خطبة بعنوان “الخاسرون في رمضان”.

الجمعة 24 جمادى الآخرة 1440هـ 1-3-2019م

الخطبة الأولى :

الحمد لله مصرف الشهور ومقدر المقدور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور، جعل لكل أجل كتابا ولكل عمل حسابا، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الدنيا مزرعة للآخرة وسوقا يتزود منه العباد، وأشهد أن محمد عبده ورسوله كل حيته عمل وجهاد عبد ربه حتى تفطرت قدماه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي}.
إخوتي في الله! كنتم في شهر الخير والبركة تصومون النهار وتقومون الليل وتتقربون إلى الرحيم الغفور بأنواع القربات وسائر الطاعات طمعا في ثوابه وخوفا من عقابه ثم انتهت تلك الأيام وقطعتم بها مرحلة من حياتكم لن تعود لكنكم أودعتم فيها ما أودعتموه من خير وشر، هذا مراحل العمر يقطعها الناس يوما بعد يوم وهم في طريقهم إلى الآخرة فهي تنقص أعماركم وتقربكم إلى آجالكم وصدق الله العظيم { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}.

حل عليكم شهر العنان لترجعوا إلى ربكم بالتوبة والأعمال الصالحة وتتبروا على فعل الطاعات وترك المحرمات وهكذا النفوس الخيرة تألف الفضيلة وتترك الرذيلة.

وهكذا أنقض شهر الصيام فكونوا على العهد دائما صلة بربكم وثباتا على الطاعة واتباعا للحسنة بأختها فإن من علامة قبول الطاعة اتباعها بأخرى.

لقد فزع المسلمون في هذا الشهر المبارك إلى الطاعات وتسابقوا إلى الخيرات فامتلأت المساجد بالمصلين وضحت بأصوات التالين وهؤلاء دونما شك سيجنون ثمرة عملهم.

أما الذين ضيعوا وأهملوا في شهر الصيام فأولئك هم الخاسرون لأنهم زهدوا في الخير وحرموا أنفسهم أبواب فتحت لهم وهناك صنف ثالث أحيا ليل رمضان بالقيام وعمر نهاهر بالصيام وجعل يتلو القرآن بالليل والنهار وهؤلاء أيضا فاتهم شيء كثير لأنهم لم يغيروا أحوالهم ولم تؤثر فيهم الطاعة وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صعد المنبر فقال: آمين آمين آمين، فسئل عن ذلك فقال: (إن جبريل أتاني فقال: من أدرك أبويه فلم يدخلاه الجنة فمات فدخل النار قل آمين قلت آمين، قال من أدرك رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار قل آمين قلت آمين، قال: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار قل آمين قلت آمين).

فيا ترى من هؤلاء الخاسرون الذين يدعو عليهم رسول الله وجبريل فيكون شهر رمضان نقمة عليهم وسببا لحرمانهم الثواب ودخولهم النار عياذا بالله.

إن هذا الصنف من الناس هم أهل القلوب القاسية الذين لا يزيدهم رمضان من الله إلا بعدا، إن هؤلاء هم الذين يكونون في شوال لما كانوا في شعبان وينسون ما كانوا عليه في رمضان فحق عليهم هذا الدعاء العظيم لأنهم يغفر لهم في رمضان.

فمن اجتنب الكبائر وسلم من العظائم والموبقات وقسر نفسه على الابتعاد عن المحرمات وجاهدها على الصبر على الطاعات فرمضان مكفر لصغائر ذنوبه بإذن الله.
إن كبائر الذنوب يا عباد الله لا يكفرها إلا التوبة النصوح التي يتحقق فيها الإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم الصادق الأكيد على ألا يعود إليه فهذا الصنف موعود بأن يكفر الله سيئاته ويبدلها حسنات وصدق الله العظيم: {وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً}.

وصدق الله العظيم :{ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً}.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من عبد الله وشكر وصبر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وراجعوا أنفسكم وتذكروا عظيم نعم الله عليكم حيث قمتم بأداء فريضة الصيام وشكرتم ربكم بالتقرب إليه بصلاة القيام وذلك فضل من الله ومنه فاحذروا أن تعودوا إلى المعاصي بعد أن عاهدتم الله على تركها وألفت نفوسكم الطاعات.
عباد الله! ما بال أقوام يقبلون في رمضان على الطاعة، فإذا انسلخ تنكروا وتغيرت أحوالهم لقد سئل بعض السلف عن مثل هؤلاء فقالك بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، لقد كانت المساجد تمتلئ بهؤلاء فلما انقضى رمضان هجروها واختفوا وقبعوا في بيوتهم كأنهم استغنوا عن الله وسقطت عنهم الواجبات وأبيحت لهم المحرمات.
نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن العمى بعد البصيرة:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}.

فاحذروا من السيئات بعد الحسانت فقد قيل: ” ذنب بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها”. كان السلف الواحد منهم عند الموت يندم على ترك النوافل والإقلال منها فما بالكم بندامة من ضيع الفرائض، إن شهركم الكريم ينبغي أن يودع بالاستغفار والتوبة وان يشبع بصيام ستة أيام من شوال.

روى مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر).
وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بثلاثمائة وستة أيام بستين فالجميع ثلاثمائة وستون وهي عدد أيام السنة.

وفي صيام هذه الأيام الستة جبر لما حصل من الخلل في الصيام فإن الفرائض تكمل النوافل ثم إن معاودة الصيام علامة على الخير في الإنسان وعلى سلامة عبادته وقبولها إن شاء الله فإن الله تقبل طاعة العبد وفقه لعبادة أخرى غيرها وقد قيل: ثواب الحسنة الحسنة بعدها.

ثم إن صيام هذه الأيام شكر لنعمة إتمام الصيام والقيام، وليعلم أنه يجوز صومه متتابعة ومتفرقة، وإن صام أيام الاثنين والخميس ونواها ستا من شوال فهذا أحسن، وإن صام أيام البيض ومعها ثلاثة كفاه ذلك.

وليعلم أن من عليه قضاء فهو مقدم على الست من شوال ولابد للقضاء من النية في الليل ولا يجوز الفطر فيه بحال إلا إذا كان معذورا لمرض أو سفر أو حيض وما اعتاده بعض الناس من الفطر إذا كان هناك مناسبة فهذا خطأ، ومن أفتى بذلك من العامة فهذا قول على الله بغير علم.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعل عملنا مقبولا وأن ويفقنا للخير وأن يغفر لنا ووالدينا وإخواننا إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.
عباد الله صلوا وسلموا ………………………