خطبة بعنوان “استقبال شهر رمضان” بتاريخ 22-8-1419هـ.
الخطبة الأولى :
الحمد لله القائل {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له {وربك يخلق ما يشاء ويختار} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من صام وأفطر اصطفاه ربه وفضله على سائر الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فاتقوا الله عبادالله وسارعوا إلى مغفرته ورضاه واعلموا أن حكمة الله عز وجل اقتضت أن يفضل بعض الناس على بعض، وبعض المكان على بعض، وبعض الزمان على بعض، والله سبحانه وتعالى هو الفعال لما يريد وصدق الله العظيم:{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}.
وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم السل وهو أفضلهم ورسالته تميزت بشمولها وكمالها وامتدادها وخلودها فهي الرسالة الخاتمة وهو الرحمة المسداة للخلق أجمعين قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}.
وقد اختار الله مكة أرضا للرسالة ومنطلقا للدعوة وصدق الله : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}.
وجعل الله سبحانه بعض الزمن أفضل من بعض، تطلع الشمس وتغيب ويتجلى النهار ويغشى الليل ولكن الله اختار من مواسم لمزيد نعمه واختار منه أياما وليالي لمزيد فضله، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه).
وثبت عند البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق هشادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته).
وقال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
فضل شهر رمضان على سائر الشهور فهذا الشهر الوحيد الذي جاء اسمه في القرآن، فهو الشهر الوحيد الذي أفاض الله فيه أكثر نعمه على عباده فأنزل فيه صحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن.
فهو شهر الهداية والبركات والنور والخيرات وصدق الله العظيم: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
إنه شهر ليلة القدر، الليلة التي رفع شأنها وجعلها شامة على جبين أمة الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إنه شهر الصوم الذي ينطلق فيه الصائمون إلى آفاق رحبه ويترفعون على حطام الدنيا وشهواتها وإغوائها وإغرائها ويقهرون الشيطان وجنوده بتمام الطاعة للرحمن، ويكفي أن عمل ابن آدم كله له إلا الصوم فقد استثناه الله وادخر أجره له:(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
عباد الله!
والصيام لا يعادله شيء من الأعمال فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله مرني بعمل، قال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له ثلاثا).
والصائم مجاب الدعوة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم).
والصوم يباعد من النار فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا).
والصوم يشفع لصاحبه فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصائم: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه: قال فيشفعان).
والصائم يدخل الجنة من باب الريان فعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).
وصيام رمضان مغفرة للذنوب وكفارة للماضي فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي شرع الصوم لعباده كفارة لذنوبهم وحطا لأوزارهم وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واستبشروا خيرا بقدوم شهر رمضان واسألوا الله أن يبلغكم هذا الشهر الكريم وأن يوفقكم لصيامه وقيامه.
استقبلوه بالتوبة النصوح وشمروا عن ساعد الجد واحذروه من التكاسل فمواسم الخيرات قد لا تعود مرة ثانية فالأعمار بيد الله سبحانه وتعالى.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم.
وقد كان سلف الأمة يستبشرون بدنو رمضان ويفرحون بقدومه أكثر من فرحهم بقدوم حبيب غائب من أقاربهم .
عباد الله! إنها مواسم الخير التي يتنافس فيها المتنافسون ويتسابق فيها الصالحون فتزودوا من أيام الله ليوم أنتم بأمس الحاجة إلى العمل الصالح.
وتذكروا وأنت تستقبلون هذا الشهر المبارك عائما مضى ماذا قدمتم فيه من الخير وماذا جنيتم فيه على أنفسكم واجعلوا استقبال هذا الشهر فرصة للمحاسبة لعل الله أن يلطف بنا وبكم وأن يشملنا بعفوه ومغفرته.
وتذكروا وقد مد الله في أعماركم أحبابا لكم اخترمتهم المنية وكانوا يتمنون بلوغ هذا الشهر ليزدادوا من العمل الصالح ولكنها الآجال المضروبة والأنفاس المحددة.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يبلغنا شهر رمضان وأن يوفقنا لصيامه وقيامه وأن يعفو عن تقصيرنا وخطأنا إنه صاحب الفضل والإنعام.
وصلوا وسلموا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.