السؤال رقم (716) : مسألة ترد في كتب العقيدة وقد أشكلت علي وهي: (تسلسل الحوادث) آمل شرح وافي مبسط لتُفهم؟

مسألة ترد في كتب العقيدة وقد أشكلت علي وهي: (تسلسل الحوادث) آمل شرح وافي مبسط لتُفهم؟

الرد على الفتوى

التسلسل في اللغة: يعني التتابع والاتصال والامتداد، وهي لفظة من الألفاظ المجملة التي أحدثها المتكلمون، ويراد بها عند الإطلاق: ترتيب أمور غير متناهية، مع أن معناه اللغوي لا يدل على عدم الانتهاء، بل ما ورد من الأمثلة في اللغة هو مما ينتهي.
ويختلف أهل السنة وغيرهم من الفرق في نظرهم إلى أنواع التسلسل، وما يجوز منه وما يمتنع وعند تقييد هذا اللفظ ينقسم إلى ثلاثة أنواع: واجب وممتنع وممكن.
فأما الممتنع: وهو التسلسل في المؤثرات، والفاعلين والعلل، بأن يكون للفاعل فاعل، وللفاعل فاعل إلى ما لا نهاية له، وهذا باطل عند أهل السنة والجماعة.
وأما التسلسل الممكن، وهو التسلسل في المفعولات والآثار المتعاقبة بأن يكون الحادث الثاني موقوفاً على حادث قبله وذلك الحادث موقوف على حادث قبل ذلك وهلم جرا، وهو التسلسل في الحوادث، وفيه خلاف، والراجح عند أهل السنة أنه يجوز مطلقاً.
والثالث التسلسل الواجب: وهو ما دل عليه العقل والشرع من دوام أفعال الرب تعالى في الأبد، وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيماً آخر لا نفاد له، وكذلك التسلسل في أفعاله سبحانه من طرف الأزل وأن كل فعل مسبوق بفعل آخر، ولم يكن ربنا تعالى قط في وقت من الأوقات معطلاً عن كماله، من الكلام والإرادة والفعل، وجمهور أهل السنة يقولون: لم يزل الله خالقاً فاعلاً، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: لم يزل الله عالماً متكلماً غفوراً، بل يقولون: لم يزل يفعل إما بناء على أن الفعل قديم، وإن كان المفعول محدثاً، أو بناء على قيام الأفعال المتعاقبة بالفاعل، وإذا عرضنا على صريح العقل من يقدر على الأفعال المتعاقبة الدائمة ويفعلها دائمة متعاقبة، ومن لا يقدر على الدائمة المتعاقبة كان الأول أكمل.
وعلى ذلك فتسلسل الحوادث في المستقبل لا يمنع أن يكون سبحانه وتعالى هو الآخر الذي ليس بعده شيء، فكذا تسلسل الحوادث في الماضي لا يمنع أن يكون سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء، فإن الرب سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال يفعل ما يشاء ويتكلم إذا شاء، قال تعالى:{كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}، وقال تعالى:{وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}، وقال تعالى:{ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}، وقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}، وقال تعالى:{ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}، والمثبت إنما هو الكمال الممكن الموجود وحينئذ فإذا كان النوع دائماً فالممكن والأكيد هو التقدم على كل فرد من الأفراد بحيث لا يكون في أجزاء العالم شيء يقارنه بوجه من الوجوه، وأما دوام الفعل فهو أيضاً من الكمال، فإن الفعل إذا كان صفة كمال فدوامه دوام كمال.