خطبة بعنوان “البطولة والانتصار في رمضان” بتاريخ: 11-9-1415هـ
الخطبة الأولى :
الحمد لله القائل في محكم التنزيل ((وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) وأشهد أن لا إله إلا الله نصر عباده المؤمنين وأتم عليهم الفتح العظيم في رمضان وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي قاد معارك الإسلام الفاصلة ففتح الله على يديه الكثير من ديار الإسلام صلى الله عليه وعلى أصحابه جنود الحق وناشري السلام في أمة الصيام. أمــابــــعـــــد: فيا أيها الصائمون والصائمات
يتجدد اللقاء من على هذا المنبر المبارك ولقاؤنا اليوم عن البطولة والأبطال والنصر والانتصار في شهر الصيام لقد كانت معظم انتصارات المسلمين في رمضان ولا عجب في ذلك.
فالصوم تدريب على الجندية والجهاد وتطبيق لهما.
في السنة الثانية للهجرة كانت غزوة بدر الكبرى في رمضان وتم أعظمُ انتصار حاسم على الشرك في أول مواجهة عسكرية بينه وبين الإسلام. وكان هذا النصر منعطفا في خط سير التاريخ انتقلت به الدعوة من طور إلى طور وبدأ الوجود للمسلمين يتحقق رغم المعارضة الشرسة من كل المتربصين والحاقدين وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد المسلمين لغزوة الخندق حيث وقعت في شوال من العام نفسه وفي رمضان من هذا العام وجه الرسول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم السرايا لهدم الأصنام وهي مهمة عسكرية حساسة لا تقل عن المواجهة المسلحة.
وفي رمضان في اليوم الحادي والعشرين من السنة الثامنة تم الفتح الأعظم ـ فتح مكة ـ واستسلم سادتها بعد طول عداوة ومعاناة ودخلوا في دين الله أفواجا.
وتهاوت الأصنام صريعة مهشمة تحت ضربات الداعي بمعوله الصلد بعد أن طالما عُبدت من دون الله وهكذا الباطل ينتفخ و ينتفش ولكن سرعان ما يخبو ويتلاشى بل ويضمحل لإن الحق يعلو ومتى جاء الحق زهق الباطل.
وفي رمضان من السنة التاسعة كانت تبوك بكل ما فيها من دروس وعبر وفي رمضان من العام العاشر كانت سرية اليمن.
وفي رمضان عام ثلاث وخمسين من الهجرة تم فتح المسلمين لرودس وفي رمضان عام واحد وتسعين نزل المسلمون إلى الشاطئ الجنوبي للأندلس وظهرت بشائر النصر وفي رمضان عام اثنين وتسعين انتصر القائد المسلم طارق بن زياد على رودريك في معركة فاصلة ودام بقاء المسلمين في الأندلس زهاء ثمانية قرون نشروا فيها علومهم وأبرزوا مواهبهم وصنعوا فيها حضارة العالم كله.
وفي رمضان عام ثلاث وعشرين ومائتين استنجدت شراةُ العلوية وهي في سجن الروم بالمعتصم فأنجدها بجيش لجب خلد مسيرة التاريخ وتغنى به الشعراء ولا يزالون.
وفي رمضان عام أربعة وثمانين وخمسمائة كان البطل المسلم صلاح الدين قد أحذر انتصارات كبيرة على الصلبيين حتى استخلص منهم معظم البلاد التي كانوا قد أخذوها فلما دخل رمضان أشار عليه أعوانه يستريح من الجهاد في شهر الصوم لكن البطل المسلم الذي يدرك أن الجهاد وحدة لا تتجزأ وأن الصوم أعون على النصر وليس صارفاً عنه أصر على أن تدور المعركة الرهيبة في رمضان. وهل لها إلا رمضان يمدها بالعزم والبطولة والإرادة والتصميم. ولذا كان رده على أعوانه إن العمر قصير والأجل غير مأمون ثم واصل زحفه حتى استولى على قلعة صفد في منتصف رمضان وهي أعظم معاقل الصلبيين.
وفي رمضان عام ثمانية وخمسين وستمائة من الهجرة هزم المسلمون جنود التتار في عين جالوت وسحقوا هذا الزحف الهمجي الذي كان يستهدفُ القضاء على العالم الإسلامي كله وعلى حضارته وتاريخه.
