خطبة بعنوان “الدعاء سلاح المؤمن” بتاريخ 10-8-1422هـ

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

أمــا بــعـــد: فاتقوا الله عباد الله ففي التقوى نجاتكم وفيها صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم في الدارين.
عباد الله! للدعاء فضل جم ومنح عظيمة وقدر جليل عند الله كيف لا وهو يدل على إذعان العبد وتسليمه لملاه وخالقه وصدق الله العظيم { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي}.

الدعاء تلك العبادة الروحية العظيمة التي يحسن فيها المخلوق بعظمة الخالق حيث يلجأ العبد إلى ربه بعد أن تنقطع به الأسباب وتعجز عنه الحيل وتتخلى عنه الماديات فيتوجه تلقائيا إلى خالقه وبارئه لينال عنده الشعو ر بالطمأنينة والراحة والسكن وليجد ما لم يجده عند البشر من الأمن والعطاء الذي لا حدود له، كيف لا والعبد يفزع إلى رب الأرباب وملك الملوك الغني العظيم الذي بيده كل شيء.

أيها المؤمنون! من حزبه شيء في هذه الدنيا فليلجأ إلى مولاه وليطرح حاجته عند خالقه فلكم بأنبياء الله قدوة.

ها هو أبو الأنبياء نوح يدعو ربه بعد أن اشتد الكرب وعظم الخطب { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}.
وأيوب عليه الصلاة والسلام ناله الضر وأصابه البلاء فلجأ إلى من بيده الشفاء {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.

ويونس عليه الصلاة والسلام لما أصبح في بطن الحوت لا يعلم عن حاله إلا الله لجأ إلى فاطر السماوات والأرض رب البحر والحوت ودعا ربه بدعاء عجيب { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}.

وزكريا عليه الصلاة والسلام وهو في سن المائة وقد أيست زوجه من الحمل والولادة ولكنه لجأ إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض أمره كن فيكون { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.

عباد الله! مواقف عجيبة اختلفت أزمتها وأكنتها لكنها في نسق واحد، توكل على الله واللجوء إليه في أهلك الظروف وأقساها وأدقها وأحرجها، ها هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقي في النار يرفع بصره إلى السماء يطلب النجدة إلى المتصرف بالكون فيأتيه الفرج في لمح البصر فتتحول النار إلى برد وسلام، وليس ذلك بغريب فالنار جندي من جنود الله وهو الذي أعطاها خاصية الإحراق فحولها إلى برد وسلام { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.

وها هو موسى عليه الصلاة والسلام لما تبعه فرعون وجنوده وخاصبه بنو إسرائيل قائلين: {إنا لمدركون} لم يتردد ولم يتمهل في الجواب بل قال مباشرة: {كلا إن معي ربي سيهدين} وهنا يأتي الفرج من الرحيم المنان ورب البحر يأمره أن يكون طريقا يبسا لموسى وقومه ثم يأمره ربه أن يطبق على فرعون وجنده البحر واحد والرب واحد ولكن هذا البحر كان رحمة لموسى وقومه ونفس البحر كان هلاكا وعذابا لفرعون وجنده.
وها هو محمد صلى الله عليه وسلم في الهجرة يقول له أبو بكر رضوان الله عليه: يا رسول الله لو نظر أحدهما إلى موضع قدمه لأبصرنا فيرد عليه السول صلى الله عليه وسلم دون تفكير أو تمهل: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما، هذا هو اللجوء إلى الله في أهلك الظروف وأقساها.

