خطبة بعنوان “الدعاء) .
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي نور بصائر أوليائه وأيقظ ضمائر أصفيائه لا إله إلا هو المحمود بكل لسان وأشهد أن لا إله إلا الله أمر عباده بالدعاء ووعدهم بالاجابة وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من دعا فاستجيب له صلى الله عليه وآله وسلم.
عباد الله لقد طغت الماديات على كثير من الخلق فستنكروا لربهم ووهنت صلتهم به وقصروا نظرهم على الأسباب الظاهرة ويـح هؤلاء ألم يعلموا أن لله فوق تخطيطهم وتدبيرهم تدبيراً وفوق أسبابهم و ترتيبهم تأثيراً ألم يشعروا أنهم مهما خططوا ورتبوا ونظموا فلن يفلحوا إذا لم يرد الله ذلك (( وأعلم أن الانس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشئ لم يكتبه الله فلن يستطيعوا ولو اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يقدره الله فلن يستطيعوا))
أيها المؤمنون ولما ضعفت صلة الناس بربهم وكثرت غفلتهم وطال إعراضهم سادت مجتمعاتهم موجات القلق و الفتن والاضطراب على مستوى الأفراد والجماعات تخلوا عن ربهم فأعرض عنهم (( نســوا الـله فـنـسـيـــهـم)).
نعم إن الحياة ليست صورة اللحم والدم والقوة ووفرة الطعام والأرزاق فهذه يشترك فيها الحيونات مع بني آدم لكن الحياة حياة القلوب والاستجابه لأوامر الله.
وصدق الله العظيم (( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ))
إخوة الإيمان تمر بالمسلمين الأن محن عظيمة ومصائب جسيمة ومع ذلك نلاحظ الإعراض عن الله والانشغال بالماديات المسلمون يسامون العذاب يقتلون بأيدي الصليبين وبسلاح إخوان القردة والخنازير ومع ذلك تمر هذه الاحداث وكأنها لا تعني الكثيرين أين نحن من السلاح الذي لا يحتاج حامله إلى قوة أوجهد بل يستطيعه الكبير والصغير والعجوز والمريض إنه الدعاء انظروا إلى حال الأنبياء لما حز بهم الأمر مع أقوامهم لجأوا إلى الله بالدعاء وتبعهم من بعدهم من الدعاة والمصلحين فهؤلاء الدعاة الذين عرفوا كيف يدعون ربهم رغبا ورهبا وخوفا من عذابه وطعما في رحمته كانوا يبتهلون إليه سبحانه آناء الليل والنهار ويتضرعون إليه سبحانه في الشدة والرخاء في العسر واليسر في الصحة والمرض في الفقر والغنى في المنع والعطاء وينصرفون إليه سبحانه بقلوبهم قبل ألسنتهم وبأعمالهم قبل أموالهم ببواطنهم قبل ظواهرهم وبأحوالهم قبل أشكالهم فلا عجب إذاً أن أجاب رب العزة إلى ماطلبوا وأعطاهم ما أرادوا وحقق لهم ما سألوه.
أيها المؤمنون إذا كان السجود لونا من الوان الراحة التي كان يشعر بها النبيr عندما تحز به الأمور وتتكاثر عليه الهموم فيدعو بما يلهمه الله من الدعاء ليزول ما يلاقيه من هم وكرب ولهذا علمنا رسول اللهr ماذا نقول لكي يكشف الله عنا ما نحن فيه من الكرب والهموم التي تلاقينا في مسيرنا في هذه الدنيا فيبدل الله ذلك الهم إلى فرح فعن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله r قال (( من كثر همه فليقل اللهم إن عبدك ابن عبدك وابن أمتك وفي قبضتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في مكنون الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي وجلاء همي وغمي ما قالها عبد قط إلا أذهب الله غمه أوبدله فرحاً )) رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان.
لقد أدرك أقوام من المؤمنين فيما أدركوا أن المفزع والمخرج من الحيرة والخوف والقلق بعد الإيمان هو الدعاء السلاح الذي يستدفع به البلاء ويرد به شر القضاء وهل شئ أكرم على الله من الدعاء كيف والله سبحانه يحب ذلك من عبده وانطراحه بين يديه والتوجه بالشكوى إليه بل أمر عباده بالدعاء ووعدهم الإجابة (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم))
“وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان” إن التضرع إلى الله واظهار الحاجة إليه والاعتراف بالإفتقار إليه من أعظم عرى الإيمان وبرهان ذلك الدعاء والالحاح في السؤال.
