136 – شرح رسالة الزكاة لابن باز رحمه الله

الثلاثاء 25 رجب 1445هـ 6-2-2024م

 

 

136 –  شرح رسالة الزكاة لابن باز رحمه الله pdf

 

 

شرح رسالة الزكاة

لسماحة الشيخ

الإمام العلامة ابن باز رحمه الله

 

شرح وتعليق

 أ. د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

عضو الإفتاء بالقصيم

والأستاذ بكلية التربية بالزلفي جامعة المجمعة

 

 

مقدمة الشارح

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:

ففي مغرب يوم السبت الموافق للتاسع عشر من شهر شعبان لعام ألف وأربعمائة وستة وثلاثين من الهجرة النبوية الشريفة قمت بشرح رسالة الزكاة لسماحة شيخنا عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في إحدى الدورات العلمية التي تقام في المسجد النبوي.

ولما كانت هذه الرسالة من الأهمية بمكان لما تميزت به من سهولة عبارتها وشمولها على أكثر المسائل المتعلقة بفقه الزكاة، أحببت أن يعم النفع بها؛ فقمت بطباعة شرحي لها في هذه الدورة المباركة وذلك بعد مراجعتها وإضافة ما يلزم إضافته وتكثر الحاجة إلى بيانه.

والله أسأل أن يرزقنا وجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح والإخلاص في القول والعمل إنه سميع قريب مجيب.

                                                                                           كتب أبو محمد

                                                                             عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                          1 / 8 / 1440هـ

                                                                                                الزلفي

 

نبذة مختصرة عن السيرة الذاتية

لسماحة شيخنا

عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى

  

أولاً: مولده:

هو سماحة الإمام العلامة، المحدث الفقيه، مفتي الأنام، أبرز علماء القرن الخامس عشر، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز.

ولد في مدينة الرياض في اليوم الثاني عشر من الشهر الثاني عشر من عام ثلاثين بعد الثلاثمائة والألف. ونشأ في أسرة كريمة فيها أهل علم وفضل، وكان رحمه الله منذ نشأته ذا همة عالية، وحرص على تحصيل العلم، وجد فيه، وقد حفظ القرآن قبل البلوغ، وكان رحمه الله بصيرا، وحصل له مرض في السنة السادسة عشرة من عمره، ضعف فيها بصره، وأخذ في الضعف حتى انتهى تمامًا في سن العشرين، ولكن الله عز وجل عوضه بصيرة في قلبه، ونورًا وإيمانًا، فنشأ على علم وفضل، وجد واجتهاد في تحصيل العلم، حتى نبغ في سن مبكرة رحمه الله.

ثانياً: طلبه للعلم:

حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ، ثم جدَّ في طلب العلم على العلماء في الرياض، ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1357هـ، ولم ينقطع عن طلب العلم، حيث لازم البحث والتدريس ليل نهار، ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخًا في كثير من العلوم، وقد عني عناية خاصة بالحديث وعلومه حتى أصبح حكمه على الحديث من حيث الصحة والضعف محل اعتبار، وهي درجة قلَّ أن يبلغها أحد، خاصة في هذا العصر، وظهر أثر ذلك على كتاباته وفتواه، حيث كان يتخير من الأقوال ما يسنده الدليل.

ثالثاً: مشايخه:

تلقى العلم على أيدي كثير من العلماء، ومن أبرزهم:

1- الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (قاضي الرياض).

2- الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

3- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (قاضي الرياض).

4- الشيخ حمد بن فارس (وكيل بيت المال في الرياض).

5- سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (مفتي المملكة العربية السعودية)، وقد لازم حلقاته نحوا من عشر سنوات، وتلقى عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347هـ إلى سنة 1357هـ.

6- الشيخ سعد وقاص البخاري (من علماء مكة المكرمة) أخذ عنه علم التجويد في عام 1355هـ.

رابعاً: أعماله:

أول عمل تولاه رحمه الله هو القضاء، حيث عين قاضيًا في بلدة الدلم، من عام 1357هـ حتى عام 1371هـ، وفي هذه الفترة عمل أيضًا إمامًا وخطيبًا لمسجد عمَّه الشيخ عبد الله المعروف بمسجد الشيخ، كما كان يقوم بالتدريس فيه، وقد تتلمذ على يديه عدد من العلماء والقضاة منهم:

راشد بن صالح بن خنين، وعبد الله بن حسن بن قعود، ومحمد بن صالح بن عثيمين، وعبد الله بن جبرين، وعبد الله بن عبد المحسن التركي، وصالح بن عبد الرحمن الأطرم، وصالح الفوزان، أعضاء هيئة كبار العلماء، والقاضي عبد الله بن عبد الرحمن الكنهل، والقاضي سعيد بن عبد الله بن عياش، وعبد الرحمن البراك، وعبد العزيز الراجحي وغيرهم الكثير.

وفي عام 1371هـ انتقل للتدريس في المعهد العلمي في الرياض، ثم انتقل إلى كلية الشريعة واستمر فيها حتى عام 1381هـ، وكان في هذه الفترة يؤم المصلين في جامع الإمام تركي بن عبد الله في الرياض، ويقوم بإلقاء الدروس في المسجد.

وفي عام 1381هـ انتقل رحمه الله إلى المدينة النبوية، ليعمل نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وكان في المدينة يلقي الدروس في المسجد النبوي الشريف بين المغرب والعشاء عدا ليلة الثلاثاء، وفي عام 1390هـ صدر الأمر الملكي بتعيينه رئيسًا للجامعة الإسلامية في المدينة النبوية.

وفي شهر شوال من عام 1395هـ انتقل إلى الرياض وعين رئيسًا لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برتبة وزير، وفي تلك الفترة تولى إمامة جامع الإمام تركي بن عبد الله، واستمر فيه حتى هُدِمَ الجامع، وبعدما أعيد بناؤه من جديد كتب رحمه الله لولاة الأمور مقترحًا عليهم أن يعين عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ إمامًا للجامع، واستجيب لطلبه، وعين آل الشيخ إمامًا للجامع.

كما كان في الوقت نفسه رئيسًا لمجالس رابطة العالم الإسلامي، ورئيسًا للمجمع الفقهي الإسلامي، ورئيسًا للمجلس الأعلى العالمي للمساجد، ورئيسًا للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وفي عام 1414هـ صدر أمر ملكي بتعيينه مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية، ورئيسًا لهيئة كبار العلماء، ورئيسًا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وظل في هذا المنصب مدة سبع سنوات، حتى وفاته في عام 1420هـ.

ولم يقتصر نشاطه على ما ذكر، فقد كان يلقي المحاضرات ويحضر الندوات العلمية ويعلق عليها، ويعمِّر المجالس الخاصة والعامة التي يحضرها بالقراءة والتعليق، بالإضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح صفة ملازمة له. نفعنا الله بعلمه.

خامساً: مؤلفاته:

مؤلفات الشيخ رحمه الله كثيرة، وهي رسائل مفيدة وعظيمة، ومن مؤلفاته:

(الدروس المهمّة لعامة الأمة – فتاوى مهمة لعموم الأمة – منهج أهل السنة والجماعة في السمع والطاعة – رسالة في حكم السحر والكهانة مع بعض الفتاوى المهمة – إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدَّق الكهنة والعرافين – فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر – حكم الإسلام فيمن زعم أنّ القرآن متناقض – العقيدة الصحيحة وما يضادّها ونواقض الإسلام – الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة – فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الطيار والموسى – فتاوى الطلاق بعناية الطيار والموسى- سلسلة أركان الإسلام (الطهارة والصلاة والزكاة والصيام) عناية الطيار – الإفهام في شرح عمدة الأحكام – حكم السحر والكهانة وما يتعلّق بها – الغزو الفكري ووسائله – الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته – وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها – وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه).

إلى غير ذلك من المؤلفات المطبوعة وغيرها مما لم يتم طباعته، ولا تزال المؤسسة الخاصة بتراثه تخرج يوماً بعد يوم المزيد من رسائله وشروحه وتعليقاته رحمه الله رحمة واسعة.

سادساً: وفاته:

توفي رحمه الله في صبيحة يوم الخميس السابع والعشرين من شهر المحرم، قبل أذان الفجر بدقائق، وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة الجمعة، ودفن في مقبرة العدل في مكة المكرمة.

أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء  وأن يجمعنا به ووالدينا وسائر مشايخنا في جنات النعيم([1]).

 

شرح الرسالة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

الشرح:

قوله:(الحمدُ لله وحده):

الحمد لله: جملةٌ اسميَّةٌ مكوَّنةٌ من مبتدأ وخبر.

و(الحمد): وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ الكمال الذاتي، والوصفي، والفعلي؛ فهو كاملٌ في ذاته، وصفاته، وأفعاله.

ولا بد من قيد وهو “المحبة، والتعظيم”. لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة، ولا تعظيم: لا يسمى حمداً؛ وإنما يسمى مدحاً”؛ ولهذا يقع من إنسان لا يحب الممدوح؛ لكنه يريد أن ينال منه شيئاً؛ تجد بعض الشعراء يقف أمام الممدوحين، ثم يأتي لهم بأوصاف عظيمة لا محبة فيهم؛ ولكن محبة في المال الذي يعطونه، أو خوفاً منهم؛ ولكن حمدنا لربنا عزّ وجلّ حمدَ محبةٍ، وتعظيمٍ؛ فلذلك صار لا بد من القيد في الحمد أنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ و”أل” في (الحمد) للاستغراق: أي استغراق جميع المحامد.

وقوله:(لله): اللام للاختصاص، والاستحقاق؛ و”الله” اسم ربنا عزّ وجلّ؛ لا يسمى به غيره؛ ومعناه: المألوه. أي المعبود حباً، وتعظيماً.

وقوله:(وحده): أي “منفردا”، ولا تستعمل إلاّ منصوبة على الحاليّة، وقد جاء بها هنا ليؤكّد أنه سبحانه هو المستحق للحمد وحده.

قوله:(والصلاة والسلام على من لا نبي بعده):

لما أثنى على الله عزّ وجل بما ينبغي أن يُثْنَى عليه، ثَنَّى بالصَّلاة والسَّلام على أفضل الخلق.

قال بعضُ العلماء: الصَّلاةُ من الله: الرَّحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدُّعاء.

والصَّواب ما قاله أبو العالية: “إنَّ الصَّلاة من الله ثناؤه على المُصَلَّى عليه في الملأ الأعلى”([2])، أي: عند الملائكة المقرَّبين، وهذا أخصُّ من الرَّحمة المطلقة.

وقوله:(على من لا نبي بعده)، أي لا نبي بعد محمد صلّى الله عليه وسلّم، فهو آخر الرسل والأنبياء، لقوله تعالى:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب:40]. فمن ادعى النبوة بعد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنه كافر؛ لأنه مكذب للقرآن.

قوله:(وعلى آله وصحبه)، المراد بـ (الآل) جميعُ أتباع النبي صلى الله عليه وسلم على دينه، ويدخلُ بالأولويَّة مَنْ على دينه من قرابته؛

لأنهم آلٌ من وجهين: من جهة الاتِّباع، ومن جهة القَرابة.

وأما إِذا ذُكِرَ معه غيرُه كما هو الحال هنا فإِنَّه يكون المرادُ بحسب السِّياق، وهنا ذُكر الآلُ والأصحابُ، فنفسِّرُ الآلُ بأنهم المؤمنون من قرابته؛ مثل:

عليِّ بن أبي طالب، وفاطمة، وابن عبَّاس، وحمزة، والعبَّاس، وغيرهم.

أمَّا الصَحْب، فهو اسم جمعِ صاحبٍ، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كُلُّ من اجتمع به مؤمناً به، ومات على ذلك، ولو لم يَرَهُ ولو لم تَطُل الصُّحبةُ.

وهذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم، أما غيرُه من النَّاس فلا يكون صاحباً له إلا من لازمه مُدَّةً يَستحِقُّ بها أن ينطبق عليه وصفُ صاحب.

قوله: (أما بعد) هذه كلمة يُؤتى بها عند الدُّخول في الموضوع الذي يُقْصَدُ. ومعناها مهما يكن من شيءٍ بعد.

 

فإن الباعث لكتابة هذه الرسالة هو النصح والتذكير، بفريضة الزكاة

الشرح:

قوله:(فإن الباعث لكتابة هذه الرسالة هو النصح والتذكير)

بيَّن المؤلف رحمه الله سبب تأليف هذه الرسالة، وهما النصح والتذكير بفريضة الزكاة. و”النصح”: كلمة جامعة يراد بها إرادة الخير للمنصوح. و”التذكير”: المراد به الوعظ الذي يُقَوِّمُ الأَخلاقَ وَالأَعمال.

قوله:(بفريضة الزكاة) أي هذا النصح والتذكير لبيان فريضة الزكاة ومجمل أحكامها.

والزكاة لغة: النماء والزيادة.

واصطلاحًا: التعبد لله بإخراج حق واجب في مال مخصوص في زمن مخصوص لطائفة مخصوصة.

 

التي تساهل بها الكثير من المسلمين فلم يخرجوها على الوجه المشروع، مع عظم شأنها وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم بناؤه إلا عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) متفق على صحته.

الشرح:

قوله:(التي تساهل بها الكثير من المسلمين فلم يخرجوها على الوجه المشروع)

فالكثير من المسلمين ممن أفاء الله عليهم بالمال يتساهلون في أداء زكاتهم، فربما بعضهم يؤخرها عن حولها، أو يخرج بعضها ويترك الآخر، أو يخرج بعضهم بعض الأموال بنية الزكاة أو الصدقة من غير حصر لأمواله الزكوية، بما لا يساوي إلا قليلاً من زكاته الواجبة، فهؤلاء لم يخرجوها على الوجه المشروع.

قوله:(مع عظم شأنها وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم بناؤه إلا عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)([3]) متفق على صحته.

