العيد فرحة وفرصة لمحاسبة.
الخطبة الأولى:
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
الله أكبر. الله أكبر لا إله إلا الله. الله أكبر. الله أكبر. ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الله أكبر بفضله، الله أكبر بحلمه وعفوه، الله أكبر بجوده وكرمه، الله أكبر رفع السماوات بغير عمد، وبسط الأرض بغير عنت، وسخر الليل والنهار للعمل والسكن، وأنزل الغيث على عباده برحمته، وسخر الأفلاك دائرة بحكمته وقدرته.
الحمد لله الذي امتن علينا بنعمة الإسلام، وشرح صدورنا بنور الإيمان، وأفاض علينا بآلائه العظام حيث جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وأنزل علينا أعظم كتاب وأحكمه، ويسر لنا أمر طاعته، وبشر المتقين بجنته، وحذر المعرضين بأليم عقابه.
الحمد لله إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأراضين، ومالك يوم الدين، الذي لا عز إلا في طاعته،ولانعيم إلا في قربه، ولاصلاح للقلب ولافلاح إلا في الإخلاص له وتوحيد حبه.
الحمد لله الذي تفرد بالعظمة والبقاء، والعز والكبرياء، والجود والعطاء.
وله الحمد ما ذكره الذاكرون، وغفل عنه الغافلون، وله الحمد عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد، كلماته، ورضا نفسه.
أحمده سبحانه حمداً يليق بفضله، وعطائه ونعمه، وأشكره شكر عبد خضع لجبروته وعزته، فله الحمد دائماً أبداً بلساني وقلبي وجوارحي وأركاني.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد يرجو برَّها وذخرها يوم العرض الأكبر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض الأعظم، والمقام الأكرم، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتدى بسنته إلى يوم الفزع الأكبر، أما بعد:
فيأيها المؤمنون والمؤمنات أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: [ولقد وصينا الذين أوتوا من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله](النساء).
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا من الدين بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسامكم على النار لا تقوى، فمن اتقى الله وقاه، ومن عمل بطاعته رضي عنه وأرضاه، ومن تمسك بهداه نال الرضا والرضوان، والنعيم الدائم في الجنان.
عباد الله:
اتقوا الله تعالى واشكروه على ما من به عليكم من إتمام شهر الصيام، وسلوه القبول والغفران والعتق من النيران، واعلموا أن هذا اليوم يوم عيد يفرح فيه المؤمنون بما منَّ الله به عليهم من نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، [قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون](يونس).
إن هذا اليوم يوم عظيم جليل، جعله الله تعالى فرحة لأمة الإسلام يستبشرون بها بعد طول صيام وقيام، وبذل وإحسان، فأدخل عليهم بفضله السرور، وبشرهم بالنعيم والحبور.
في هذا اليوم المشهود يوفي الرب جل وعلا العاملين بجزيل العطايا والأجور، فيوفيهم أجورهم بأحسن ما كانوا يعملون.
في هذا اليوم المبارك يمن الله تعالى على عباده الصالحين بالقبول والرضوان، والوعد بالروح والريحان، والخلود في دار الكرامة والسلام.
فهذا اليوم يوم شكر وذكر، وأكل وشرب وفطر، يَحْرُم صومه لأن فيه مخالفة لأمر الله.
فيا لها من فرحة عظيمة، وبشرى كريمة، وهبة جزيلة، ونعمة من الله كبيرة.
فأبشروا يا عباد الله بفضل الله، وأبشروا يا عباد الله بعطاء الله، وأبشروا يا عباد الله عند لقاء الله، فاليوم يوم الفرح والسرور، ويوم القيامة توفون أعظم الأجور.
الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله، الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله:
إن العيد يحتاج منا إلى وقفات وتأملات، فمن حاسب نفسه بعد رمضان، ولزم طريق الرحمن، واتقى فيما بقي من عمره في لذة القرب من الكريم المنان نال السعادة في الدنيا والآخرة، وتمتع بلذة النظر إلى وجه الرحيم الرحمن، ونال الخلود في الجنان.
أما من لم يحاسب نفسه على طغيانها، وسعى وراء شهواتها، ولم ينظر في عواقب أمورها نال غضب الجبار، وعاش تعيساً في دار الدنيا، وذاق الحسرة والندامة في دار القرار.
