خطبة بعنوان “فضل الصدقة في رمضان وبعض أحكام الزكاة”.
الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، شرع لعباده ما يعود عليهم بالنفع في الدنيا والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}(التوبة)، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الباذلين والمنفقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى من الأسباب المعينة على البذل والإنفاق لنيل الفلاح في الدنيا والآخرة.
عباد الله: لقد دخل شهر رمضان حاملاً بين أيامه الكثير من الفضائل، فرمضان شهر الصوم، وشهر الصبر، وشهر القيام، وشهر تلاوة القرآن، وشهر العطاء والبذل فينبغي على المسلم استغلاله بما يعود عليه بالنفع في العاجل والآجل.
فالفرص التي تأتي وتذهب لا تعوض، فاليوم يكون الإنسان غنياً، وقوياً، ومستطيعاً لعمل الخير، وغداً لا يدري ما يطرأ عليه من فقر، وضعف، وقلة استطاعة، فالذي يبادر ببذل الخير والإكثار من العمل الصالح قبل أن ترحل أيامه هو الإنسان العاقل. قال تعالى [وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً](المزمل)، وقال صلى الله عليه وسلم(الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)(رواه الترمذي وابن ماجة).
ولقد كان نبينا وحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس بذلاً في حياته، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، أي الفقر.
وكان أجود ما يكون في رمضان حينما يدارسه جبريل القرآن، فكان يطبق كل ما يأمره به ربه رجاء الحصول على رضاه ومغفرته.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة).
وإن من أفضل وجوه البذل والعطاء في رمضان إخراج الزكاة، وهي تشمل جميع الأصناف التي وجهت بها النصوص الشرعية.
والزكاة واجبة على كل مسلم، يملك نصاباً، وحال عليه الحول، فيخرج ربع العشر عن ماله، وعروض تجارته، وغير ذلك مما تجب فيه الزكاة في نهاية كل حول.
قال تعالى [وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ](البينة).
وفي هذا الشهر المبارك يحرص الكثير من المسلمين على إخراج زكاتهم، وحيث أن البعض يجهل بعض أحكامها، فسوف أوجزها فيما يأتي: فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: نصاب الزكاة بالريالات مرتبط بالذهب والفضة، ونصاب الذهب (70) جراماً، ونصاب الفضة (460) جراماً. والأصلح للفقير هو نصاب الفضة لأنه يزكي عدد أكبر، فمن كان عنده من الريالات (500) ريالاً وحال عليها الحول وجب عليه أن يزكيها (5و2%) أي ربع العشر، ويعرف ذلك بأن يقسم ما عنده على أربعين.
ثانياً: الخارج من الأرض: يزكى نصف العشر، أي 5% إذا كان يسقى بمؤنة، أما إن كان من البعل الذي يسقى بالسيل فزكاتها 10% ، أي العشر، ونصاب الحبوب والثمار والتمر (675) كيلو جرام.
وهنا مسألتان:
الأولى: من عنده نخل في البيت أو الاستراحة: فعليه زكاته إذا بلغ النصاب الواجب، فيخرصه في البداية، ويخرج زكاته، وإذا كان يعطي منه الآخرين فنقول: انو ما تعطيه زكاة ولو كان خرافاً، وسجل ذلك ثم اعرف ما عليك من الزكاة، وكم أخرجت، وأكمل الباقي، وهنا ننبه إلى أنه يخرج حسب الأنواع الموجودة عنده، وذلك بمعرفة قيمتها في وقتها الحالي.
الثانية: الوصف المناسب لما تجب فيه الزكاة هو الاقتيات والادخار: فأي ثمر يقتات ويدخر تجب فيه الزكاة، فإن لم يكن كذلك فإن كان يباع ويشترى فيزكيه عروض تجارة، وإلا فلا زكاة فيه.
ثالثاً: الماشية: التي عند الإنسان على ثلاثة أقسام: سائمة ــ عروض تجارة ــ حاجة خاصة ــ. فالسائمة التي تأكل أكثر العام من نبات الأرض دون تكلفة لصاحبها، وعروض التجارة وهي التي أعدت للبيع والشراء، والحاجة الخاصة هي التي يستعملها صاحبها لأكله وحاجاته ولا ينوي بيعها.
رابعاً: الخيل: إما أن تكون عروض تجارة فتزكي ربع العشر، أو تكون للدر والنسل، أو تكون للسبق عليها، وهذه لا زكاة فيها.
خامساً:العسل:يزكى إذا بلغ نصاباً (675) كيلو جرام، وزكاته نصف العشر، أي 5%.
سادساً: إذا كان للإنسان دين عند الآخرين: فيزكيه سنوياً إلا إذا كان من عليه الدين معسراً أو مماطلاً، فهنا لا يزكيه إلا إذا قبضه مرة واحدة فقط ولو جلس عنده عدة سنين.
والدين الذي عليك لا تخصمه من أموالك، بل لا أثر له على الزكاة وإن كان ما عليك من الدين حالاً فسدده في وقته، وإن لم تسدد فلا تخصم مقداره من مالك، ومن الذي ليس عليه دين للبنك العقاري أو الزراعي أو غيرها.