تلك من أهم انتصارات المسلمين في رمضان وغيرُها كثير.
فلسائل أن يسأل كيف تمت هذه الانتصارات والمسلمون صائمون والجواب دون شطط أومبالغة واضح جداً لكل منصف طالبٍ للحق فإن الصوم جهاد يصب في محيط المعارك العسكرية ويمدها بأشجع الجنود وأقدرهم على القيادة والجندية وهو يلتقي مع جهاد العدو عند هدف النصر وذلك أعون عليه. فليس عجبا إذاً أن ينتصر المسلمون صائمين وإنما العجب العكس ألاينتصروا وهم صائمون وللصوم صلة وثيقة بالنصر من طريق أخر ذلك أنه نبع التقوى ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) والتقوى أخي الصائم أقوى أسلحة النصر. نعم لقد كان انتصار العصبة المؤمنه لإنهم في رمضان يعيشون دائما مع ربهم يلتزمون أمره ويتجنبون سخطه ويكافحون الشهوة في نفوسهم إيماناً واحتساباً ولا شك أن من كان مع الله كان الله معه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)).
إن الصائم جندي صابر على الظمأ والمخمصة في سبيل الله ولذا فإنه إذا جد الجد ودعا داعي الحرب اتجه إليها بما يملك من عدة الجهاد والنصر فوقف فيها موقفاً يرضى الله. وتلك هي عبرة الساعة من درس الصوم نستثمر دروسه الغالية لنحرز الإنتصار على أنفسنا ثم على أعدائنا كما كان أباؤنا من قبل إن عيوننا إلى النصر شاخصة تستشرف إلى رؤيته ليتحقق لنا الاستخلافُ في الأرض وليمكن لنا ديننا الذي ارتضى لنا وليبدلنا من بعد خوفنا أمنا وذلك وعد الله. ووعد الله حق. ووعد الله واقع. ولن يخلف الله وعده.
إخوتي في الله إخوانكم في البوسنة والهرسك بحاجة إلى الدعم والمؤازرة بالدعاء والبذل المادي فلا تبخلوا عليهم بما تجود به أنفسكم من فضول أموالكم فاالله هو الذي أعطاكم المال وأوجب عليكم البذل من الزكاة وحثكم على الصدقة وقد صدرت الفتوى بدفع الزكاة للمجاهدين هناك فاجتهدوا المساعدة إخوانكم فكم من الأرامل والأيتام والعجزة والشيوخ يلتحفون السماء ويفترشون الأرض يلسعهم البرد القارس حفاة عراة جياع هذه حالهم فقارنوها بحالكم واحمدوا الله واشكروه على نعمه واسألوه المزيد ((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)) ومن تمام الشكر البذل للمستحقين هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد r.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله رب الذي جعل الغلبة والعزة للمؤمنين وكتب الذلة والصغار على الكافرين وأشهد أن لا إله إلا الله ناصر المؤمنين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من جاهد لاعلاء الدين صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أمــا بــــعــــــد:
فيا إخواني الصائمين والصائمات نكمل ما بدأنا من مسائل فنقول:
1ـ بعض الناس وخصوصاً كبار السن يظن ان الإمساك في وقت السحر الأولى أن يكون عند قول المؤذن حي على الصلاة فتراه حين يسمع المؤذن يؤذن لصلاة الفجر يبادر فيشرب حتى يبلغ المؤذن حي على الصلاة ثم يمسك. وفي أذان المغرب عند الإفطار يظن بعض الناس أن الإفطار عند ذكر الشهادتين فلا يفطرون إلا إذا وصل المؤذن إلى قوله أشهد أن لا إله إلا الله. وهذه كله خطأ واضح ففي السحور يجب الإمساك قبل الأذان وفي الفطر يستحب الأكل من حين سماع المؤذن يقول الله اكبر.
2ـ بعض الناس يعجل السحور حيث يتعشى الساعة الثانية عشرة أو الواحدة ويكتفي بذلك ولا يقوم للسحور وهذا خلاف السنة الواردة في فضل تأخير السحور وكان بين الأذان وسحور النبي r قدر قراءة خمسين آية.