فيا من حلت به مصيبة خاصة أقبل على الله والـحَّ عليه بالدعاء واختر مفاتيحه. ويا من يرى مايحل بالمسلمين هنا وهناك الجأوا إلى الله بالدعاء بعد استكمال الأسباب المادية .
أيها المؤمنون الأصفياء
أيها العباد الأتقياء
أيها الدعاة النجباء
لا تغفلوا عن سلاح المؤمن وقت الشدة سلاح نوح عليه السلام وإخوانه من بعده ذي النون وأيوب وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا الي وليؤمنوا لعلهم يرشدون )).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله مجيب المضطر إذا دعاهُ أشهد أن لاإله إلا الله أمر بالدعاء ووعد بالإجابة من سأله ودعاه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خصه مولاه بمجامع الدعاء فكان يلجأ إلى ربه ويدعوه بما يحصل به مطلوبه و مبتغاه صلى الله عليه وآله سلم تسليما كثيراً أمــــابـــــعـــــد:
أيها المؤمنون والمؤمنات /
ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن قال كان رجل من أصحاب النبي r من الأنصار يكـنـىَّ أبا معلـق وكان تاجراً يتجر بمالٍ له ولغيره يضرب به الأفاق وكان ناسكاً ورعاً فخرج مرة فلقيه لص مقَّنع في السلاح فقال له ضع مامعك فإني قاتلك قال ما تريد من دمي شأنك بالمال قال أما المال فلي ولست أريد إلا دمك قال أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات قال صل ما بدالك فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في أخر سجده أن قال ياودود يا ذا العرش المجيد يا فعالاً لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص يا مغيث أغثني ثلاثا فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربه قد وضعها بين اذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه فقال قم فقلت من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم فقال أنا مَلكَ من أهل السماء الرابعة دعوتَ بدعائك الأول فُسمعت لأبواب السماء قـعـقعه ثم دعوت بدعائك الثاني فُسمعت لأهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله.
وقد ساق القصة بتمامها العلامة ابن القيم في الجواب الكافي.
وحدثني الثقة البتت أن مجموعة سافروا من مكان لأخر فتوقفوا عند أحد الخـفوس ونزل بعضهم للسقيا ولما خرجوا بقي واحد وكان أخوه موجود مع الحملة فبحثوا عنه يومين أو ثلاثه فلم يجدوه داخل الخفـس فظنوا هلاكه ورحلوا لكن أخاه لم يذق طعم السعادة وهو يتذكر أخاه الذي فقده داخل الخفس وأخذت الهواجس والهموم تلاحقه وهو يدعو الله بأن يفرج عنه ولو أن يجد أخاه ميتا أما الأخر الذي بداخل الخفس فقد اختلف عليه الطريق ولم يستطع الخروج وأخذ يشرب من الماء ويأكل من ورق الشجر ويدعو الله أن يفرج عنه وبعد عام أو يزيد عزم الأخ على البحث عن أخيه مهما كلفه الأمر فأحضر جلد ناقة وجعله مثل الحبل وطواه على يده وربطه فوق فتحة الخفس ونزل وبعد يومين من البحث المضن وجد شبحاً مخيفاً له شعوركثيفة لا يعرف شكله من شعره فقرب منه وهو يسم الله ويدعو حتى وصل إليه وقاده بالقوة إلى خارج الخفس ودليلهم الحبل المصنوع من جلد الناقة ولما خرجوا شك في أن هذا الشبح أخوه لكنه لما قص شعره قرب شيهه منه ووجد أن شفتيه كمسافر البعير من أكل الشجر ثم جلس على فوة الخفيس وقتا يروض فيه أخاه الذي لا يتكلم ولا يأكل الطعام وكان سلاحه الملاطفة والملاينة والالحاح على الله بالدعاء حتى بدّ ينطق ويتكلم ورجع به إلى بلده.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلو عليه وسلموا تسليما )) اللهم صلي وسلم على نبينا محمد.