خطبة بعنوان “إنفاق الأموال وبعض أحكام الصيام” بتاريخ 12-9-1413هـ
الخطبة الأولى :
أيها الصائمون والصائمات/
إن المال في الإسلام مال الله تبارك وتعالى هو الذي خلق المال وهو الذي رزق به الإنسان فلم يكن له جهد في إيجاده ولا اصطناعه بل اللهُ ربُّ العالمين الذي خلقه فأوجده وأعطاه الإنسان يتصرف به في وجوه الإنفاق العامة والخاصة وصدق الله العظيم ((وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)) فالمال مال الله الذي آتاه الناس بفضله وكرمه سبحانه أما عن الغاية من وضع المال في أيدي الناس فالله يقول عن ذلك ((وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ)).
فالإنسان مستخلف في هذا المال ونائب عن مالكه في تصرفه ومعلوم أن هذا الاستخلاف كان بقصد الابتلاء والاختبار فمن أحسن التصرف من هؤلاء المستخلفين أثيب على حسن تصرفه ومن أساء عوقب على إساءته ولا شك أن تصرفات المستخلف يجب أن تكون حسب ما رسمه له المستخلف.
ومن هنا كان لزاماً على الإنسان أن يراعي في تصرفاته المالية شرع الله فلا يرى من وجه رغب الإسلام في الإنفاق فيه ويبادر الى الإنفاق وما من طريق حرم الإسلام الإنفاق فيه الأ ويمتنع عن الإنفاق فيه. والله الذي أعطانا هذا المال ورزقنا إياه رغبنا في إنفاقه في وجوه الخير ووجوه الخير كثيرة ثم وعد كرماً منه وفضلا من أنفق في سبيله بمضاعفة الأجر والمثوبة وأن يرد عليهم في الحياة الدنيا ما ينفقونه وهذا منتهى الفضل والكرم وأجود الجود والسخاء فمع أن المال ماله سبحانه والرزق رزقه فإنه يتكرم فيرد عليك ما تنفق ويخلف عليك في الدنيا مالك وصدق الله العظيم ((وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) بل إن الله سبحانه وتعالى يدخر لك الاجر العظيم والثواب الجزيل ليوم القيامه ذلك أنه يجعل هذه الصدقات قرضاً له سبحانه فينمي لك هذا المال ويثمره ويباركه حتى يكون أضعافاً مضاعفه ((مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ)) بل أخبر الله عن واسع فضله أنه يبلغ في مضاعفة الأجر والمثوبة أن يوصله إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ((مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ” من تصدق بعدل تمره من كسب طيب _ ولا يقبل الله إلا طيب _ فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدُكم فلوه _ أي مهره _ حتى تكون مثل الجبل “رواه البخاري ومسلم
وهل بعد هذا الكرم من كرم التمرة تتصدق بها _ يا أخي المسلم _ من كسبك الحلال يقبلها الله تعالى فيربيها وينميها حتى تصبح مثل الجبل أفيبلغ بالتاجر أن يطمع بمثل هذا الربح فضلاً أكثر منه.لكن فضل الله واسع وجوده عظيم.
إخوة العقيدة والله إن هذا الخير لا ينبغي لمسلم أن يسمع به ثم يزهد فيه ولا لصاحب مال يبلغه هذا الفضلُ عن ربه ثم يمسك ماله عن الإنفاق في سبيل الله ولكن الناس على الرغم من ذلك لا يبادرون فما الذي يمنعهم من أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله وما الذي يقعدهم عن هذا الفضل العظيم إنه الشيطان الذي يجلب عليهم بخيله ورجله و يحول بين الناس وبين الإنفاق في وجوه البر ليكونوا معه في دائرة واحدة وقد أخبرنا الله عن ذلك فقال ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً)) وقال ((الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً))
الشيطان يعد المتصدق الفقر والله يعده المغفرة والفضل فمن تُصدِّق يا أخي المسلم هل تصدق تخويف الشيطان لك بالفقر فتمتنع عن الصدقه أم تصدق وعد ربِّك بأنه يخلف عليك صدقتك في الدنيا ويدخر لك الأجر العظيم يوم القيامه.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصور لنا حرص الشيطان وجنوده على منع المسلم من الصدقة واجتهادهم في الوسوسة والتخويف ومقدار ما يعانيه المتصدق من التغلب على هذه النزعات.
فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله “لا يُـخرج رجل شيئاً من الصدقة حتى يفك عنها لحيي سبعين شيطانا” رواه أحمد والبزاروان خزيمة في صحيحه فكأن الصدقه لقمة انطـبـقـت علها أفواه سبعين شيطانا والمتصدق يفك أنياب هؤلاء الشياطين واحداً واحداً حتى يبلغ إلى صدقته ليخرجها وينفذها في سبيل الله.
أخي المسلم كن على ثقه أن ما تنفقه في سبيل الله لا ينقص مالك بل يزيده لأن الله يرد عليك ويخلف ما أنفقت وصدق الحبيب المصطفى ” ما نقصت صدقة من مال ” رواه مسلم. وكن على ثقة أنك بصدقتك تنفع نفسك ولا تضرها نعم أنت تنفع نفسك أكثر من نفعك الفقير لأن الفقير يسد بها رمقه حاضراً و أما أنت فإنها تدخر لك أحوج ما تكون إليها ((وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)).