فالزكاة شأنها عظيم في الإسلام، وهي ثالث أركان الإسلام بعد الشهادتين، ومعنى أنها ركن من أركان الإسلام أي لا يستقيم بناء الإسلام إلا عليها كما ذكر ذلك الشيخ رحمه الله. 

ولذلك لا يحل لمسلم أن يتهاون في أمرها، أو يتكاسل في أدائها إلى أهلها، لما في ذلك من الوعيد الشديد، قال الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[آل عمران:180].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34، 35].

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا {لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ})([4]).

وعنه أيضاً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ). قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ، قَالَ: (وَلاَ صَاحِبُ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لاَ يَفْقِدُ مِنَهَا فَصِيلاً وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ). قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، قَالَ: (وَلاَ صَاحِبُ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ وَلاَ عَضْبَاءُ تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ)([5]).

 

وفرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام ورعايته لشئون معتنقيه، لكثرة فوائدها، ومسيس حاجة فقراء المسلمين إليها.

فمن فوائدها: تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير، لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.

الشرح:

قوله (وفرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام ورعايته لشئون معتنقيه، لكثرة فوائدها، ومسيس حاجة فقراء المسلمين إليها)

وهذا بين وواضح؛ فمن تأمل فرض الزكاة على المسلمين ظهر له محاسن هذا الدين لأن الله سبحانه وتعالى جعلها واجبة على الغني للفقير، وبها يكون المسلم مراعياً لأخوة الإسلام.

ونص هنا على الفقير مع أنه أحد أصناف من تخرج إليهم الزكاة لأن الفقراء هم أظهر الأصناف حاجة للزكاة.

قوله:(فمن فوائدها: تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير)

الأواصر: من الوصر وهو العهد، كما في قوله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي}[آل عمران:81]، أي عهدي. والمعنى أن أداء الزكاة يكون سبباً لتثبيت المحبة ودوامها بين المسلمين. والمودة هي خالص المحبة.

قوله:(لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها)

أي لأن النفوس مفطورةٌ على حبِّ من أحسن إليها وهذا مشاهد، فإن من أحسن ما يقوي أواصر المحبة بين المسلمين ويزيدها الإحسان إلى الفقراء.

وهنا تنبيه لابد من الإشارة إليه: وهو أنه لا ينبغي لمن أخرج الزكاة أن ينتظر الثناء والشكر ممن أعطاه من زكاته، بل ينفقها طيبةً بها نفسه لا ينتظر من أحد جزاءً ولا شكوراً، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:9].

 

ومنها: تطهير النفس وتزكيتها، والبعد بها عن خلق الشح والبخل، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}[التوبة : 103]

الشرح:

قوله:(ومنها: تطهير النفس وتزكيتها، والبعد بها عن خلق الشح والبخل، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}[التوبة:103].

أي ومن فوائد إخراج الزكاة أنها تطهر النفس عن الأدناس والنقائص والرذائل وكل ما يشين ويعيب.

ومعنى تطهير النفس أي: تهذيب النفس وتربيتها، وذلك بتنزيهها عن الأدناس والأرجاس، وتخليصها من أدرانها وانتشالها من أوحال الشهوات وعتقها من أغلال الهوى، وإبعادها عن سبل الشيطان، ووضعها على الصراط المستقيم، ولا يحصل ذلك إلا بالمواظبة على الطاعات والإتيان بالواجبات والمندوبات، وفعل الخيرات والصالحات. والفرار من المحرمات والمكروهات والوقوف عند الشبهات، لأن مَن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

والتزكية في اللغة: مصدر زكَّى الشيء يزكيه، ولها معنيان:

المعنى الأول: التطهير، يقال زكَّيت هذا الثـوب أي طهرتـه، ومنه الزكاء أي الطهارة.

والمعنى الثاني: هو الزيادة، يقال: زكى المال، يزكو إذا نمى. ومنه الزكاة لأنها تزكية للمال وزيادة له([6]).

وعلى أساس المعنى اللغوي جاء المعنى الاصطلاحي لتزكية النفوس.

فتزكية النفس شاملة لأمرين:

أ – تطهيرها من الأدران والأوساخ.

ب – تنميتها بزيادتها بالأوصاف الحميدة.

وعلى هذا المعنى جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:15]، وقال سبحانه:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس:7-10].

يقول ابن كثير رحمه الله في هذه الآيات: يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه، أي بطاعة الله كما قال قتادة، وطهرها من الرذائل والأخلاق الدنيئة، كقوله تعالى: “قد أفلح من تزكى”، “وقد خاب من دساها” أي دسسها وأخملها ووضع منها بخذلانه إيّاها عن الهدى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل، ويحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى الله نفسه وقد خاب من دسى الله نفسه([7]).

 

ومنها: تعويد المسلم صفة الجود والكرم والعطف على ذي الحاجة.

ومنها: استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله، كما قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ: 39].

الشرح:

قوله:(ومنها: تعويد المسلم صفة الجود والكرم والعطف على ذي الحاجة)

الشرح: أي ومن فوائد الزكاة أن مؤديها على الوجه المطلوب شرعاً تصير صفة الكرم والجود والعطف عادةً وسلوكًا فيه.

والجود: صفة تحمل صاحبها على بذل ما ينبغي من الخير لِغَيْر عِوَض، يقال: فلان عُرِفَ بِجُودِهِ: أي بِسَخَائِهِ، وبِكَرَمِهِ.

فائدة: الفرق بين الجُود والكَرَم:

الجَوَاد: هو الذي يعطي مع السُّؤال.

والكريم: الذي يعطي مِن غير سؤال.

وقيل بالعكس.

وقيل: الجُود: إفادة ما ينبغي لا لغرض.

والكَرَم: إيثار الغير بالخير.

قوله:(ومنها: استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله، كما قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ:39]).

أي ومن فوائد الزكاة أنها تنمي المال وتجلب له البركة.

ومعنى البركة: النماء والزيادة، وكثرة الخير ودوامه.

وقوله:(والزيادة والخلف من الله)، أي ومن فضائل الزكاة مباركتها للمال، وإخلاف الله على صاحبها بما هو أنفع له وأكثر وأطيب، وقد وعد سبحانه في كتابه بالإخلاف على من أنفق – والله لا يخلف الميعاد- قال تعالى:{وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ:39]، أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فإنه يخلفه عليكم في الدنيا بالبدَل، وفي الآخرة بحسن الجزاء والثواب، فأكد هذا الوعد بثلاث مؤكدات تدل على مزيد العناية بتحقيقه، ثم أتبع ذلك بقوله:{وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} لبيان أن ما يُخْلِفه على العبد أفضل مما ينفقه.

 

وقول النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: ” يقول الله عز وجل: (أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة..)

الشرح:

قوله:(وقول النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: “يقول الله عز وجل:” أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)([8]).إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة)

هذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي تحث على الصدقة والبذل والإنفاق في سبيل الله، وأنها من أعظم أسباب البركة في الرزق ومضاعفته، وإخلاف الله على العبد ما أنفقه في سبيله.

وقوله في الحديث (أنفق) لم يعين المنفق منه فيعم جميع الأموال وغيرها فيدخل في ذلك المال والجاه وبذل المعروف من كل ما يقدر عليه العبد.

 

وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة : 34، 35].

الشرح:

قوله:(وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34، 35].

بعد أن بين رحمه الله الفوائد التي ينالها المسلم من أداء هذه الفريضة العظيمة انتقل إلى بيان ما أعده الله تعالى من الوعيد الشديد والعقوبة لمن (بخل بها) أي تركها بالكلية (أو قصر في إخراجها) وذلك

بأن ينقص من القدر المفروض عليه إخراجه أو أن يؤخرها عن وقتها المحدد. فهذا قد توعدهم الله تعالى في هذه الآية.

ومعنى الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}، أي: يمسكونها {وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، أي: طرق الخير الموصلة إلى الله، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت. {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، ثم فسره بقوله: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا}، أي: على أموالهم، {فِي نَارِ جَهَنَّمَ} فيحمى كل دينار أو درهم على حدته.

{فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقال لهم توبيخًا ولومًا: {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}، فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز.

وذكر الله في هاتين الآيتين، انحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين:

إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعًا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله، وإخراجها للصد عن سبيل الله. وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، و”النهي عن الشيء، أمر بضده”.

قال البيضاوي: قوله تعالى: “{فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ}، لأن جمعهم وإمساكهم إياه كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية، أو لأنهم ازوروا عن السائل وأعرضوا عنه وولوه ظهورهم، أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة فإنها المشتملة على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد، أو لأنها أصول الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه”([9]).

 

فكل مال لا تُؤدَّى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة

الشرح:

قوله:(فكل مال لا تُؤدَّى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة)

كَنز المال الذي ذمَّه الشارع هو الذي لا تؤدَّى زكاته، فأمَّا ما أُدِّيت زكاته فليس بكَنز، سواء كان مدفونًا أم بارزًا، وبه قال جمهورُ الفقهاء، وأكثر أهل العلم، وعن خالد بن أسلم قال: “خرجْنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابيٌّ: أخبرني قول الله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: 34]، قال ابن عمر رضي الله عنهما: “مَن كَنَزَها فلم يؤدِّ زكاتها فويلٌ له”، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزَّكاة؛ فلمَّا أنزلت جعلها الله طهرًا للأموال”([10]).

 

كما دلَّ على ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ). ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤٌدي زكاتها، وأخبر أنه يعذب بها يوم القيامة.

الشرح:

قوله (كما دل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ”. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤٌدي زكاتها، وأخبر أنه يعذب بها يوم القيامة).

هذا الحديث الذي أورده المؤلف رحمه الله في باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وهو حديث أبي هريرة وقد سبق ذكره. فالذهب والفضة تجب الزكاة في أعيانهما في كل حال، سواء أعدها الإنسان للنفقة أو للزواج أو لشراء بيت يحتاج إلى سكناه أو شراء سيارة يحتاج إلى ركوبها أو ادخرهما ليستكثر بهما المال أو غير ذلك ففيهما الزكاة تجب على كل حال.

لكن لابد من بلوغ النصاب كما سيأتي .فإن لم يفعل فجزاؤه ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ” قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: “وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ)([11]) -نسأل الله العافية-.

وعلى هذا يكون هذا الحديث كالتفسير لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].

وهذا جزاء من لا يؤدي الزكاة من الذهب أو الفضة وما قام مقام الذهب والفضة بالنقدية فله حكمه، وعلى هذا فمن عنده أوراق تساوي هذا المبلغ من الذهب والفضة، فعليه أن يزكي عنها ومعاملة الناس الآن في غالب الدول كلها بالأوراق النقدية.

 

وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[آل عمران : 180]).

الشرح:

قوله:(وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[آل عمران:180]).

هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، وقد سبق ذكره.

وقوله:(مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ) أي صُوِّرَ، أو ضمن مثل معنى التصيير، أي صير ماله على صورة شجاع، والمراد بالمال: الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية.

والمراد بالشجاع: الحيَّة الذكر.

وقيل: الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس، والأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط لكثرة سمه. وسمي أقرع، لأن شعر رأسه يتمعط لجمعه السم فيه.

وقوله:(لَهُ زَبِيبَتَانِ) قيل: هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وقيل: نقطتان يكتنفان فيه، وقيل: لحمتان على رأسه مثل القرنين، وقيل: نابان يخرجان من فيه.

قوله:(يُطَوَّقُهُ)، أي يصير له ذلك الثعبان طوقًا. والمراد بالتطويق في الآية الحقيقة، خلافًا لمن قال: إن معناه سيطوقون الإثم.

قوله:(بِلِهْزِمَتَيْهِ) وهما العظمان الناتئان في اللحيين تحت الأذنين.

وفي الجامع: هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان.

قوله:(ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ) وفائدة هذا القول الحسرة والزيادة في التعذيب حيث لا ينفعه الندم، وفيه نوع من التهكم.

ومعنى الحديث: أن ماله يتبعه فيقول: (أنا كنزك الذي تركته بعدك، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيمضغها ثم يتبعه سائر جسده).

قوله: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية.

مسألة: في حكم مانع الزكاة:

لا يخلو مانع الزكاة من أمرين:

الأول: أن يمنعها إنكارًا لها ولفرضيتها، فهذا إن كان ممن يعيش بين المسلمين ناشئًا ببلاد الإسلام فيحكم بكفره وردته وتجري عليه أحكام المرتدين، أما إن كان جاهلاً ومثله يجهله لكونه حديث عهد بالإسلام، أو لأنه نشأ بمكان بعيد عن الإسلام والمسلمين فإنه لا يكفر لأنه معذور، بل يعرف وجوبها وأنها من شعائر الإسلام الواجبة.

الثاني: أن يمنع الزكاة بخلا أو تأولا مع إقراره بوجوبها فجمهور أهل العلم على أنه لا يكفر، فإن مات في قتاله عليها ورثه المسلمون من أقاربه وصلي عليه([12]). وفي رواية للإمام أحمد أنه يحكم بكفره ولا يورث ولا يصلى عليه([13]).

لكن القول الأول هو الراجح أنه لا يكفر، بل يكون فاسقًا. دليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ..).

مسألة: في شروط الزكاة:

تجب الزكاة بشروط خمسة هي:

1 ـ الحرية: فلا تجب الزكاة على رقيق، أي: على عبد؛ لأنه لا يملك، فالمال الذي بيده لسيده. ودليل ذلك: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع)([14]).

2 ـ الإسلام: فلا تجب على كافر، سواء أكان مرتداً أم أصلياً؛ لأن الزكاة طهرة، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة:103]،

والكافر نجس، فلو أنفق ملء الأرض ذهباً لم يطهر حتى يتوب من كفره.

