خطبة بعنوان “نعمة إدراك رمضان وبعض أحكام الصيام” بتاريخ 5-9-1413هــ

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي شرع لعباده مواسم الطاعات وأشهد أن لا إله إلا الله فتح للمؤمنين أبواب الخيرات وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل السابقين الى الجنات صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً
أمــــا بـــــعـــــد: فيا معاشر المؤمنين والمؤمنات

تُطوى الليالي والأيام وتنصرم الشهور والأعوام والناس يتقلبون من حال إلى حال حتى يأتيهم أجلهم وحينذاك لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ولا يجدون أمامهم إلا ما حملوه زاداً لأخرتهم.
يشب في هذه الدنيا الصغير ويهرم الكبير وتتفاوت الهمم حسب تفاوت العقول والمفاهيم.
لقد قعد أقوام عما خلقوا له فلم يبلغوا آمالهم بل ضيعوا أعمارهم في ساقط القول وسيء الفعل حتى عاجلهم أمر الله وهناك سيندمون ولكن هيهات أن ينفع الندم.
عباد الله لقد أظلكم شهر عظيم مبارك تتمنون بلوغه وتأملون إدراكه وها أنتم الأن تعيشون أيامه ولياليه فماذا عساكم فاعلون لقد مرت عليكم شهور ماضيه وقصرتم فيها ولكن الله لطف بكم ومـدَّ في أعماركم حتى أدركتم هذا الشهر فهل تتداركون مافات من التقصير والتفريط.
إن بلوغ رمضان نعمة كبرى يقدرها حق الصالحون المشمرون إن واجب المسلمين اسشعارُ هذه النعمه واغتنام هذه الفرصه إنها إن فاتت كانت حسرة ما بعد حسرة يكفي وعيداً وعذابا ما ثبت عند ابن حبان في صحيحه ” من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين ” والخطاب بين جبريل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم في الصيام تنجلي عند الصائمين القوى الإيمانية والعزائم التعبدية يدعون ما يشتهون ويصبرون على ما يشتهون في الصيام يتجلى في نفوس أهل الإيمان الإنقياد لأوامر الله وهجر الرغائب والمشتهيات يدعون ما يرغبون وما يشتهون طاعة لله واحتساباً.
إخوة الإيمان قـد يـتيه الإنسان أو يظل فيتبع نفسه وهواه ولكن الله عز وجل شرع التوبة ووعد بقبولها ممن صدق ونهى عن اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل.
قال رجل من كنده يا رسول الله” أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجه ولا داجه إلا اقتطعها أي أنه يقطع الطريق على الحجاج في ذهابهم وإيابهم فهل له من توبة قال هل أسلمت قال أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبد الله ورسوله قال نعم تفعل الخيرات وتترك السيئات يجعلهن الله كلهن خيرات قال وغدراتي و فجراتي يا نبي الله قال نعم قال الله أكبر فمازال يكررها حتى توارى” رواه مسلم
لقد رجعت في هذا الشهر إلى ربها النفوس المعرضه فهل يبقى عاص لا يمديده بالرجاء.
كان سلف الأمة يستعدون لهذا الضيف بالتوبة والإنابة والرجوع الى الله واستغلال أيامه ولياليه بأصناف الطاعات والقربات لا في المأكولات والمشروبات فحسب ولذا ينبغي ونحن نجلس على مائدة الإفطار أن تذكر جوع الجائعين ولوعة الملتاعين وعبرات البائسين.