فيا عباد الله: فرصة لنا بعد مضي رمضان، هذا الشهر المبارك الذي امتن الله به علينا، هل نحن خرجنا منه مقبولين فنهنأ أنفسنا، أم خرجنا منه مطرودين فنتوب ونئوب إلى ربنا.
وهل حرصنا على دوام العمل الصالح بعد رمضان، أم سيعترينا الكسل؟.
وهل نظرنا إلى حقارة الدنيا التي ذمها الله تعالى في كتابه وحذرنا منها أشد التحذير من أجل عدم الركون إليها، ألم نقرأ القرآن ومرت علينا آيات منه عظام تذكرنا بهوان الدنيا، ألم نسمع قول الله تعالى: [يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور](فاطر)، ألم نسمع قوله تعالى:[إنما الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار * من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب](غافر).
عباد الله: لقد ربانا الله جل وعلا على الصبر عن شهوات النفس من أجل الشعور بإخوة لنا محرومين لكي نبذل وسعنا من أجل إدخال السرور عليهم، وهكذا المسلمون فهم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله، الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله:إن العيد مناسبة عظيمة تحتاج منا لشكرها، ومن شكرها أنه ينبغي علينا الحرص على صفاء القلوب، وسلامة الصدور، والألفة والمحبة، في هذا العيد ينبغي علينا أن نتناسى الضغائن فيما بيننا، وأن نعمل على لم الشمل، ونشر الخير، وبذل المعروف، والسعي في صلة الأرحام.
واعلموا يا عباد الله أن الأعياد الشرعية لم تجعل للهو واللعب كما يفعل كثير من المسلمين في غير المباحات، وإنما جعلت لإقامة ذكر الله وطاعته والإكثار من شكره، والاستغفار بين يديه، فعيدنا ليس كعيد غيرنا جعلوه للمفاخرة والاستكبار، إنما جُعل عيدنا لإقامة ذكر الله والخضوع له وشكره على استكمال الصيام والقيام وسائر القربات.
واعلموا رحمكم الله أنه ليس السعيد من أدرك العيد، وجمَّل ظاهره باللباس الجديد، وملأ باطنه بأنواع الطعام، وأطلق لسانه بالمزاح والضحك وكثرة الكلام، وإنما السعيد من تقبل الله صيامه وقيامه، وغفر له ذنوبه وآثامه، وتزكى وصلى صلاة العيد في ختام صيامه، ورجع من مصلاه بجائزة الرب وإكرامه.
عباد الله: تذكروا من صلى معكم في مثل هذا اليوم من الأعوام الماضية من آبائكم وأقربائكم وإخوانكم المسلمين ممن رحلوا عن هذه الدنيا ولم يستصحبوا منها سوى ما قدموا من أعمال، وتركوا الدور والقصور والأموال، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا ما ترون في هذا اليوم من مظاهر الزينة، فإن الزينة الحقيقية زينة التقوى.
نظر أحد الصالحين إلى زينة الناس يوم العيد فقال: هل ترون إلا خِرقاً تبلى، ولحما يأكله الدود غدا.
ورأى آخر قوماً يضحكون في يوم عيد الفطر، فقال: إن كان هؤلاء تُقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين.
فاتقوا الله عباد الله واستحضروا عظمة هذا العيد، وتأملوا لأي شيء جُعل، ولماذا شرع؟
وتذكروا بمروره وتكرره عليكم انقضاء أعماركم، وانتهاء آثاركم، وختم أعمالكم، وحضور آجالكم، فتزودوا بالتقوى للسفر البعيد.
وتذكروا باجتماعكم هذا الاجتماع الأكبر على أرض المحشر:[يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية].
الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله، الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: هلموا إلى ما يرضي ربكم، ولا تجعلوا العيد مناسبة لمعصيته، وليحذر من ينطلق في العيد على وجهه يبتغي كل شهوة وإن كانت في معصية خالقه، وليحرص المسلمون في هذا اليوم على الخير، وليبتعدوا عن كل شر حتى يسلم لهم عيدهم، وتحفظ لهم نعمهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:[يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز](فاطر).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله، الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين، وعد المحسنين بالعطاء الجزيل، وحذر الكافرين والمنافقين من العذاب المهين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً له الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن ما في أيديكم من أنواع النعم منة من الله تعالى، فأدوا شكرها بدوام بذلها في وجوه الخير لتطهر وتنمو وتدخلها البركة، ويعود ذلك عليكم صحة وعافية وسلامة وأمناً واستقراراً.