3 ـ ملك نصاب: والنصاب هو القدر الذي رتَّب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه، وهو يختلف، فلا بد أن يملك نصاباً، فلو لم يملك شيئاً كالفقير فلا شيء عليه، ولو ملك ما هو دون النصاب فلا شيء عليه.

4 ـ استقراره: أي استقرار الملك. ومعنى كونه مستقراً: أي أن ملكه تام، فليس المال عرضة للسقوط، فإن كان عرضة للسقوط، فلا زكاة فيه.

مثال ذلك: (أجرة البيت) قبل تمام المدة فإنها ليست مستقرة؛ لأنه من الجائز أن ينهدم البيت، وتنفسخ الإجارة.

ومثل ذلك أيضاً حصة المضارَب، وهو العامل من الربح فلا زكاة فيها. فإذا أعطيت شخصاً مائة ألف ليتجر بها فربحت عشرة آلاف؛ للمالك النصف وللمضارب النصف خمسة آلاف، فلا زكاة في حصة المضارب لأنها عرضة للتلف، إذ هي وقاية لرأس المال، إذ لو خسر المال لا شيء له، وحصة المالك من الربح، فيها الزكاة لأنها تابعة لأصل مستقر، فمال رب المال فيه الزكاة وكذا نصيبه من الربح؛ لأن نصيبه تابع لأصل مستقر.

5 ـ تمام الحول: لقول النبي صلى الله عليه وسلم 🙁لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)([15]).

لكن يستثنى من ذلك ما يأتي:

أولاً: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، فلا يشترط لها الحول، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:141]، فأمر الله تعالى عباده أن يعطوا زكاة الحبوب والثمار عند اجتنائها حيث يتوفر الشيء في أيديهم، ويسهل عليهم إخراجه قبل وصوله إلى المخازن، ولهذا يزرع الإنسان الأرض ويكتمل الزرع في أربعة أو ستة شهور وتجب فيه الزكاة.

ثانياً: ما تنتجه السائمة من بهيمة الأنعام. أي: أولادها، فلا يشترط له تمام الحول، ولكنه يتبع الأصل.

ثالثاً: ربح التجارة؛ فلا يشترط له تمام الحول؛ لأن المسلمين يخرجون زكاتها دون أن يحذفوا ربح التجارة، ولأن الربح فرع، والفرع يتبع الأصل.

رابعاً: الركاز؛ وهو ما يوجد من دفن الجاهلية، فهذا فيه الخمس بمجرد وجوده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس)([16]). ولم يقل: بعد الحول.

خامساً: المعدن؛ لأنه أشبه بالثمار من غيرها، فلو أن إنساناً عثر على معدن ذهب أو فضة واستخرج منه نصاباً فيجب أداء زكاته فوراً قبل تمام الحول.

سادساً: العسل؛ على القول بوجوب الزكاة فيه.

سابعاً: الأجرة؛ على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فتخرج الزكاة عنده بمجرد قبضها؛ لأنها كالثمرة.

6 – النماء: والمقصود به أن يكون المال من شأنه أن يدر على صاحبه ربحا وفائدة، والنماء يتحقق في السوائم بالدر والنسل وفي الأموال المعدة للتجارة والأرض الزراعية العشرية وسائر الأموال التي تجب فيها الزكاة.

وبهذا الشرط خرجت أشياء، منها: أثاث المنزل والعقارات، وكذا الأموال التي ادخرت للحاجات الأصلية كالطعام المدخر، وأدوات الحرفة، وما استعمله الصانع في صنعته التي تدر عليه بما يكفيه وما ينفق منه ودواب الركوب ودور السكنى.

 

والزكاة تجب في أربعة أصناف: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار.

الشرح:

قوله:(والزكاة تجب في أربعة أصناف: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار)

شرع المؤلف رحمه الله في بيان بعض الأحكام الشرعية بما يخص فقه الزكاة.

والزكاة في اللغة: لفظة مشتركة بين الطهارة، والمدح، والنماء، والبركة، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:9]، أي طهرها من الآثام، وقال تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم:32]، أي تمدحوها، ويقال: زكا الزرع يزكو إذا نمى وزاد، ويقال: زكت النبتة إذا بورك فيها.

وفي الاصطلاح: هي التعبد لله عز وجل بإخراج حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص لتحقيق رضا الله تعالى وتزكية النفس، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103].

ثم ذكر المؤلف أنها إنما تجب في أربعة أصناف، وذكر الصنف الأول منها وهو الخارج من الأرض من الحبوب والثمار.

والأصل في وجوب زكاة الحبوب والثمار، قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267]. و”من” هنا للتبعيض باعتبار الجنس، وباعتبار الفرد، أي: لا كل المخرج، ولا كل ما يخرج.

ومن الأدلة أيضاً على وجوب الزكاة في الخارج من الأرض قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:141].

ومن السُّنة قوله صلى الله عليه وسلم:(فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ)([17]).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ)([18]).

فهذه النصوص تدل على وجوب الزكاة فيما يخرج من الأرض، لكن لا كل شيءٍ، ولا كل نوع؛ بل هو مخصوص نوعاً، ومقدرٌ كمًّا.

والخارج من الأرض نوعان:

أحدهما: النبات، فتجب الزكاة منه في كل حب وثمر، يكال ويدخر أي تجب الزكاة في الحبوب والثمار، لكن بشرط أن تكون مما يكال ويدخر، فإذا كانت هذه الحبوب مما لا يكال ولا يدخر فلا زكاة فيها ولو كان مما يؤكل كالفواكه والخضروات.

مسألة: هل يشترط كون المكيل والمدخر قوتًا؟

المشهور من مذهب الحنابلة([19]). أنه لا يشترط كونه قوتًا، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين([20]).، والجمهور يشترطون كونه قوتًا وهو الصحيح([21]).

وعلى ذلك نقول: ما تجب فيه الزكاة من الزروع والثمار أن يكون قوتًا مكيلا مدخرًا. ولا عبرة بوسائل الادخار الصناعي الحالية مما يضاف إلى بعض الثمار، أو بواسطة آلات التبريد الحديثة، فهذه لا يتحقق بها شرط الادخار، بل لابد أن يكون الادخار مما جرت به العادة عند الناس مما يدخرون به.

الثاني: المعادن:

كالذهب والفضة والحديد والنحاس، وكذا النفط والقار والفحم وغيرها، هذا كله قد يكون مخلوقًا في الأرض بفعل الله تعالى؛ كالنفط والقار والفحم وغير ذلك مما ذكرنا، وقد يكون مما وضعه فيها الآدميون كالكنوز التي يضعها أهلها في الأرض ثم يبيدون وتبقى فيها. فمن استخرج من معدن نصابًا من الذهب أو الفضة ففيه الزكاة وهي ربع العشر.

وإن كان الخارج من الأرض غير الذهب والفضة، كأن يكون جوهرًا أو كحلا أو نحاسًا، وكانت قيمته فيها نصاب الذهب أو الفضة بعد السبك والتصفية ففيه ربع العشر.

مسألة: هل في الزيتون زكاة؟

اختلف الفقهاء في ذلك: فالجمهور على أن فيه الزكاة لأنه يمكن ادخار غلته كالتمر والزبيب([22]).

والصحيح أنه ليس فيه زكاة في أصح قولي الفقهاء؛ لأنه من الخضروات والفواكه، وليس مدخرا، وليس قوتًا، وهذا ما رجحه سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله([23]).

 

(والسائمة من بهيمة الأنعام)

الشرح:

قوله:(والسائمة من بهيمة الأنعام)

هذا هو الصنف الثاني مما تجب فيه الزكاة، دليل ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في الكتاب الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه، وفيه: “هذه فريضة الصدقة التي فرضها النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين”([24]) الحديث.

وقوله “السائمة” أي: التي ترعى المباح الحول أو أكثره، والمباح هنا هو ما نبت بفعل الله عزّ وجل ليس بفعلنا، أما ما نزرعه نحن ونرعاه، فهذا لا يجعلها سائمة، كما لو كان عند الإنسان أمكنة واسعة يزرعها ثم جعل سائمته ترعى هذه الأمكنة الواسعة، فهذه لا تعد سائمة.

والدليل على اشتراط السوم، حديث أنس بن مالك في الكتاب الذي كتبه أبو بكر في الصدقات “وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ “([25])..

ويشترط كذلك أن تكون معدة للدر والنسل؛ ليخرج بذلك المعدة للتجارة.

وقوله: “من بهيمة الأنعام” هي: الإبل، والبقر، والغنم، قال الله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ}[المائدة:1].

وسميت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم، وهي مأخوذة من الإبهام، وهو الإخفاء وعدم الإيضاح، ولكنها تتكلم فيما بينها كلاماً معروفاً، ولهذا تحن الإبل إلى أولادها فتأتي الأولاد، وتنهرها فتنتهر، وكذلك بقية الحيوان، قال موسى عليه السلام لما سأله فرعون:{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49]، قال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]، أي: أعطاه خلقه اللائق به، ثم هداه لمصالحه، ولهذا يهتدي كل ما خلقه الله عزّ وجل لمصالحه فيأكل ما يليق به ويشرب ما يليق به، فكل شيء بحسبه.

وبهيمة الأنعام ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم.

والإبل: سواء كانت عراباً، أو بخاتي، وهي التي لها سنامان، وهي معروفة في القارة الآسيوية.

وأما البقر أيضاً: فتشمل البقر المعتادة، والجواميس.

والغنم: تشمل الماعز والضأن، ولا يدخل فيها الظباء؛ لأن الظباء ليست من أصل الغنم، فلا تدخل في زكاة السائمة.

مسألة: اعلم أن بهيمة الأنعام تتخذ على أقسام:

القسم الأول: أن تكون عروض تجارة، فهذه تزكى زكاة العروض.

القسم الثاني: السائمة، المعدة للدر والنسل كما سبق بيانه.

القسم الثالث: المعلوفة المتخذة للدر والنسل، وهي التي يشتري لها صاحبها العلف، أو يحصده، أو يحشه لها، فهذه ليس فيها زكاة إطلاقاً، ولو بلغت ما بلغت؛ لأنها ليست من عروض التجارة، ولا من السوائم.

القسم الرابع: العوامل، وهي: الإبل التي عند شخص يؤجرها للحمل فهذه ليس فيها زكاة، وإنما الزكاة فيما يحصل من أجرتها إذا تم عليها الحول.

 

(والذهب والفضة، وعروض التجارة)

الشرح:

قوله:(والذهب والفضة)

هذا هو الصنف الثالث من أصناف ما تجب فيه الزكاة وهو الذهب والفضة، وهكذا ما يقوم مقامهما من الأثمان الأخرى كالأوراق النقدية من الريالات والدولارات والجنيهات والدنانير وغيرها.

أما عن نصاب الذهب والفضة وكيفية إخراج زكاتهما فسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.

قوله:(وعروض التجارة)

هذا هو الصنف الرابع من أصناف ما تجب فيه الزكاة وهو عروض التجارة.

والعروض: جمعُ عَرَضٍ، أو عَرْض بإسكان الراء، وهو المال المعد للتجارة وسمي بذلك؛ لأنه لا يستقر، يعرض، ثم يزول، فإن المتَّجِرَ لا يريد هذه السلعة بعينها، وإنما يريد ربحها؛ لهذا أوجبنا زكاتها في قيمتها لا في عينها.

فالعروض إذاً: كل ما أعد للتجارة من أي نوع، ومن أي صنف كان. وهو أعم أموال الزكاة وأشملها؛ إذ إنه يدخل في العقارات، وفي الأقمشة، وفي الأواني، وفي الحيوان، وفي كل شيء.

والزكاة واجبة في عروض التجارة عند أكثر أهل العلم، وهو القول الصحيح المتعين، والدليل على ذلك دخولها في عموم قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: (فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)([26])، فقال: “في أموالهم”، ولا شك أن عروض التجارة مال.

ويشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة ما يأتي:

الأول: أن يملكها بفعله، أي: باختياره، وشمل هذا التعبير ما إذا ملكها بمعاوضة كالشراء، أو غير معاوضة كالاتهاب وقبول الهدية، وما أشبهه، والمعنى: دخلت في ملكه باختياره.

الثاني: أن يملكها بنية التجارة وذلك بأن تكون نية التجارة مقارنة للتملك، فخرج بذلك ما لو ملكها بغير نية التجارة ثم نواها بعد ذلك فإنها لا تكون عروض تجارة على المشهور من المذهب.

الشرط الثالث: أن تبلغ قيمتُها نصاباً.

 

(ولكل من الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه..)

الشرح:

قوله: (ولكل من الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه)

أي أنه يشترط لكل من هذه الأصناف التي ذكرت وهي (الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، والسائمة من بهيمة الأنعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة).

بلوغ النصاب: وهو القدر الذي رتب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه، فلو لم يملك شيئاً كالفقير فلا شيء عليه، ولو ملك ما هو دون النصاب فلا شيء عليه.

ودليل اشتراط ملك النصاب قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة)([27])، وقال في الغنم:(إذا بلغت أربعين شاةً شاةٌ)([28]).

وغير ذلك من الأدلة، ولأن ما دون النصاب لا يحتمل المواساة.

 

(فنصاب الحبوب والثمار: خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مقدار النصاب بصاع النبي صلى الله عليه وسلم من التمر والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها: ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخلقة إذا كانت يداه مملوءتين)

الشرح:

قوله: (فنصاب الحبوب والثمار: خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مقدار النصاب بصاع النبي صلى الله عليه وسلم من التمر والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها: ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخلقة إذا كانت يداه مملوءتين)

ذكر المؤلف نصاب الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، فذكر أن نصابها خمسة أوسق فأكثر، فلا يجب فيما دون خمسة أوسق زكاة، وهذا منطوق النص الصحيح الصريح الذي لا يحتمل غير هذا. وما ذهب إليه بعض أهل العلم في وجوب الزكاة في القليل والكثير الخارج من الأرض فهو مرجوح، إذ هو خلاف ما دلَّت عليه النصوص الصحيحة الصريحة.

