خطبة بعنوان: (الاستهزاء بالله وبرسوله وآياته وشرعه) بتاريخ 18-3-1433هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً}(الأحزاب:70، 71).

أيها المؤمنون والمؤمنات: الناس في هذه الدنيا يبحثون عن الحرية والكرامة، بل ويُعييهم طلبها، ويبذلون الغالي والنفيس من أجل تحصيلها، غيرَ أن كثيرًا منهم سارَ في غير مسارِها، والتمسُوها في غير مظانِّها؛ فحسِبَها بعضُهم في اللَّهَث وراء الدنيا بزينتِها وزُخرُفها وشهواتها، وذهبَ بعضُهم إلى أبعدَ من ذلك؛ليصيرَ مفهوم الحرية عنده: (إن لم تكن ذِئبًا أكلَتْك الذئاب، وإن لم تَجهَل يُجهَل عليك، وإن لم تتغدَّ بزيدٍ تعشَّى بك!)، فالحريةَ عندهم: أن تقول ما تشاء، وتفعل ما تشاء، وتكتبَ ما تشاء، وتتكلَّم فيمن تشاء، دون زمامٍ ولا خِطام، حتى ولو كان في أمور الدين والعقيدة وحقِّ الله وحقِّ رسوله صلى الله عليه وسلم.
وها هو أحد أبناء هذا الوطن تخرج من فيه ألفاظ خطيرة، وانتهاكات آثمة عظيمة، تجاوز فيها حدود الأدب مع الله تعالى وتقدس، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع كتابه العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
هذا الشخص الذي تكلم في حق الله تعالى، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم بكلام فاحش بذيء، ونطق بما لم ينطق به غيره من أعداء هذا الدين.

إن هؤلاء الأشخاص الموجودين في أوساط المجتمع من أمثال هذا خطر عظيم على الأمة الإسلامية لأن القدح في الشيء إذا أتى من أهله كان أقوى تأثيراً من غيرهم.

فكيف يليق بمسلم أن يتلفظ بتلك الألفاظ الخطيرة التي تورد المهالك، وتوصل صاحبها إلى غضب الله تعالى وسخطه وعذابه.
لقد أساء هذا الشخص إساءة بالغة في حق الله، وفي حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم بتحريفه من خلال تلك التغريدة التي نشرت عبر موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، ومن ذلك:
تشكيكه في وجود الله تعالى: وذلك عندما سأله أحد محاوريه: هل تجعل الذات الإلهية افتراضية وليست قطعية؟ قال: لا يستطيع الجزم إلا شخص كلمه أو رآه أو كلمه أو حسَّه، وجَزْمَهُ ـ لو كان ـ ليس ملزما لغيره. ولو افترضنا وجود الله فإنه سيجعلكم في عينه على الدوام ما دمتم جيدين). تعالى الله عما يقولُ علواً كبيراً.

وأيضاً: تنقصه لجناب النبي صلى الله عليه وسلم:فيقول ـ كفانا الله شره ـ في يوم مولده صلى الله عليه وسلم:
ـ في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي وأتحدث معك كصديق فحسب.
ـ في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول إنني أحببت أشياء فيك، وكرهت أشياء أخرى، ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى.
ـ في يوم مولدك سأقول إنني أحببت الثائر فيك، لطالما كان ملهماً لي وإنني لم أحب هالات القداسة، لن أصلي عليك. انتهى كلامه.

عباد الله: إن ما سمعتم هو ما ذكره هذا الشخص حول الخالق سبحانه ومقام النبي، وأقول إن النيل من ذات الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم جريمةٌ آثمة وخطبٌ جلل؛ إن في انتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم انتقاصاً للمرسِل عز وجل، وطعناً في الشريعة، وتطاولاً على كل مسلم في كل أنحاء العالم .
يقول ابن تيمية رحمه الله:”إن سبَّ الله أو سبَّ رسوله كفرٌ ظاهرًا و باطنًا، وسواءٌ كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل”.
ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: “من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، وذلك أنه إذا شتم فقد ارتد عن الإسلام، ولا يشتم مسلم النبي صلى الله عليه وسلم”.
ويقول القاضي أبو يعلى: من سبَّ الله أو سبَّ رسوله فإنه يكفر، سواء استحل سبَّه أو لم يستحله”.
ويقول ابن راهويه: “قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئًا مما أنزل الله أو قتل نبيًا من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله.

