خطبة بعنوان “رمضان شهر القرآن”.

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وأشهد أن لا إله إلا الله أنزل علينا كتابا مبينا وصراطا مستقيما، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واحمدوا الله على بلوغ شهر الصوم وأكثروا من العمل الصالح ولاسيما قراءة القرآن؟ تلك المعجزة الباهرة الخالدة إلى يوم الدين قال تعالى:{ قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}.
كتاب الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المتحدي بأقصر سورة منه بل بآية واحدة تحدى الله أرباب الفصاحة وأساطين البلاغة وقد جعله الله محفوظا ثابتا لا يتبدل ولا يتغير لكيلا يتبدل الناس ولا يتغيروا، ولكيلا يجهلوا سبل الهداية، إذا ما التوى عيهم ما كان مستقيما والتبس الحق بالباطل وتبدلت الأخلاق غير الأخلاق واتبع أكثر الناس أهواءهم وسلكوا غير سبيل المؤمنين وعندئذ يقول الله لعباده لمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا:{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}.

عباد الله!
في القرآن العظيم هداية الحائرين وإنصاف المظلومين ورشد الضالين وقوام أخلاق المعوجين وفيه الهدى لمن شاء أن يستقيم بدل الله به ظلام الحياة نورا وذل الأميين عزا وهدى الله أمة كانت ضالة فسارت على الطريق المستقيم.
لقد جاء القرآن من عند الله ليكون شرعة للناس ومنهاجا فهو الوحي المحمدي الذي تصلح به أمور الدين والدنيا فحياة الناس لا تستقيم إلا بالقرآن فهو واحة الأرواح وسبيل النجاح والفلاح الذي كتبه الله للمؤمنين.
لقد بنى الإسلام بالقرآن أمة وأسس به دولة وصدق الله العظيم : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لقد كون من بين رعاة الإبل والغنم قادة الشعوب والأمم وهيأ من بين سكان الصحراء أئمة الفضائل وأساتذة الأخلاق فكان منهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
كيف لا لقد علمهم القرآن أن التواد والتعاطف والتراحم أصل كريم من أصول الحياة ينتفع فيها كل فرد بأخيه، فالمؤمنون إخوة فلا غل ولا غش و ضغينة ولا خبث ولا قطيعة ولا رياء والتواء لكنه الإخلاص والمحبة والوفاء .
فعيشوا مع القرآن، عيشوا معه تلاوة وتدبرا وتأملا وتفكرا، عيشوا معه وصوغوا حياكم حسب منهاجه وكلما لاحظتم خللا في الحياة فأدبوا النفوس بالقرآن وعلموا الاستقامة من خلال وحي الرحمن.
لقد جاء الكتاب المعجز بشريعة تطهر النفوس من النزوات الطائشة والشهوات الجامحة ومن الوساوس والهواجس وذلك كله للذين شرح الله صدورهم ونور بصائرهم وصدق الله العظيم {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.

عباد الله!
والله ما تقرب المتقربون بمثل ما نزل من الله وهو القرآن الكريم فأكثروا رحمكم الله من تلاوته في هذا الشهر المبارك فإن تلاوته في هذا الشهر مزية وفضيلة على تلاوته في غيره من الأوقات لأنه أنزل في هذا الشهر { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
ولأن الحسنات في هذا الشهر تضاعف أكثر من غيره والمعدة خالية من الطعام وهنا يصفو القلب ويتواطأ مع اللسان ويكون أقرب إلى التدبر والخشوع. وفي تولاوته وتدبره استحابة لأم الله جل وعلا حيث يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل القرآن ربيع قلوب المؤمنين وأشهد أن لا إله إلا الله أنزل القرآن وهداية ورشادا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من تلا القرآن وتدبره وخشع لسماعه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن رسولكم صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس صوتا بالقرآن وأعظمهم تأثيرا في النفوس والقلوب، كانوا إذا قرأ خشعت لنفوس وسكنت الأصوات وذرفت العيون بالدموع ووجلت القلوب مخافة غضب الله خصوصا حين يقرأ آيات الوعيد فيبكي المستمعين وتكاد القلوب تتصدع خشية ورهبة.
وإذا قرأ آيات الوعد والرحمة والرجاء والبشرى لأهل الصلاح والتقوى استنارت الوجوه واستبشرت القلوب وعظم الرجاء في رحمة الله وعفوه وإحسانه فإذا قرأ سكن من حوله وخشع.

عباد الله!
إن كل مسلم في هذه الحياة يتمنى أن يكون من أهل القرآن لأنهم أهل الله وخاصته، فأنعم ببيت يرتفع فيه صوت القرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار وأكرم بأهل بيت نشأوا أولادهم على حفظ القرآن وتلاوته والعيش معه.
فهؤلاء يلبس الوالدان التيجان بحفظ الولد القرآن وقراءته له فلنحرص جميعا على أن نكون من أهل القرآن ومن لم يستطع حفظه وإدامة تلاوته فعليه أن يستدرك ذلك مع أولاده وذريته لئلا يفوت أسرته هذا الفضل العظيم. وإن من رحمة الله جل وعلا بنا في هذه البلاد المباركة أن جعلها منطلق الإيمان ومتنزل آيات الذكر الحكيم، وها هي ولله الحمد ترعى هذا الكتاب ترصد له الأموال الطائلة لطباعته على أفضل صورة وأكملها بل يعتبر مجمع خادم الحرمين الشريفين لطباعة المصحف تاج المطابع في العالم أجمع وهذا من فضل الله جل وعلا.
ثم إن هذا البلاد اعتنت بتحفيظ هذا الكتاب ورصد الحوافز والمسابقات وإنشاء الجماعات الخيرية التي تضع الحلقات في معظم المساجد وتهيأ المدرسين، فما على الدارسين إلا المبادرة واغتنام هذه الفرصة.
وإن هذه المحافظة أسوة بغيرها من محافظات المملكة تنتشر فيها حلقات تحفيظ القرآن وقد تخرج والله الحمد العشرات من الحفظة وهذا والله مما يبهج الخاطر ويجعل النفس تستشرق لمستقبل أفضل.
ها هم طلاب الجماعة في هذا العام يؤمون المصلين وهم يقرءون حفظا، وقد بلغني أن معظم الأئمة يقرون حفظا هذا العامل.
والجماعة التي هذه جهودها بحاجة ماسة إلى دعمكم ومساندتكم فجودوا من أموالكم…
وصلوا وسلموا على نبينا محمد….