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله ” أيكم مال وارثه أحب اليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه قال فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر” رواه البخاري.وعن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ” ما بقي منها قالت ما بقي منها إلا كتفها قال بقي كلها غير كتفها” رواه الترمذي وقال حديث حسن صحح.
إخوة الإيــمــان ليكن الإنفاق سهلاً عليكم فعودوا أنفسكم عليكم ولا تحتقروا شيئا فالقليل مع النية الخالصة كثير ونفعه عظيم وأجره كبير. وتحروا وجوه الإنفاق الاهم فالأهم فنحن نلحظ تكدس المال بيد بعض الفقراء هذه المواسم على حين يوجد الكثيرون لا يعرفون وإذا عُرفوا لم يصلهم إلا القليل ولذا فوصيتي لك أخي المسلم وأنتِ أختي المسلم أن تضعوا صدقاتكم في أيدٍ أمينة توصلها إلى مستحقيها إن لم تقوموا أنتم بهذه المهمة واحذروا من المحاباة والمجاملة واتباع العوائد السنوية وإعطاء أهلها من الزكاة ولو كانوا غير فقراء فهذا مزلق خطير بل اجعلوا ما تعطونه من هذه العوائد باب الصدقات لغن الامر فيها واسع إن شاء الله ولا تنسوا اخوانكم المجاهدين هنا وهناك واحرصوا على الصدقات الجاريه كبناء المساجد ودور الأيتام واللاجئين وطبع كتب العلم النافعة أسأل الله أن يعيننا على أنفسنا وأن يجعلنا ممن يسخرون المال لطاعة الله لا من يسخرهم المال للشهوات والرغبات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله ولي الصالحين ومجزل الأجر للمنفقين وأشهد أن لا إله إلا الله يضاعف الحسنات للمتصدقين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أجود الناس أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً. أمـــا بــــعــــــد: عباد الله
نكمل بعض المسأل المهمه التي وعدنا بها الجمعه الماضيه فنقول.
1ـ لاحرج في وضع الحناء على الرأس في نهار رمضان أو اليدين في نهار رمضان فلا علاقة له بالصوم من حيث أنه يفطر الصائم وما يظنه بعض الناس بكونه مفطراً لا صحة له.
2ـ من رأى شخصاً يأكل ويشرب ناسياً في نهار رمضان وجب عليه تذكره لأنه من باب إنكار المنكر وما يظنه بعض الناس من عدم تذكيره لأن الله أطعمه وسقاه لكن يجب عليك تنبيهه ليمتنع عن ذلك فإن لم تفعل أثمت وعصيت وهو معذور في نسيانه.
3ـ لا حرج في الاستحمام في نهار رمضان لكن يجتهد المسلم أن لا يصل الى فمه الماء أو الى أنفه مخافة أن يتسرب الى جوفه.
4ـ الاحتلام في نهار رمضان لا يبطل الصيام لأن الشخص لا إرادة له في ذلك فالحرج مرفوع عنه وعليه أن يغتسل ويكمل صومه.
5ـ خروج الدم من رعاف أو جرح لا يفطر الصائم انما الذي يفطربه من الدم الحجامة والتبرع بالدم الكثير بظوابطه التي ذكرناها سابقاً.
6ـ إذا طهرت الحائض قبيل الفجر بدقائق تمسك وتغتسل بعد الفجر وتتم صومها وكذا لو رأت الدم قبيل المغرب بدقائق فإنها تفطر وتقضي هذا اليوم.
7ـ إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين وجب عليها الاغتسال وتصوم وتصلي فإن عاودها الدم في أثناء الأربعين فهو دم نفاس تترك له الصوم والصلاة.
8ـ لا ننصح بأخذ الحبوب التي تمنع الدوره في رمضان لأنه من استعماله فله شرطان:
1ـ إذن الـــزوج 2ـ ثــبــوت عــدم ضـررها بأن يكون ذلك عن طريق طبيب موثــوق.
9ـ لا حرج في تأخير غسل الجنابة والحيض والنفاس بعد الفجر لكن يجب المبادرة لتؤدي الصلاةُ في وقتها.
10ـ لا حرج على الحامل والموضع اللتـين تتضران بالصيام أن تفطر فإن كان الخوف على نفسيهما أفطرتا وقضتا فقط وإن كان على الولد أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا.
11ـ إذا نزل مع المرأة نقط دم في نهار رمضان واستمر معها أياماً طويلة ولم يكن وقت عادة لها فإنها تصوم وتصلي لأن هذا دم فساد.
12ـ اذا أحست المرأة بالدم قبيل المغرب ولم يخرج إلا بعد الأذان فصومها صحيح لأن الحكم مرتب على خروج الدم وليس على انتقاله من مكان الى مكان.
13ـ المرأة التي تسقط لا يخلو هذا السقط إما أن يكون فحلق أو لا فإن كان فحلق فحكمها حكم النفساء تماماً وإن كان غير فحلق بأن لم يكمل ثلاثة أشهر فدمها دم فساد تصوم وتصلي وتتحفظ وتتوضأ لكل صلاة.
14ـ لا حرج أن تقرأ المرأة الحائض والنفساء القرآن في رمضان خصوصاً إذا كانت محتاجة لذلك.
وفرق بين القراءة للحاجة وبين القراءة لطلب الأجر والثواب فالأول لا حرج فيه وأما الثاني فقد منعه أكثر أهل العلم.
هذا و صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك في محكم التنزيل فقال جل من قائل عليما ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صل وسلم وزد وبارك على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
بتاريخ12-9-1413هــ