السؤال رقم (698): يعمل عمل الآخرة من أجل عرض الدنيا…

بلغني حديث مفاده:(أن من عمل عملاً للآخرة يبتغي أو يريد به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة)، والحق أقول: أنه بعد علمي بذلك خفت كثيراً وترددت كثيراً في عبادات عدة، وأيضاً تغيرت لدي أمور كثيرة، وكذلك سمعت موعظة من أحد العلماء في التلفاز ـ الشيخ المنيع ـ حول هذا المعنى مفادها أن العمل الديني إذا دخله طلب شيء من الدنيا فإن ذلك محبط للعمل، والحقيقة أحدث ذلك لدي كثيراً من الالتباس والتعارض، وسؤالي هو: هل هذا حديث صحيح وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن صح فما المقصود تماماً من غرض الدنيا في هذا الحديث…………..أرجو منكم إفادتي إفادة شافية كافية في هذا الأمر تزيل اللبس وتجلي الغشاوة حيث أن كثيراً من العبادات قد أجلتها لحين النظر في هذا الأمر؟

الرد على الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاعلم أخي الكريم أن ما ذكرته في بداية سؤالك هو معنىً للحديث وليس الحديث نفسه، والحديث الوارد هو قوله صلى الله عليه وسلم:(من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها)(رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ج1 رقم105)، وهذا الحديث لا يتعارض مع النصوص الأخرى الواردة في الكتاب والسنة، بل الحق فيها جميعاً، ويعلم كل مسلم أن النية أثرها كبير في صحة العمل وفساده، وهذا يعيشه كل مسلم بحيث يمر عليه ذلك الأمر، فربما يريد أن يتصدق فإذا وجد أحداً من الناس أخرج أمامه المال وتصدق على المحتاج، وإن لم يكن أمامه أحد من الناس انصرف عن الصدقة، وهذا هو الرياء الذي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه لأنه هو الشرك الخفي الذي يعاني منه جميع المسلمين إلا من رحم الله وأخلص له العبادة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)(متفق عليه)، فهذا الحديث يبين أن لكل عمل نية، فإن كانت نية العبد أن هذا العمل خالص لله قبله الله منه، وجازاه أحسن الجزاء، وإن كان هذا العمل رياءً وسمعة كان مردوداً على صاحبه، وقد ورد حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول ثلاثة تسعر بهم النار وهم (المجاهد، والعالم، والمتصدق) والوارد في صحيح مسلم بطوله، فالذي أوردهم النار وأدخلهم فيها هو فساد نية عملهم، ولذلك أحبط الله أعمالهم فلم تنفعهم يوم القيامة، ولم يجدوا ريح الجنة، ومعلوم أن النية مقامها عظيم في العبادة، فإذا أخلص العبد عمله وكان سره وعلانيته واحدة في هذا العمل نال خيريّ الدنيا والآخرة، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:(من كانت همه الآخرة جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همه الدنيا فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له)(صححه الألباني في صحيح الجامع رقم6516). وقد ربط الله تعالى الإخلاص له في العبادة وتقواه بالعطاء الجزيل منه لعباده بقوله:[وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ](الأعراف:96)، والله تعالى ما شرع عبادة إلا وفيها من الحكم العظيمة والفوائد الكثيرة التي تعود على من يأتي بها بالخير العميم، وأنت ترى أخي الكريم أن العبد كلما أخلص عبادته لله وأحبه وتعلق به وسعى في أداء كل ما يرضيه وجد سعادة القلب وراحة النفس وانشراح الصدر، والمؤمن الصادق مع ربه هو الذي إذا سمع قولاً منه أو حديثاً من نبيه ” يقول:[سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ](البقرة:285).
وعليك أخي الكريم بالإقبال على الله وصدق التعامل معه والإخلاص في عبادته، وبذل الجهد من أجل إرضائه، فإذا صدقت في ذلك وأحسنت النية والعمل نلت الثواب العظيم والأجر الكبير من الرب الكريم، وصدق الله تعالى إذ يقول:[فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً] (الكهف:110). وفقك الله لك خير، وأعانك على الإخلاص لربك وسدد خطاك على طريق الحق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
28-4-1428