خطبة بعنوان “الدعاء وأهميته” بتاريخ 16-10-1410هـ
الخطبة الأولى :
أمــا بـــعـــد: عباد الله
الدعاء من أولى العبادات باجتهاد المسلم وأجدرها باهتمامه وأخلقها بحرصه لأن الدعاء من أشرف العبادات وأعلاها مرتبه وأقربها إلى رضى الرب تبارك وتعالى.
إن الله تعالى يحب من عباده أن يدعوه والذين يستكثرون من الدعاء ينالون مزية عظيمة وهي أن يكون الله تعالى معهم بتوفيقه وهدايته وحفظه ورعايته في أمورهم كلها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله r (إن الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني) رواه البخاري ومسلم.
الدعاء إظهار الافـتـقار إلى الله والتبرؤ من الحول و القوة وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية وفيه معنى الثناء على الله وإضافة الجود والكرم إليه ولذلك قال الرسول r (الدعاء هو العبادة).
وأحسب أن هناك سؤالاً ملحاً مفاده ما بالنا ندعو ونجتهد في الدعاء فلا نرى إجابة لدعائنا.
وجواباً عليه نقول إن هناك أكثر من سبب لعدم إجابة الدعاء:
أولاً: قد تدعو يا أخي المسلم وتظن أنه لم يستجب لك مع أن الله صرف عنك من البلاء مالا تعلم أو دخرلك من الأجر مالا تعلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي r قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذاً نكثر قال الله أكثر).
ثانياً: قد تتخلف الإجابة عن الدعاء بسبب وجود مانع من قبل الداعي يمنع إجابة الدعاء وأهم الموانع هي أولاً ـ عدم الاستجابة لله لأن الله وعد بالإجابة وشرط الاستجابة له يقول تعالى [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ] فمن لم يستجب لربه بأن فرط في الفرائض والواجبات أو ارتكب المحرمات وفعل المنهيات فقد حرم نفسه من إجابه الدعاء لأن الذنوب والمعاصي تمنع إجابة الدعاء ولله در القائل:
نحن ندعو الإله في كل كرب *** ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لـدعـاء *** قد سددنا طريقها بالذنـوب
وبالمقابل فإن العمل الصالح سبب لإجابة الدعاء ورفعه الى السماء بقوله تعالى [إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ].
ثانياً: أكل الحرام وهنا مربط الفرس فعندما يأكل المسلم الحرام يقطع الطريق بينه وبين ربه لأن اللقمة الحرام والكساء الحرام حجاب كثيف يمنع الدعوة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (طيب لا يقبل إلا طيبا ـ الحديث ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لــه).
فأيها الولي القائم على البيت اتق الله ولا تطعم نفسك وأولادك اللقمة الحرام.
ويأيها التاجر يا من تبيع وتشتري وتنفق سلعتك بالأوصاف الكاذبة والحلف الكاذب والغش اتق الله وتذكر ما تفعل حيـن ترفع يديك تدعو ربك.
ويأيها المدرس تذكر إنك مسئول عن كل كلمة تقولها أمام النشئ فاحرص على التوجيه وكن قدوة طيبة واحذر أن تقصر في مهنتك لئلا يسري الحرام إلى جوفك.
ويا أيها الموظف حاسب نفسك واحذر من التحايل والتهاون بإنجاز ما أُسند إليك فو الله ليسألنك الله عما استرعاك عليه يوم تتكلم الأيدي والأرجل وسائر الأعضاء.
ويا أيتها المرأة اتق الله وحافظي على بيت زوجك وأولادك وكوني قدوة طيبة لهم وخصوصاً البنات فحذار من الخروج إلى الأسواق ومخالطة الرجال فالخطر يدق الأبواب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله الذي جعل الدعاء سلاحاً للمؤمن يستمطر به رحمة الله ويتحصن به من عذابه وأشهد أن لا إله إلا الله مجيب المضطر إذا دعاه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أصدق من لجأ إلى ربه ولاذ بحماه صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمــــا بـــعـــــد:
معاشر المؤمنين إن للدعاء شروطاً وآداباً لا بد من تحققها بعد انتفاء موانع الإجابة.
ومن ألزم شروط الدعاء/
أولاً: الإخلاص لله عز وجل.
ثانياً: أن يشعر الداعي أنه بأمس الحاجة والضرورة إلى الله.
ثالثاً: أن يكون متجنباً لأكل الحرام.
رابعاً: أن يكون الداعي مستجيباً لله أمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر.
ومن آداب الدعاء ما يأتي/
أولاً: حسن استفتاح الدعاء وذلك بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله والصلاة والسلام على رسوله.
ثانياً: ترصد أوقات الإجابة فهناك أوقات فاضلة حري بالمسلم أن يستغلها في الدعاء والتضرع إلى الله ومنها شهر رمضان ليلة القدر وليلتا العيدين ويوم عرفة ويوم الجمعة ووقت السحر وهو ثلث الليل الآخر وقت نزول الرب جل وعلا وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وحالة السجود.
ثالثاً: استقبال القبلة حال الدعاء.
رابعاً: البدء بنفسه أول ما يدعو لأنه r كان يبدأ بنفسه إذا دعا لأحد.
خامساً: خفض الصوت بين المخافتة والجهر لقوله تعالى [ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً].
سادساً: ترك التكلف في الدعاء.
سابعاً: الإلحاح بالدعاء وتكراره ثلاثاً.
ثامنا: التوبة ورد الظالم.
تاسعاً: ختمة بالصلاة والسلام على رسوله والتأمين.
عاشراً: اختيار جوامع الدعاء.
إخوة الإيمان و كلما كان الدعاء في الخفاء كان أولى بالإجابة.
ولإخفاء الدعاء فوائد منها:
أولاً: أنه أعظم إيمانا للمسلم.
ثانياً: أنه أعظم في الأدب والتعظيم للباري جل وعلا.
ثالثاً: أنه أبلغ في التضرع والخشوع.
رابعاً: أنه أبلغ في الإخلاص.
خامساً: أنه أبعد عن القواطع والمشوشات.
عباد الله صلوا وسلموا على أكمل الناس دعاء وأصدقهم التجاءً إلى الله محمد بن عباد الله فقد أمركم بالصلاة والسلام عليه فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.
بتاريخ :16-10-1410هــ