مرحباً بالزائر الكريم- خطبة الجمعة بتاريخ 28-2-1432هـ
الخطبة الأولى :
الحمد لله مقدر الأقدار ومكور النهار على الليل ومكون الليل على النهار القائل سبحانه: [وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ](القصص الآية68).
اختار لنا مواسم فاضله يخلف بعضها بعضا لنتوب إليه ونستغفره ونذكره ونشكره [وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً](الفرقان الآية62).
وأشهد أن لا إله إلا الله الحكيم العليم وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام العابدين وسيد الذاكرين الشاكرين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران الآية102).
إخوتي في الله يستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها خلال الأيام القادمة شهر رمضان المبارك بكل حفاوة ومحبة وترحيب فهو شهر الخير والبركة والسعادة والنفحات والمكرمات وقد اصطفاه الله على سائر الشهور إذ فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وصدق الله العظيم: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ](البقرة الآية185).
لقد كان سلفنا الصالح يترقبون الشهر الكريم متمنين تمامه لإتمام صيامه وقيامه متقلبين في أيامه بين الطاعات والعبادات فكان من دعائهم (اللهم سلمنا إلى رمضان وسلم لنا رمضان وتسلمه منا متقبلاً).
يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
نعم أيها المؤمنون هذه هي القلوب الحية وهذا هو الاستعداد الصادق وهذا هو الاستقبال اللائق بهذا الشهر الكريم فبلوغ شهر رمضان وصيامه وقيامه نعمة وأي نعمة لقد شرف الله شهر الصيام وعظمه وكرمه وشرف صوامه وقوامه وخصهم فيه من الأجور ما ليس لغيره من الشهور حتى جعل أجر صائميه متجاوزاً العشرة أمثال والسبعمائة ضعف إلى ما يزيد على ذلك مما لا يحد ولا يعد فقد جاء في الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ) (رواه مسلم)
عباد الله وشهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي جاء اسمه في القرآن الكريم وهو الشهر الوحيد الذي أفاض الله فيه أكثر نعمه على عباده فأنزل عليهم فيه صحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن.
وشهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي جمع الله فيه من الخير والنور والهداية ما يسع العالم كله وهو شهر ليلة القدر تلك الليلة التي رفع الله شأنها فهي شامة على مفرق الأمة الإسلامية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وشهر رمضان هو شهر الصوم الذي ينطلق فيه الصائمون إلى آفاق الضياء والنقاء بعد أن ولغ الكثيرون في الوحل والطين وتاهو في ظلمات المادة، فالأخيار المتقون يتذوقون حلاوة الرحمة ويتنسمون عبير المحبة.
عباد الله هذا هو شهر الصيام واحة روحية رفافة الندى والظلال يجد فيها الصائم ما يمسح عن جبينه وعثاء الحياة وما يزيل عن جسمه غبار المادة وما يبعد عن بطنه ضرر التخمة وما يمحو عن إرادته الوهن والتردد وما يدفع عن نفسه الحيرة والفتور وما يتيح لروحه أن تتألق في عالم الصفاء والنور وما يجعله يتسابق مع الثلة المؤمنة في ميدان فسيح يفوز فيه السابقون ويغنم فيه المسارعون للخيرات، وصدق الله العظيم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ](البقرة الآية183).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أنكم تستقبلون شهراً كريماً فكونوا ممن يستقبله بنفوس رضية وقلوب تقية.
أولئك يفرحون بقدومه ويستبشرون لأنهم يعلمون أن الامتناع عن الملذات في هذه الدنيا سبب لنيلها في الآخرة وهؤلاء يدركون جيداً أن هذا الشهر من أعظم مواسم الطاعة والعبادة ولذا فقد وطنوا أنفسهم على الصيام والقيام رجاء ما عند الله من الأجر الجزيل والثواب العظيم هؤلاء الأخيار هم الذين يقفون مع أنفسهم في أول ليلة من ليالي رمضان يدققون في حساباتهم دون وسيط بينهم وبين أنفسهم فلا مجال للمخادعة ولا مجال للتحايل ولا مجال للتمثيل بل لا بد من الصدق والمصارحة.
يطرح الواحد على نفسه أسئلة محددة ماذا قدم، ماذا فعل، ماذا قال، ماذا أنجز، ماذا ارتكب، ماذا ادخر، وأبقى هذه أسئلة صريحة واضحة مع النفس وعلى ضوء الجواب يكون الحماس في زيادة الرصيد وتدارك الماضي تلك خواطر مع استقبال الشهر الكريم نستوضح بها الطريق ونستكشف بها الآفاق ونتطلع لعمل جاد مثمر نجني ثمرته سعادة في الدنيا وفوزاً في الآخرة.
أسأل الله العظيم أن يوفقنا لطاعته وأن يجعلنا ممن يصومون رمضان ويقومونه إيماناً واحتساباً وأن يوفقنا لبلوغ ليلة القدر وأن يجعلنا ممن يقومها إيماناً واحتساباً.
هذا صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة لكل خير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وارفع درجاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة واقنا عذاب النار.
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]. (النحل الآية 90).
فاذكروا الله العظيم يذكركم وأشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. 28/8/1432هـ