عباد الله!
ولابد في الدعاء من المسارعة إلى الخيرات والدعاء رغبة في عفو الله ورحمته وجنته وخوفا من عذابه وناره، ولابد مع الدعاء من الخشوع والخضوع والتذلل واستشعار المسكنة والانطراح بين يدي الخالق العظيم وصدق الله { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}.
وعليكم بتكرار الدعاء ولا تستعجلوا الإجابة وأفضل الدعاء حال الانفراد والسجود والدعاء لا يعارض القضاء لكنه سبب في قضاء الحاجات ودفع الملمات ورفع النوازل بالمسلمين، واعلموا أن هناك فرقا بين الدعاء وقبول الدعاء كما أن هناك فرقا كبيرا بين العبادة وقبولها لكن نحن مأمورون بالعمل والنتائج يتولى رب الأرباب سبحانه.
فأكثروا يا عباد الله من الدعاء قائمين قاعدين راكعين ساجدين في صلواتكم وخلواتكم وظعنكم وإقامتكم بعز الإسلام ونصرة المسلمين وذل الكافرين ورد كيدهم إلى نحورهم واعلموا أن مقاييس البشر تذهب هدرا إذا أكرم الله العباد باستجاب الدعاء واحد منهم فألحوا على الله بالدعاء نصرة لإخوانكم المستضعفين في كل مكان واستغفروا الله يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله فارج الكربات وأشهد أن لا إله إلا الله مجيب الدعوات وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله أكثر الخلق دعاء وتضرعا وابتهالا لمولاه، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أعظم ما يقظ مضاجع الأعداء لجوؤكم إلى الله استقامة على طاعته وصلاحا في أنفسكم وأهليكم ودعاء على أعدائكم.
فالبشر كلهم دون الله وفي قبضته إذًا فلماذا نزهد في أعظم الأسلحة التي نملكها ولماذا نحصر الدعاء في أوقات معينة وكيفيات خاصة.

أمة الإسلام مطالبة في هذا الوقت أكثر من غيره بالرجوع إلى الله والتوكل عليه والتضرع إليه في كل وقت وعلى أي كيفية ولنربي صغارنا على الدعاء عل الأعداء ومن عاونهم أو ناصرهم في جميع ديار المسلمين.

عباد الله!
كم تظلم الدنيا على بعض الأفراد والمجتمعات والدول ولكن بين طرفة عين وانتباهتها يحول الله الحال ويبدل الأمر وقد يكون ذلك بسبب دعوة واحدة من شخص واحد صغير أو كبير.

فقد ورد من دعاء خير الخلق بعرفة: (اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف من خضعت لك رقبته وذل جسده ورغم أنفسه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا وكن بي رؤوفا رحيما يا خير المسؤولين ويا أجود المعطين).

عباد الله!
وقد نعى الله جل وعلا على المشركين ونجهم لأنهم صرفوا شيئا من الدعاء لغير الخالق العظيم قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ . بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}.
وادعوا الله يا عباد الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب لقلب غافل ولا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلمه من نفسه من التقصير- فالله جل وعلا أجاب شر الخلق وأعظمهم كفرا إبليس قال تعالى: { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ}.
فمتى تقدم على الدعاء الاستغفار واصحبه وصف الافتقار والاضطرار وتقاطرت معه الدموع وانبعث عن خضوع في القلب وخشوع وزانه حسن النبية وصدق العبودية وكما التفويض كان أقرب إلى القبول والإجابة وخطي الداعي بالفلاح ونال مطلوبه.

اللهم ما ضعفت عنه قوتنا وقصر عنه رأينا ولم تنله رغبتنا ولم يجر على ألسنتنا مما أعطيته أحدا من عبادك من الأولين والآخرين، اللهم فخصنا به يا كريم، اللهم وما صببته من وابل عذابك وما أرسلته أليم عقابك على أحد من الأولين والآخرين اللهم فصبه على أعدائك الكافرين في هذه الأيام الذين بلغوا الغاية والإجرام وأذية المسلمين في كل مكان.
اللهم يا ناصر المستضعفين ويا غوث المستغيثين ويا فارج كرب المكروبين، اللهم رحماك رحماك بالشيوخ والأطفال والنساء والأحوال، اللهم رد كيد الكافرين إلى نحورهم وسلط عليهم عدوا من أنفسكم، اللهم ازرع الخوف في قلوبهم، اللهم ضيق عليهم كل واسع، اللهم اشدد عليهم وطأتك وارفع عنهم يدك.
اللهم انصر إخواننا في كل مكان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بتاريخ :10-8-1422هـ