سابعاً: الحلي المستعمل: لا زكاة فيه في أصح قولي العلماء، أما إن كان لا يستعمل فيزكى.
ثامناًً: المال الموصى به للميت: لا زكاة عليه، فالأثلاث والأوقاف على جهات عامة لا زكاة فيها، ولو كانت كثيرة وتنمى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على آلائه وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن كل تاجر من وراء تجارته يربح، والتجارة مع الله من أربح التجارات، فينبغي على المسلم الحرص على إخراج زكاته في تلك الأيام طيبة بها نفسه لكي يضاعف له بها الأجر وينال الثواب العظيم عند لقاءه بربه.
عباد الله: وإن من المسائل الهامة المرتبطة بالزكاة ما يلي:
تاسعاً: يشترط لمن أراد أن يخرج زكاته أن ينوي: لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى)(متفق عليه).
عاشراً: الأفضل في زكاة الراتب وما في حكمه: أن يجعل المسلم له يوماً محدداً في السنة، مثل هذا اليوم (الخامس من رمضان) أو غيره، وما يفعله بعض الناس يقول: زكاتي في رمضان، وأحياناً يزكي في أوله، وأحياناً أوسطه، وأحياناً آخره، فهذا خطأ.
أحد عشر: الذي عنده بقالة أو محل تجاري لبيع أي شيء: يقوُّمه في يوم زكاته بسعر البيع الحالي، ويزكيه(5و2%)،أي ربع العشر،فيقسم المال كله على(أربعين) وما خرج هو الواجب عليه.
هذا في ما هو معروض للبيع، أما المكائن، والثلاجات، والأشياء الثابتة فلا زكاة فيها.
اثنا عشر: العقارات والدكاكين والسيارات التي تؤجر الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول.
من عنده أرض أو أراضي ولكن لا ينوي بيعها الآن، وإنما لو ارتفع سعرها باعها فلا زكاة فيها الآن حتى ينوي بيعها، فإذا باعها زكاها مرة واحدة فقط.
ثلاثة عشر: المساهمات: على المسلم أن يسأل عن سعرها، فإن عرف زكَّاها (رأس المال والربح) وإن لم يعرف فيزكي رأس ماله، وإذا قبض الربح يزكيه مرة واحدة فقط.
أما المساهمات المتعثرة فتزكى إذا قبضت، والشركات التي تزكي عن المساهم يكتفى بزكاتها، وهي تجزىء عنه إن شاء الله.
أربعة عشر: إذا أبدل المسلم ماله بمال آخر:مثل من عنده فلوس وقبل الحول بأيام اشترى أرضاً لبيعها، فنقول قوّم الأرض وزكها، والحول من بداية حول الفلوس، أما إذا اشترى بها شيئاً لحاجته الخاصة كأرض ليبني عليها عمارة يسكن فيها، أو يشتري سيارة له أو لأحد أبنائه فلا زكاة في هذا المال، إلا إذا تبقى منه شيء بلغ نصاباً فهنا يزكى الباقي فقط.
خمسة عشر: الذين يقسطون السيارات وغيرها من السلع على الناس إذا جاء يوم زكاتهم فعليهم أن يحسبوا كل ما عند الناس، ويجمعونه إلى ما عندهم ويزكونه.
ستة عشر: إذا كان على شخص دين لآخر: فلا يجوز إسقاطه وحسابه من الزكاة لأن ذلك يجر الحظ لصاحب الدين، فيتهرب بإسقاط هذا الدين من الزكاة، وهي حق الفقير فقط.
سبعة عشر: بعض الناس يكون عنده مال لقريباته: ولكن لا يعلمن عنه، ثم هو يزكيه سنوياً، وهذا خطأ فالزكاة عبادة ولابد فيها من الإنابة فيطلب منهن إنابته في زكاته، وهنا لا حرج أن يزكيه نيابة عنهن.
ثمانية عشر: مصرف الزكاة لابد من العناية والاهتمام به: فالله تعالى قد حدد في كتابه تلك الأصناف التي تجب لها الزكاة، قال تعالى:[ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ](التوبة:60)، فلا يجوز إخراجها لغير هذه الأصناف المذكورة، ومن أخرجها لأقربائه أو غيرهم وهم لا يستحقونها فلا تجزىء عنه.
عباد الله تلك بعض أحكام الزكاة التي يحتاجها المسلمون كي يخرجوا زكاة مالهم طيبة بها نفوسهم، فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، ولشرعه موافقاً.
أيها الصائمون والصائمات: احرصوا على إخراج زكاة مالكم، وأدخلوا بها السرور والفرح على الفقراء والمحتاجين. وعليكم بالحرص في إخراجها لكي لا تستغل فيما لا يرضي الله.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تعيننا وإخواننا على إخراج زكاة مالنا طيبة بها أنفسنا، وأن تجعلها خالصة لوجهك، وان تنفعنا بها يوم نلقاك يا أكرم الأكرمين..
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).