أخطاء بعض الحجاج
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي فرض الحج إلى بيته الحرام، والصلاة والسلام على خير من لبى قارنا بين الحجر والعمرة وطاف بابيت وصلى خلف المقام.
وأشهد ألا إله إلا الله القدوس السلام، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أفضل الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان من الصحب الكرام وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: عباد الله! اتقوا الله سبحانه وتعالى وراقبوه ولتكن عبادتكم له وفق ما شرعه نبيكم، فقد أخذ الله عليكم العهد والميثاق بطاعته واتباع هديه وقد أكد هذا رسولكم صلى الله عليه وسلم في كل شؤون العبادات والمعاملات والعلاقات فيما بينكم، يقول عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب صحابته في حجة الوداع والخطاب لأمة الإسلام جمعاء حتى يرث الله الأرض وما عليها: (خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا). فلهذا اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في وصف حجة رسول الله وهي الحجة الوحيدة التي حجها بعد الهجرة ولعل أجمع وصف وأكمله ورد في حديث جابر الطويل المروي في صحيح مسلم فليراجع، وسنقف بمشيئة الله في هذه الخطبة على كثير من الملاحظات التي يقع فيها الحجاج وتختلف مع ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الطويل فنقول: من الملاحظات: – أن بعض الحجاج يقصد بحجه التكسب أو الرياء والسمعة والمفاخرة. – ومنها اختيار الرفقة السيئة الذي تظهر عليهم آثار المعاصي ويبعدون المسلم عن الله ويشغلون الوقت بالكلام المحرم والسماع المحرم. – ومنها سفر بعض النساء بدون محرم كالخادمات وغيرهن. – ومنها أن بعض الحجاج يتلفظ بنية الإحرام فيقول نويت العمرة أو نويت الحج، وهذا خطأ فالسنة أن يلبي قائلا لبيك حجا أو لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج. – ومنها أن بعض النساء تلبس القفازين وهما شراب اليدين وهذا خطأ بل على المرأة تغطية يديها بعبائتها أو غيرها لكن لا تلبس القفازين لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك. – ومنها أن بعض الحجاج يلتزمون أدعية خاصة بالمطاف وهذا خطأ فليس هناك دعاء خاص بالطواف أو لكل شوط والثابت هو الدعاء بين الركنين اليماني والحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. – ومنها أذية الحجاج والمعتمرين بالمزاحمة والسب والشتم حتى في المطاف، وهذا من سوء الأدب مع الله وفي حرم الله ومع عباد الله. – ومنها أن بعض الحجاج حال الزحام في الطواف يطوف من داخل الحجر الذي يسمى حجر والصحيح أنه الحطيم، وهؤلاء طوافهم غير صحيح لأنهم طافوا داخل الكعبة. – ومنها كثرة التمسح بأستار الكعبة وجدرانها وهذا يفضي إلى الشرك والعياذ بالله. – ومن أخطر الملاحظات وأكثرها تبرج النساء وإتيانهم بكامل زينتهن إلى البيت العتيق، فتجد الشباب الجميلة والأصباخ والحلي والأطياب وكشف الوجوه والأيدي وهذا من عصيان الله وإشهاد عباد الله على هذه المعصية في هذه البقعة الطاهرة، وعلى النساء أن يظهرن الستر ولا يتبرجن ولا يتطيبن ويغطين وجوههن وأيديهن لأن الموقف موقف ذلة وخضوع وطاعة وعبادة وليس مكانا لعرض المفاتن والزينات. – ومنها أن بعض الحجاج يحلق شعرات من رأسه وهذا خطأ وهذا خطأ فالحلق والتقصير لابد فيه من تعميم الرأس كله وما يفعله بعض الناس من أخذ الشعرات من مقدم رأسه أو مؤخرته أو جانبيه فهذا غير كاف في التقصير. – ومنها أن بعض الحجاج ممن سيضحي يظن أنه لا يأخذ من شعره حتى إذا أتم عمرته وهذا خطأ فالتقصير أوالحلق بعد تمام العمرة للمتمتع واجب ولا يمنعه كون المسلم سيضحي بل يقصر من رأسه ولو كان سيضحي لأن هذا واجب مأمور به وهو مستثنى من ترك الشعر والظفر فليتنبه لذلك. – ومنها أن بعض الحجاج لا يتثبت من دخوله عرفات، وكم رأينا من أناس جلسوا خارج عرفات وفاتهم الحج وظنوا أنهم أدوا هذه الفريضة وهي باقية عليهم وليس الجهل والعجلة عذرا لهؤلاء بل عليهم السؤال والتثبت والتحري ليكونوا على بينة من أمرهم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ] . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. الخطبة الثانية:
إن الحمد لله … ومن الملاحظات : – ومنها أن بعض الحجاج ينصرفون قبل غروب الشمس من يوم عرفة ولابد في عرفات من الجمع بين النهار والليل. – ومنها أن بعض الحجاج يزعج إخوانه بالأبواق والسرعة الشديدة عند الانصراف ن عرفات، وكم راح من الضحايا بسبب هذه التصرفات الطائشة والرسول صلى الله عليه وسلم حال انصرافه كان يشير بيده للناس ويقول: السكينة السكينة. – ومنها أن بعض الحجاج إذا نزل بمزدلفة بدأ بلقط الحصى وهذا خلاف السنة فالرسول صلى الله عليه وسلم أو ما نزل بمزدلفة بدأ بالصلاة . – ومنها أن بعض الحجاج لا يتثبتون من حدود مزدلفة فيبيتون خارجها وعلى المسلم أن يتحرى ويسأل. – ومنها أن بعض الحجاج يستعجل في الانصراف فينصرفون قبل منتصف الليل والصحيح من كلام أهل العلم أن المرخص لهم بالانصراف ليلا لا ينصرفون إلا بعد مغيب القمر أي بعد ثلث الليل، فمن انصرف في وقتنا الحاضر قبل الساعة الثانية عشرة والنصف فعليه دم والفتوى على هذا الأمر. – ومنها أن بعض الحجاج يرمي الجمرات من بعد فلا تقع في المرمى ثم إنه يؤذي إخوانه وذلك لأن الحصى يؤذي الآخرين، وكم رأينا وسمعنا من حصل لهم الأذى العظيم بسبب جهل إخوانهم المسلمين. – ومنها أن بعض الحجاج يظن أنه سيرمي الشيطان فيصدر ألفاظا نابية ويسب ويشتم والسنة أن يستمر على الذكر والدعاء فإنما جعل الرمي لإقامة ذكر الله. – ومنها أن بعض الحجاج يظن أن المشروع رمي الشاخص الذي في الحوض وهو العمود المنصوب وهذا خطأ فالسنة الرمي في الحوض والعمود وضع علامة على المرمى. – ومنها أن أكثر الحجاج لا يقفون يدعون عند الجمرتين الصغرى والوسطى وتلك لعمر الله سنة غفلوا عنها. – ومنها تساهل الناس في التوكيل بالرمي فتجد الكثيرين يوكلون ولو كانوا أقوياء أصحاء، وهذا خطأ بين فالتوكيل للمرضى أو الكبار العاجزين أو الأطفال أو المعذورين كالحامل وغيرها. – ومنها عدم التثبت من السن المجزئ في الهدي، وكذا ذبح الهدي وتركه والأولى أن يأكل منه ويهدي ويتصدق. – ومنها التساهل في المبيت بمنى فبعض الحجاج يجلسون في الشقق ولا يأتون إلا ساعة أو ساعتين والواجب أن يبيتوا أكثر الليل بمنى. الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قدوة الحجاج والمعتمرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: إخوة الإيمان! هناك أمور يكثر السؤال عنها وقد رأيت أن أشير إليها في هذه الخطبة لتمام الفائدة فأقول: أولاً: التكبير على نوعين: مطلق ومقيد، المطلق يبدأ من دخول عشر ذي الحجة وينتهي بصلاة العيد من يوم النحر. والمقيد يبدأ من فجر يوم عرفة لغير الحجاج وللحاج من ظهر يوم العيد إلى عصر آخر أيام التشريق. فالمطلق في كل وقت إلا أنه لا يكبر أدبار الصلوات إلا بعد التسبيح والتهليل ويحرص على المجامع والأسواق وأمكنه اجتماع الناس، لكن لا يسوغ رفع الصوت بالذكر عموما في المقابر وأثناء حمل الجنازة لأنه خلاف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمقيد بعد الصلاة وقبل التسبيح والتهليل، وصيغة التكبير واحدة وهي: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ثانيا: يسأل الكثيرون عن إرسال ضحاياهم إلى إخوانهم المحتاجين في أنحاء العالم، ونقول: إن كانت الأضحية عن الشخص وأهل بيته أو كانت وصية محددة بأن قال أوصي بأضحيتين يأكل منهما الذرية أو قال: أضحيه لفقراء البلد الفلاني فهذه لا تنقل بل تذبح في البلد المحدد. وكذلك أضحية الشخص يذبحها في البلد الذي يقيم فيه أيام العيد، وأما بقية الأضاحي كالوصايا المطلقة أو التبرعات فلا حرج في إرسالها، هذا ما يظهر في هذه المسألة والله أعلم. ثالثا: كثير من الناس الذين سيضحون يظنون أنهم إذا وكلوا على أضاحيهم فلهم الأخذ من أظفارهم وأشعارهم وهذا خطأ، فالشخص وكل أو لم يوكل لا يأخذ من شعرهه وظفره شيئا، وأما الوكيل فلا يعدو كونه سيذبح الأضحية، فليتنبه لهذه المسألة الهامة. رابعا: لا يسوغ الاشتراك في الأضحية بين شخصين حيين لميتين فأكثر، وأما إشراك أكثر من ميت في الأضحية فلا حرج فيه بل لو أشرك المسلمين جميعا فلا بأس لكن الممنوع أن يأتي شخصان ليس معهما ثمن أصحيتين فيشتركان كل يدفع نصف الثمن ويذبحون أضحية واحدة وينوونها عن أقاربهم الميتين. خامسا: لا حرج في أخذ الحجة عن الغير شريطة ألا يكون الهدف النقود بل القصد الحج والدعاء والوقوف بالمشاعر وما جاء من النقود فهو تبع. سادسا: كثير من الناس يسأل عن حج الخادمات ونقول: إن مجيئين إلى هذه البلاد من دون محرم لا يجوز وكل ما ترتب على غير الجائز فهو غير جائز لكن لو حجت الخادمة فحجها صحيح وهي آثمة بسفرها من دون محرم. سابعا: إلى الحجاج الذين يذهبون يوم الثامن أو التاسع نقول: الأفضل أن تفردوا بالحج لأن وقت التمتع انتهى، فمن وصل مكة بعد ظهر يوم الثامن فالأولى له أن يقرن أو يفرد. ثامنا: من عليه صيام من رمضان فالأولى ألا يصوم النفل حتى ينهي القضاء، فمن كان عليه شيء من رمضان ورغب في صيام عرفة فليتوه عن القضاء لأنه أولى وبراءة الذمة من التكاليف مطلوبة وسابقة لشغلها بالمندوب. هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك في محكم التنزيل فقال جل من قائل عليما: [ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ] اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد … |
||