وقال ابن تيمية رحمه الله: هذا مذهب عامة أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن حدّ من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم القتل. وممن قاله مالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي..
وبناءً على ما سبق ذكره من الضلال والبهتان والإثم الذي تفوّه بهِ هذا الشخص على اللهِ تعالى ورسوله؛ فالواجب تطبيقِ حكمِ الله ورسولهِ عليهِ الصلاةُ والسلام فيه. قياماً بواجبِ الحماية لجنابِ الله سبحانهُ وتعالى وجنابِ رسولهِ عليهِ الصلاة والسلام، وردعاً لكلِّ من تسولُ لهُ نفسه أن يعبثَ بمقدّسات الشريعةِ وثوابتها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً}(الأحزاب: 57}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على حلمه وعفوه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن النجاة في التمسك بكتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

عباد الله: لقد صدر عن اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية بيان أكدت فيه أن الاستهزاء بالله ورسوله وآياته وشرعه وأحكامه من أعظم أنواع الكفر؛ وهو ردة عن دين الله.
وأشارت اللجنة في البيان إلى أن مَن استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من دينه فقد تنقصَّه واحتقَره، واحتقارُ شيءٍ من ذلك وتنقصُّه كفرٌ ظاهرٌ وعداءٌ لرب العالمين وكفرٌ برسوله الأمين، وأن الواجب على ولاة الأمر محاكمته شرعاً، كما أن الواجب على عموم المسلمين الحذر من مثل ذلك سواء بالقول أو بالكتابة أو بالفعل، حذراً من غضب الله وعقابه والردة عن دينه وهو لا يشعر.

عباد الله: ولقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بـالقبض فوراً على هذا الشخص المسمى حمزة كاشغري، الذي أساء إلى الذات الإلهية وإلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء في أمر وجّهه خادم الحرمين الشريفين إلى وزير الداخليةـ أن الكاتب كاشغري تجاوز كافة الخطوط الحمراء، وأن ما صدر من المذكور لا ينطوي عليه ضمير فيه ذرة من الإيمان. وأضاف: أن ما بدر عن كاشغري أمر لا يقبل منه بأي حال من الأحوال، ولا مكان للأعذار معه، فإن كان المرء يحاكم على القذف تجاه الآخر فكيف بمن يتطاول على الذات الإلهية ورسولنا صلى الله عليه وسلم؟ لذلك اعتمدوا القبض على المذكور وسجنه وإحالته لهيئة التحقيق والادعاء العام وإكمال اللازم. وقد وجه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجه بمنع الكاتب حمزة كاشغري من الكتابة في أي صحيفة أو مجلة سعودية؛ مؤكدا أن الوزارة ستقوم بالإجراء القانوني حيال ذلك.. وقال: لقد بكيت وغضبت من أن يتطاول أحدٌ خاصة في بلاد الحرمين على مقام النبوة بكلام لا يليق بمسلمٍ يخاطب سيد الخلق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه.

فأمثال هؤلاء لابد من الوقوف أمامهم، والتصدي لأفكارهم الشاذة، واعتقاداتهم الباطلة، ولابد أن يقف المجتمع كله لينكر عليهم تلك الوساوس والخطرات، فهم شرٌ مستطير في مجتمعنا يجب بتره.
عباد الله: ومن ارتد عن الإسلام فإن حكم الشرع فيه أن يستتاب ويمهل ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما بلغه أن رجلاً كفر بعد إسلامه فضربت عنقه قبل استتابته، فقال: “فهلا حبستموه ثلاثاً، فأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله، اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني” (رواه مالك في الموطأ)، لكن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل بكل حال ولو تاب.

والحكمة في وجوب قتل المرتد أنه لما عرف الحق وتركه صار مفسداً في الأرض لا يصلح للبقاء لأنه عضو فاسد يضر المجتمع ويسيء إلى الدين، وقد يفتح المرتد لأعداء الأمة ثغرات للإضرار بها بما يقدمه لهم من معلومات، وقد تؤدي الردة إلى اضطراب المجتمع بإغراء البسطاء بالإقتداء بالمرتد حين يظفر بحماية أعداء الملة وما يغدقون عليه من رفاهية العيش. فكان جزاء كل من ارتد عن دينه قطع رقبته إلا أن يتوب ويرجع لدينه مرة أخرى.
نسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا من شر هؤلاء، وأن يبصرنا بأمر ديننا ودنيانا، وأن يمن علينا بنعمة الإيمان والثبات على صراط الله المستقيم.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: ٥٦). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفقهم لكل خير، ويسره لهم يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم ارحم المظلومين والمستضعفين، اللهم كن لإخواننا الذين ابتلوا في دينهم فاشتد كربهم وعظمت مصيبتهم، اللهم سلط على من آذاهم واعتدى على حرماتهم وأهليهم يا جبار يا منتقم.
اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الصالحين يا أكرم الأكرمين.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} (البقرة).
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، سحاً طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 18-3-1433هـ