السؤال رقم: (4600) الرد على شبهة لماذا يعذب الله الكفار ؟

نص الفتوى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا فتاة مسلمة وأحب ربي، ولدي استفسار وأرجو إفادتي جزاكم الله خيراً. ‏أنا أحس ان داخلي سيء جدا ويصاحب هذا الشعور تأنيب ضمير وكره وأحيانا أعاقب نفسي. قلبي سيء وأفعالي تعكس هذا السوء فأشعر أنى منافقة وتعبت من التناقض، ولا أدري ما الله يحاسبني عليه هل على خيري أم شري. وكما علّمنا ربنا سبحانه أن القرآن في قراءته راحة وانشراح، أنا عندما أقرأ القرآن أرى الكثير منه ويل ووعيد وعقاب شديد وهذا الشيء يزيد من ضيقتي من كلمات التعذيب، وحيث أن الكثير من الأحاديث فيها. لعن الله من. وملعون من. ولعنت الملائكة من. فالكثير من اللعن على أمور ليست بالمستحقة حاولت كثيرا أن أتجاهل تلك التساؤلات ولكن لا تجعلني أستلذ وأشعر بما يجب أن أشعر به من انشراح فأنا أخاف من أن أحاسب على نفاقي وتناقضي. كيف أستشعر رحمة الله تعالى وهو يعذب من خلقهم من المعرضين حد تقطيع الأمعاء وإذابة الجلود وحرقها وشويها وتبديلها ونزعها نفسي تكره العنف وكلمات العنف وكل ما قرأت القرآن لا أرتاح كما يقولون بل تضيق نفسي من جمل العنف والعذاب التي تغلب على آيات الرحمة بكثرتها. فأنا أسامح حتى من ظلمني وآذاني والكفار لم يؤذون الله بكفرهم لأنه غني عنا وعنهم فلماذا كل هذا العقاب. ديننا يدعونا إلى العفو والرحمة حتى للكفار ونحن بشر لا تقاس رحمتنا برحمته شيئاً سبحانه. فأنا إن سألت البشر الطيبين إذا ظلمهم شخص وقتل هل سيعذبونه لو كان مباح لهم تعذيبه. قالوا لا يستطيعون تعذيب أحد! لا أحد يستطيع تقبل العذاب من البشر وفعله إلا إذا كان معتل نفسياً أو مجنون فالإنسان الطبيعي والسوي لا يعذب وأقل ما يفعله هو أن يعاقب من ظلمه بقدر ما قدم له من ظلم، وليس لحد الإذابة والمتعة بحرقه وإن كان الله سبحانه له طريقة خاصة في التعذيب نحن لا نعلمها، فهو يعلم أننا لن نفهم إلا بالطريقة المكتوبة لأن فهمنا محدود ونفسي لم تتقبل هذا رغماً عني. فهل أنا مذنبة على استنكاري لكل هذا التعنيف من أرحم الراحمين؟ أستغفر الله وأتوب إليه والصلاة والسلام على رسول الله والحمد لله رب العالمين.

بتاريخ  2 / 5 / 1440هـ

الرد على الفتوى

الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فأولاً: إن من تمام الإيمان بالله تعالى أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى موصوفٌ بتمام العلم والإحاطة بالحال والمآل والغيب والشهادة وما لم يكن لو كان كيف يكون، وموصوفٌ بتمام الحكمة في تقدير العقوبة بما يوافق الذنب ويليق به بلا زيادة أو نقصان،

خلود أهل النار هو عدلٌ محض، لأن العقوبة ملائمة للذنب، فلا ذنب في الوجود أعظم من الكفر بالله تعالى فعظم لذلك عذابهم، ولا أعظم من ذنب الشرك والكفر لأنه تعدٍّ على حق الله تعالى ولذلك لا يغفره، ويوجب لصاحبه النار، ثم إن الكفر الحاصل من الجاحدين لله غير مخصوص بزمن دون زمن حتى يقال إن دوامه ظلم، بل كفرهم ملازم لهم حتى لو أعيدوا إلى الأرض لعادوا إلى الكفر، والله أعلم بخلقه، فلازمهم العذاب لملازمتهم الكفر بالله تعالى.

ثانياً: الله سبحانه وتعالى قد خلق الكافر وجعله مختاراً مريداً قادراً، مهديّاً النجدين، وبعد أن استبان له طريق الحقّ اختار طريق النار جحوداً للحق وعناداً، فكان عذاب الكافرين واقعٌ على مقتضى العدل، فإن الله أمدهم بكل ما يمكنهم من فعل الخير واجتناب الشر، لكنهم اختاروا الشر على الخير مع علمهم بهما وبجزائهما، فكان لابد من إيقاع اللوم على ظلم العبد لنفسه كما قال سبحانه وتعالى: {وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (الروم:9).

ثالثاً: كأنك تقولين أين رحمة الله في مقابل رحمة البشر بعضهم ببعض حتى رحمة المؤمن بالكافر وهذا بلا شك قياس لرحمة البشر برحمة خالقهم، بل فيه وصف بأن رحمة البشر فيما بينهم أفضل من رحمة الله بخلقه، وهذا يحتاج منك إلى توبة إذ كيف تقاس رحمة أرحم الراحمين بما بين خلقه مع أن رحمة البشر فيما بينهم هي من تمام رحمة الله بهم، بل هو سبحانه هو الذي أوجدها في قلوبهم فبها يتراحمون.

فالحكمة هي وضع الشيء في موضعه الصحيح، فلا توضع الرحمة إلا في موضعها. والرحمة لا يُسأل عنها في مقام إنفاذ عقوبة مستحقة على قوم يلزمنا أن نشهد بأن الله ما أوجب لهم تلك العقوبة إلا وقد سبق في علمه أنهم لا يستحقون الخروج من النار ولا يستحقون الرحمة.

رابعاً: فتح الباب لمثل هذه الأسئلة على نفسك قد يوقعك في كثير من

الشكوك والحيرة التي لا حدود لها. فامتنعي منذ الآن عن هذه التساؤلات التي هي في الحقيقة سبيل من سبل الشيطان الذي يريد أن يجعلك في حيرة ويشغلك بأشياء لا تنتفعين منها بل قد تكون سبباً في انحرافك نعوذ بالله من ذلك فأكثري من الاستعاذة من الشيطان وأكثري من قراءة القرآن ودعاء الرحمن أن يثبتك على الإيمان وأن لا يزيغ قلبك وابتعدي عن هذه الوساوس، بل وابتعدي عن قراءة الشبه التي يعرضها أعداء الإسلام.

والذي ينبغي في حقك أن تسلمي بأقدار الله تعالى وتؤمني بها خيرها وشرها حلوها ومرها، فهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة ألا وهو الإيمان بالقدر.

ثم اعلمي أن الله تعالى قد أرشدنا في كتابه أن لا نقحم أنفسنا بمثل هذه التساؤلات وإنما علينا الانقياد والتسليم، قال الله تعالى: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23].

وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح، وأذهب عن نفسك الضعف أمام الشبه الضعيفة الخادعة، ورزقك إيمان الموقنين بالحق، الذين لا تخدعهم حيل الشياطين ووساوسهم الكاذبة

والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.