3ـ من الأخطاء المتكررة في رمضان تقديم أذان الفجر قبل موعده وإذا سألت بعض المؤذنين قال أحتاط وهذا خطأ بين لإنه يترتب عليه أن تصلي المرأة فرضها إذا سمعت المؤذن وصلاتها هنا قبل الوقت وهي غير صحيحة.
4ـ تأخير الإفطار إذ سمعنا أن بعض الناس لا يفطر إلا بعد الأذان قيل له في ذلك قال هذا من باب الاحتياط أقول إن هذا من مداخل الشيطان لإن في ذلك مخلفة صريحة للسنة.
5ـ بعض النساء تتطيب إذا جاءت لصلاة التراويح وهذا لا يسوغ فعلى المرأة الراغبة في الصلاة ألا تلبس ثياباً جميلة وألا تتطيب وأن تخرج بكامل سترها وحشمتها وعليها مع ذلك استئذان زوجها فلا تخرج من دون إذنه حتى للصلاة مع المسلمين.
6ـ يتساهل بعض الأئمة في صلاة التراويح فينقرونها نقراً ويتسابقون في خروجهم من الصلاة ولو كان ذلك على حساب الركوع والسجود والطمأنينة فيها فليتق الله هؤلاء وليتذكروا أنهم مسؤولون عن المأمومين الذين يصلون خلفهم وقد لا يتمون صلاتهم فالإمام ضامن والمؤذن مؤتمن.
7ـ لا تشرع المداومة على القنوت في صلاة التراويح بل ينبغي للإمام أن يتركه في بعض الأحيان لئلا يتوهم الناس أنه من ضمن صلاة التراويح.
8ـ نلحظ من بعض الأئمة هداهم الله تباكياً متكلفاً في صلاة التراويح وخصوصاً أثناء القنوت وكيف لا تخشع القلوب من سماع القرآن وتخضع وتخاف من سماع بعض الأدعية المتكلفة.
9ـ بعض الأئمة يطيل القنوت حتى أنه يزيد فيه زيادة ظاهرة ولقد ذكر لي أن هناك من يكون قنوتهم قريباً من صلاة التراويح لشدة تخفيفهم لها وإطالة قنوتهم وهذا من عدم فهم السنة الإعتماد على الفهم القاصر.
10ـ نلاحظ كثرة خروج النساء إلى الأسواق في العشر الأخيرة من رمضان وما يتبع ذلك من التهاون بالحجاب ومخالفة الرجال والتساهل في أمور لم تكن من عادة المرأة ووصيتي لإخواتي المؤمنات أن يتقين الله وأن يتذكرن أنهن مسؤلات عن هذه الدقائق التي تقضيها المرأة في السوق وهل كانت في طاعة الله أم كانت في معاصيه. ثم تتذكر أن الذي أطاعت أمره بالصيام بالنهار أمرها سبحانه بالحشمة والتستر وعدم مخالفة الرجال فكيف تطيع ربها نهاراً وتعصيه ليلاً. والرسول r كان يجتهد في هذه العشر مالا يجتهد في غيرها وكان يشد المئزر ويحي الليل ويوقظ أهله وأنت أخي المسلم بماذا تقضيها بالسهرات والجلسات التي تعود عليك بالضرر في العاجل والأجل. وبماذا تقضيها أسرتك هل تقضيها أمام بعض الوسائل التي تشجع على الرذيلة وتبعد عن الفضيلة. هل تقضيها النساء يتسكعن في الأسواق ويضايقن المؤمنين ويضايقهن الفسقة والأشرار. إسأل أخي المسلم نفسك هذا السؤال والعشر الأخيرة من رمضان على الأبواب وتذكر أنها قد لا تمر عليك مرة ثانية فكم من الناس صاموا معك في العام الماضي وهم الأن في قبورهم منهم السعيد المنعم ومنهم غير ذلك نسأل الله بمنه وكرمه أن يعيننا على أنفسنا وألا يكلنا إليها طرفة عين هذا صلوا وسلموا على الذي يكون في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة صلى الله عليه وآله وسلم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين عامة.
هذا صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين فقد أمركم الله بذلك في كتابه الكريم فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] وقال صلى الله عليه وسلم (من صلى علي مرة واحده صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
بتاريخ: 11-9-1415هــ