وبين المؤلف رحمه الله قدر الوسق وهو ستون صاعاً.

لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ)([29]).

والوسق: ستون صاعًا بالإجماع، والصاع أربعة أمداد، وهو يساوي بالكيلو جرام كيلوين وربع (25و2) على الصحيح.

ومنهم من يرى أن الصاع ثلاثة كيلو جرامات، وقد قمت بوزن ذلك بنفسي بالبر الجيد فتبين لي أنه كيلوان وربع.

فإذا أردنا أن نعرف النصاب نضرب خمسة أوسق في ستين صاعًا يساوي ثلاثمائة صاع (5 × 60 = 300)، ثم نضرب ثلاثمائة صاع بكيلوين وربع يساوى ستمائة وخمسة وسبعين كيلو جرام (300× 25و2 = 675 كيلو جراماً)، وهذا هو نصاب الحبوب والثمار على الراجح.

 

(والواجب في ذلك العشر إذا كانت النخيل والزروع تسقى بلا كلفة، كالأمطار، والأنهار، والعيون الجارية، ونحو ذلك. أما إذا كانت تسقى بمؤونة وكلفة، كالسواني والمكائن الرافعة للماء ونحو ذلك، فإن الواجب فيها نصف العشر، كما صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)

الشرح:

قوله:(والواجب في ذلك العشر إذا كانت النخيل والزروع تسقى بلا كلفة، كالأمطار، والأنهار، والعيون الجارية، ونحو ذلك. أما إذا كانت تسقى بمؤونة وكلفة، كالسواني والمكائن الرافعة للماء ونحو ذلك، فإن الواجب فيها نصف العشر، كما صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)

هذا هو القدر الواجب إخراجه في زكاة الحبوب والثمار وهو العشر فيما سقي بلا كلفة، كالأمطار، والأنهار، والعيون الجارية، ونحو ذلك، ونصف العشر فيما سقي بكلفة، كالدوالي والنواضح أو ما يسقى به الآن من المكائن ونحوها من الآلات الحديثة كالغطاسات. دليل ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:(فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ)([30]).

وهنا لابد من ذكر بعض المسائل التي ينبغي التنبيه عليها:

المسألة الأولى: في وقت وجوب الزكاة:

وقت وجوب الزكاة، في الثمر إذا بدا صلاحه، وفي الحبِّ إذا اشتد، لأن بدُّو الصلاح واشتداد الحب بهما يحصل الاقتيات ويقصد الأكل فأشبه اليابس.

ويكون بدو الصلاح في الثمار بأن يحمر أو يصفر في النخيل، وفي العنب بأن يكون لينًا حلوًا، أمَّا في الحبِّ فيكون اشتداده بأن يقوى ويصبح شديدًا لا ينضغط بضغطه.

المسألة الثانية: لا يخرج الحب إلا مصفى، ولا الثمر إلا يابسًا: دليل ذلك ما ورد عن سعيد بن المسيب: “أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أمرَ عتَّابَ بنَ أسيدٍ، أن يَخرُصَ العنبَ، فتُؤدَّى زَكاتُهُ زَبيبًا، كما تُؤدَّى زَكاةُ النَّخلِ تَمرًا”([31]).

المسألة الثالثة: لا زكاة فيما يكسبه المسلم من مباح الحب والثمر، ولا في اللقاط، وهو الذي يتتبع المزارع فيلتقط المتساقط من الزرع بعد الحصاد، ولا ما يأخذه أجرة لحصاده لأنه حين وجوب الزكاة لم يكن في ملكه.

المسألة الرابعة: لا يضم صنف من الحب والثمر إلى غيره في تكميل النصاب، فإن كان عنده مزرعة نصفها بر والنصف الآخر شعير، فهنا لا يضم هذا إلى هذا؛ لأن الجنس يختلف، فكما لا يضم البقر إلى الإبل أو الغنم لاختلاف الأجناس فكذلك هنا لا يضم هذا إلى هذا.

فإن كان صنفًا واحدًا، مختلف الأنواع، كالتمور، ففيه الزكاة مثل أن يكون عنده تمرٌ برحي وسكري وغيرها فإنه يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فالأنواع يضم بعضها إلى بعض دون الأجناس، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الزكاة في التمر مطلقًا، ومعلوم أن التمر يشمل أنواعًا كثيرة، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بتمييز نوع عن آخر.

لكن كيف نزكيه هنا؟

الجواب: يخرج من كل نوع زكاته فيخرج عن التمر السكري سكريًّا، والبرحي برحيًّا، وهكذا في جميع الأجناس سواء كان في التمر أو البر وغيره. فإن شق عليه ذلك فيقوِّم كل نوع ثم يخرج من متوسط ذلك.

المسألة الخامسة: أنواع الزروع والثمار التي تجب فيها الزكاة:

اختلف أهل العلم في الأصناف التي تجب فيها الزكاة وسبب اختلافهم راجع إلى تعلق الزكاة هل هي متعلقة بالعين أم هي متعلقة بالعلة؟

وعلى أية حال فالعلماء متفقون على وجوب الزكاة في أصناف أربعة هي: الحنطة، والشعير، والزبيب، والتمر، وما عداها فهو محل خلاف.

فمن أهل العلم من لا يوجبها في غير هذه الأصناف الأربعة، والجمهور على وجوبها في غيرها.

ولكنهم مختلفون في العلة؛ هل هي الاقتيات والادخار أم هي الكيل أم تجب في كل الزروع والثمار؟.

والذي يظهر لي تعليقها بعلة الاقتيات والادخار لأنه الوصف الملائم لهذه المطعومات كما سبق الإشارة إلى ذلك.

 

(وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم: ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل العلم عن ذلك، ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة)

الشرح:

قوله:(وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم: ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل العلم عن ذلك، ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة)

بدأ المؤلف رحمه الله في بيان نصاب الصنف الثالث مما تجب فيه الزكاة وهو بهيمة الأنعام، وقد سبق بيان معنى السوم في بهيمة الأنعام ودليل كونه شرطاً فيما تجب فيه الزكاة من بهيمة الأنعام.

ولم يذكر المؤلف هنا قدر النصاب في بهيمة الأنعام وعلل لذلك بأنه من أجل الإيجاز.

لكننا سنذكر طرفاً من الأحكام المتعلقة بهذا الصنف مما تجب فيه الزكاة فنقول وبالله التوفيق:

أولاً: شروط زكاة الماشية:

1- أن تبلغ النصاب فنصاب الإبل خمس، والغنم أربعون شاة، والبقر ثلاثون بقرة، وما دون ذلك فلا زكاة فيها.

2- أن يحول عليها الحول عند مالكها.

3- أن تكون الأنعام سائمة، والمراد بها التي ترعى أكثر العام.

4- أن لا تكون عاملة، وهي التي يستخدمها صاحبها في حرث وغيره.

ثانياً: بيان نصاب بهيمة الأنعام والقدر الواجب إخراجه منها:

جدول ببيان زكاة الإبل:

الواجِبُ في الإبِلِ مِنَ الزَّكاةِ

العدد الزَّكاة الواجبة
من 1 إلى 4 ليس فيها شيء
من 5 إلى 9 فيها شاة
من 10 إلى 14 فيها شاتان
من 15 إلى 19 فيها 3 شياه
من 20 إلى 24 فيها 4 شياه
من 25 إلى 35 فيها بنت مخاض
من 36 إلى 45 فيها بنت لَبُون
من 46 إلى 60 فيها حِقَّة
من 61 إلى 75 فيها جذعة
من 76 إلى 90 فيها بنتا لَبُون
من 91 إلى 120 فيها حِقَّتان
من 121 إلى 129 فيها 3 بنات لَبُون
من 130 إلى 139 فيها حِقَّة وبنتا لَبُون
من 140 إلى 149 فيها حِقَّتان وبنت لَبُون
من 150 إلى 159 فيها 3 حقاق
من 160 إلى 169 فيها 4 بنات لَبُون
وهكذا في كلِّ أربعين بنت لَبُون، وفي كل خمسين حِقَّة

 

 الواجِبُ في البقر من الزَّكاة 

العدد الزَّكاة الواجبة
من 1 إلى 29 لا شيء فيها
من 30 إلى 39 فيها تَبيع أو تبيعة
من 40 إلى 59 فيها مُسنَّة
من 60 إلى 69 فيها تَبيعان أو تبيعتان
من 70 إلى 79 فيها تبيع ومُسنَّة
من 80 إلى 89 فيها مسنَّتان
من 90 إلى 99 فيها 3 أتبعة
من 100 إلى 109 فيها تبيعان ومسنَّة
من 110 إلى 119 فيها مسنَّتان وتبيعة
من 120 إلى 129 فيها 4 أتبعة أو 3 مسنَّات
وهكذا في كلِّ ثلاثين تَبيع أو تَبيعة، وفي كلِّ أربعين مسنَّة

الواجِبُ في الغَنَم من الزَّكاة

العدد الزَّكاة الواجبة
من 1 إلى 39 لا شيء فيها
من 40 إلى 120 فيها شاة
من 121 إلى 200 فيها شاتان
من 201 إلى 399 فيها ثلاث شياه
من 400 إلى 499 فيها أربع شياه
من 500 إلى 599 فيها خمس شياه
وهكذا في كلِّ مئة شاةٌ

 

ثالثاً: من وجب عليه نوع من الأنواع التي هي بنت مخاض أو بنت لبون أو حقَّة أو جذعة ولم يجدها عنده، أخرج أدنى منها ومعها شاتان، أو عشرون درهمًا.

فمثلا إنسان وجبت عليه زكاة الإبل، والواجب عليه أن يخرجها بنت لبون ولم تكن عنده، فهنا يخرج أدنى منها وهي بنت مخاض – إذا كانت عنده – ويخرج معها شاتين جبرًا للنقص، أو يخرج بدل الشاتين قيمتهما وهي عشرون درهمًا تقديرًا في جبران الزيادة والنقصان.

لكن هل العشرون درهمًا تقويم للشاتين أم هو تعيين بدلا من الشاتين؟

الجواب: اختلف الفقهاء في هذه المسألة: والراجح أنها تقويم للشاتين، فلا يكفي أن يعطيه عشرين درهمًا بدلا من الشاتين، بل عليه أن يحسب قيمة الشاتين ثم يعطيه هذه القيمة حسب الزمان والمكان والأسعار.

وإن شاء أخرج أعلى من الواجب وأخذ شاتين أو قيمتهما على الصحيح.

مثال ذلك: إنسان وجبت عليه حقَّة، فلم يجدها، وعنده جذعة، فهنا يجوز له أن يخرج الجذعة ويأخذ من عامل الزكاة شاتين أو قيمتهما؛ لأن الجذعة قيمتها أعلى من الحقَّة.

رابعاً: الذي يؤخذ في زكاة الإبل الإناث دون الذكور إلا ابن لبون إن عدم بنت مخاض بخلاف البقر في الثلاثين منها فتؤخذ منها الذكور مكان الإناث، فيخرج تبيعةً أو تبيعًا.

 

(وأما نصاب الفضة: فمائة وأربعون مثقالاً، ومقداره بالدراهم العربية السعودية: ستة وخمسون ريالاً. ونصاب الذهب: عشرون مثقالاً، ومقداره من الجنيهات السعودية: أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع الجنيه، وبالغرام اثنان وتسعون غراماً. والواجب فيهما ربع العشر على من ملك نصاباً منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول)

الشرح:

قوله:(وأما نصاب الفضة: فمائة وأربعون مثقالاً، ومقداره بالدراهم العربية السعودية: ستة وخمسون ريالاً. ونصاب الذهب: عشرون مثقالاً، ومقداره من الجنيهات السعودية: أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنيه، وبالغرام اثنان وتسعون غراماً. والواجب فيهما ربع العشر على من ملك نصاباً منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول)

هذا هو الصنف الرابع والأخير مما تجب فيه الزكاة، وهما الذهب والفضة. وقد ذكر المؤلف نصابهما فبيَّن أن نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً ونصاب الذهب عشرون مثقالاً.

فائدة: كيفية تحويل الدينار والدراهم إلى الجرامات:

تبين لنا أن وزن الدينار يعادل اثنتين وسبعين حبة شعير ـ احتياطاً. وهنا يسهل تحويل الدينار والدرهم إلى الجرامات وذلك عن طريق وزن حبات الشعير المحددة، وقد قمت بنفسي والحمد الله بوزن حبات الشعير مفردة ومجموعة في أكثر من مناسبة وفي أكثر من ميزان من موازين الصاغة وظهرت لي النتائج التالية:

وزن الدينار: يتراوح بين ثلاثة جرامات ونصف جرام وبين ثلاثة جرامات وثلاثة أرباع الجرام.

ووزن الدرهم: يتراوح بين جرامين وثلث جرام، وبين جرامين وثلاثة من عشرة من الجرام.

علمًا أن صفة حبات الشعير التي وزنتها أنها متوسطة مقطوعة الطرفين ما دقَّ وطال عليها قشرتها، كما ورد وصفها عند أهل العلم.

وبهذا يصبح نصاب الذهب بالجرامات: سبعين جرامًا، حاصل ضرب عشرين جراماً في ثلاثة جرامات ونصف (20 × 3.5 = 70 جراماً).

ونصاب الفضة: أربعمائة وستوناً جرامًا، حاصل ضرب مائتي درهم في جرامين وثلاثة من عشرة من الجرامات (200 × 2.3 =460 جراماً).

وبهذا يظهر أنني رجحت الأقل احتياطاً، لأنه أبرأ لذمة المسلم وأحفظ لحقوق الفقراء.

وعليه فمن ملك نصاباً من الذهب وهو سبعون جراماً وجب عليه فيه ربع العشر، وهو جرام وثلاثة أرباع الجرام، ومن ملك نصاباً من الفضة وهو أربعمائة وستون جراماً وجب عليه فيه ربع العشر، وهو أحد عشر جراماً ونصف جرام (11.5).