أيها المؤمنون/ لقد وقفت أتأمل في أول ليلة من ليالي رمضان فرأيت دورة من دورات الفلك انصرفت وعاماً من أعوام حياتنا انقضى ومضى وهكذا الدنيا فلك يسبح وكوكب يجري ما هذه الدنيا إلا أحلام نائم وخيال زائل فالعاقل من اتخذها مزرعة للآخرين وجعلها قنطرة عبور للحياة الباقيه.
فها هو ذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يستقبل محرابه قابضاً على لحيته وقد أرضى الليل ستوره وغارت نجومه يتململ تململ العليل ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا اليَّ تعرضتِ أم اليَّ تشوفتِ قد باينتكِ ثلاثا لا رجعة لي فيكِ فعمركِ قصير وشأنكِ حقير وخطركِ كبير. أـ هـ من قلة الزاد وبعد السفر ومشقة الطريق.
أرأيتم حال سلف الأمه سائر العام فكيف بهم في رمضان.
أيها المؤمنون وقفت مع آية فرضية الصوم أتأملها فظهر لي أن الله فرض علينا الصوم ليخلصنا من أدران المادة جزءاً من الزمن فالصوم حرمان مشروع وفيه خضوع لله وخشوع.
فإذا تألم الواحد منا من الجوع وُجدت عنده الأحاسيس ونمت فيه العواطفُ نحو إخوانه الفقراء والمحتاجين وما أحوجنا الى هذه التربيه الحكيمة لنستغل فضل هذا الشهر بمواصلة الطاعة وكثرة العمل الصالح.
أيها الصائمون والصائمات إن لرمضان خصائص من أهمها أن أوله رحمه وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار أتدرون ما معنى ذلك الرحمة للمحسنين المتقين والمغفرة للمذنبين المفرطين والعتق لمن استوجب دخول النار بإرتكاب الكبائر وذلك لاختلاف أحوال الناس فمنهم المحسن ومنهم المذنب ومنهم المستوجب لدخول النار وكل هؤلاء يناله من فضل هذا الشهر ما يناسبه فالمحسن تناله فيه الرحمه والمذنب تناله المغفرة إذا تاب من ذنبه والمستوجب لدخول النار يناله الإعتاق منها إذا تاب الى ربه ولن يخرج أحد من المسلمين عن هذه الأقسام الثلاثة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل الصيام جُنه وسببا موصلاً الى الجنه واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جعلنا على أقوم سُنه صلى الله عليه وآله أصحاب النفوس المطمئنه. أمـــــا بـــــعــــــد: فيا أمة الصيام والقيام
هاهو رمضان يحل في الساحات ضيفاً كريماً وزائراً حبيبا فاكرموه لتنالوا كرامة الدارين واسترخصوا في سبيله الجوع والعطش لتشبعوا وترووا في وقت أنتم بأمس الحاجه الى الشبع والعريّ.
إخوتي في الله هناك مسائل كثيرة يكثر السؤال عنها أو جز أحكامها فيما يلي:
1ـ الأكل اثناء الأذان كثيراً ما يسأل الناس عن حكم الأكل أثناء الأذان ونقول لا يخلو إما أن يكون المؤذن يؤذن على دخول الفجر تماماً فهنا لا يجوز الأكل أثناء الأذان ومن أكل فعليه القضاء وإن كان المؤذن يؤذن قبل الفجر من باب الاحتياط فلا حرج أن يأكل المسلم أثناء الأذان وإن كان الصائم لا يعلم عن حال المؤذن هل أذانه على طلوع الفجر أم قبله فالأحواط ألا يأكل أثناء الأذان.
2ـ من قام ولم يعلم أنه أذن ثم أكل وشرب فهذا لا يخلو إما أن يعلم بعد ذلك أنه أكل بعد الأذان كأن يسمع الإقامة بعد ذلك أو ينظر في الساعة فيراها في وقتنا هذا الساعة الخامسة والنصف مثلاً فهذا يمسك بقية يومه ويقضي وإما ألا يعلم هل أذن أو لا ويبقى شكه فهذا صيامه صحيح إن شاء الله.
3ـ بلع الريق لا حرج فيه إن شاء الله أما النخامة التي تكون من الصدر أو الرأس فيجب إخراجها لكن لو بلعها المسلم من غير قصد فلا يفطر إن شاء الله أما إن قصد بلعها أفطر بها وعليه القضاء.
4ـ السواك في رمضان مشروع قبل الزوال وبعده لكن يتجنب الحار الرطب لغنه قد يتحلل فيذهب الى جوفه.
5ـ الدهن المرطب للبشره سواء كان للوجه أو اليدين أو الشفاه لا حرج فيه في رمضان وغيره بشرط ألايمنع وصول الماء إلى البشره.
6ـ التبرع بالدم الكثير يبطل الصوم قياساً على الحجامه ولا ينبغي للمسلم التبرع في نهار رمضان إلا إذا كانت المسألة ضرورة لإنقاذ مسلم ولم يتضرر المتبرع نفسه.
7ـ أخذ الدم للتحاليل كتحليل السكر ومعرفة الفصيله وغير ذلك لا يفطر لإنه قليل.
8ـ الإبر التي يحتاجها الصائم على ثلاثة أنواع /
الأول المغذيه وهي التي يستغني بها المسلم عن الأكل والشرب وهذه يعرفها الأطباء ولا شك أن الصائم يفطر بها.
الثاني نوع يضرب مع المفصل في الفخذ أو الورك وهذه منشطه فقط ولا يفطر بها الصائم.
الثالـث نوع يضرب مع الوريد وهذه بين المغذيه والمنشطة والاحتياط تــركـــها.
9ـ استعمال الروائحه العطرية لا يفطر الصائم لكن الأولى اجتنابها لأنها من الملذات التي يحسن بالصائم الإبتعاد عنها فإن تعمد شم الطيب ووصل الى جوفه فإنه يفطر به.
10ـ قطرة العين والإذن والأنف لا تفطر على الصحيح من كلام أهل العلم لكن لو وصلت قطرة الأنف الى جوفه أفطر بها والله أعلم.
وسنكمل هذه المسائل في الأسابيع القادمة إنشاء الله تعالى.
عباد الله: هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد الله أمركم بذلك فقال ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صلي وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بتاريخ 5-9-1413هــ