السؤال رقم (4169) : حكم الإستماع للغناء

نص الفتوى: الغناء المحرم.. هل علة تحريمه الطرب؟ ومنْ مِنَ الفقهاء المتقدمين أو المتأخرين قال بذلك؟
وماذا لو قلت بأن السماع للغناء أو الموسيقى من خلال الأجهزة الكهربائية دون خلط ذلك بكشف عورات أو مجون أو كلام فاحش، لو قلت إن ذلك غير محرم، هل أكون خالفت الإجماع؟

الرد على الفتوى

الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فكما ذكرت في بداية إجابة السؤال الأول أن اعتماد أهل العلم المعتبرين على الكتاب والسنة لأن فيهما الهدى والنور، وحيث أن الغناء لم يتكلم فيه أحد من حيث حله سوى الإمام محمد بن حزم الظاهري رحمه الله، ولقد رد أهل العلم في زمانه عليه في تحليله الغناء.
وأما من ناحية تحريم الغناء فقد ذهب أكثر أهل العلم من علماء الإسلام وجمهور السلف إلى تحريم الأغاني وجميع المعازف، وهي آلات اللهو كلها، وقالوا: إن الغناء إذا انضم إليه آلات العزف كالطبل والعود والمزمار وما أشبه ذلك كما هو الحال في أيامنا كالبيانو والكمان والأجهزة الأخرى حرم بالإجماع، إلا ما يستثنى من ذلك من دق النساء الدف في العرس.
ولقد اشتد نكير السلف على من اشتغل بالأغاني والملاهي ووصفوه بالسفه والفسق، وأنا أضع بين يديك بعضاً من النصوص الكثيرة الدالة على تحريم الأغاني والمعازف من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:[وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ](لقمان:6).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره:لما ذكر حال السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه، كما قال تعالى:[اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ](الزمر:23)، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء والألحان وآلات الطرب، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى:[وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ…] قال: هو والله الغناء؛ وأقسم رضي الله عنه ثلاث مرات بقوله:والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء.
وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمر بن شعيب وعلي بن بديمة: أنه الغناء، وقال الحسن البصري في قوله تعالى:[وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ..]إنه الغناء والمزامير، وقال قتادة أيضاً في تفسيره لهذه الآية:والله لعله لا ينفق فيه مالاً ولكن شراؤه استحبابه؛ بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف(رواه البخاري)، والمراد بالمعازف آلات اللهو كلها، كالموسيقى والطبل والعود والرباب والأوتار وغير ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم:يكون في أمتي قذف وخسف ومسخ، فقال رجل من المسلمين: متى ذلك يا رسول الله؟ قال:إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور(خرجه الترمذي).
وسماع الغناء أو الموسيقى عن طريق الأجهزة الكهربائية فقط محرم، وهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم:ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، وهذه معصية كبيرة وذنب عظيم، وإذا خالط سماع الغناء كشف عورات، أو مجون، أو كلام فاحش فهذا أشد في التحريم لأنه جمع بين عدة كبائر منها سماع الغناء، والنظر إلى النساء وعوراتهم، والاستماع للفاحش من القول.
فيجب على المسلم أن يصون سمعه وبصره عما حرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويبتعد عما يقسي قلبه ويضعف إيمانه ويبعده عن ربه، ويقبل على ما ينفعه في دنياه وآخرته من تلاوته كتاب الله، وقراءة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يقربه إلى الله تعالى