وهنا تنبيهان:

الأول: أن الذهب يضم إلى الفضة، وكذا يضم إليهما أو إلى أحدهما العملة المتداولة في كل بلد لأنها قائمة مقامهما فمن ملك أقل من سبعين جراماً من الذهب وعنده من الفضة أو عملة بلده ما يكمل سبعين جراماً وجبت عليه الزكاة لأن مجموع ما عنده يبلغ نصاباً، وهكذا الحال بالنسبة للفضة وسائر العملات الورقية.

الثاني: ذهب بعض أهل العلم إلى أن نصاب الذهب خمسةٌ وثمانونَ جرامًا (85 جرامًا)، ونصاب الفضة خمسمائة وتسعون جراماً (590) جراماً([32]). وهذا القول مرجوح في نظري لأمرين:

1ـ أن الأخذ بالأقل هو الأحوط لدين المسلم والأبرأ لذمته والأنفع لإخوانه الفقراء.

2ـ أن تقديرنا للدينار باثنتين وسبعين حبة والدرهم بخمسين حبة وخمسي حبة عليه عامة أهل العلم، وقد قمتُ بوزن اثنتين وسبعين حبة شعير كما سبق، فوزنت ثلاثة جرامات ونصف جرام.

ومن قال: إن النصاب في الذهب خمسة وثمانون جراماً وفي الفضة خمسمائة وتسعون جراماً قدر الدينار والدرهم بأكثر مما سبق.

 

(والربح تابع للأصل، فلا يحتاج إلى حول جديد، كما أن نتاج السائمة تابع لأصله فلا يحتاج إلى حول جديد إذا كان أصله نصاباً.)

الشرح:

قوله:(والربح تابع للأصل، فلا يحتاج إلى حول جديد، كما أن نتاج السائمة تابع لأصله فلا يحتاج إلى حول جديد إذا كان أصله نصاباً)

أي وربح التجارة لا يشترط له تمام الحول؛ لأن الربح فرع، والفرع يتبع الأصل.

مثاله: لو قدرنا شخصاً اشترى أرضاً بمائة ألف وقبل تمام السنة صارت تساوي مائتين فيزكي عن مائتين، مع أن الربح لم يحل عليه الحول؛ ولكنه يتبع الأصل.

وكذلك النصاب من النتاج، فإن حولها حول أصلها فلا يشترط له الحول، فلا يلزم أن يدور على النتاج الحول.

مثال ذلك: لو أن إنسانًا عنده أربعون شاة تجب فيها الزكاة، فأنتجت هذه الأربعون حتى أصبحت مائة وإحدى وعشرين شاة، فهنا يجب إخراج زكاتها وهي شاتان، مع أن النماء لم يحل عليه الحول، وذلك لأن النماء يتبع الأصل.

 

وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم، سواء سميت درهماً أو ديناراً أو دولاراً، أو غير ذلك من الأسماء، إذا بلغت قيمتها نصاب الفضة أو الذهب وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة.

الشرح:

قوله:(وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم، سواء سميت درهماً أو ديناراً أو دولاراً، أو غير ذلك من الأسماء، إذا بلغت قيمتها نصاب الفضة أو الذهب وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة)

أي ويأخذ حكم الذهب والفضة في وجوب الزكاة هذه الأوراق النقدية المتداولة والتي يتعامل بها الناس اليوم سواء سميت درهماً أو ديناراً أو دولاراً، أو غير ذلك من الأسماء، إذا بلغت قيمتها نصاب الفضة أو الذهب وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة وذلك لأنها بمنزلة النقد في وجوب الزكاة، لدخولها في عموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103]، والأموال المعتمدة الآن هي هذه الأموال.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم)([33])، فهي مالٌ، والناس يجعلونها في منزلة النقد، فالزكاة فيها واجبة ولا إشكال في ذلك، والمعتبر فيها نصاب الفضة؛ لأنها بدل عن ريالات الفضة السعودية، وهذا بالنسبة للريالات السعودية، ولكل قطر حكمه.

وعليه فمن كان لديه من العملة ما يساوي قيمة سبعين جرامًا من الذهب فقد وجبت عليه الزكاة؛ فيزكي ما عنده من العملة بنسبة ربع العشر أي اثنين ونصف في المائة.

وبهذا أصبح الأمر ميسراً سهلاً إذ ما على المسلم إذا حال الحول على ما عنده من المال الذي هو عُمَلْ في الغالب ما عليه إلا أن يأتي بائع ذهب ويسأله عن قيمة سبعين جراماً من الذهب أو أربعمائة وستين جراماً من الفضة، فإذا أعلمه بها هل هذا المبلغ الذي ذكر له عنده أو لا؟ فإن وجده عنده علم أن الزكاة وجبت عليه وزكَّى ما عنده، وإن كان ما عنده أقل مما أخبره به بائع الذهب علم أن ماله لم يبلغ نصاباً وأنه لا زكاة عليه فيه.

أمَّا نحن في المملكة العربية السعودية فالعملة المتداولة مقوَّمة بالفضة لأنها نائبة عنها في التعامل، وعليه فإذا أردنا معرفة نصاب الزكاة بالريالات السعودية فعلينا أن نعرف سعر النصاب من الفضة بالريالات السعودية ثم نخرج ربع العشر من القيمة.

 

(ويلتحق بالنقود حُليُّ النساء من الذهب أو الفضة، خاصة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول فإن فيها الزكاة، وإن كانت معدة للاستعمال أو العارية في أصح قولي العلماء، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من صاحب ذهب أو فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار) إلى آخر الحديث المتقدم. ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى بيد امرأة سوارين من ذهب، فقال:(أتعطين زكاة هذا؟) قالت: لا، قال:(أيسُرك أن يُسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟) فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله. أخرجه أبو داود، والنسائي، بسند حسن * وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: يا رسول الله، أكنـز هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ما بلغ أن يُزكّى فزكي فليس بكنـز) مع أحاديث أخرى في هذا المعنى.

الشرح:

قوله:(ويلتحق بالنقود حُليُّ النساء من الذهب أو الفضة، خاصة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول فإن فيها الزكاة،… إلى قوله: مع أحاديث أخرى في هذا المعنى).

هذه من المسائل التي اختلف فيها السلف قديمًا وحديثًا.

وما رجَّحه المؤلف من وجوب الزكاة فيه هو مذهب أبي حنيفة([34])، واختيار شيخينا ابن باز([35]) وابن عثيمين([36])، واختيار العلامة الألباني([37]) رحمهم الله.

والذي يظهر رجحانه أن حلي النساء المعدُّ للاستعمال لا تجب فيه الزكاة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكيَّة([38])، والشافعيَّة([39]) على الأصحِّ، والحنابلة([40])، وهو اختيار ابن خزيمة([41])، وابن القيِّم([42])، وهو اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم([43])، والشوكانيِّ([44])، وبه قال أكثرُ أهل العلم([45]).

لكن إذا أخرج زكاته من باب الأخذ بالأحوط والأبرأ للذمة فهو أولى.

وقد دعاني لترجيح هذا الرأي ما يأتي:

1ـ أن الأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية ما لم يرد دليل شرعي صحيح في أمر معين، وزكاة الحلي تبين لنا أنه لم يرد فيها دليل صريح صحيح، وإنما اعتمد القائلون بوجوب الزكاة على نصوص عامة أو أحاديث لا تخلو من مقال ولا ترتقي أن تكون حجَّةً في هذا الباب.

2ـ أن وجوب الزكاة يدور على النماء، فما كان مالاً ناميا، أو معدًا للنماء وجبت فيه الزكاة، والحلي ليس مالاً نامياً ولا معداً للنماء، لأنه معد للاستعمال والانتفاع به زينة وجمالا.

3ـ أن الزكاة لو كانت فرضاً كفرض الرّقة ما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أن يقوله لامرأة يخصها به عند رؤيته الحلي عليها دون الناس، ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة المنتشرة عنه في مراسلاته، ولفعلته الأئمة بعده، وقد كان الحلي من فعل الناس في آباد الدهر فلم نسمع له ذكراً في شيء من كتب صدقاتهم.

4ـ أن القول بعدم وجوب الزكاة عليه عامة أهل العلم وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد كما سبق. وهو الظاهر المشتهر بين الصحابة رضي الله عنهم وأظنه لا يخفى على عائشة أم المؤمنين حكم زكاة الحلي، كما لا يخفى على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأخته حفصة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5ـ من المعلوم أنه متى أمكن الجمع بين الأدلة المتعارضة وجب المصير إليه، والجمع هنا ممكن، وقد أشار إلى ذلك الشنقيطي بقوله: “…والتحقيق أن التحلي بالذهب كان في أول الأمر محرماً على النساء، ثم أبيح، كما يدل له ما ساقه البيهقي من أدلة تحريمه أولاً وإباحته ثانياً، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة، والجمع واجب إن أمكن كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث..” ([46]).

وأنبه هنا إلى ما يأتي:

أولا: إذا خرج الذهب عن المألوف كتفصيل ثوب ذهب ونحوه ففيه الزكاة، ومن اشتراه لا لأجل الاستعمال وإنما ينتظر غلاء القيمة ففيه الزكاة.

ثانيا: إذا لم تستعمل المرأة ذهب الحلي خلال العام فتجب فيه الزكاة؛ لأنه يصير بهذه الحالة مكنوزا، أما إذا استعملته خلال العام ولو مرة واحدة فلا تجب فيه الزكاة.

 

(أما العروض: وهي السلع المعدة للبيع، فإنها تقوّم في آخر العام، ويخرج ربع عشر قيمتها، سواءً كانت قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل، لحديث سمرة قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع) رواه أبو داود)

الشرح:

قوله:(أما العروض: وهي السلع المعدة للبيع، فإنها تقوّم في آخر العام، ويخرج ربع عشر قيمتها، سواءً كانت قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل، لحديث سمرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع) رواه أبو داود.

شرع المؤلف ببيان زكاة عروض التجارة والعروض؛ هي كل ما أعد للتجارة من أي نوع ومن أي صنف كان.

وهي أشمل الأموال التي تجب فيها الزكاة، إذ أنه يدخل فيها العقارات والأقمشة والأواني وجميع أنواع الحيوانات، كالإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، وغير ذلك مما أعد للاتجار به.

أما عن حكم الزكاة في عروض التجارة:

فالجمهور ([47]) على وجوب الزكاة فيها، وهو قول شيخ الإسلام([48])،

وتلميذه ابن القيم([49])، وشيخينا عبد العزيز بن باز([50])، وابن عثيمين([51]) رحمهم الله، وبه أفتت اللجنة الدائمة([52]).

وقال داود الظاهري([53]) وهو قول الألباني([54]) أن عروض التجارة لا تجب فيها الزكاة وإنما تجب الزكاة في قيمتها إذا بيعت، وهو أيضا قول لبعض السلف. لكن ما ذهب إليه المؤلف هو الراجح لعموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103]، وقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19]، وقول الحق تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267].

فقد ذكر عامة أهل العلم أن المراد بهذه الآية زكاة عروض التجارة.

وقال الإمام الطبري في تفسير الآية: “يعني بذلك جل ثناؤه زكوا من طيب ما كسبتم بتصرُّفكم ـ إما بتجارة وإما بصناعة ـ من الذهب والفضة، ويعني بالطيبات الجياد. يقول: زكوا أموالكم التي اكتسبتموها حلالاً وأعطوا في زكاتكم الذهب والفضة الجياد منها دون الرديء”([55]).

شروط الزكاة في عروض التجارة:

1 -أن تكون هذه العروض مملوكة للشخص ملكًا تامًّا.

2 -أن ينوي بها التجارة.

3 -أن تبلغ قيمتها أقل النصابين من الذهب والفضة؛ لأنه أحظ للفقراء والمساكين.

4 -حولان الحول على هذه العروض. أمَّا عن كيفية زكاة عروض التجارة: فأقول على أصحاب المتاجر الذين يبيعون ويشترون ولا تستقر البضائع عندهم طويلاً كالبقول والأقمشة وأدوات البناء وأواني الطبخ وغيرها على هؤلاء أن يقوِّموا الموجود عندهم رأس كل حول فيزكوه بنسبة ربع العشر إذا بلغ نصاباً كما في المثال السابق.

 

(ويدخل في ذلك: الأراضي المعدة للبيع، والعمارات، والسيارات والمكائن الرافعة للماء، وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع   *أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع، فالزكاة في أجورها إذا حال عليها الحول، أما ذاتها فليس فيها زكاة، لكونها لم تُعد للبيع، وهكذا السيارات الخصوصية والأٌجرة ليس فيها زكاة إذا كانت لم تُعد للبيع، وإنما اشتراها صاحبها للاستعمال..)

الشرح:

قوله:(ويدخل في ذلك: الأراضي المعدة للبيع، والعمارات، والسيارات والمكائن الرافعة للماء، وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع. * أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع، ….إلى قوله: وإنما اشتراها صاحبها للاستعمال..)

أي ومما يدخل في عروض التجارة التي يجب فيها الزكاة ما أعدَّ للبيع من عقارات ومعدات وغير ذلك فيقوّم هذه العقارات وهذه المعدَّات كل سنة، ويؤدي زكاتها.

وخلاصة هذه المسألة التي ذكرها المؤلف: أن زكاة العقارات من عمارات وأراضي وغير ذلك، وكذلك المعدات والمكائن وغيرها من السلع المعدة تختلف باختلاف نية صاحبها وهي على أربع حالات:

الأولى: أن يمتلكهـا بنية الاستخدام الشخصي؛ للبنــاء والسكن والاستعمال الشخصي، ففي هذه الحالة ليس فيها زكاة مهما بلغت.

الثانية: أن يمتلكها بنية التجارة؛ فهذه فيها الزكاة على قيمتها كل عام، وتقدر قيمتها عند مضي الحول عليها، بحسب قيمتها في السوق سواء زادت عن ثمن شرائها أم نقص.

الثالثة: أن يمتلكها بنية الزراعة والحرث؛ فهذه ليس في أصلها زكاة، وإنما الزكاة على الزروع والثمار الناتجة، والواجب إخراجها عند الحصاد.

الرابعة: أن يمتلكها للإيجار والاستثمار والاستفادة من ريع إيجارها وإيرادها، وهذه ليس في أصلها زكاة، وإنما الزكاة تجب على الإيرادات المستفادة.

وتحسب زكاة الإيراد أو العائد في هذه السنة مع بقية الأموال والنقود التي يملكها صاحب العقارات. فيبدأ الحول في العقارات من حين العقد، سواء قبض الأجر مقدمًا في أول السنة أو مؤخراً في آخر السنة؛ فإن قبضها في أول السنة ومر عليها الحول فعليه زكاتها، أو زكى ما بقي منها إن أنفق بعضها وبقي بعضها.

وإن قبضها في آخر السنة فعليه زكاتها، لأن الحول يكون قد مرّ عليها من حين العقد.

وقدر زكاة العقار إن كان للتجارة أو للإيجار هو ربع العشر إلحاقًا له بالنقدين، فيضم المالك إيرادهـا إلى أمواله فإن بلغت نصـابًا يؤدي زكاتها 2.5%.

ومن اشترى أرضًا ولم ينو التجارة بها أو تردد في ذلك ولم يجزم فلا تجب فيها الزكاة ولو مرّ عليها الحول.

ومن كان عنده أرضٌ ينتظر أن يشتريها أحد إذا كان من أهل الأراضي الذين يتّجرون بها فعليه زكاتها، ولو بقيت سنوات.

أما إذا كانت أرضاً قد استغنى عنها ويريد أن يبيعها، لكن لم يأته زبون ليشتريها فليس عليها زكاة إلا إذا باعها فيزكيها مرة واحدة فقط ([56]).

وإذا عجز صاحب الأرض عن دفع الزكاة لعدم توفر مال لديه سوى الأرض فإنه يُمْهَل ويؤدي الزكاة فيما بعد عند توفر السيولة لديه. فيخرج زكاة جميع السنوات التي لم يدفع فيها زكاة كل سنة بحسب قيمة الأرض وقتها أي “عندما حال عليها الحول تلك السنة”.

 

وإذا اجتمع لصاحب سيارة الأجرة أو غيره نقود تبلغ النصاب فعليه زكاتها، إذا حال عليها الحول، سواءً كان أعدها للنفقة، أو للتزوج، أو لشراء عقار، أو لقضاء دين، أو غير ذلك من المقاصد، لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الزكاة في مثل هذا.

الشرح:

قوله:(وإذا اجتمع لصاحب سيارة الأجرة أو غيره نقود تبلغ النصاب فعليه زكاتها، إذا حال عليها الحول،…. إلى قوله: لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الزكاة في مثل هذا)

حاصل هذه المسألة ما يأتي: ما يملكه الإنسان من السيارات على ثلاثة أنواع:

الأول: سيارات معدة للبيع والشراء، فهذه فيها الزكاة؛ لأنها من عروض التجارة كما سبق الإشارة إلى ذلك.

الثاني: سيارات معدة للاستعمال الشخصي، فهذه لا زكاة فيها؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ) ([57]).

قال النووي رحمه الله: “هذا الحديث أصل في أن أموال القنية – وهي التي يقتنيها صاحبها لحاجته – لا زكاة فيها، وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة. وبهذا قال العلماء كافة من السلف والخلف، إلا أن أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان ونفرا أوجبوا في الخيل إذا كانت إناثًا أو ذكورًا وإناثًا في كل فرس دينارًا، وإن شاء قومها وأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وليس له من حجَّة في ذلك، وهذا الحديث صريح في الرد عليهم”([58]) انتهى.

الثالث: سيارات معدة للتأجير وهذه الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول وهي عند الشخص.

 

والصحيح من أقوال العلماء: أن الدين لا يمنع الزكاة لما تقدم

الشرح:

قوله:(والصحيح من أقوال العلماء: أن الدين لا يمنع الزكاة لما تقدم)

اختلف أهل العلم فيمن يملك نصاب الزكاة من المال وحال عليه الحول، ولكن عليه ديون تستغرق هذا النصاب أو تنقصه، هل يؤدي زكاة ماله أم لا، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: تجب عليه الزكاة مطلقاً في الأموال الظاهرة والباطنة، ولا يمنع الدَّيْنُ وجوبها، وهو مذهب الشافعية ([59])، واختاره سماحة الشيخ ابن باز كما هو واضح في رسالته، وشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمهم الله([60])..

القول الثاني: أن الدين الذي يستغرق النصاب أو ينقصه يمنع وجوب الزكاة؛ لأن الزكاة إنما شرعت للمواساة، ومن عليه دين ينقص النصاب أو يستغرقه لا يوصف بالغني، بل هو أهل لدفع الزكاة إليه، وهذا قول مالك ([61])، وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد([62])، هذا في الأموال الباطنة.

أما الأموال الظاهرة كالمواشي والثمار وغيرها فتجب فيها الزكاة؛ لأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم أنهم حينما كانوا يرسلون السعاة لأخذ الزكاة منها لا يؤْثر عنهم أنهم كانوا يستفسرون عن أهلها، هل عليهم ديون أم لا؟

والحكم هنا يختلف عن الأموال الباطنة كالنقدين وعروض التجارة.

القول الثالث: لا تجب عليه الزكاة، والدَّينُ عذر يسقط الوجوب: وهو قول جمهور أهل العلم ([63])؛ فالدين مانع من وجوب الزكاة. أي يخصم قدر الدين من المال الموجود، فإن كان الباقي نصاباً أو يزيد زكَى وإلا فلا، وحجتهم على هذا أن الزكاة شرعت للمواساة، ومن عليه الدين ليس أهلاً لأن يواسي غيره، بل هو أهل لأن يواسى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنِّما الصدقةُ عن ظهِر غِنَى)([64]).

ومما يؤيد هذا أن الغارم – وهو المدين – له حظٌ مفروضٌ في الزكاة هو المراد بقوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ}.

والصحيح من هذه الأقوال ما ذهب إليه أصحاب القول الأول وهو أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة، وذلك لظواهر النصوص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل أهل الأموال عند أخذ الزكاة منهم هل عليهم ديون أم لا؟ وكان يرسل العمال لأخذ الزكاة ولا يأمرهم بأن يسألوا أرباب الأموال أعليهم ديون أم لا؟

وهذا الذي رجحناه أبرأ للذمة، وأحوط، والحمد لله ما نقصت صدقة من مال.

 

وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول، لعموم الأدلة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ لما بعث إلى أهل اليمن: (إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم..).

الشرح:

قوله:(وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول، لعموم الأدلة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ لما بعث إلى أهل اليمن: (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)([65]).

اختلف الفقهاء في هذه المسألة:

فذهب جمهور الفقهاء ([66])، واختاره سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز([67])، وشيخنا محمد بن صالح العثيمين([68]) رحمهما الله إلى وجوب الزكاة في مال اليتيم والصبي الصغير والمجنون واستدلوا على ذلك بعدة أدلة:

1-قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة:103]. فالزكاة واجبة في المال، فهي عبادة مالية تجب متى توفرت شروطها، كملك النصاب، ومرور الحول.

2-قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن: (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)([69]).

فأوجب الزكاة في المال على الغني، وهذا بعمومه يشمل الصبي الصغير والمجنون إن كان لهما مال.

3-وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب النَّاس فقال: (أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ)([70]).

القول الثاني: ما ذهب إليه أبو حنيفة([71]) رحمه الله أن الزكاة لا تجب في ماله، كما لا تجب عليه سائر العبادات؛ كالصـلاة والصيـام، غير أنه أوجب عليه زكاة الزروع وزكاة الفطر.

وأجاب الجمهور عن هذا بأن عدم وجوب الصلاة والصيام على الصبي لأنهما عبادات بدنية، وبدن الصبي لا يتحملها، أما الزكاة فهي حق مالي، والحقوق المالية تجب على الصبي، كما لو أتلف مال إنسان، فإنه يجب عليه ضمانه من ماله، وكنفقة الأقارب، يجب عليه النفقة عليهم إذا توفرت شروط وجوب ذلك.

وقالوا أيضًا: ليس هناك فرق بين وجوب زكاة الزروع وزكاة الفطر على الصبي وغيره، وبين زكاة سائر الأموال كالذهب والفضة والنقود، فكما وجبت الزكاة عليهم في الزروع تجب عليهم في سائر الأموال، ولا فرق.

 

ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول…..

الشرح:

وقوله:(ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول)

أي ويتولى ولي اليتيم والصغير والمجنون إخراج الزكاة عنهم من مالهم، كلما حال عليه الحول، ولا ينتظر بلوغ الصبي.

كما أنه يخرج من مالهم غرامة المتلفات، ونفقة الأقارب وغير ذلك من الحقوق المتوجهة إليهم، فإن لم يخرج الولي الزكاة وجب على الصبي والمجنون بعد البلوغ والإفاقة إخراج زكاة ما مضى؛ لأن الحق توجه إلى مالهما، لكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إليهما.

ويعتبر الحول في أموال اليتامى من حين توفي والدهم، لأنها بموته دخلت ملكهم.

ويجوز التأخير في إخراج الزكاة في الحالات الآتية:

1 ـ عند تعذر الإخراج.

2 ـ عند حصول الضرر عليه بالإخراج.

3 ـ عند وجود حاجة، أو مصلحة في التأخير.

4 – أن يكون التأخير خلال سنة الزكاة ولا يزيد عنها.

 

والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً أو يدفع ضراً، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة.

الشرح:

قوله:(والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً أو يدفع ضراً، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة)

ذكر المؤلف هنا أموراً مهمة ينبغي على أهل الأموال أن يراعوها عند أداء هذه الفريضة العظيمة وهذه الأمور هي:

قوله:(والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها)

أي أن الزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها كأن يخص بها قريباً أو صديقاً أوجاراً ممن لا يستحقون الزكاة، إلا إذا كان فقيراً من أهلها، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يمنع من لا يستحقها وقد صح عنه قوله:(لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب)([72]).

قوله:(ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً أو يدفع ضراً)

أي: وكذلك لا يجوز جلب المنفعة أو دفع المضرة عند إعطاء الزكاة، يعني ينوي عند دفع الزكاة أن يمنع عنه الضرر فقط، فبعض التجار مثلاً يعطون الزكاة لا طاعة لله تعالى، ولا استسلاماً لأمره، بل يعطونها لجلب منفعة دنيوية، أو دفع مضرة دنيوية، فينبغي للموسرين والتجار أن يصححوا نياتهم عند دفع الزكاة، وأن يدفعوها إذا دفعوها، أن يدفعها ونيتهم خالصة أنها لله عز وجل، لا لتحصيل غرض دنيوي، لا شهادة من الشهادات، ولا أن ترسي عليه مناقصة من المناقصات، أو يحصل منفعة، أو يمدحه الناس، بل يكون غرضه بها وجه الله تعالى.

قوله:(ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة)

أي: وكذلك لا يجوز له أن يقي بالزكاة بقية ماله أو يدفع بها مذمّة عنه، مثلما يفعل بعض الناس إذا أعطى إنساناً دينًا بنية الدين لا بنية الزكاة ثم بعد فترة من الفترات لما حال الحول على هذا الدين قرر بأن يجعل الزكاة، من هذا الدين الذي قدمه سابقاً ليقي ماله من النقص، فيقول في نفسه: أنا أعطيت فلاناً ألف ريال دين مثلاً، زكاتي هذا العام ثلاثة آلاف، هذا الدين أخصمه من الزكاة، فيبقى علي ألفان. هذا لا يجوز، لأن الدين كما سبق لا يسقط من الزكاة، وكذلك لا يدفع الزكاة من أجل أن يدفع عنه مذمَّة كأن يقول أُعطيها لفلان حتى لا يتكلم عني في المجالس، أو يخرجها بنفسه إذا كان غنياً مشهوراً، حتى لا يقول الناس: إن فلاناً لا يزكي.

 

بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها، لكونهم من أهلها، لا لغرض آخر، مع طيب النفس بها، والإخلاص لله في ذلك، حتى تبرأ ذمته ويستحق جزيل المثوبة والخلف.

الشرح:

قوله:(بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها، لكونهم من أهلها، لا لغرض آخر، مع طيب النفس بها، والإخلاص لله في ذلك، حتى تبرأ ذمته ويستحق جزيل المثوبة والخلف)

الزكاة لا تبرأ بها الذمة ولا تكون مقبولة عند الله إلا إذا وضعها الإنسان في مواضعها التي فرض الله أن توضع فيها، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:60].

فقد حصر الله سبحانه الصدقات في هذه الأصناف الثمانية لا تجزئ في غيرها، فإذا صرفها الإنسان لغير مستحقيها لا تجزئ.

وهل يجب على هذا الرجل إخراج تلك الزكوات التي دفعها إلى غير مستحقيها إن كان يظن أنهم يستحقون ثم ثبت خلاف ذلك؟

في ذلك قولان للعلماء: قال ابن قدامة رحمه الله: “وإذا أعطى من يظنه فقيرًا فبان غنيًا، فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما يجزئه اختارها أبو بكر، وهذا قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين وقال: إن شئتما أعطيتكما منها، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، وقال للرجل الذي سأله الصدقة: إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك، ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم.

والرواية الثانية: لا يجزئه لأنه دفع الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته، كما لو دفعها إلى كافر أو ذي قرابة كديون الآدميين. وهذه الرواية هي الأحوط بلا شك” ([73]).

والواجب على المسلم إخراجُ الزكاة طيِّبةً بها نَفْسُهُ، غير مستثقلٍ لها، ولا كارهٍ لإخراجها، فعن عبد اللَّهِ بن مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ”، وذَكَرَ منها: “وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بها نَفْسُهُ)([74]).

والواجب على المسلم أيضاً أن يخرج الزكاة مخلصاً لله تعالى في إخراجها وذلك لأنها عبادة وركن من أركان الإسلام وقد قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البيِّنة:5].

 

(وقد أوضح الله سبحانه وتعالى في كتابه الكـــريم أصناف أهل الزكاة، قال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم}[التوبة:60].

الشرح:

قوله:(وقد أوضح الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أصناف أهل الزكاة، قال تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [التوبة:60].

أجمل المؤلف رحمه الله في أصناف من يستحقون الزكاة من الأصناف الثمانية المذكورة في الآية واكتفى بذكر الآية التي حددت أوجه مصارف الزكاة الثمانية.

وإيضاح هذه الأصناف كالتالي:

1ـ الفقراء: جمع فقير وهو من له أدنى شيء من المال ولكن لا يكفيه لسد حاجاته وقيل من لا يجد شيئاً أصلاً.

2ـ المساكين: جمع مسكين؛ وهو من لا شيء عنده، فيحتاج إلى المسألة لقوته، أو ما يواري به بدنه، فهذا يحق له أن يسأل، وأن يأخذ. وقيل: من يجد بعض كفايته.

وهناك من قال: إن المسكين أحسن حالاً من الفقير ولكن الأول أظهر لأن الله بدأ به في آية المصارف وما بدأ الله به فهو أهم وليعلم أنهما إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا.

3ـ العاملون عليها: وهم الذين ترسلهم الحكومة لجمع الزكاة والقيام بتوزيعها، فهم ولاة وليسوا أجراء، وبهذا نعلم بأن الذي يعطى الزكاة ليوزعها ليس من العاملين عليها، بل هو وكيل عليها أو بأجرة.

ولا يشترط أن يكون العاملون عليها فقراء، بل يعطون ولو كانوا أغنياء، لأن عملهم إنما هو لمصلحة الزكاة، وللحاجة إليهم لا لحاجتهم، فإذا انضم إلى ذلك بأن كانوا فقراء ونصيبهم من العمل لا يكفي لمؤونتهم ومؤنة عيالهم فإنهم يأخذون بالسببين، أي سبب العمالة، وسبب الفقر.

والعاملون عليها كل من يعمل في جبايتها وتحصيلها أو في كتابتها وتدوينها أو حراستها وحمايتها أو تفريقها وتوزيعها، وهؤلاء يعطون أجر عملهم ولو كانوا أغنياء غير محتاجين إذ لكل عامل أجر وهم قد عملوا على جمعها وتفريقها فيعطون منها لقاء ذلك العمل.

ويشترط في العاملين عليها ما يأتي:

(1) أن يكون مسلمًا، فلا يستعمل عليها كافر لأنها ولاية وفيها تعظيم للوالي.

(2) أن يكون عدلا، أي ثقةً، مأمونًا لا يجور ولا يحابي في الجمع، ولا يحابي في القسمةِ.

(3) أن يكون فقيهًا في أمور الزكاة.

(4) أن يكون قادرًا على العمل وضبطه على الوجه المعتبر.

4ـ المؤلفة قلوبهم: وهم قوم يعطون الزكاة تأليفاً لقلوبهم وتثبيتاً لإيمانهم أو لترغيب ذوييهم في الإسلام أو طلباً لمعونتهم أو كف أذاهم.

وقد ذهب المالكية([75]) والحنابلة([76]) إلى القول بجواز إعطاء المؤلفة قلوبهم، وأن حكمهم باق إن وجدت الحاجة إليه لأن بعض من يدخل في الإسلام قد ينقطع عن أهله وقومه وربما حرم من موارد رزقه فمن حقه أن يصرف له من بيت المال ما يحميه من الضرر.

5ـ في الرقاب: الرقاب جمع رقبة والمراد بها العبد أو الأمة يشترى بمال الزكاة ليعتق فتكمل حريته ويتم تصرفه فيصبح عضواً نافعاً في المجتمع ويتمكن من عبادة الله، ولهذا اشترط العلماء في الرقيق الذي يدفع له من الزكاة لفك رقبته أن يكون مسلماً وسواء أعطي العبد لتحرير كله أو بعضه إن كان مبعضاً، فكل ذلك يشمله هذا الصنف من أصناف الزكاة.

6ـ الغارمون: والغارم هو المدين الذي تحمل دينًا في غير معصية الله ورسوله وتعذر عليه تسديده، فيعطى من الزكاة ما يسد به دينه، وهم نوعان:

الأول: غارم لإصلاح نفسه.

الثاني: غارم لإصلاح ذات البين.

الغارمون هم المدينون الذين لزمتهم ديون بسبب حاجتهم الشخصية أو بسبب ضرورة اجتماعية أو مصلحة للمسلمين كمن استدان للإنفاق على نفسه أو على زوجه وأولاده ومن يعولهم، فهذا يعطي إذا لم يكن عنده سداد لدينه فاضلاً عن حاجته الضرورية.

وأما من استدان لضرورة اجتماعية كمن استدان للإنفاق على يتيم، أو للإصلاح بين اثنين أو جماعة من المسلمين، أو استدان لمصلحة المسلمين كإصلاح مسجد أو مدرسة أو دارٍ من الدور العامة لصالح المسلمين فإنه يعطى من الزكاة لسد دينه ولو كان غنياً على الصحيح من أقوال أهل العلم.

7ـ في سبيل الله: وهم الغزاة في سبيل الله الذين لا ديوان لهم، أي ليس لهم نصيب من بيت المال على غزوهم، بل هم متطوعون، فهؤلاء يعطون لدفع حاجتهم، وللحاجة إليهم، ما يكفيهم لجهادهم.

أما العساكر الذين لهم رواتب من الدولة فهؤلاء لا يعطون من الزكاة، اللهم إلا إذا كان الراتب لا يكفيهم، فإنهم يعطون لفقرهم وحاجتهم.

وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذا المصرف: فمنهم من قصره على الغزاة المجاهدين في سبيل الله والمرابطين للجهاد ولو كانوا أغنياء إذا لم يكن يرعاهم وينفق عليهم بيت مال المسلمين.

ومنهم من قال: إنه يشمل جميع القرب؛ فيدخل في ذلك كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخير، فيعان من مال الزكاة على ما يفعل من خير للإسلام والمسلمين.

والذي يظهر اختصاصه بالغزاة المتطوعين الذين لا رواتب لهم من بيت المال ولو كان المراد به طريق الخير لبيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم إذ الحاجة ماسة إلى البيان.

ثم إن عمل الخلفاء الراشدين يؤيد ما نقول، فقد كثرت الزكوات في عهدهم ولم ينقل أنهم صرفوها في طرق الخير المختلفة.

ثم إن الله جلَّ وعلا حدد المصارف الثمانية وليست منها طرق الخير المختلفة إذ يصرف عليها من بيت مال المسلمين من غير الزكاة. والله أعلم.

8ـ ابن السبيل: وهم الذين ينتقلون من بلادهم إلى بلاد فينقطعون في الطريق، إما لذهاب نفقتهم في الطريق إذا طال السفر عليهم، أو لأن عدوا من قطاع الطريق أخذهم وأخذ أموالهم، أو لأسباب أخرى، فهؤلاء يعطون من الزكاة ما يوصلهم إلى بلادهم ولو كانوا فيها أغنياء لأنهم ليس عندهم ما يقوم بحالهم.

وهناك شروط وضعها الفقهاء لإعطاء ابن السبيل من الزكاة، وهي:

(1) كونه مسلمًا؛ فلا يعطى الكافر منها، وقد سبق بيان ذلك.

(2) أن لا يكون من آل البيت، فإن كان من آل البيت فيُعطى من صدقة التطوع.

(3) أن لا يكون بيده في الحال ما يتمكن به من الوصول إلى بلده وإن كان غنيا فيها.

(4) أن لا يكون سفره لمعصية لأنه إعانة عليها. لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].

وهل يشترط عدم وجود من يقرضه؟

نقول: اشترط ذلك المالكية([77])، والصواب أنه لا يشترط ذلك لأن الآية عامة، وتخصيص ذلك بإيجاد المقرض يحتاج إلى دليل، وهذا هو قول سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله([78]).

مسألة: مقدار ما يخرج لكل واحد من الأصناف الثمانية:

1ـ 2ـ الفقير والمسكين:

الصحيح من أقوال أهل العلم أنهم يعطون ما يكفيهم ويكفي من يعولون سنة كاملة، وذلك لأن ما يكفيه سنة هو أوسط ما يطلبه الفرد عادة من ضمان العيش له ولأهله ولأن أموال الزكاة معظمها حولية وفي كل عام تأتي حصيلة جديدة من موارد الزكاة ينفق منها على المستحقين.

وقد قرر أهل العلم أن الفقير والمسكين يعطى ما يكفيه سنة بالغة ما بلغت القيمة إذ ليس لها حد تقف عنده من الدراهم والدنانير بل المعمول عليه في ذلك واقع المجتمع الذي يعيشان فيه.

3ـ العاملون عليها:

يعطى العاملون عليها ما يكافئ عملهم الذي قاموا به فهم كالأجراء سواء بسواء إلا أن الثمن لا يحدد سلفاً لأن العقد ليس عقد إجارة إذ لا تتوفر فيه شروط الإجارة وهي معرفة المنفعة والثمن والمدة.

وقد قرر أهل العلم أن العامل يعطى من الزكاة ولو كان غنياً لأنه إنما يأخذ أجراً على عمل أداه لا معونة لحاجة أصابته، وقد حدد بعض أهل العلم الثمن للعاملين عليها، والراجح أنه يعطى على قدر عمله وتعبه حسب ما يراه ولي الأمر.

4ـ المؤلفة قلوبهم:

قيل: يعطى المؤلفة قلوبهم من الزكاة ما يحصل به تأليفهم. والأولى ترك هذا التقدير إلى ولي الأمر أو من ينيبه لأن الحالات تختلف من شخص لآخر ومن وقت لآخر حسب حالة المسلمين قوة وضعفاً، وتقدير ذلك بالثمن مرجوح لأن مبناه على التسوية بين المصارف ولا دليل عليه.

5ـ الرقاب:

يعطى للفرد من طائفة الأرقاء ما يكفي لتحرير رقبته ومقدار ذلك يتوقف على ما يطلبه المالك فهو يختلف من حالة لأخرى ومن مكان لآخر ومن وقت لآخر ولهذا من الصعوبة بمكان تحديد معايير ثابتة لمقدار ما يعطاه الرقيق لتحرير رقبته، وإنما الأولى أن يقال ما يكفي لتحرير رقبته.

6ـ الغارمون:

يعطى لكل غارم مقدار ما يحتاج إليه لقضاء دينه سواء أكان الدين قليلاً أم كثيراً شريطة أن تتحقق الشروط الآتية:

(أ) أن يكون في حاجة إلى ما يقضي به الدين.

(ب) أن يكون قد استدان في طاعة أو في أمر مباح.

(ج) أن يكون الدين حالاً.

7ـ في سبيل الله:

ويعطى الغزاة في سبيل الله ما يحتاجون إليه من متاع أو نقود أو سلاح وغير ذلك مما يعينه على غزوه، ويحصل به إعداد القوة المأمور بها في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60].

وقد خصص الله لهذا المصرف الثمن من حصيلة الزكاة، ويرى بعض أهل العلم أن لولي الأمر استخدام فوائض المصارف الأخرى لمصلحة الإسلام والمسلمين في الدفاع عن الديار وتأمين الثغور وإعداد الجيوش.

8ـ ابن السبيل:

يعطى ابن السبيل من الزكاة ما يحصل به اندفاع حاجته فيعطى منها القدر الذي يوصله إلى بلده لا يزاد على ذلك. ويشمل ذلك نفقات المؤن والكسوة والانتقال كل ذلك يصرف له إلى أن يصل إلى بلده الذي انقطع دونه.

بعض الفوائد المهمة في مصارف الزكاة:

أولاً: لا تحل الصدقة لغني، ولا لقوي مكتسب.

ثانياً: من كان قويًا مكتسبًا ويريد أن يتفرغ لطلب العلم، فإنه يعطى منها لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله.

ثالثاً: الرجل قد يكون قويًا ولكنه أخرق لا كسب له فتحل له الزكاة.

رابعاً: لا تحل الزكاة لآل محمد صلى الله عليه وسلم، وهم: بنو هاشم وهم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، وآل الحارث. دليل ذلك ما رواه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد) ([79]).

لكن ينبغي أن يكون ذلك إذا كان بنو هاشم يأخذون الخمس من بيت مال المسلمين، أما عند عدمه وكونهم فقراء فإنهم يأخذون منها.

خامساً: اختلف الفقهاء في جواز دفع زكاة الهاشمي إلى هاشمي، والصحيح في ذلك التفصيل في هذه المسألة:

فإذا كان هناك بيت مال للمسلمين ويعطون من الخمس فلا يجوز دفع الزكاة إليهم وإن كان الهاشمي فقيرًا محتاجًا وليس له نصيب من بيت مال المسلمين كما هو الشأن في وقتنا هذا في كثير من بلاد المسلمين، فلا يوجد من ينقذ هؤلاء من الجوع، فهنا تكون زكاة الهاشمي لهاشمي مثله أولى من زكاة غير الهاشمي.

سادساً: هل يعطى الهاشمي من صدقة التطوع؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة: فذهب جمهور الفقهاء، وهو اختيار سماحة شيخنا بن باز([80]) وشيخنا بن عثيمين([81]) رحمهما الله إلى جواز إعطائهم من صدقة التطوع، وهذا هو الصحيح.

