السؤال رقم (4117) : أبعث إليكم طالبا منكم نصحي وإرشادي

السؤال:
أنا شاب تونسي عمري 32 سنة أعزب و متحصل على الأستاذية في علوم المحاسبة (باكالوريا 4 سنوات) منذ سنة 2001 وإلى الآن لم أتحصل على وظيفة. هذا و إني أعيش ظروف مادية واجتماعية صعبة خاصة منذ ما يزيد عن السنتين عندما تركت العمل لدى شركة خاصة.
و لا أزكي نفسي ولكني أشهد الله إني شاب أحب العمل وأكره التواكل أو التوكل على أي كان من البشر ولكن حبي للكسب الحلال أكبر وهو الشيء الذي صعب علي فرص العمل خاصة بعد الفتاوى الكثيرة التي سمعتها وقرأتها والمتعلقة بمجال اختصاصي المحاسبة حيث أن جل الشركات الخاصة المتواجدة هي مبنية على أساس قروض ربوية وبما أني سأقوم بمسك دفاتر المحاسبة فإني مجبرللتعامل مع ملف القروض التابعة للشركة وبعد أن عرفت مسك ملف القروض حرام شرعاً وجدتني أرفض كل عمل أجد فيه هذه الشبهة حتى وجدتني بدون عمل إلى حد الآن. هذا من ناحية و من ناحية أخرى فإني منذ حصولي على شهادتي سنة 2001 قد قدمت العديد من المطالب وأجريت العديد من المناظرات للحصول على وظيفة حكومية ولكن بدون جدوى حيث إن الحصول على الوظائف الحكومية أصبح رهين الرشاوى والتدخلات.
و نتيجة لهذه الظروف وجدتني حقيقة أعيش حالة صعبة جداً خاصة وأني أعيش في منزل واحد مع أبي وزوجته الثانية- بعد وفاة أمي- و كذلك مع اثنين من إخوتي كل منهما له زوجة وطفل وبالكاد يوفر كل منهم قوت عياله حيث لم يستطع أي منهم أن يستقل بذاته في محل خاص. هذا كما أني اضطررت للسفر العديد من المرات للبحث عن عمل ونظرا لحاجتي للمال كي أغطي مصاريف السفر والإقامة عمدت إلى التدين من أحدى أخواتي مبلغاً من المال أعجز حتى الآن عن سداده وأني كل ما ذهبت إلى بعض المسؤولين للنظر في وضعي ومساعدتي على الحصول على وظيفة أرد خائباً. ولكن هم يفتحوا لي أبواب الانتصاب للحساب الخاص وذلك من خلال مساعدتي في إنشاء مشروع لحسابي الخاص وهي سياسة تنتهجها دولتنا في هذه السنوات في إطار تشجيع أصحاب الشهائد العليا على بعث المشاريع وتتمثل الآلية في كون أن الشاب يقوم بدراسة مشروع معين ثم يتقدم به إلى بنك التضامن الوطني وهي الهيئة التي أحدثتها الدولة لتمويل هذه المشاريع و إذا قبل المشروع يقوم البنك بتمويل المشروع في جميع مراحل التكوين ثم يقوم الشاب بسداد تكلفة المشروع على أقساط بفائض ضعيف لا يزيد عن 5 في المائة ( 5℅ ).
أخيرا لا أخفي عنكم رغبتي في الزواج كي أعف نفسي وأحفظ فرجي خاصة في هذا الزمان الذي نعيشه حيث تفشت فيه فتنة النساء وهي فتنة في ذروة سنامها في بلادنا أدع الله أن يحفظني منها.
وإني أبعث إليكم طالبا منكم نصحي وإرشادي إلى ما فيه خيري في الدنيا والآخرة فهل يجوز لي الالتجاء إلى القروض التي تمولها الدولة على النحو الذي ذكرته آنفاً حتى أعمل لحسابي الخاص و أكف نفسي و لا أبقى عالة على غيري

الرد على الفتوى

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين . أما بعد :
أولاً: اعلم أن الأمور كلها بيد الله عز وجل، لا جلب نفع ولا دفع ضرر إلا من عند الله تعالى، والمفرج للكربات هو الله جل شأنه فإذا أصاب الإنسان شيء فعليه أن يلجأ إليه تبارك وتعالى، وأن يتضرع إليه ويدعوه سواء في حصول مطلوب، أو إزالة مرهوب .
لقوله تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون)(سورة النحل:53)، ولقوله تعالى :(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون) (النمل:62)، فالله تعالى هو الملجأ للعبد فإذا توجه إليه الإنسان بإخلاص وافتقار وحاجة، وكان طيب المطعم – في المأكل والمشرب – والملبس والمسكن فإنه حري بالإجابة، وهذا عام في كل شيء.
ثم ليعلم الإنسان أنه إذا دعا الله ولم يستجب له فقد يكون في ذلك خير له، فإما أن الله يدخره له، وإما أنه يدفع عنه شراً أعظم مما سأل، ولكن لا يتحسر ويدع الدعاء، فإن الله يحب الملح في الدعاء الذي ينتظر الإجابة ويوقن بها، فإنه سبحانه وتعالى يقول:(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)(البقرة:186).
وليتحر أوقات الإجابة، فإن من أوقاتها، الثلث الأخير من الليل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر)(رواه البخاري (7494) ومسلم (758).
وكذلك (آخر ساعة من يوم الجمعة فإنه لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يدعو الله إلا أعطاه إياه)(رواه البخاري (935) ومسلم (852)، أو ما بين خروج الإمام يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة.
وكذلك من الأوقات ما بين الأذان والإقامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد)(رواه الترمذي (212) وأبو داود (521) وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
ومن الأحوال حال الإنسان إذا كان ساجداً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)(رواه مسلم (479) ، وكذلك بعد التشهد الأخير قبل أن يسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين ذكر التشهد:(ثم ليتخير من الدعاء)(رواه البخاري ومسلم).
وعليك أن تصبر وتحتسب، وأن تعلم أن الأمور بيد الله عز وجل، وأن تأخر الوظيفة ربما يكون خيراً أعده الله لك، فلتأمل الخير ولترجِّ نفسك، وإذا كان عندك هم أو وساوس فأكثر من ذكر الله عز وجل، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وأقبل على أمورك من العبادة والأعمال الأخرى، حتى يزول همك.
وعليك بالدعاء المشهور المزيل للهم والغم وهو:(اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك …)، وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم:(دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت).
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول:(لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم).
وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً).
وعليك أيضاً بدعاء ذي النون، فقد أنجاه الله بدعائه حين دعا به، وهو في بطن الحوت، فقد أخرج أحمد والترمذي عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
وأما ما سألت عنه من أخذ القرض الربوي فاعلم أنه لا يجوز فالربا من كبائر الذنوب قال الله عز وجل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)(البقرة:278، 279)، وقال:(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(البقرة:275).
وثبت (أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن آكل الربا ومؤكله)(رواه البخاري (5962) ، وآكل الربا آخذه، ومؤكله معطيه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية)(رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375) ، وقال:(الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه)(رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3537). فاصبر رعاك الله فلأن تشبع يوما وتجوع يوما خيرٌ لك من أن تتعرض للعنة الله وغضبه. وأخيرا: لا تحصر نفسك بالبحث عن وظيفة في المحاسبة فقط. فربما تستطيع أن تعمل عملا آخر أيضا. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغنينا وإياك بحلاله عن حرامه . آمين.