وانظروا إلى ما حولكم في كثير من بلدان العالم من الحروب والفتن، وقلة الأرزاق، وكثرة المصائب والابتلاءات، فكل هذه عبرة لنا وعظة حتى لا نقع في الغفلة والإعراض فنكون ممن استحق عليهم العذاب، قال تعالى:[وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون](النحل). فهل نحذر من ذلك، أم نستمر في الغفلة والإعراض؟.
وإني أحذر المصرين على معصية رب العالمين من الاستمرار في المعاصي والآثام، فالبركة تحل بالطاعة، والمحق والخسران يحل بكثرة التباهي بالآثام والطغيان.
فإنا نرى الآن كثيراً من الناس في غفلة كبيرة، وذنوب عظيمة تهتز لها القلوب المؤمنة السليمة، فإلى متى الغفلة وإلى متى الإعراض عن رب العالمين، وإلى متى الغرور بما في أيدينا من النعم لنستعين بها على معصية الرب الكريم.
فاحذروا يا عباد الله من المعاصي والذنوب، وليكن العيد فرحة لنا في القلوب، وفي حياتنا الظاهرة ببذل المعروف، وزيارة المريض، وصلة الأرحام، والسعي على حوائج المسلمين.
ولو بذل الناس جهدهم من أجل تحصيل مرضات الرحمن لنالوا الخير في الدنيا والآخرة.
الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله، الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله:
أوصيكم بالمحافظة على الصلوات، وأعينوا أهليكم وأولادكم عليها، فكم نرى الآن ممن هو مفرط فيها، ومضيع لها، وعليكم بغض الأبصار عما حرم الله، واحذروا الإسبال في الثياب والبشوت والأزر والسراويل، فإن ما كان منها أسفل الكعبين نازلاً فهو محرم، وعليكم بالتواضع فإن الله لا يحب المستكبرين، وألزموا نساءكم بالستر والحجاب والابتعاد عن مخالطة الرجال والخلوة مع السائق والخادم، فإنه (ما خلا رجل بامرأة لا تحل له إلا كان ثالثهما الشيطان).
واحذورا الغش في بيعكم وشرائكم وسائر أعمالكم، فإن الغش ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، ومن غش المسلمين فليس منهم، واحذروا أكل المال الحرام من الربا وغيره، وأكل مال اليتيم فإنها من كبائر الذنوب، وهي أخبث المكاسب الموجبة لغضب الله ولعنته وناره، وهي سحت ومحق، تدمر المجتمعات وتقضي على الفضائل والحسنات.
واحرصوا رحمكم الله على تربية أولادكم على الخير والتواضع وبذل المعروف، وخذوا بأيديهم لما فيه الخير لهم ولمن حولهم، وأدبوا بناتكم على الحياء والعفة، وأبعدوهن عن كل ما يسبب لهم سوء أخلاقهن.
الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله، الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله:
اعلموا أن العيد مناسبة عظيمة لإطلاق الأيدي الخيرة في مجال الخير حيث تعلو البسمة الشفاه، وتغمر البهجة القلوب. العيد مناسبة لتجديد أواصر الرحم في الأقرباء والود مع الأصدقاء، تتقارب القلوب على المحبة، وتجتمع على الألفة، وترتفع عن الضغائن.
فاتقوا الله عباد الله: وابتهجوا بعيدكم بالبقاء على العهد وإتباع الحسنة الحسنة، فذلك من علامات قبول الطاعات، وقد ندبكم رسولكم صلى الله عليه وسلم بأن تتبعوا رمضان ستاً من شوال، فمن فعل ذلك فكأنما صام الدهر كله.
هنيئاً لنا هذا العيد والذي أسأل الله تعالى أن يجعله عيداً مباركا علينا وعلى جميع المسلمين، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات، وأن يعيده علينا وعلى أمة الإسلام بالعز والتمكين وارتفاع راية الدين.
اللهم … هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب)