لقد اهتزت جنبات مكة وبطاحها لنداء الحق وسطعت في الأفق ومضات هي سر الحياة وكلما مد على الأكوان هلال رمضان عاد إلى الأمة الإسلامية حنينها إلى ما انطوت عليه أيامه من نفحات مباركات هي الهدى في ضيائها وإشراقها وهي القوة في صفاء يتبوعها وأصالتها والقرآن الكريم هو الذي رسم المنهج المتوازن الذي تذوب فيه الفوارق الجنسية لتلتقي في عقيدة واحدة ونظام موحد ورمضان هو شهر القرآن يتجدد بمجيئه توثيق المنهج وتأكيده والثبات عليه. لقد جمع الله في هذا الشهر المبارك من الخير والنور والهداية ما يسع العالم كله لأنه مجال اتصال المسلم بربه اتصال طاعة وانقياد ثم هو مجال استعلاء الجسد على ضروراته كلها وتحمل ضنغطها وثقلها ايثاراً لما عند الله من الرضى والرضوان.
ولكن هناك نفوس لا تميل إلى الاستقامة ولا ترغب السير في الطريق المنير بل تعشق الظلام وتختفي إذا سطع النور شأنها شأن الخفافيش لا تستطيع الحركة إلا في الظلام.
فيا ترى ما أثر الصوم في نفوس هؤلاء ما أثره في نفوس مريضة وأفئدة عليله وأعين لا ترى وقلوب لا تهتدي[ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور]سورة النور الآية 40.
إن العمل بدون إيماناً كبناء على غير أساس بل على شفا جرف هار كهشيم تذروه الرياح كم من الناس من يصوم النهار ومع صومه هذا يلغ في أعراض الناس ما يفعل الله بجوعه وهو يتمرغ في أوحال الخطايا والأوزار.
الناس حال بلوغهم رمضان على صنفين:
صنف يفرح ويستبشر لأنه تعود على الطاعات وألفها فهو ينتقل من طاعة إلى طاعة ومن عبادة إلى عبادة ولذا فالصيام سهل وميسر لأنه ألفه سائر العام وصنف يستثقل شهر رمضان لأنه يعتبره حبساً للنفس عن الشهوات ولم يعتد الطاعة فيحسن بثقلها على نفسه ولذا يقضي نهار الصوم بالنوم وليله بالعبث والسهر ما حرم الله.
إن معاني رمضان أن يمسك المسلم عن الطعام والشراب ويتذكر إخوة له منأهل الفقر والحاجة يحبون سائر العام فهم يصومون عن الطعام لأنهم لا يجدون ما يأكلون وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له مثل أجره) ولو أن المسلمين اقتطعوا شيئاً يسيراً من مأكلهم ومشربهم ولو على الأقل في رمضان ووفرة لذوي الحاجات من الفقراء والمساكين لتحقق الخير لفئات كثيرة من المجتمع ولصدق فيهم حث نبيهم صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
فمتى تألم المسلم من الجوع وجدت عنده الأحاسيس ونمت فيه العواطف نحو إخوانه الفقراء والمحتاجين نسأل الله بمنه وكرمه أن يتقبل منا الصيام والقيام وأن يجعلنا هداه مهتدين وأن يعيذنا من شرور ومن نزغات الشيطان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.