سابعاً: هل بنو المطلب يأخذون حكم بني هاشم في منعهم من أخذ الزكاة؟

اختلف الفقهاء في إلحاق بني المطلب ببني هاشم في منعهم من الزكاة، والذي يظهر والله أعلم أنه لا يجوز دفع الزكاة لبني المطلب.

ثامناً: لا يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، وعلل الفقهاء بمنع الزكاة لهم بأن الولد وماله ملك لأبيه، فالواجب عليه النفقة عليهما، فإذا دفع الزكاة إليهم فكأنه دفعها إلى نفسه. ولأن دفع زكاته إليهم يغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه فيعود نفعها إليه.

تاسعاً: لا يجوز دفع الزكاة إلى الأبناء ولا الزوجة لأن النفقة عليهم واجبة عليه، أما إعطاء الزوجة الزوج من زكاة مالها فقد اختلف في ذلك الفقهاء، والصواب جواز إعطاء الزوجة زكاة مالها لزوجها لحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إنك أمرت بالصدقة، وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) ([82]).

عاشراً: لا يجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه مؤنته كأخيه وأخته، وابن أخيه، وخالته، وسائر أقاربه ممن لا يكون هناك من يرعاهم وينظر إلى حوائجهم، فهؤلاء تجب نفقته عليهم، وعلى ذلك لا يجوز صرف الزكاة إليهم.

الحادي عشر: هل يجوز صرف الزكاة للعاملين في المؤسسات إذا كانوا من أهل الحاجات وجنسياتهم من خارج المملكة؟

الجواب: نعم يجوز دفع الزكاة للفقراء المسلمين منهم وإن كانوا غير سعوديين، ولا تعتبر من مكافأتهم وجوائزهم ، ولا يقصد منها تنشيطهم في العمل في المؤسسة لتستفيد من ورائهم زيادة في العمل والربح.

الثاني عشر: صدقة التطوع الأمر فيها واسع، يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع الزكاة إليه وإلى غيرهم، لكن الأقربين أولى بالمعروف، فالصدقة على ذوي الرحم ثنتان كما ذكرنا صدقة وصلة.

الثالث عشر: يشترط عند دفع الزكاة النِّية، فيقصد المزكِّي أن ما يخرجه هو الزكاة الواجبة عليه، إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا، فمتى أخذ الإمام أو نوابه الزكاة ممن امتنع عن أدائها قهرا فإنه في هذه الحالة لا يشترط النية من المزكي، لكن هل تجزيء عنه؟

اختلف الفقهاء في ذلك: فقيل إن أخذ الإمام أو نوابه الزكاة من الممتنع قهرا يكفي فيه نية الإمام عند التفريق أو الأخذ لأنه الإمام وله ولاية على المالك، وقيل بإجزائها ظاهرًا وباطنًا([83]).

وذهب بعض الحنابلة([84]) إلى أن الإمام إن أخذها قهرًا فقد أجزأت ظاهرًا فلا يطالب بها ولا تجزيءَ باطنًا لأنها عبادة لا تجزيء عمن وجبت عليه بغير نية كالصلاة، وأخذ الإمام لها يسقط المطالبة بها لا غير. ولعل هذا هو الصواب والله أعلم.

الرابع عشر: لا تغني الضريبة عن الزكاة ولو كانت تؤخذ منه قهرا.

 

* وفي ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله سبحانه وتعالى لعباده على أنه سبحانه هو العليم بأحوال عباده، من يستحق منهم للصدقة ومن لا يستحق، وهو الحكيم في شرعه وقدره، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، وإن خفي على بعض الناس بعض أسرار حكمته، ليطمئن العباد لشرعه، ويسلموا لحكمه.

والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين للفقه في دينه والصدق في معاملته، والمسابقة إلى ما يرضيه، والعافية من موجبات غضبه إنه سميع قريب.. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه.

سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية.

الشرح:

قوله: (وفي ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله سبحانه وتعالى لعباده على أنه سبحانه هو العليم بأحوال عباده، ….. إلى قوله: والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين للفقه في دينه والصدق في معاملته، والمسابقة إلى ما يرضيه، والعافية من موجبات غضبه إنه سميع قريب.. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه).

بهذا الدعاء اختتم سماحة شيخنا هذه الرسالة القيمة القليلة ألفاظها العظيمة في مدلولها.

وبهذا نكون قد ختمنا شرح هذه الرسالة المباركة فجزى الله شيخنا عنا وعن المسلمين خير الجزاء وجمعنا وإياه ووالدينا في دار كرمته وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه.

الفهرس

الموضوع
مقدمة الشارح:
نبذة مختصرة عن المؤلف رحمه الله:
شرح الرسالة:
قوله: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
قوله: فإن الباعث لكتابة هذه الرسالة
قوله: التي تساهل بها الكثير من المسلمين
قوله: وفرض الزكاة على المسلمين
قوله: ومنها: تطهير النفس وتزكيتها
قوله: ومنها: تعويد المسلم صفة الجود والكرم والعطف
قوله: وقول النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح
قوله: وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها
قوله: فكل مال لا تُؤدَّى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه
قوله: كما دلَّ على ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا…)
قوله: والزكاة تجب في أربعة أصناف:
قوله: والسائمة من بهيمة الأنعام
قوله: والذهب والفضة، وعروض التجارة
قوله: ولكل من الأصناف الأربعة نصاب محدود
قوله: والواجب في ذلك العشر إذا كانت النخيل والزروع تسقى بلا كلفة
قوله: وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم: ففيه تفصيل
قوله: وأما نصاب الفضة: فمائة وأربعون مثقالاً
قوله: والربح تابع للأصل، فلا يحتاج إلى حول جديد
قوله: وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية
قوله: ويلتحق بالنقود حُليُّ النساء من الذهب أو الفضة
قوله: أما العروض: وهي السلع المعدة للبيع
قوله: ويدخل في ذلك: الأراضي المعدة للبيع، والعمارات، والسيارات..
قوله: وإذا اجتمع لصاحب سيارة الأجرة أو غيره نقود تبلغ النصاب
قوله: والصحيح من أقوال العلماء: أن الدين لا يمنع الزكاة
قوله: وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة
قوله: ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم
قوله: والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها
قوله: بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها
قوله: وقد أوضح الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أصناف أهل الزكاة
قوله: وإيضاح هذه الأصناف كالتالي:
مسألة: مقدار ما يخرج لكل واحد من الأصناف الثمانية:
بعض الفوائد المهمة في مصارف الزكاة:
قوله: وفي ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله سبحانه وتعالى لعباده
فهرس الموضوعات:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) أنظر: ترجمة الشيخ مستوفاة في مقدمة كتابي (لقاءاتي مع الشيخين ابن باز وابن عثيمين).

([2]) رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله:{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (6/120).

([3]) رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب بني الإسلام على خمس برقم (8)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16).

([4]) رواه مسلم في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة برقم (987).

([5]) رواه مسلم في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة برقم (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([6]) القاموس المحيط، مادة: زَكِيَ، ص 1667.

([7]) انظر: تفسير ابن كثير سورة الشمس (8 / 480).

([8]) رواه البخاري في (النفقات) باب فضل النفقة على الأهل برقم (5352)، ومسلم في (الزكاة) باب الحث على النفقة برقم (993).

([9]) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (3 / 80).

([10]) رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته ليس بكنز برقم (1404).

([11]) رواه مسلم في كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة برقم (987).

([12]) المغني (4/8)، المجموع (5/334).

([13]) المغني (4/8).

([14]) رواه البخاري في البيوع، باب من باع نخلاً.. برقم (2203)؛ ومسلم في البيوع، باب من باع نخلاً عليها تمر برقم (1543) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

([15]) رواه ابن ماجه في الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة من الأموال برقم (1793)، والدارقطني (2/90)، والبيهقي (4/ 103)، وأبو عبيد في الأموال برقم (1132)، عن عائشة رضي الله عنها. قال الحافظ: وفيه حارثة بن أبي الرجال وهو ضعيف «التلخيص» (820)، وأخرجه البيهقي من طريق علي رضي الله عنه موقوفاً عليه (4/ 103)، قال الحافظ: حديث لا بأس بإسناده والآثار تعضده فيصلح للحجة «التلخيص» (820).

([16]) رواه البخاري في الزكاة، باب في الركاز الخمس برقم (1499)؛ ومسلم في الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار برقم (1710) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([17]) رواه البخاري في الزكاة، باب العشر فيما يسقى برقم (1483) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

([18]) رواه البخاري في الزكاة، باب ما أدِّي زكاته فليس بكنز برقم (1405)؛ ومسلم في الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة برقم (979) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

([19]) المغني (4/156).

([20]) الشرح الممتع (6/70).

(3) انظر في ذلك: حاشية الدسوقي (1/447)، والمجموع (5/431).

([22]) أنظر: حاشية ابن عابدين (2/49، 50)، الشرح الكبير (1/447)، المجموع (5/434).

([23]) أنظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لشيخنا بن باز (14/70).

([24]) رواه البخاري في الزكاة، باب زكاة الغنم برقم (1454).

([25]) رواه البخاري في الزكاة، باب زكاة الغنم برقم (1454).

([26]) رواه البخاري في الزكاة، باب وجوب الزكاة برقم (1395)؛ ومسلم في الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين برقم (19).

([27]) سبق تخريجه، ص38.

([28]) سبق تخريجه، ص42 .

([29]) رواه مسلم في كتاب الزكاة، برقم (979).

([30]) سبق تخريجه، ص39.

([31]) رواه أبو داود في كتاب الزكاة، باب في خرص العنب برقم (1602)، في كتاب الزكاة، باب في خرص العنب برقم (1602)، والترمذي في كتاب الزكاة، باب ما جاء في الخرص برقم (643)، وصححه الألباني في صحيح النسائي برقم (2617)، وقال: إسناده حسن مرسل.

([32]) أنظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/97).

([33]) رواه البخاري في الزكاة، باب وجوب الزكاة برقم (1395)، ومسلم في الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين برقم (19).

([34]) فتح القدير (1/ 524).

([35]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/ 82).

([36]) الشرح الممتع (6/ 131).

([37]) الإرواء (3/ 297).

([38]) الشرح الكبير للدردير (1/ 459).

([39]) المجموع (5/ 519).

([40]) نقله ابن عبد الهادي في ” التنقيح ” عن الإمام أحمد (2/1421).

([41]) صحيح ابن خزيمة (4/34).

([42]) إعلام الموقعين (2/70).

([43]) مجموع فتاوى محمد بن إبراهيم (4/ 94).

([44]) السيل الجرار (ص: 233).

([45]) وقد أفردت كتابًا خاصًا بهذه المسألة طبع عام 1407 هـ، بعنوان (زكاة الحلي في الفقه الإسلامي) فليراجع.

([46]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/133).

([47]) انظر في ذلك: مغني المحتاج (1/297)، بدائع الصنائع (2/20، 21)، المغني لابن قدامة (4/ 249 – 251).

([48]) مجموع الفتاوى (25/ 15، 16).

([49]) زاد المعاد (2/ 5).

([50]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/ 159).

([51]) الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/ 138).

([52]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (9/ 308) رقم الفتوى (2324).

([53]) المحلى (6/ 233 – 240).

([54]) تمام المنة للألباني، ص 363 – 368.

([55]) جامع البيان في تأويل القرآن (5/555).

([56]) أنظر: لقاءات الباب المفتوح ابن عثيمين (163 /29).

([57]) رواه البخاري في الزكاة، باب ليس على المسلم في عبده صدقة برقم (1464)، ومسلم في الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه برقم (982)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([58]) شرح مسلم للنووي (7/55).

([59]) مغني المحتاج (2/125).

([60]) الشرح الممتع (6/35).

([61]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/481ـ 483).

([62]) المغني (4/265ـ 269).

([63]) المرجع السابق.

([64]) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة التضعيف قبل حديث (2414) مختصراً بمعناه، وأخرجه موصولاً عبد بن حميد في (مسنده) (1119)، وابن حزم في (المحلى) (9/137)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (3417).

([65]) رواه البخاري في الزكاة، باب وجوب الزكاة (1395)؛ ومسلم في الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين (19).

([66]) أنظر: حاشية الدسوقي (1/455)، المجموع (5/329ـ 331)، والمغني (4/69ـ 71).

([67]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/235).

([68]) الشرح الممتع (6/23).

([69]) رواه البخاري في الزكاة، باب وجوب الزكاة برقم (1395)، ومسلم في الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين برقم (19).

([70]) رواه الترمذي (641)، والدارقطني (2/109) واللفظ له، والبيهقي (7589).

([71]) أنظر: فتح القدير والعناية مع الهداية (1/483)، بدائع الصنائع (3/504).

([72]) رواه الإمام أحمد (4/224)، وأبو داود في الزكاة، باب من يعطى من الصدقة برقم (1633)، والنسائي في الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب (5/99)، قال الإمام أحمد رحمه الله: “ما أجوده من حديث، هو أحسنها إسناداً”. وصححه الذهبي في (التنقيح) (5/265)، وانظر: (نصب الراية) (2/401).

([73]) المغني (2/498).

([74]) رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة برقم (1582) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1046).

([75]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 495).

([76]) المغني (9/ 316).

([77]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 497، 498).

([78]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/ 16).

([79]) رواه مسلم، كتاب الزكاة ـ باب ترك استعمال آل النبي r على الصدقة برقم (1784).

([80]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (14/314).

([81]) الشرح الممتع (6/256).

([82])  رواه  البخاري في الزكاة، باب الزكاة على الزوج برقم (1466)؛ ومسلم في الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة … برقم (1000) عن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما.

([83]) شرح المنهاج وحاشية القليوبي (2/43)، المغني (4/90).

([84]) المغني (4/90).