خطبة بعنوان “سلوكيات المسلم في رمضان”.
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتنافسوا في فضائل الأعمال مادمتم في فسحة من أعماركم واعلموا أن المسلمين يعيشون في رمضان في ظل سلوكيات وأخلاق تنتظم حياتهم وتربطهم برباط واحد وهنا يظهر رمضان أحسن ما تنطوي عليه نفوسهم من حب للخير ورحمة وإيثار ورغبة صادقة في التقرب إلى الله والسعي للفوز برضاه.
وهذه الرغبة تدفع المسلم إلى الحرص وسلامة القلب والتسامح وتقديم العون لمن يحتاج إليه م ضعيف ومحتاج. وفي هذا السلوك ترجمة عملية لما يدعو إليه الإسلام من مكارم الأخلاق ونقاء القلوب وصفاء النفس وتعاون أفراد المجتمع على ما يجلب الخير لهم ويدفع الضر والأذى عنهم، فيبدو المجتمع المسلم وكأنه أسرة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم وهم يدل على من سواهم ويتحقق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
وهذا المسلك الراشد النبيل والسلوك السامي يتحقق بأجل معانيه وأبهى صورة في هؤلاء الذين يأخذون أنفسهم بالوقوف عند ما أحل الله من قول وعمل والبعد عما حرم الله ن تصرف وسلوك وتعامل وكأنهم يطمحون لتحقيق وصف الله { لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
ولا غرابة في ذلك أيها المؤمنون فالصوم جنة أي وقاية وحماية كما قال صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و يفسق وإذا سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم).
وفي هذه تعود النفس على مكارم الأخلاق وعفة اللسان وطيب الكلام وهو من صفات المؤمنين وقد مدحهم الله على ذلك فقال:{ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}.
ومن سلوكيات رمضان أنك ترى المساجد عامرة بالليل والنهار صلاة وتسبيح وذكر وتهليل وقراءة للقرآن تفهما وتدبرا وعملا وهنا ندرك على ضوء هذا السلوك ما يشير إليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أن الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة يقول الصيام: يا رب منعته الطعام والشراب شفعني فيه).
ومن سلوكيات رمضان بذل الطعام للمحتاج والرغبة في اجتمع الأعداء الكبيرة على طعام واحد في بيت واحد وهذا فيه مظهر من مظاهر المودة والألفة والمسلمون بأمس الحاجة إلى تعميق هذا المعنى من توحيد الصف والسعي لتأليف القلوب وجمع الكلمة وتجاوز العقبات التي تصنعها حواجز وهمية أو يخترعها بعض ضعاف النفس ولتحقيق مطامع شخصية عارضة، إن الانتفاع برمضان بما يوحيه إلى النفوس من معاني الخير والود يؤكده ما رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما: ( الأعمال عند الله سبع: عملان موجبان وعملان بأمثالهما وعمل بعشر أمثاله وعمل بسبعمائة وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل، فأما الموجبان فمن لقي الله يعبده مخلصا لا يشرك به شيئا وجبت له الجنة ومن لقي الله قد أشرك به وجبت له النار، ومن عمل سيئة جزي بها ومن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها جزي مثلها، ومن عمل حسنة جزي عشرا ومن أنفق ماله في سبيل الله ضوعفت نفقته الريال بسبعمائة ريال والصيام لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل).
ويقول صلى الله عليه وسلم (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه).
وهاهم المسلمون يحققون هذا السلوك في رمضان فيعكفون على كتاب الله ويقرؤونه ويراجعونه تأسيا رسول الله حيث كان يعرض على جبريل عليه السلام القرآن كاملا في رمضان مرة واحدة وفي الصيام الذي لحق فيه الرفيق الأعلى عرضه مرتين.
وقد أخذ السلف رضوان الله عليهم بتعاليم رسول الله وعكفوا على القرآن يحلون حلاله ويحرمون حرامه ويتبعون تعاليمه فكانوا أمة ذات سيادة وقيادة علموا الدنيا معاني لخير والحق وأقاموا صرح الحضارة التي أهدت إلى الإنسانية المعذبة آنذاك معاني الرحمة والاستقامة والنور، وكانوا جديرين بتحقيق الخيرية الموصوفة بها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
ومازال الطريق مفتوحا أمام المسلمين في كل بقاع الدنيا إن أرادوا أن تكون لهم العزة في الدنيا والنجاة في الآخرة فليقدموا للأجيال المسلمة القرآن ويربطون قلوبهم به ويشجعوا هؤلاء الناشئة للأخذ بمبادئه والسير على تعاليمه،وهنا يؤدي الكبار الأمانة المنوطة في أعناقهم ويحيا الصغار على ضوء كتاب الله فينشأ المجتمع قويا بإيمانه متسلحا بقرآنه ويمخها تكون له السيادة والريادة والقيادة وصدق الله العظيم { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرف المسلمين وميزهم على غيرهم بصفاء العقيدة وصفاء الفطرة وأشهد ألا إله إلا الله القائل في محكم التنزيل { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل في سنته (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى، قال رسول الله: فمن) أي نعم اليهود والنصار، صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من خصوصيات وسلوكيات هذه الشهر المبارك تميز المسلم وترفعه بعقيدته والبعد عن مشابهة الكفار في كل شؤون حياتهم، أكلهم وشربهم وعاداتهم وأخلاقهم وأعيادهم وغير ذلك، وأن مما يروج له الكفار في هذه الأيام الاحتفال في الألفية الثالثة عام (ألفين) (2000) ميلادية زاعمين أنه يحقق لهم الكثير من خلالها.
وقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة مفتي البلاد تحذيرا حول هذا الأمر جاء فيه :” وبناء على ما تقدم فلا يجوز لمسم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبينا ورسولا أن يقيم احتفالات لأعياد لا أصل لها في دين أفلام ومنها الألفية المزعومة ولا يجوز حضورها ولا المشاركة فيها ولا الإعانة عليها بأي شيء كان لأنها إثم ومجاوزة لحدود الله والله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.
ولا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك إشهاد أعيادهم وإعلانها ومنها الألفية المذكورة ولا الدعوة إليها بأي وسيلة كانت سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام أو نصب الساعات واللوحات الرقمية أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها أو الأنشطة الرياضية أو نشر شعار خاص بها.
ولا يجوز اعتبار هذه المناسبة مناسبة سعيدة وأوقاتا مباركة فتعطل فيها الأعمال وتري فيها عقود الزواج أو ابتداء الأعمال التجارية أو افتتاح المشاريع ولا يجوز أن يعتقد في هذه الأيام ميزة على غيرها لأن هذه الأيام كغيرها من أيام السنة ولأن هذا الاعتقاد الفاسد لا يغير من حقيقتها شيئا بل إن هذا الاعتقاد فيها هو إثم على إثم نسأل الله العافية والسلامة”.
عباد الله صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ….