الفتوى وأهميتها

السبت 11 جمادى الآخرة 1440هـ 16-2-2019م

 

 

المقدمة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] ([1])، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً]([2])،[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً]([3]) أما بعد:

فإن أمتنا الإسلامية في العصور المتأخرة بدأ يدب فيها مرض فتاك، وداء عضال، يؤثر على الأخضر واليابس، وعلى الصحيح والسقيم، وعلى الكبير والصغير حتى غدا الناس يتقلبون بين أهل الكلام والأهواء، الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، فبثوا سموم فتاويهم بين الناس ليهلكوا الحرث والنسل، وما ذاك إلا بسبب ضعف إيمانهم، وتعلقهم بالدنيا، وحبهم لها، وشغفهم بشهواتها، وكم رأينا ممن يخرج على المسلمين من هؤلاء ليفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال:( إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)([4]).

ولله در ابن القيم رحمه الله حيث يقول:(ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق؛ فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السِّيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله؛ وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السَّنِيَّات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسمواتِ؟ فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به؛ فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى:[وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ]([5])، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفا وجلالة؛ إذ يقول في كتابه:[يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ]([6])، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غدا وموقوف بين يدي الله) ([7]).

وبهذا تعلم أهمية الفتوى وضرورتها للناس، وأن شأنها عظيم ومقدارها جليل، وحاجة الناس إليها في جميع شؤونهم، ومن أجل ذلك وجب على المسلمين أن يجتهدوا في معرفة أهمية الفتوى، ومن الذي يقوم بها وصفاته، وما هي أنواع الفتوى ومجالاتها، وشروط من له الإفتاء حتى يكونوا على بصيرة بذلك لئلا يقعوا فريسة في أيدي أصحاب الهوى والرأي الذين ضلوا وأضلوا، وتسببوا في إغواء الكثير من المسلمين.

وليسمع هؤلاء الذين يفتون الناس بغير علم قول الله فيهم [قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..] ([8])، وليعلموا أنهم موقوفون بين يدي الله يوم العرض الأكبر فيسألهم عما أفتوا به، كما قال تعالى [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ] ([9]).
ومما هو واجب على من ولاه الله أمر المسلمين أن يقف في وجوه هذه الفئة حتى لا يكونوا سبباً في فتنة الناس وإضلالهم، وإبعادهم عن صراط الله المستقيم.
ولقد وجه لي مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة كتابة بحث حول هذا الموضوع الهام والذي يحتاج إلى معرفته جميع المسلمين لما له من أهمية عظمى في حياتهم الدنيا والآخرة، ولضرورة التبصر بمن يتسابقون للتصدر للفتوى ليلاً ونهاراً على القنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وليتم التعرف على من يفتي مستنداًً على العلم الشرعي ومن يفتي تبعاً لهواه وآراء الناس.
فالله تعالى أسأل أن ينفع بهذا البحث كاتبه وقارئه وكل من يطلع عليه، وأن يجعله خالصاً لوجه، وأن يمن علينا وعلى المسلمين بالثبات على دينه، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

*وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
*
*
ملخص البحث:
الهدف من البحث: هو إيضاح حقيقة الفتوى وأهميتها ومجالاتها وعظم شأنها، وشروط من له الإفتاء وصفاته، وكيف كان منهج السلف الصالح ومن سار على دربهم في الفتوى والإفتاء، وخطورة الفتوى وكثرة من يتعرض لها من المتأخرين لما له من الأثر على عقيدة المسلم ودينه، وضرورة الوقوف في وجه من يتعرض للفتوى من بعض المتأخرين الذين يناقضون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بحيث يرى القارئ أن من يتصدر للفتوى سوف يتحمل تبعاتها يوم العرض على الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على السير على نهج السابقين في الصدق واليقين وخشية رب العالمين، وأن يثبتنا على صراطه المستقيم، وأن يبصرنا بأمر ديننا، وأن يكفينا شر أنفسنا، وأن يرحم علماءنا السابقين الذين أفنوا حياتهم في تعليم الناس الخير، وأن يحفظ علينا علماءنا ومشايخنا اللاحقين، وأن يمدهم بعونه وتوفيقه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين.
*
خطة البحث:
اشتمل البحث على عدة مباحث ومطالب، ويتفرع عنها بعض المسائل والفروع التي تتعلق بها:
*
المبحث الأول: حقيقة الفتوى ومجالاتها، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الفتوى ومكانتها في الإسلام.*********
المطلب الثاني: أركان الفتوى (المستفتي ـ المفتي ـ الفتوى).**************
المطلب الثالث: أنواع الفتوى (الفتوى بالرأي ـ الفتوى بالتقليد ـ الفتوى بالدليل والاجتهاد).
المطلب الرابع: مجالات الفتوى.
*
المبحث الثاني: عظم شأن الفتوى، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: عظم شأن الفتوى في القرآن الكريم.**
المطلب الثاني: عظم شأن الفتوى في السنة المطهرة.
المطلب الثالث: عظم شأن الفتوى عند السلف.*****
*
المبحث الثالث: شروط من له الإفتاء، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: صفات المفتي.*******
المطلب الثاني: الشروط الواجب توافرها فيمن يفتي.
*
الخاتمة.
المصادر والمراجع.

المبحث الأول: حقيقة الفتوى ومجالاتها، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الفتوى، ومكانتها في الإسلام:********
****
تعريف الفتوى لغة:
اسم مصدر بمعنى الإفتاء، والجمع الفتاوَى والفتاوِي، يقال: أفتيته فَتْوى، وفتيا إذا أجبته عن مسألته، والفتيا تبيين المشكل من الأحكام،وتفاتوا إلى فلان: تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفتيا، والتفاتي: التخاصم، ويقال: أفتيتُ فلاناً رؤيا رآها، إذا عَبَرْتها له([10]) ومنه قوله تعالى حاكياً:[يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي]([11]).

والاستفتاء لغة:
طلب الجواب عن الأمر المشكل، ومنه قوله تعالى:[وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً]([12]) وقد يكون بمعنى مجرد سؤال، ومنه قوله تعالى:[فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا]([13])، قال المفسرون: أي اسألهم([14]).

والفتوى في الاصطلاح:
تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه([15])، وهذا يشمل السؤال في الوقائع وغيرها. فهي إبانة الأمر وإيضاحه، يقال: أفتى فلان فلاناً إذا بان له، وأوضح له الطريق أو المسألة، أو ما أشكل عليه من الأمور سواء أكان ما أشكل عليه لغوياً أم شرعياً.
قال ابن فارس:(يقال أفتى الفقيه في المسألة إذا بيَّن حكمها، واستفتيت إذا سألتَ عن الحكم، ويقال منه فَتْوَى، وفُتْيَا) ([16])، قال الله تعالى:[ يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ] ([17])، وافتاه في الأمر: أبانه وأوضحه([18]).

حكم الفتوى:
ذكر العلماء أن الفتوى فرض كفاية، إذ لابد أن يكون بين المسلمين من يبين أحكام الدين للناس، ومعلوم أنه لا يحسن ذلك كل أحد، فوجب أن يقوم به من لديه القدرة على ذلك.
والفتوى لم تكن فرض عين على المسلمين لأن ذلك يتطلب الاجتهاد في تحصيل علوم شرعية جمة، فلو كلف بها كل مسلم لأفضى ذلك إلى تعطيل أعمال الناس ومصالحهم، لكنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
ومما يدل على فرضية الفتوى قول الله تعالى [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ] ([19]).
وقوله تعالى:[فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]([20]).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ) ([21]).
قال المحلّلّي: ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحجج العلمية، وحل المشكلات في الدين، ودفع الشبه، والقيام بعلوم الشرع كالتفسير والحديث والفروع الفقهية بحيث يصلح للقضاء والإفتاء للحاجة إليهما) ([22]).

مكانة الفتوى وأثرها:
الفتوى في دين الإسلام لها مكانة عالية، ومنزلة عظيمة، ومهمة جليلة، فهي أمر تولاه الله تعالى بنفسه، قال تعالى: [يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ]([23])، وقام بها الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تولى هذا المنصب الذي كلفه الله به حيث قال تعالى:[وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]([24]) ، ثم علماء الصحابة من بعده، ثم العلماء الربانيون من بعدهم، فهي توقيع عن رب العالمين، فالمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان، وقد تولى هذه الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام، ثم أهل العلم بعدهم.
قال الإمام الشاطبي([25]) رحمه الله:(فإن المفتي قائم مقام النبي صلى الله عليه وسلم فهو خليفته ووارثه، وفي الحديث:(الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ) ([26])، وهو نائب عنه في تبليغ الأحكام، وتعليم الأنام، وإنذارهم بها لعلهم يحذرون، وهو إلى جوار تبليغه في المنقول عن صاحب الشريعة، قائم مقامه في إنشاء الأحكام في المستنبط منها بحسب نظره واجتهاده، فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتِّبَاعه، والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق) ([27]).

قال ابن القيم رحمه الله:(ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه،لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم وَالصدق؛ فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟ فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به؛ فإن الله ناصره وهاديه، وَكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى:[وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ] وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفا وجلالة؛ إذ يقول في كتابه:[يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ]، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غدا وموقوف بين يدي الله)([28]). قال صلى الله عليه وسلم:(أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)([29]).

ولذلك لما علم السلف ـ رضوان الله عليهم ـ مكانتها كانوا من عظم المسؤولية وخطورة الفتوى يكرهون التسرع في إجابتها، ويتدافعونها ويحجمون عنها، ويشددون النكير على من استشرف لها، وسارع فيها، وحرص عليها، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى.

ضوابط الفتوى:
(1) يجب أن تتوافر في الفتوى لتكون محلا للقبول، اعتمادها على الأدلة الشرعية المعتبرة:
من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للمفتي أن يتعداهما إلى غيرهما قبل النظر فيهما، ثم الاعتماد عليهما، كما لا يجوز له مخالفتهما اعتمادا على غيرهما.
فمن الكتاب: قوله تعالى [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا]([30]).
ومن السنة: ما رواه الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديث اللعان وقول النبي صلى الله عليه وسلم :(أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلج الساقين (أي: ممتلئ الساقين) فهو لشريك بن سحماء، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لهلال ابن أمية) فجاءت به على النعت المكروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ)([31]).

قال ابن القيم رحمه الله:(يريد ـ والله ورسوله أعلم ـ أنه كان يحدها لمشابهة ولدها للرجل الذي رميت به، ولكن كتاب الله فصل الحكومة، وأسقط كل قول وراءه، ولم يبق للاجتهاد بعده موقع) ([32]).
فالفتوى الشرعية إذاً يجب أن تعتمد على كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يحسن بمن يفتي تبيين الدليل الشرعي، لأن لب الفتوى وقوتها وجمالها هو الدليل.
وثالثهما الإجماع: وهو محل اتفاق علماء المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي في واقعة، وهو حجة شرعية يجب اتباعها، ولا تجوز مخالفتها، والحكم الثابت بالإجماع حكم شرعي قطعي لا مجال لمخالفته ولا نسخه.

والدليل على حجية الإجماع، قول الله تعالى:[وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ] ([33]).
ورابعهما القياس: وهو إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص في حكمها في الحكم الذي ورد به النص، لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم، وهو حجة شرعية أيضاً على الأحكام العملية عند جمهور الفقهاء، كما أنه في المرتبة الرابعة من الحجج الشرعية بحيث إذا لم يوجد في الواقعة حكم بنص أو إجماع وثبت أنها تساوي واقعة نص على حكمها في علة هذا الحكم فإنها تقاس بها ويحكم فيها بحكمها، ويكون هذا حكمها شرعاً ويسع المكلف اتباعه والعمل به.
ودليل حجية القياس قوله الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً] ([34]). ولا يحسن القياس إلا فقيه النفس أصولي الطبع، وما لم يكن كذلك فإنه تغلبه الغفلة ويزل من أول وهلة .

(2) تعلق الفتوى بموضوع الاستفتاء: إن الفتوى إذا تعلقت بموضوع الاستفتاء بلغت بالمستفتي حاجته وحصل منها على مراده، فإذا خرجت عن ذلك فإنها لا تسد له حاجة، ولا تحل له مشكلة، ولا تنقذه من معضلة، ولم يشرع الإفتاء إلا للإجابة على التساؤلات وحل ما يعرض للإنسان من مشكلات.
ويجوز أن تكون الفتوى أشمل من موضوع الاستفتاء بحيث يجيب السائل بأكثر مما سأل عنه لفائدة يرى أنها تفيد السائل، فقد سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر، فقالوا له:(إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا،أفنتوضأ من ماء البحر؟فقال:هو الطهور ماؤه الحل ميتته)([35]).
فقد بيَّن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حِلِّيةِ ميتة البحر رغم أنهم لم يسألوا عنها لما في ذلك من عظيم الفائدة لهم.
وقد ذكر البخاري ذلك في صحيحه فقال:(باب من أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه)، ثم ساق من الحديث ما يدل على ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله:(ويجوز العدول عن موضوع الاستفتاء إلى موضوع آخر يكون أنفع للسائل مما سأل عنه أو يكون موضوع الاستفتاء لا يترتب عليه عمل أو لكون مدارك السائل لا تقوى على فهم ذلك الموضوع الجلل، يدل على ذلك قول الله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ] ([36]). فقد سألوه عن سبب ظهور الهلال خفياً ثم لا يزال يتزايد فيه النور على التدريج حتى يكمل ثم يأخذ في النقصان فأجابهم عن حكمه ذلك في ظهور مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم في أحوالهم ومعاشهم ومواقيت أكبر عبادتهم وهو الحج.
فإن كانوا قد سألوا عن السبب فقد أجيبوا بما هو أنفع لهم مما سألوا عنه وإن كانوا إنما سألوا عن حكمة ذلك فقد أجيبوا عن عين ما سألوا عنه ولفظ سؤالهم محتمل فإنهم قالوا ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يأخذ في الزيادة حتى يتم ثم يأخذ في النقص)([37]).
كما يجوز العدول عن موضوع السؤال أو الإمساك عن الجواب إذا ترتب على الجواب فتنة للسائل، وهذا يعتمد على كياسة وفطانة المفتي وقوة بصيرته بالسائل، فقد سأل رجل ابن عباس – رضي الله عنهما – عن تفسير آية، فقال له: وما يؤمنك أني لو أخبرتك بتفسيرها كفرت به؟ أي أنكرت هذا الحكم.

(3) سلامة الفتوى من الغموض:
يجب على المفتي تقديم الفتوى بأسلوب مبين، وكلام واضح قويم لئلا يكون فيها غموض يحير السائل، وقد وجه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله:[وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ] ([38]).
(4) مراعاة حال الفتوى وزمانها ومكانها:
قد تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان إذا كان الحكم مبنياً على عرف بلد ثم تغير هذا العرف إلى عرف
جديد ليس مخالفاً لنص شرعي، وهذا مشاهد لما عليه المسلمون الآن، وخاصة مع وجود المتغيرات الكثيرة التي تعرض للمسلمين داخل بلدانهم وخارجها.
قال ابن القيم رحمه الله:(فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم فإن لم يكن فقيها فيه فقيها في الأمر والنهي ثم يطبق أحدهما على الآخر وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح فإنه إذا لم يكن فقيها في الأمر له معرفة بالناس تصور له الظالم بصوره المظلوم وعكسه والمحق بصورة المبطل وعكسه وراج عليه المكر والخداع والاحتيال وتصور له الزنديق في صورة الصديق والكاذب في صورة الصادق ولبس كل مبطل ثوب زور تحتها الإثم والكذب والفجور وهو لجهله بالناس وأحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم لا يميز هذا من هذا بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله)([39]).
غير أنه لا تصح مخالفة النصوص أو تأويلها تأويلاً تعسفياً ولا تطويعها لواقع غير إسلامي بدعوى فهم الواقع أو تغير الزمان.
(5) التجرد من الهوى في المفتي والمستفتي:
وهذه من أهمها أن تكون مأهمتجردة عن الأهواء، سواء كانت من المستفتي أو المفتي.
أما المستفتي: فقد يدفعه الهوى لتزيين الباطل بألفاظ حسنة ليغرر بالمفتي حتى يسوغ له ذلك، مع أن ما يسأل عنه من أبطل الباطل.
قال ابن القيم رحمه الله:(ينبغي للمفتي أن يكون بصيرا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذرا فطنا، فقيها بأحوال الناس وأمورهم، يؤازره فقهه في الشرع وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ) ([40]).

وأما المفتي فإن تجرده من الهوى أشد لزوماً من المستفتي لأنه مخبر عن الله تعالى فإن أفتى بهواه موافقة لغرضه أو غرض من يحابيه كان مفتريا على الله لقول الله تعالى [وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ .مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ]([41]).
قال ابن القيم رحمه الله:(لا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به ويفتي به ويحكم به ويحكم على عدوه، ويفتيه بضده وهذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر) ([42]).
أثر الفتوى الشرعية في الأمة الإسلامية:
معلوم أن الفتوى إذا كانت مؤصلة تأصيلاً شرعياً خالية من التنطع، بعيداً عن الأقوال الشاذة والضعيفة، قوية بالأدلة، مراعىً فيها رضا الحق، وملاحظاً بها مصالح الخلق، فإنها تترك آثاراً طيبة، ومن ذلك:
أولاً: إزالة الجهل: فالفتوى عبارة عن سؤال المستفتي وإجابة المفتي وهي نوع من المدارسة العلمية، يتعلم من خلالها السائل أحكام دينه، وهو نوع من العلم الذي حض الله تعالى على تحصيله في كتابه الكريم، وفي سنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: العمل على تصحيح مسار الفرد والمجتمع: فالفتوى السليمة، تأخذ بأيدي الناس إلى طريق الجادة القويم، وتبعدهم عن البدع الذميمة، وتصحح مسارهم لئلا يزلوا، وتحذرهم من البدع لئلا يضلوا، وفي ذلك صلاح الفرد وسلامة المجتمع.
ثالثاً: توثيق صلة الأمة بعلمائها: إن الفتوى القويمة توثق صلة الأمة بعلمائها، وتربطهم بولاة الأمر في شئون دينها وما أحوج الأمة إلى ذلك التلاحم الذي يقود ركبه حملة أشرف رسالة .
رابعاً: تبصرة طالب العلم: إذا وفق الله تعالى طلبة العلم إلى استفتاء العلماء المتمكنين، العاملين المخلصين، فإن آفاق المعرفة تتفتح أمامهم ينهلون من معينها، ويرشفون من حقائقها فتتنور بصائرهم، وتنضج معارفهم، وقديماً دل لقمان الحكيم ولده على منبع الخير حتى ينهل منه، فقال له:(يا بني جالس العلماء،وزاحمهم بركبتيك،فإن الله يحيي القلوب الميتة بالحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء)([43]).
خامساً: إعانة المسلمين على أداء التكاليف الشرعية على الوجه الصحيح: فكلما كانت الفتوى سديدة ومعتمدة على الأدلة الصحيحة فإنها تكون أدعى على حمل الناس على أداء التكاليف الشرعية على الوجه الذي أراده الله ورسوله وفي ذلك إحياء للسنن وإماتة للبدع .
*
*
المطلب الثاني: أركان الفتوى (المفتي ـ المستفتي ـ الفتوى):
أولاً: المفتي:
تعريف المفتي لغة:
اسم فاعل من أفتى، فمن أفتى مرة فهو مفتٍ، ولكنه يحمل في الحكم الشرعي بمعنى أخص من ذلك، قال الصيرفي: هذا الاسم موضوع لمن قام للناس بأمر دينهم، وعَلِمَ جُمَل عموم القرآن وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، وكذلك السنن والاستنباط، ولم يوضع لمن عَلم مسألة وأدرك حقيقتها، فمن بَلَغ هذه الرتبة سمَّوْهُ بهذا الاسم، ومن استحقه أفتى فيما استفتي فيه([44]).
قال ابن الصلاح:(أما شروطه وصفته فهو: أن يكون مكلفاً مسلماً ثقة، مأموناً، منزهاً من أسباب الفسق، ومسقطات المروءة؛ لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد، وإن كان من أهل الاجتهاد، ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط متيقظاً)([45]).
وقال ابن حمدان:(ومن صفته وشروطه: أن يكون مسلماً عدلاً مكلفاً فقيهاً مجتهداً يقظاً صحيح الذهن والفكر والتصرف في الفقه وما يتعلق به)([46]).
وقد بين ابن حمدان سبب تأليف كتابه القيم (صفة الفتوى والمفتي والمستفتي) بقوله: (عظم أمر الفتوى وخطرها، وقل أهلها ومن يخاف إثمها وخطرها وأقدم عليها الحمقي والجهَّال، ورضوا فيه بالقيل والقال، واغتروا بالإمهال والإهمال، واكتفوا ـ بزعمهم ـ أنهم من العَدد بلا عُدد، وليس معهم بأهليتهم خط أحد، واحتجوا باستمرار حالهم في المُدد بلا مَدد، وغرّهم في الدنيا كثرةُ الأمنِ والسلامة وقلة الإنكار والملامة)([47]).

فإذا كان هذا حال المفتين في عصره فكيف لو رأى عصرنا الذي تصدى فيه للإفتاء من لم يذق طعم العلم أصلاً، ولم يعرف له فرعاً ولا أصلاً، من هؤلاء الكُتّاب الذين يَدّعُون الفكر، والذين تربوا على ثقافة الغرب وأخلاقهم، فامتلأت الصحف من أقوالهم وآرائهم في الدين، فملأوا الأوراق ضلالاً، والقلوب شكوكاً، والمسلمين فَساداً وتَفرقاً، حتى أصبح الناس شيعاً وأحزاباً [كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ]([48])، وما ذكرناه أخبرنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم في قوله:( إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)([49]).
لذلك فعمل المفتي من الضرورة بمكان إذا كان لائقاً لمكانته، متحملاً لمسؤوليته.
روي عن الإمام أحمد رحمه الله من رواية ابنه صالح أنه قال:(ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالماً بوجوه القرآن، عالماً بالأسانيد الصحيحة، عالماً بالسنن، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها).
*وقال أيضاً في رواية ابنه عبد الله:(إذا كان عند الرجل الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة والتابعين فلا يجوز أن يعمل بما شاء ويتخير، فيقضي به، ويعمل به حتى يسأل أهل العلم ما يؤخذ به فيكون يعمل على أمر صحيح) ([50]).
وقال في رواية أبي الحارث:(لا يجوز الإفتاء إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة).
*وقال في رواية حنبل:(ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم وإلا فلا يفتي) ([51]).
ومعلوم أن عمل المفتي هو الإخبار بالحكم الشرعي عن دليله، فإذا عُلم ذلك فإنه يستلزم أموراً:
الأول: تحصيل الحكم الشرعي المجرد في ذهن المفتي:
فإن كان مما لا مشقة في تحصيله لم يكن تحصيله اجتهاداً، كما لو سأله سائل عن أركان الإسلام ما هي؟ أو عن حكم الإيمان بالقرآن؟ وإن كان الدليل خفياً، كما لو كان آية من القرآن غير واضحة الدلالة على المراد، أو حديثاً نبوياً وارداً بطريق الآحاد، أو غير واضح الدلالة على المراد، أو كان الحكم مما تعارضت فيه الأدلة أو لم يدخل تحت شيء من النصوص أصلاً، احتاج أخذ الحكم إلى اجتهاد في صحة الدليل أو ثبوته أو استنباط الحكم منه أو القياس عليه.

الثاني: معرفة الواقعة المسؤول عنها:
بأن يذكرها المستفتي في سؤاله، وعلى المفتي أن يحيط بها إحاطة تامة فيما يتعلق به الجواب، بأن يستفصل السائل عنها، ويسأل غيره إن لزم، وينظر في القرائن.
الثالث: أن يعلم انطباق الحكم على الواقعة المسؤول عنها:
بأن يتحقق من وجود مناط الحكم الشرعي الذي تحصّل في الذهن في الواقعة المسؤول عنها لينطبق عليها الحكم، وذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية بخصوصها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة، تتناول أعداداً لا تنحصر من الوقائع، ولكل واقعة معينة خصوصية ليست في غيرها. وليست الأوصاف التي في الوقائع معتبرة في الحكم كلها، ولا هي طردية كلها، بل منها ما يعلم اعتباره، ومنها ما يعلم عدم اعتباره، وبينهما قسم ثالث متردد بين الطرفين، فلا تبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللمفتي فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل، وهل يوجد مناط الحكم في الواقعة أم لا؟ فإذا حقق وجوده فيها أجراه عليها، وهذا اجتهاد لابد منه لكل مفت، ولو فرض ارتفاع هذا الاجتهاد لم تتنزل الأحكام على أفعال المكلفين إلا في الذهن، لأنها عمومات ومطلقات، منزلة على أفعال مطلقة كذلك، والأفعال التي تقع في الوجود لا تقع مطلقة، وإنما تقع معينة مشخّصة، فلا يكون الحكم واقعاً عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعيّن يشمله ذلك المطلق أو ذلك العام، وقد يكون ذلك سهلاً وقد لا يكون، وذلك كله اجتهاد.
ومثال هذا: أن يسأله رجل هل يجب عليه أن ينفق على أبيه؟
فينظر أولاً في الأدلة الواردة، فيعلم أن الحكم الشرعي أنه يجب على الابن الغني أن ينفق على أبيه الفقير، ويتعرف ثانياً حال كل من الأب والابن، ومقدار ما يملكه كل منهما، وما عليه من الدين، وما عنده من العيال، إلى غير ذلك مما يظن أن له في الحكم أثراً، ثم ينظر في حال كل منهما ليحقق وجود مناط الحكم ـ وهو الغنى والفقر ـ فإن الغنى والفقر اللذين علق بهما الشارع الحكم لكل منهما طرفان وواسطة، فالغنى مثلاً له طرف أعلى لا إشكال في دخوله في حد الغنى، وله طرف أدنى لا إشكال في خروجه عنه، وهناك واسطة يتردد الناظر في دخولها أو خروجها، وكذلك الفقر له أطراف ثلاثة ـ فيجتهد المفتي في إدخال الصورة المسؤول عنها في حكم أو إخراجها بناء على ذلك.
وهذا النوع من الاجتهاد لابد منه في كل واقعة ـ وهو المسمى تحقيق المناط ـ لأن كل صورة من صور النازلة نازلة مستأنفة في نفسها، لم يتقدم لها نظير، وإن فرضنا أنه تقدم مثلها فلابد من النظر في تحقيق كونها مثلها أو لا، وهو نظر اجتهاد([52]).
أثر الجانب الأخلاقي للمفتي على المستفتي:
إن الجانب الأخلاقي للمفتي له أثره الهام والضروري على المستفتين، بحيث أن تطبيق المفتي لأوامر الشرع الحنيف على نفسه، وقيامه بالأمر والنهي، وظهور ذلك عليه يكون لذلك الأثر الطيب على قبول فتواه والعمل بها، ومن الأشياء التي ينبغي على المفتي التزامها ما يلي:
1- لابد للمفتي مع العلم الذي يحمله أن يكون عاملاً به، وأن يكون مع العمل خشية، والعلم الذي لا يثمر خشية الله وتقواه لا قيمة له في ميزان الحق، قال الله تعالى:[إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ]([53])
2- أن تكون فتواه بما يعلم أنه الحق بما لديه من أدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولو أغضب من أغضب من أهل الدنيا، وحسبه أن يُرْضِي الله تبارك وتعالى.
3- رجوعه عن الخطأ إذا تبين له، وإنما يأثم إذا عرفه ثم أصرَّ عليه عنادًا وكبرًا، أو خجلاً من الناس، ولا إثم عليه في خطئه إذا لم يعلم به، لأنه مأجور عليه، وقد وجه عمر بن الخطاب([54]) رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري([55]) كتاباً قال فيه:(لا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم، فراجعت فيه رأيك، فهُديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء)([56]).
4- أن يكون صادق التوجه إلى الله، شديدٌ افتقاره إليه، وحاجته إلى عونه وفضله، وأن يسأله الصواب في قوله وأن يجنبه الزلل فيه.
5- أن يُحِيل سائله إلى من هو أعلم منه بموضوع الفتوى إذا لم يجد لها جواباً، ولا يجد في صدره حرجًا
من ذلك، وهذا دأب سلفنا الصالح، وقد سُئلت عائشة أم المؤمنين([57]) عن المسح على الخفين، فقالت
للسائل: سَلْ عليّاً([58])، فإنه أعلم مني بهذا، وقد كان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم.
6- أن يكون متصفاً بالورع، والتواضع، ولين الجانب، وحسن البشر، وقوة الصبر على الإنصات للسائلين، وألا ينصرف عن السائل بوجهه حتى يستمع لحاجته، فكم كان للنبي صلى الله عليه وسلم من مواقف شتى، ومن ذلك: ما رواه النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(بينما النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه جاء رجل من أهل البادية، قال: أيكم بن عبد المطلب؟ قالوا: هذا الأمغر المرتفق، قال حمزة: الأمغر الأبيض مشرب حمرة، فقال: إني سائلك فمشتد عليك في المسألة، قال: سل عما بدا لك، قال: أسألك بربك ورب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من أثنى عشر شهرا؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا؟ قال: اللهم نعم، قال: فإني آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة) ([59]).
*
صيغة فتوى المفتي:
ينبغي لسلامة الفتيا وصدقها وصحة الانتفاع بها أن يراعي المفتي أموراً منها:
(1) تحرير ألفاظ الفتوى لئلا تُفهم على وجه باطل.
(2) أن لا تكون الفتوى بألفاظ مجملة، لئلا يقع السائل في حيرة، كمن سئل عن مسألة في المواريث فقال: تقسم على فرائض الله عز وجل.
(3) يحسن ذكر دليل الحكم في الفتيا سواء كان آية أو حديثاً حيث أمكنه ذلك، ويذكر علته أو حكمته، و لا يلقيه إلى المستفتي مجرداً، فإن الأول أدعى للقبول بانشراح صدر وفهم لمبنى الحكم، وذلك أدعى للطاعة والامتثال، وفي كثير من فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحكم([60]).
(4) لا يقول في الفتيا هذا حكم الله ورسوله إلا بنص قاطع، أما الأمور الاجتهادية فيتجنب فيها ذلك لحديث:(وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟)([61]).
(5) ينبغي أن تكون الفتيا بكلام موجز واضح مستوف لما يحتاج إليه المستفتي مما يتعلق بسؤاله، ويتجنب الإطناب فيما لا أثر له، لأن المقام مقام تحديد، لا مقام وعظ أو تعليم أو تصنيف([62]).
وسنذكر لاحقاً شروط وصفات المفتي في المبحث الثالث ـ إن شاء الله تعالى ـ.
*
ثانياً: المستفتي:
تعريف المستفتي: هو الذي نزلت به حادثة يجب عليه علم حكمها، أي وجب عليه الاستفتاء عنها.
حكم الاستفتاء: استفتاء العامّي الذي لا يعلم حكم الحادثة واجب عليه، لوجوب العمل حسب حكم الشرع، ولأنه إذا أقدم على العمل من غير علم فقد يرتكب الحرام، أو يترك في العبادة ما لابد منه.
قال الغزالي:(العامي يجب عليه سؤال العلماء، لأن الإجماع منعقد على أن العامي مكلف بالأحكام، وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال، لأنه يؤدي إلى انقطاع الحرث والنسل، وتعطل الحرف والصنائع، وإذا استحال هذا لم يبق إلا سؤال العلماء ووجوب اتباعهم)([63]).
وقال النووي:(من نزلت به حادثة يجب عليه علم حكمها، أي وجب عليه الاستفتاء عنها، فإن لم يجد ببلده من يستفتيه وجب عليه الرحيل إلى من يفتيه وإن بعدت داره، وقد رحل خلائق من السلف في المسألة الواحدة الليالي والأيام)([64]).
وإذا لم يجد المكلف من يفتيه في واقعته فيسقط عنه التكليف بالعمل إذا لم يكن له به علم، لا من اجتهاد معتبر ولا من تقليد، لأنه يكون من باب التكليف بما لا يطاق، ولأن شرط التكليف العلم به، وقياساً على المجتهد إذا تعارضت عنده الأدلة وتكافأت فلم يمكنه الترجيح، ويكون حكمه حكم ما قبل ورود الشرع، وكمن لم تبلغه الدعوة([65]).
ويجب على المستفتي معرفة حال من يفتيه بحيث إذا وقعت له حادثة وجب في حقه أن يسأل من يتصف بالعدل والعدالة، فعن محمد بن سيرين قال:(إن هذا العلم دين فانظروا عَمَّن تأخذون دينكم)([66]).
قال النووي رحمه الله: يجب على المستفتي قطعاً البحث الذي يعرف به أهلية من يستفتيه للإفتاء إذا لم يكن عارفاً بأهليته، فلا يجوز له استفتاء من انتسب إلى العلم، وانتصب للتدريس والإقراء، وغير ذلك من مناصب العلماء بمجرد انتسابه وانتصابه لذلك، ويجوز استفتاء من استفاض كونه أهلاً للفتوى، وقال بعض أصحابنا المتأخرين: إنما يعتمد قوله: أنا أهل للفتوى، لا شهرته بذلك، ولا يكتفي بالاستفاضة ولا بالتواتر،
والصحيح هو الأول([67]).
ويتخير المستفتي من يفتيه، فإن وجد المستفتي أكثر من عالم، وكلهم عدل وأهل للفتيا، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المستفتي بالخيار بينهم يسأل منهم من يشاء ويعمل بقوله، ولا يجب عليه أن يجتهد في أعيانهم ليعلم أفضلهم علماً فيسأله، بل له أن يسأل الأفضل إن شاء، وإن شاء سأل المفضول مع وجود الفاضل، واحتجوا لذلك بعموم قول الله تعالى: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]([68])، وبأن الأولين كانوا يسألون الصحابة مع وجود أفاضلهم وأكابرهم وتمكنهم من سؤالهم.
وعن موسى بن يسار قال:(كان رجاء بن حيوة وعدي بن عدي، ومكحول في المسجد، فسأل رجل مكحولاً عن مسألة فقال مكحول: سلوا شيخنا وسيدنا رجاء بن حيوة)([69]).
ويلزم المستفتي إن اتفقت أجوبة المفتين العمل بذلك إن اطمأن إلى فتواهم، وإن اختلفوا فللفقهاء في ذلك طريقان:
فذهب جمهور الفقهاء: الحنفية، والمالكية، وبعض الحنابلة، وابن سريج والسمعاني، والغزالي من الشافعية إلى أن العامّي ليس مخيراً بين أقوالهم يأخذ بما شاء ويترك ما شاء، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، ثم ذهب الأكثرون منهم إلى أن الترجيح يكون باعتقاد المستفتي في الذين أفتوه أيهم أعلم، فيأخذ بقوله ويترك قول من عداه.
قال الغزالي: الترجيح بالأعلمية واجب، لأن الخطأ ممكن بالغفلة عن دليل قاطع، وبالحكم قبل تمام الاجتهاد واستفراغ الوسع، والغلط أبعد عن الأعلم لا محالة.
وقال الشاطبي: لا يتخير، لأن في التخير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار.
وقال ابن القيم: وصاحب المحصول: عليه الترجيح بالأمارات، فإن الحق والباطل لا يستويان في الفطر السليمة.
وذهب البعض إلى أن الترجيح يكون بالأخذ بالأشد احتياطاً.
وقال الكعبي: يأخذ بالأشد فيما كان في حقوق العباد، أما في حق الله تعالى فيأخذ بالأيسر.
والأصح والأظهر عند الشافعية وبعض الحنابلة: أن تخير العامي بين الأقوال المختلفة للمفتين جائز، لأن فرض العامي التقليد، وهو حاصل بتقليده لأيّ المفتين شاء([70]).
آداب المستفتي:
وينبغي على المستفتي التأدب ببعض الآداب مع الذي يستفتيه، ومن ذلك:
أول ما يلزم المستفتي إذا نزلت به نازلة أن يطلب المفتي، ليسأله عن حكم نازلته، فإن لم يكن في محلته وجب عليه أن يمضي إلى الموضع الذي يجده فيه، فإن لم يكن ببلده لزمه الرحيل إليه، وإن بعدت داره، فقد رحل غير واحد من السلف في مسألة.
فعن أبي عبد الرحمن السلمي قال:(جاء رجل منا إلى أبي الدرداء أَمَرَتْهُ أُمُّه في امْرَأَتِهِ أن يفارقها فرحل* إلى أبي الدرداء يسأله في ذلك، فقال أبو الدرداء: ما أنا بالذي آمرك أن تطلق، وما أنا بالذي آمرك أن تمسك،سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه)، قال: فرجع الرجل وقد فارقها)([71]).
وينبغي للمستفتي حفظ الأدب مع المفتي، وأن يجلّّه ويعظّمه لعلمه ولأنه مرشد له([72])، ولا ينبغي أن يسأله عند همّ أو ضجر أو نحو ذلك مما يشغل القلب([73]).
ويجوز للمستفتي أن يطالب المفتي بالحجة والدليل احتياطاً لنفسه، ويلزم العالم أن يذكر له الدليل، وقال بعض الفقهاء لا ينبغي للعامي أن يطالب المفتي بالدليل.
ويكره للمستفتي كثرة السؤال، والسؤال عما لا ينفع في الدين، والسؤال عما لم يقع، وأن يسأل عن صعاب المسائل، وعن الحكمة في المسائل التعبدية.
ويكره له أن يبلغ بالسؤال حدَّ التعمق والتكلف، وأن يسأل على سبيل التعنت والإفحام وطلب الغلبة في الخصام لما في الحديث:(إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ)([74]).
فهذه بعض الآداب التي ينبغي على المستفتي أن يعمل بها من أجل الحصول على إجابة فتواه دون تقصير أو إفراط، فالواجب في طلب الفتوى هو الالتزام بما يوصل إلى صحتها.
حكم المستفتي إن لم يطمئن قلبه إلى الفتيا:
على المستفتي عندما يريد الحصول على حكم مسألة معينة، أو قضية خاصة به، أن يبحث عمن يجيبه، فإذا وجد من يجيبه وحصل على مقصوده ومراده فالأمر راجع له في قبول الفتوى أو لا، لكن يطرأ على بعض المفتين من التقصير في إجابة المستفتي، أو الشعور من جهة المستفتي بأن هذا المفتي لا يرتاح إليه في فتواه.
قال ابن القيم:(المستفتي لا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك، لحديث:(فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلا يَأْخُذْهَا)([75]).
ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه، إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه بجهل المفتي أو بمحاباته له في فتواه، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرُّخص المخالفة للسنة، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها، فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي يسأل ثانياً وثالثاً حتى تحصل له الطمأنينة، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة)([76]).
*
**
ثالثاً: الفتوى:
سبق أن ذكرنا في المطلب الأول الفتوى ومكانتها في الإسلام، ومن أجل عدم الإطالة فلن نكرر الحديث عنها هنا، ولكن ستكون لنا وقفة مع خطورة الفتوى وبعض الأمراض التي تعتريها.
وقبل أن نبدأ في ذكر بعض الأمراض التي تعتري الكثير من الفتاوى وخاصة في زماننا الحالي، والذي كثرت فيه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وأصبح الكثير من الناس يتابعونها في كل وقت، فكان أثر الفتوى على الناس عظيماً، حتى غدا البعض منهم يتلهفون لسماع إجابات الفتاوى التي تعرض عليهم من أجل إرضاء أهوائهم وقلوبهم المريضة المحبة للشهوات، أو من أجل مجادلة أهل الحق الذين يلتزمون الدليل الشرعي الصحيح.
وهنا وقفة: أريد توجيهها إلى من وضع نفسه محل المشرع الحكيم في التحليل والتحريم، ألا يعلم أن الكذب في شريعة الإسلام من أكبر الكبائر، ومن أعظم الذنوب، فكيف له أن يكذب على الله تعالى؟
وإذا كان ضياع أمانة الناس وخيانتهم في أموالهم منهياً عنها، بل ويعاقب عليها من وقع فيها، فكيف بمن يضيع أمانة الله تعالى ويخون أمره ونهيه.
وإذا كان أثر الفتوى في الزمن الماضي محدود المكان، فكيف بمن يفتي الناس الآن على الملأ دون وازع أو خوف من رب الأرباب الذي يطلع عليه، ويسمع كلامه، ويحصي عليه كل ما يقول، وهذا الصنف الذي يفتي الناس بغير علم ويفتري على الله الكذب من أبغض الناس عند الله لأنه يتكلم عن الله تعالى، ويبلغ شرعته، وكم نرى ونسمع من يخرجون على الناس بأقوال وآراء لم ينزل الله بها من سلطان إنما هو اتباع للهوى والشيطان، وحباً للظهور أمام الناس بمظهر العالم الجليل، وهؤلاء النفر ربما يصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أول من تسعر بهم النار، وذكر منهم:(وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ..) ([77]).
ومن الأمراض والأعراض التي تصيب الفتوى، ويكون لها الأثر السلبي على من يسمعها، وهي:
1- تصدر غير المختصين بعلوم الشريعة للفتوى، وكم يخرج علينا من ليس أهلاً للفتوى، فربما يكون بعيداً عن الدين تماماً، وقد يكون المتكلم لاعب كرة، أو تكون راقصة، أو يكون عامياً فيفتون فيما ليس لهم به علم فيضلون ويضلون.
2- قد يتصدر لها من لا يعرف إلا القليل في شرع الله، فيأتي بعض الشباب المتحمسين وليس عندهم علم، ولا دراية، ولا دليل فيعتمدون على حماسهم وعلى بعض النصوص التي يحفظونها فيفتون في كل مسألة يسألون فيها.
4- وقد يتصدر لها مَن يكون مفرِّطاً في أركان الدين، كمن يقع في الشركيات، أو يتكاسل عن الصلاة، أو يفطر في نهار رمضان، أو غير ذلك.
6- تساهل بعض المفتين في إجابة الفتاوى التي ترد عليهم، دون النظر إلى من يفتونهم.
7- استغلال بعض المتصدرين للفتوى فتاواهم من أجل أهواءهم الشخصية، أو أغراض مادية.
8- إعمال الرأي والفكر في إجابة الفتوى أكثر من الوقوف عند النصوص الشرعية الصحيحة.
9- مراعاة أغراض السائلين وأمزجتهم دون النظر في عواقب الأمور ومآلاتها.
10- وقوع بعض المفتين ضحية طمع دنيوي عاجل.
*
المطلب الثالث: أنواع الفتوى:
النوع الأول: الفتوى بالرأي:
الرأي هو: ما يراه القلب بعد فكر وتأمّل وطلب لمعرفة وجه الصواب، مما تتعارض فيها الأمارات، ولا يقال لما تختلف فيه الأمارات: إنه رأي([78]) والرأي يشمل القياس والاستحسان وغيرهما([79]).
ولا يجوز الإفتاء بالرأي المخالف للنص أو الإجماع، ولا يجوز المصير إلى الرأي قبل العمل على تحصيل النصوص الواردة في المسألة، أو القول بالرأي غير المستند إلى الكتاب والسنة، بل بمجرد الخرص والتخمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه:(كيف تقضي؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم)([80]).
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لشريح: ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه، فإن لم يستبن لك في كتاب الله فمن السنة، فإن لم تجده في السنة فاجتهد رأيك)([81]).
قال ابن القيم رحمه الله:(وقالت طائفة من أهل العلم: من أَدَّاه اجتهاده إلى رأي رآه ولم تقم عليه حُجَّة فيه بعد فليس مذموماً، بل هو معذور، خالفاً كان أو سالفاً، ومن قامت عليه الحُجَّة فعاند وتمادى على الْفُتْيَا برأي إنسان بعينه فهو الذي يلحقه الوعيد؛ وقد روينا في مسند عبد بن حميد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ *قَالَ فِي الْقُـرْآنِ بِرَأْيِـهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ).
وعن ابن سيرين قال: لم يكن أحد أهيب بما لا يعلم من أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر رضي الله عنه، وإن أبا بكر نزلت به قَضِيَّة فلم يجد في كتاب الله منها أصلا ولا في السُّنَّة أثرا فاجتهد برأيه ثم قال: هذا رأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله)([82]).
ذم الصحابة القول بالرأي:
ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين بعضاً من نماذج من النقول عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في ذمهم للرأي، فقال رحمه الله:(قال أبو بكر رضي الله عنه: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي، أو بما لا أعلم.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السُّنن، أعيتهم الأحاديث
أن يحفظوها، فقالوا بالرّأي، فَضُلُّوا وأضَلُّوا.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: علماؤكم يذهبون، ويتخذ الناس رؤوسا جهالا يقيسون الأمور برأيهم.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: لو كان الدِّين بالرّأي لكان أسفل الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر على ما هو منه إذا لقي الله عز وجل)([83]).
ذكر ما روي من رجوع بعض الصحابة عن آرائهم التي رأوها إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعوها ووعوها:
عن سعيد بن المسيب:(أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى
أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلابِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ وَرِّثْ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ
زَوْجِهَا) فرجع عمر عن قوله([84]).
وعنه أيضاً قال: (قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأصابع بقضاءٍ ثم أُخبِر بكتابٍ كتبهُ النبي صلى الله عليه وسلم لابن حزم (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ) فأخذ به، وترك أمره الأول([85]).
وعن أبي بن كعب أنه قال: يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟ قال:(يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ)([86]).
وعن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عن أبي بن كعب أنه كان يقول:(ليس على من لم ينزل غُسل، ثم نزع عن ذلك ـ أي قبل أن يموت)([87]).
قال الشافعي: (وإنما بدأت بحديث أبي في قوله:(الماءُ من الماء) ونزوعه عنه أنه سمع:(الماء من الماء) من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع خلافه فقال به، ثم لا أحسبه تركه إلا أنه أثبت له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعده ما نسخه)، وهذا الذي ظنه الشافعي قد روى سهل بن سعد أن أبي بن كعب وقف عليه توقيفاً مُبَيّنًا.
فعن سهل بن سعد قال: حدثنا أبي بن كعب:(أن الفتيا التي كانوا يفتون (أن الماء من الماء) كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزمان الأول). رواه أبو داود السجستاني عن محمد بن مهران فزاد:(ثم أمر بالاغتسال بعد)([88]).
فهذه الكلمات اليسيرة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم تدل دلالة واضحة على ذمهم للرأي والأمر بتركه، والرجوع إلى الأصل الأصيل والنبع الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما بال أقوام في زماننا اتخذوا رأيهم حجة ودليلاً على صحة فتاويهم، حتى أنهم يجادلون في وجود النصوص التي توضح الحق بدليله، وصدق الله تعالى إذ يقول:[فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ]([89]).
فلابد من مراجعة هؤلاء لحالهم مع الله يوم أن يقفوا بين يديه فيسألهم عما قالوا وأفتوا به، وليعدوا للسؤال جواباً وليكن الجواب صواباً، وصدق الله العظيم إذ يقول: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ]([90]).
وليحذر أولئك النفر من تحملهم لأوزار من يتبعونهم في أقوالهم وفتاويهم، وليعلموا أن كل من أضلوه برأيهم المخالف للكتاب والسنة سوف يتعلق في أعناقهم يوم القيامة،وصدق الله العظيم إذ يقول: [لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ]([91])، وقال صلى الله عليه وسلم :(مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا)([92]).
*
النوع الثاني: الفتوى بالتقليد:
معنى الفتوى بالتقليد: هو أن يقلد العالم عالماً آخر في فتواه مصيباً كان أو مخطئاً.
وهنا وقفة وهي: هل يجوز للعالم أن يقلد غيره؟
ينظر في ذلك، فإن كان الوقت واسعاً عليه يمكنه فيه الاجتهاد لم يجز له التقليد، ولزمه طلب الحكم بالاجتهاد. وقيل: يجوز له تقليد العالم([93]).
وروي عن محمد بن الحسن الشيباني أنه قال:(يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه ولا يجوز له تقليد مثله، والدليل على أنه لا يجوز له التقليد أصلاً مع اتساع الوقت: أن معه آلة يتوصل بها إلى الحكم المطلوب، فلا يجوز له تقليد غيره، وأما إذا كان الوقت قد ضاق، وخشي فوات العبادة إن اشتغل بالاجتهاد، ففي ذلك وجهان: أحدهما: يجوز له أن يقلد، والوجه الثاني: أنه لا يجوز، لأن معه آلة الاجتهاد، فأشبه إذا كان الوقت واسعاً، وقيل: هذا أصح الوجهين، والله أعلم) ([94]).
والتقليد هو:
قبول القول من غير دليل، أي أن العامي يقبل فتوى العالم بدون أن يوضح له الدليل على حكمه، فيعمل به العامي تقليداً لمن أفتاه، حيث أن العامي يصعب عليه البحث والتنقيب في المسائل الشرعية لانشغاله بأمور معاشه وحاجاته.
قال أبو علي الطبري في تقليد العامي:(فرضه اتباع عالمه بشرط أن يكون عالمه مصيباً، كما يتبع عالمه بشرط أن لا يكون مخالفاً للنص، وقد قيل: إن العامي يقلد أوثق المجتهدين في نفسه، ولا يكلف أكثر من ذلك، لأنه لا سبيل له إلى معرفة الحق، والوقوف على طريقه، وكل واحد من المجتهدين يقينه بما أدى إليه اجتهاده، فيؤدي ذلك إلى حيرة العامي، فجعل له أن يقلد أوثقهما في نفسه، ويخالف المجتهد، لأنه يتمكن من موافقته على طريق الحق ومناظرته فيه)([95]).
والأحكام تنقسم إلى قسمين: عقلي، وشرعي.
فأما العقلي: فلا يجوز فيه التقليد، كمعرفة الصانع تعالى، وصفاته، ومعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه، وغير ذلك من الأحكام العقلية.
وحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه قال: يجوز التقليد في أصول الدين، وهذا خطأ ومنافٍ للنصوص الشرعية الواردة، قال تعالى:[اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ]([96])، وقال تعالى:[وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ]([97])، وقال تعالى:[وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ]([98]) فمنعهم الاقتداء بآبائهم من اتباع الأهدى فقالوا:[إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ]([99])، وقال تعالى:[وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ]([100]). فتركوا جواب المسألة لانقطاعهم عنه، وكشفت المسألة عن عوار مذهبهم؛ فذكروا ما يسألهم عنه من فعل آبائهم وتقليدهم إياهم. وعلى ذلك فالعقل مناط التكليف وهو طريق إلى معرفة الأصول، والناس كلهم يشتركون في العقل، فلا معنى للتقليد فيه.
وأما الأحكام الشرعية، فضربان:
أحدهما: يُعلم ضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وسلم كالصلوات الخمس، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج، وتحريم الزنا، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز التقليد فيه، لأن الناس كلهم يشتركون في إدراكه، والعلم به، فلا معنى للتقليد فيه.
وضرب آخر: لا يُعلم إلا بالنظر والاستدلال:كفروع العبادات،والمعاملات،والفروج، والمناكحات، وغير ذلك من الأحكام، فهذا يسوغ فيه التقليد، بدليل قوله تعالى:[فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]([101]). ولأننا لو منعنا التقليد في هذه المسائل التي هي من فروع الدين لاحتاج كل أحد أن يتعلم ذلك، وفي إيجاب ذلك قطع عن المعايش، وهلاك الحرث والماشية، فوجب أن يسقط.
فيمن يسوغ له التقليد ومن لا يسوغ:
الذي يسوغ له التقليد هو العامي الذي لا يعرف طرق الأحكام الشرعية، فيجوز له أن يقلد عالماً، ويعمل بقوله قال تعالى:[فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]([102]).
والذي لا يسوغ له التقليد هو العالم، وهل يجوز أن يقلد غيره أم لا؟
قال الخطيب البغدادي:(ينظر فيه؛ فإن كان الوقت واسعاً عليه، ويمكنه فيه الاجتهاد، لم يجز له التقليد، ولزمه طلب الحكم بالاجتهاد، وأما إذا كان الوقت قد ضاق، وخشي فوات العبادة إن اشتغل بالاجتهاد ففي ذلك وجهان: أحدهما: يجوز له أن يقلد.
والوجه الثاني: أنه لا يجوز لأن معه آلة الاجتهاد، فأشبه إذا كان الوقت واسعاً، وقيل: هذا أصح الوجهين والله أعلم)([103]).
أقسام التقليد:
القسم الأول: الإعراض عما أنزله الله تعالى وعدم الالتفات إليه اكتفاء بتقليد الآباء.
فهذا النوع قام به المقلد قبل أن يتمكن من معرفة حكم ما يقلده.
القسم الثاني: تقليد من لا يعلم المُقَلِّد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله، وهذا ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً أصابه جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يعني: فاحتلم ـ فَأُمِرَ بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(قتلوه قتلهم الله، إن شفاء العي السؤال).
قال عطاء: فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم* سُئل عن ذلك فقال:(لو غسل جسده، وترك رأسه حيث أصابه ـ يعني: الجرح)([104]) فالذي أفتاه بالغُسل جرّ على السائل ـ الذي ليس عنده علم ـ لأنه كان سبباً في وفاته، فنال الدعاء عليه من النبي صلى الله عليه وسلم بسبب الفتوى بغير علم.
القسم الثالث: التَّقْليد بعد قيام الحُجَّة وظهور الدَّليل على خلاف قول المُقَلَّد، وهذا قَلَّد بعد ظُهور الحُجَّة له؛ فهو أولى بالذَّم ومعصية الله ورسوله، وهذا من أشد الأنواع ذماً لكونه علم الحق بدليله فتركه وعمل بما أفتاه به المقلَّد.
وهذه الأقسام الثلاثة قد ذمها الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه، قال تعالى:[وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ]([105]) وقال تعالى:[وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِك فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ]([106])، وهذا كثير في ذم من أعرض عما أنزله الله تعالى وقنع بتقليد الآباء.
القسم الرابع: التقليد بعد الحجة والبيان: فالذي بذل جهده في اتباع ما أنزل الله وخفي عليه بعضه فَقَلَّد فيه من هو أعلم منه فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور.
ذم التقليد وأهله:
التقليد المذموم: هو الذي يورد صاحبه طريق الضلال والهلاك، فالمقلد الذي يسلك هذا الطريق يسير كالأعمى الذي لا يبصر، فإنه يمشي وراء كل من يوجهه دون بصر ولا بصيرة، فيسبب الهلاك لنفسه من دون أن يشعر بذلك.
قال ابن القيم رحمه الله:(قال تعالى:[وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ]([107])، والتقليد ليس بعلم باتفاق أهل العلم، وقال تعالى:[قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ]([108])، وقال تعالى:[اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ]([109])، فأمر باتِّباع المنزَّل خاصة، والمقلِّد ليس له علم أن هذا هو المُنَزَّل وإن كان قد تَبيَّنت له الدلالة في خلاف قول من قلده فقد علم أَن تقليده في خلافه اتِّباع لغير المُنَزَّل، وقال تعالى:[فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا]([110]) فمنعنا سبحانه من الرد إلى غيره وغير رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يبطل التقليد.
فإن قيل: إنما فيه ذم من قلَّد من أضله السبيل، أما من هداه السبيل فأين ذم الله تقليده؟ قيل: جواب هذا السؤال في نفس السؤال، فإذاً لا يكون العبد مهتدياً حتى يتَّبع ما أنزل الله على رسوله؛ فهذا المقلِّد إن كان يعرف ما أنَّزل الله على رسوله فهو مهتدٍ وليس بِمُقَلِّد، وإن كان لم يعرف ما أنزل الله على رسوله فهو جاهل ضال بإقراره على نفسه، فمن أين يعرف أنه على هُدى في تقليده؟ وهذا جواب كل سؤال يوردونه في هذا الباب وأنهم [إن كانوا] إنما يقلدون أهل الهدى فهم في تقليدهم على هدى.
فإن قيل: فأنتم تُقِرُّون أن الأَئِمَّة المقلَّدين في الدين على هدى، فمقلدوهم على هدى قطعاً؛ لأنهم سالكون خلفهم.
قيل:سلوكهم خلفهم مبطل لتقليدهم لهم قطعاً؛ فإن طريقتهم كانت اتباع الحجَّة والنهي عن تقليدهم، فمن ترك الحجَّة وارتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم، وإنما يكون على طريقتهم من اتَّبع الحجَّة، وانقَاد للدليل، ولم يتخذ رجلا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله مختاراً على الكتاب والسُّنَّة يعرضهما على قوله. وبهذا يظهر بطلان فهم من جعل التقليد إتباعاً، وإيهامه وتلبيسه، بل هو مخالف للإتباع. وقد فَرَّق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فَرَّقت الحقائق بينهما، فإن الاتِّباع سلوك طريق المُتَّبع والإتيان بمثل ما أتى به)([111]).
الفرق بين الاتِّباع والتَّقليد:
هناك فرق كبير بين الإتباع والتقليد لمن كان له بصيرة بالعلم وأهله من حيث أن المتبع يسلك الطريق بالحجة الدامغة والعلم الصحيح الواضح من غير تذبذب ولا شك، أما المقلد فإنه يتبع كل ناعق دون أن يكون عنده علم يهديه ويبصره بصحة تقليده، وضرر التقليد عظيم على من سلك طريقه دون أن يعرف من يأخذ منه، أو الوقوف على ما يأخذه من المقلَّد.
قال ابن القيم رحمه الله:(قال أبو عمر في الجامع: باب فساد التقليد ونفيه، والفرق بينه وبين الاتِّبَاع، قال أبو عمر: قد ذَمَّ الله تبارك وتعالى التَّقليد في غير موضع من كتابه فقال: [اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ] روي عن حذيفة وغيره قال: لم يعبدوهم من دون الله، ولكنهم أحلُّوا لهم وحرَّموا عليهم فاتَّبَعوهم.
وقال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب، فقال:(يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك)، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية:[اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ] قال: فقلت: يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا، قال:(بلى، أليس يُحِلُّون لكم ما حُرِّم عليكم فَتحلُّونه ويُحَرِّمُون عليكم ما أُحِلَّ لكم فتحرمونه؟) فقلت: بلى، قال:(فتلك عبادتهم).
قال: فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها، وهي الكتاب والسنَّة وما كان في معناهما بدليل جامع، ثم ساق من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إِنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ ثَلاثٍ : مِنْ زَلَّةِ عَالِمٍ ، وَمِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ ، وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ) ([112])، وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم)([113])) ([114]).
*
النوع الثالث: الفتوى بالدليل والاجتهاد:
المفتي الذي يقوم بإفتاء الناس في أمور دينهم لابد أن يكون على بصيرة بما يبلغه عن ربه، لأنه يوقع عن رب العالمين في تعليم الناس وتوجيههم إلى الحق، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق العلم الشرعي المستخرج من الكتاب والسنة، فلابد من وجود أصول الأحكام التي يقف عليها هذا المفتي كي يكون أهلاً للفتوى، وقد ذكرها الخطيب البغدادي بقوله:(أصول الأحكام في الشرع أربعة:
أحدها: العلم بكتاب الله تعالى على الوجه الذي تصح به معرفة ما تضمنه من الأحكام: محكماً ومتشابهاً، وعموماً وخصوصاً، ومجملاً ومفسراً، وناسخاً ومنسوخاً.
والثاني: العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة من أقواله، وأفعاله، وطرق مجيئها في التواتر، والآحاد، والصحة والفساد، وما كان منها على سبب أو إطلاق.
والثالث: العلم بأقوال السلف فيما أجمعوا عليه، وما اختلفوا فيه، ليتبع الإجماع، ويجتهد في الرأي مع الاختلاف.
والرابع: العلم بالقياس الموجب لرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها، والمجمع عليها،
حتى يجد المفتي طريقاً إلى العلم بأحكام النوازل، وتمييز الحقِّ من الباطل. فهذا ما لا مندوحة للمفتي عنه، ولا
يجوز له الإخلال بشيء منه([115]).
عن الضحاك قال:(لقي ابن عمر جابر بن زيد رضي الله عنهما وهو يطوف بالكعبة، فقال له: يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة، فلا تُفْتِ إلا بقرآنٍ ناطق، أو سُنَّة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت)([116]).
وعن أبي نضرة قال:(قدم أبو سلمة ـ وهو ابن عبد الرحمن ـ فنزل دار أبي بشير، فأتيت الحسن، فقلت: إن أبا سلمة قدم وهو قاضي المدينة وفقيههم انطلق بنا إليه، فأتيناه، فلما رأى الحسن، قال: من أنت؟ قال: أنا الحسن بن أبي الحسن، قال: ما كان بهذا المصر أحد أحب إليّ أن ألقاه منك، وذلك أنه بلغني أنك تفتي الناس، فاتق الله يا حسن وأفت الناس بما أقول لك: أفتهم بشيء من القرآن قد علمته، أو سنة ماضية قد سنها الصالحون والخلفاء، وانظر رأيك الذي هو رأيك فألقه).
وهذا لن يستطيعه المفتي إلا أن يكون قد أكثر من الإطلاع على كُتبِ الأثر وسماع الحديث.
*
المطلب الرابع: مجالات الفتوى:
قد ذكرنا سابقاً أن تعريف الفتوى اصطلاحاً: هو تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه([117])، وهذا يشمل السؤال في الوقائع وغيرها.
لذا فمجالات الفتوى كثيرة ومتنوعة، وهي تشمل الدين كله، فهي تتعلق بالعقائد، والعبادات، والمعاملات، والحدود، والأحوال الشخصية من زواج وطلاق ورضاع وميراث، والحلال والحرام، وسائر الأمور الشرعية.
وهي تشمل جميع الأمور الدينية التي لا غنى للمسلم عن معرفة الحكم الشرعي بشأنها.
فإذا *أشكل على المسلم أي أمر من أمور دينه رد ذلك إلى أهل العلم ليحصل على جواب سؤاله ليعبد الله على علم وبصيرة، وليتجنب الوقوع فيما حرم الله.
ومن صور مجالات الفتوى ما يلي:
أولاً: العقائد:
معلوم أن الناس في حاجة إلى معرفة ربهم وخالقهم، وكيفية الإيمان به، والتوكل عليه، والاستعانة به، وأداء حقه على الوجه الذي أمر به، والإيمان برسله، وكتبه، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وغير ذلك مما يتعلق بالعقيدة الصافية التي كان عليها السلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ.
لذا فالعقيدة الصحيحة هي أساس لازم لكل مسلم، فبدونها لا يقبل الله من عباده صرفاً ولا عدلاً، قال تعالى [فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً] ([118]).
ولقد كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم يحرصون أشد الحرص على سؤاله عن كل ما يتعلق بأمر دينهم وكانوا يفرحون أشد الفرح إذا أتى أعرابي وسأله أمامهم وهم جلوس عنده، فيستفيدون مما رأوا وسمعوا ويعملون بذلك.
صور من فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة:
والفتوى في العقيدة من أهم الفتاوى وأعظمها خطراً لأنها ترتبط بجناب الله تعالى وعظمته، وأسمائه وصفاته، والذي يفتي فيها يحتاج إلى قوة في العلم، وقوة في النظر، وقوة في تحصيل المجمل والمفصل، لأن الفتوى الخالية من النص الصحيح الصريح تقذف الشك في قلب سائلها.
ومن الفتاوى الصحيحة المنقولة ـ في كتب السنة ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي:
قال ابن القيم رحمه الله:(ولقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى، فقال: نَعَمْ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) ([119]).
*وسئل صلى الله عليه وسلم :(كَيْفَ نَحْنُ مِلْءُ الأَرْضِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ نَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْنَا قَالَ أُنَبِّئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي
آلاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً لا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا
وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ) ([120])) ([121]).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن مسألة القدر، فعن علي رضي الله عنه قال: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً، قَالَ فَقَالَ رَجَلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَقَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى]) ([122]).
وسأله صلى الله عليه وسلم يهودي عن أول طعام يأكله أهل الجنة فقال:(زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ)، قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا؟ قَالَ:(يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا)، قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ:(مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا) ([123]).
وسئل صلى الله عليه وسلم (أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ)([124]).
وغير ذلك كثير من الأسئلة التي كان يَسألها الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم فيجيب عليها تعليماً وتبصيراً لهم، وتقوية لإيمانهم، فالفتوى لا تقوى إلا بالدليل الشرعي والعقلي، حيث أن الناس يغلب عليهم النظر إلى ما حولهم من آيات الله تعالى، فإذا وضحت الإجابة بدليلها الصحيح الصريح، اطمأنت نفس السائل إليها، وازداد قوة في دينه وتمسكاً به، وعملاً بما سمع.
وما يعيشه المسلمون الآن من الحيرة والقلق وكثرة الاضطرابات والأمراض النفسية بسبب ما يبث لهم من عقائد فاسدة، وشرور عظيمة تحارب عقيدتهم وتشككهم فيها، وتحاول إبعادهم عنها، فلزم من يفتي الناس في وقتنا الحاضر النظر الثاقب في معالجة هذه الأمور العظيمة لئلا تتشتت العقول وتذهل عن الحق، ونصوص الكتاب والسنة تبين الكثير من ذلك بحيث إذا أراد الناس تقوية عقيدتهم رجعوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهذا هو سبيل النجاة للمسلمين جميعاً.
ثانياً: صور من فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات:
لقد كثرت الأحاديث التي وردت فيها أسئلة بعض الصحابة وغيرهم من الأعراب حول العبادات، كالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وغير ذلك، فبين النبي صلى الله عليه وسلم البيان الشافي لكل من سأل، بل ربما أوضح أمراً لم يكن قد ظهر للسائل، فتعود الفائدة عليه وعلى من حضر هذه الفتوى وإجابتها.
ومما يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم في فتاوى العبادات ما يلي:
(1) الطهارة: سُئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر فقال:(هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)([125]).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب فقال:(الماء طهور لا ينجسه شيء) ([126]).
وفي الصحيحين (إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ)([127]).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال (إِنَّمَا يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: يَكْفِيكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهِ ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ مِنْهُ) ([128]).
*وسئل صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل وعن الماء يكون بعد الماء فقال:(ذَاكَ الْمَذْيُ وَكُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيْكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ) ([129]).
*وسألته فاطمة بنت أبي حبيش فقالت إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال:(إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)([130]).
وسألته أم سُليم فقالت يا رسول الله:(إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغَسْلُ إِذَا احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبِمَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ) ([131]).
(2) الصلاة:
سُئل صلى الله عليه وسلم عن (أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ([132]).
وسئل صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة؟ فقال للسائل:(صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَقْتُ صَلاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ) ([133]).
وسأله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين رضي الله عنه فقال:(كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلاةِ فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) ([134]).
وسُئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد قال:(أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ) ([135]).
وسُئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال:(مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ) ([136]).
(3) الزكاة:
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صدقة الإبل؟ فقال:(وَلا صَاحِبُ إِبِلٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلا وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ..) ([137]).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال:(إِنِّي ذُو مَالٍ كَثِيرٍ وَذُو أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَحَاضِرَةٍ فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ أُنْفِقُ وَكَيْفَ أَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِكَ فَإِنَّهَا طُهْرَةٌ تُطَهِّرُكَ وَتَصِلُ أَقْرِبَاءَكَ وَتَعْرِفُ حَقَّ السَّائِلِ وَالْجَارِ وَالْمِسْكِينِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْلِلْ لِي قَالَ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا فَقَالَ حَسْبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أَدَّيْتُ الزَّكَاةَ إِلَى رَسُولِكَ فَقَدْ بَرِئْتُ مِنْهَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَمْ إِذَا أَدَّيْتَهَا إِلَى رَسُولِي فَقَدْ بَرِئْتَ مِنْهَا فَلَكَ أَجْرُهَا وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا) ([138]).
(4) الصيام:
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :(سَلْ هَذِهِ لأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ) ([139]).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله:أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم؟فقال:(اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ)([140])، وعند الدار قطني فيه بإسناد صحيح (أتم صومك فإن الله أطعمك وسقاك ولا قضاء عليك وكان أول يوم من رمضان) ([141]).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال هلكت وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) ([142]).
(5) الحج:
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها فقالت (يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ) ([143]).
وسألته امرأة عن صبى رفعته إليه فقالت ألهذا حج؟ قال:(نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) ([144]).
*وسأله رجل فقال (إِنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ) ([145]).
وغير ذلك كثير من فتاويه صلى الله عليه وسلم في أبواب العبادات نكتفي بما ذكرناه.
ومن فتاويه صلى الله عليه وسلم أيضاً في سائر نواحي الدين ما يلي:
فقد سألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت:(يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) ([146]).
*وسئل صلى الله عليه وسلم أي البقاع شر؟ قال:(لا أدري حتى أسال جبريل فسأل جبريل فقال لا أدري حتى أسأل ميكائيل، فجاء فقال: خير البقاع المساجد، وشرها الأسواق) ([147]).
وسئل صلى الله عليه وسلم (أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَتُقًى نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ) ([148]).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عن الساعة فقال:(مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ لا شَيْءَ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ) ([149]).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال:(يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِه؟ِ قَالَ: قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا) ([150]).
*وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال (يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي قَوْلا وَأَقْلِلْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ قَالَ لا تَغْضَبْ فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لا تَغْضَبْ) ([151]).
فكل هذه الفتاوى وغيرها كثير قد أجاب عليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إجابة شافية كافية، وكيف لا وهو قد أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.
فعلى من أراد الإفتاء أن يتعلم من سيرته، وأن يقتفي أثره، وأن ينهج نهجه، وأن يلتزم أمره ونهيه، ففي ذلك الخير له ولمن يفتيه.

*
المبحث الثاني: عظم شأن الفتوى، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: عظم شأن الفتوى في القرآن الكريم:
إن من عظيم شأن الفتوى أن جعلها الله قرينة لأعظم الأعمال التي نهى عن الوقوع فيها، قال تعالى: [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ]([152]).
ومعلوم أن من يفتي في دين الله تعالى يوجه الناس إلى أوامر ربهم، ويعرفهم بالحلال والحرام، وما يتعلق بأمور عباداتهم ومعاملاتهم، فإذا كان ذلك وجب أن يوجهه المولى جل وعلا إلى الحذر من الإفتاء عليه بغير علم لئلا يبوء بإثم عظيم لنفسه ولغيره.
قال ابن القيم رحمه الله:(وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفُتَّيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ]([153])، فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش،ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، وقال تعالى [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] ([154])، فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه) ([155]).
ومن الأدلة على عظم شأن الفتوى من القرآن الكريم ما يلي:
قوله تعالى:[قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ..] ([156]).
وقوله [قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..] ([157]).
وقوله [يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ] ([158]).
وقوله:[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ] ([159]). *وقوله:[وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ] ([160]).
وقوله:[قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ] ([161]).
وقوله:[وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] ([162]).
وقوله:[إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ] ([163]).
وفي كتاب الله تعالى آيات كثيرة تدل على عظيم شأن القول على الله بغير علم، وأن من وقع في ذلك باء بالوبال والخسران المبين.
*
المطلب الثاني: عظم شأن الفتوى في السنة المطهرة:
إن من عظم شأن الفتوى أن حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً شديداً لئلا يقبل عليها من لا يستطيع تحمل أمانتها وتبعاتها، ووجه إلى عظم شأن القول على الله بغير علم، ومن الكذب عليه وعلى رسوله، وأن من تكلم فيما لا ليس له به علم فقد أوقع نفسه في هاوية لا يمكنه الخروج منها فيبوء بإثم نفسه وإثم من يفتيه.
ومن توجيهاته وتحذيراته صلى الله عليه وسلم في ذلك:
ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي الأسود عن عروة قال حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إِنَّ اللَّهَ لا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ) ([164]).
وفي رواية لمسلم:(إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) ([165]).
وفي رواية لأحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إِنَّ اللَّهَ لا يَنْزِعُ الْعِلْمَ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهُ وَلَكِنْ يَذْهَبُ بِالْعُلَمَاءِ كُلَّمَا ذَهَبَ عَالِمٌ ذَهَبَ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْعِلْمِ حَتَّى يَبْقَى مَنْ لا يَعْلَمُ فَيَتَّخِذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالا فَيُسْتَفْتَوْا فَيُفْتُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّوا وَيُضِلُّوا) ([166]).
وما رواه أبو داود من حديث مسلم بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ) ([167]).
وروى أيضاً عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة؛ رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل قضى بين الناس بالجهل فهو في النار ورجل عرف الحق فجار فهو في النار) ([168]).
وروى مسلم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجْ النَّارَ) ([169]).
وروى البخاري عن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) ([170]).
وروى الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلا مَا عَلِمْتُمْ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ كَذَبَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارَ) ([171]).
فجاءت هذه الأحاديث في مجملها تبين عِظم القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن من كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فكأنما كذب على الله تعالى، لأن الله تعالى يقول:[كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ] ([172])، وقال تعالى: [وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] ([173])، وقوله:[ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..]([174]) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع أمره وعدم الكذب عليه.
وعلى ذلك فينبغي للعاقل اللبيب الذي يسمع هذه الآيات والأحاديث أن يحذر من التمادى في تصدره للفتوى بغير علم، وإلا صار ممن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) ([175]).
*
المطلب الثالث: عظم شأن الفتوى عند السلف:
إن الناظر في سير السلف الصالح ومواقفهم حيال الفتوى في دين الله يتعجب أشد العجب من شدة تقواهم، وورعهم، وخوفهم من الله تعالى، وحرصهم على عدم تحمل تبعاتها يوم القيامة، حتى إن الواحد منهم يكون عنده العلم الذي يستطيع الإجابة به إلا أنه يحتاط لدينه فيحول السائل إلى غيره، وهذا مصداقٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم:(خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي..) ([176]).
ولقد كانوا يتهيبون الفتوى أشد الهيبة، ويتريثون في أمرها، وربما يتوقفون في بعض الأحيان عن القول فيها.
فكان الخلفاء الراشدون ـ رضوان الله عليهم ـ يجمعون علماء الصحابة وفضلاءهم عندما تعرض لهم بعض المسائل التي لا يجدون لها حلا عندهم، فيستشيرونهم، ويستنيرون برأيهم، فكان هذا هو الإجماع الذي كانوا عليه في العصر الأول.
وهكذا دأب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، كان الكثير منهم ـ على الرغم مما أوتوا من علم وبصيرة وطهارة قلوب ـ إلا أن أحدهم كان لا يجيب عن المسألة حتى يأخذ رأي صاحبه، وكيف لا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل في بعض الأحيان فلا يجيب حتى يأتيه جبريل بالوحي؟.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه والدارمي والبيهقي في المدخل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(مَنْ أفْتَى بِفُتْيا وهُو يٌعْمِي فيها كان إِثْمُها عَلَيه) ([177]).
قال ابن أبي ليلى([178]):(أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول، وما منهم من أحد يُحَدثُ بحديثٍ، أو يُسْأَلُ عن شيءٍ، إلا ودَّ أخاه كفاه) ([179]).
وفي الحديث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)([180]).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه([181]):(والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون)([182]).
وهذا سعيد بن المسيب([183]) رحمه الله ـ سيد التابعين ومن أكابر فقهائهم ـ (كان لا يكاد يفتي، ولا يقول شيئًا، إلا قال: اللهم سلمني، وسلم مني)([184]).
وهذا الشعبي([185]) رحمه الله سُئل عن مسألة، فقال: لا أدري: فقيل له: ألا تستحي مِن قول “لا أدري” وأنت فقيه العراق؟ فقال: لكن الملائكةلم تستح حين قالوا: (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا) ([186]))([187]).
وهذا الإمام أبو حنيفة([188]) رحمه الله مع براعته في الجواب، وقدرته الفائقة على الاستنباط والتوليد في مسائل معروفة قال فيها:(لا أدري)([189]).
وروى الخطيب البغدادي([190]) عن أبي يوسف([191]) قال: سمعت أبا حنيفة يقول: لولا الفَرَق ـ أي الخوف ـ من الله أن يضيع العلم، ما أفتيت أحداً؛ يكون له المهنأ، وعليَّ الوِزْر) ([192]).
وكان أشدهم في ذلك الإمام مالك([193]) رحمه الله، فكان يقول:(مَن سُئِل عن مسألة، فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنَّة والنَّار، وكيف يكون خَلاصَهُ في الآخرة، ثم يجيب فيها).
*وقال مصعب([194]): (سئل مالك عن مسألة، فقال لا أدري، فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة، وإنما أردت أن أعلم بها الأمير، وكان السائل ذا قدر، فغضب مالك وقال: مسألة خفيفة سهلة!! ليس في العلم شيء خفيف، أما سمعت قول الله تعالى:[إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا]([195])، فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يسأل)([196]).
فالذي ينبغي للعالم أن يكون متهيباً للإفتاء؛ ولا يتجرأ عليه إلا حيث يكون الحكم جلياً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو يكون مجمَعاً عليه، أما ما عدا ذلك مما اختلفت فيه الأقوال والآراء وجب عليه أن يتريث ويتثبت حتى يتضح له الجواب، فإن لم يتضح له توقَّف.
وأما من عداهم ممن يتبوأ بعض المناصب أو يحوز بعض العلم فهو أشد خطراً من العالم الذي لديه علم يفتي به الناس، فهؤلاء بمنزلة مَن يدل الركب على طريق السفر، وليس له علم به، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطبب الناس، بل هم أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم.
فلا ينبغي لهؤلاء التصدر للفتوى لما في ذلك من الخطر العظيم عليهم وعلى من يستفتونهم، ويكفيهم
قول الله تعالى [وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ] ([197]).
وقد روي عن أبي حنيفة رحمه الله القول:(بعدم الحَجْر على السفيه احتراماً لآدميته، ولكنه قال بوجوب الحجر على المفتي الجاهل والمتلاعب بأحكام الشرع، لما وراء تلاعبه من ضررٍ عامٍ على الجماعةِ المسلمة) ([198]).
فإذا عُلم ذلك عُلم أن الفتوى بغير علم حرام لما يتضمن ذلك من الكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويتضمن إضلال الناس وهو من كبائر الذنوب لقوله تعالى:[قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ]([199])، فقرنه سبحانه وتعالى بالفواحش والبغي والشرك.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)([200]).
من أجل ذلك كثر النقل عن السلف أنه إذا سُئِل أحدهم عما لا يعلم أن يقول للسائل: لا أدري. نقل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما، والقاسم بن محمد، والشعبي، ومالك، وأحمد، وغيرهم.
**
*
المبحث الثالث: شروط من له الإفتاء، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: صفات المفتي:
تكلمنا عن ذلك في المطلب الثاني من المبحث الأول، وذكرنا تعريف المفتي، وبعض الأمور التي يلزم المفتي العمل بها، وصفة صيغة فتواه لتكون محلاً للقبول.
وأما في هذا المطلب فسنتكلم إن شاء الله تعالى على بعض صفات وخصال المفتي، ومن ذلك:
(1) أهلية المفتي:
ذكرنا سابقاً أن الإفتاء إخبارٌ عن حكم الله، فلابد للمتصدر للفتوى أن تتحقق فيه الأهلية الشرعية.
وقد اشترط الأصوليون لتحقق هذه الأهلية شروطاً معينة، وصفات محددة، ومن ذلك:
(أن يكون مكلفا مسلما ثقة، مأمونا، متنزها من أسباب الفسق ومسقطات المروءة، لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد، حتى وإن كان من أهل الاجتهاد ويكون مع ذلك متيقظا فقيه النفس سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط) ([201]).
قال ابن القيم رحمه الله:(قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: ما تقول في الرجل يسأل عن الشيء فيجيب بما في الحديث وليس بعالم في الفقه؟ فقال: يجب على الرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالماً بوجوه القرآن، عالماً بالأسانيد الصحيحة عالماً بالسنن، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها).
وقيل لابن المبارك:(متى يفتي الرجل ؟ قال : إذا كان عالما بالأثر بصيرا بالرأي).
وقيل ليحي بن أكثم:(متى يجب للرجل أن يفتي؟ فقال: إذا كان بصيراً بالرأي بصيراً بالأثر).
قال ابن القيم بعد الأثرين السابقين: يريدان بالرأي القياس الصحيح، والمعاني والعلل الصحيحة التي علق الشارع بها الأحكام وجعلها مؤثرة فيها طرداً وعكسا) ([202]).
(2) خصال المفتي:
والخصال التي يجب على المفتي الاتصاف بها أجملها الإمام أحمد بن حنبل بقوله:(لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
أولها: أن تكون له نية، فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نورٌ، ولا على كلامه نور.
وثانيها: أن يكون له علمٌ، وحلمٌ، ووقارٌ، وسكينة.
وثالثها: أن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته.
ورابعها: الكفاية وإلا مضغه الناس.
وخامسها: معرفة الناس) ([203]).
ونقول أيضاً زيادةً على هذه الخصال:
سادساً: فهم مقاصد الشريعة.
سابعاًً: معرفة مواضع الخلاف.
ثامناً: القصد والاعتدال: إن المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال.
تاسعاً: فهم الواقع والفقه فيه.
عاشراً: مراعاة القواعد الشرعية المؤثرة في الفتوى، كسد الذرائع والحيل، والضرورات، وغير ذلك.
*
المطلب الثاني: شروط المفتي:
أولاً لا يشترط في المفتي الحرية والذكورية والنطق اتفاقاً، فتصح فتيا العبد والمرأة والأخرس ويفتي بالكتابة أو بالإشارة المفهمة([204])، وأما السمع، فقد قال بعض الحنفية: إنه شرط فلا تصح فتيا الأصم وهو من لا يسمع أصلاً، وقال ابن عابدين: لاشك أنه إذا كُتب له السؤال وأجاب عنه جاز العمل بفتواه، إلا أنه لا ينبغي أن ينصب للفتوى، لأنه لا يمكن كل أحد أن يكتب له([205])، ولم يذكر هذا الشرط غيرهم، وكذا لم يذكروا في الشروط البصر، فتصح فتيا الأعمى، وصرّح به المالكية([206]).
وأما ما يشترط في المفتي:
(1) الإسلام: فلا تصح فتيا الكافر.
(2) العقل: فلا تصح فتيا المجنون.
(3) البلوغ: فلا تصح فتيا الصغير.
(4) العدالة: فلا تصح فتيا الفاسق عند جمهور العلماء، لأن الإفتاء يتضمن الإخبار عن الحكم الشرعي، وخبر الفاسق لا يقبل، واستثنى بعضهم إفتاء الفاسق نفسَهُ فإنه يعلم صدق نفسه([207]).
وذهب بعض الحنفية إلى أن الفاسق يصلح مفتيا، لأنه يجتهد لئلا ينسب إلى الخطأ([208]).
وقال ابن القيم: تصح فتيا الفاسق، إلا أن يكون معلناً بفسقه وداعياً إلى بدعته، وذلك إذا عمّ الفسوق وغلب، لئلا تتعطل الأحكام، والواجب اعتبار الأصلح فالأصلح([209]).
وأما المبتدعة، فإن كانت بدعتهم مكفِّرة أو مفسقة لم تصح فتاواهم، وإلا صحت فيما* لا يدعون فيه إلى بدعتهم، قال الخطيب البغدادي: وتجوز فتاوى أهل الأهواء، ومن لم تخرجه بدعته إلى فسق، وأما الشراة والرافضة الذين يشتمون الصحابة ويسبون السلف فإن فتاويهم مرذولة وأقاويلهم غير مقبولة([210]).
(5) الاجتهاد: وهو بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة المعتبرة لقوله تعالى:[ قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ]([211]).
قال الشافعي فيما رواه عنه الخطيب: لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيراً باللغة، بصيراً بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي.أهـ([212]). وهذا معنى الاجتهاد. ومفهوم هذا الشرط أن فتيا العامي والمقلد الذي يفتي بقول غيره لا تصح.
قال ابن القيم رحمه الله:(وفي فتيا المقلد ثلاثة أقوال:
الأول: ما تقدم ذكره، وهو أنه لا تجوز الفتيا بالتقليد، لأنه ليس بعلم، ولأن المقلد ليس بعالم والفتوى بغير علم حرام، قال: وهذا قول جمهور الشافعية وأكثر الحنابلة.
الثاني: أن ذلك يجوز فيما يتعلق بنفسه، فأما أن يتقلد لغيره ويفتي به فلا.
الثالث: أنه يجوز عند الحاجة وعدم العالم المجتهد، قال: وهو أصح الأقوال، وعليه العمل([213]).
وقال ابن عابدين نقلاً عن ابن الهمام:(وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد، فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد على وجه الحكاية، فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى، بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به
المستفتي)([214]).
إفتاء القاضي:
لا خلاف في أن للقاضي أن يفتي في العبادات ونحوها مما لا مدخل فيه للقضاء كالذبائح والأضاحي.***
واختلف الفقهاء في إفتائه في الأمور التي يدخلها القضاء: فذهب الشافعية في وجه وصححه النووي، والحنابلة في قول وصححه ابن القيم إلى أنه يفتي فيها أيضاً بلا كراهة.
وذهب آخرون من الفريقين إلى أنه لا يجوز، لأنه موضع تهمة، ووجهه أنه إذا أفتى فيها تكون فتياه
كالحكم على الخصم، ولا يمكن نقضه وقت المحاكمة، ولأنه قد يتغير اجتهاده وقت الحكم، أو تظهر له
قرائن لم تظهر له عند الإفتاء، فإن حكم بخلاف ما أفتى به جعل للمحكوم عليه سبيلاً للتشنيع عليه، وقد
قال شريح: أنا أقضي لكم ولا أفتي، وقال ابن المنذر: يكره للقاضي الإفتاء في مسائل الأحكام الشرعية([215]).
وذهب* الحنفية* في* الصحيح* عندهم* إلى أن* للقاضي أن يفتي في مجلس القضاء وغيره في العبادات
والأحكام وغيرها، ما لم يكن للمستفتي خصومة، فإن كان له خصومة فليس للقاضي أن يفتيه فيها([216]).
وذهب المالكية إلى أنه يكره للقاضي أن يفتي في ما شأنه أن يخاصم فيه، كالبيع والشفعة والجنايات.
قال البرزلي: وهذا إذا كان فيما يمكن أن يعرض بين يديه، فلو جاءه السؤال من خارج البلد الذي يقضي فيه فلا كراهة([217]).
**
*
الخاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وبعد:
فالحديث عن الفتوى وأهميتها حديث ذو شأن كبير لارتباطه بشرائع الدين الإسلامي، فكل ما يرتبط بالعبادات، والمعاملات، والحلال والحرام، وأيضاً علاقة الخلق بربهم جل وعلا يحتاج إلى بيان وإيضاح، ولا يتم ذلك إلا عن طريق العلماء الربانيين السائرين على نهج سلفهم الصالح، والذين يقتدون برسولهم صلى الله عليه وسلم في جميع شأنه، ويبينون للناس أهمية اتباعه والسير على طريقته، فكل ما وصل إلينا من شرائع الإسلام يحتاج إلى بيان الكثير منها ولا يتم ذلك إلا عن طريق تعليم الناس الخير، إما بالدروس العلمية، أو المحاضرات، أو الكلمات، أو الفتاوى، وغير ذلك من طرق الدعوة إلى الله.
وواقع الناس اليوم يبين أهمية الفتوى في حياتهم مع كثرة الجهل، والفتن، والبعد عن شرائع الإسلام، وكثرة من يخرجون على المسلمين بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان فَيَضِلُون ويُضِلُون.
لذا فتوعية الناس وتذكيرهم بأهمية الفتوى، وضرورة الرجوع إلى أهل العلم المتخصصين، وتحذير من يخرج على المسلمين بفتاوى مخالفة لما عليه إجماع المسلمين وتذكيرهم بمغبة القول على الله بغير علم، وأثره على الناس، والعمل على سلوك منهج العلماء السابقين في الحرص على نفع الناس، والأخذ بأيديهم لما يقربهم إلى ربهم يحتاج كل ذلك لجهد كبير، وبذل عظيم، وهذا البحث الذي بين أيدينا نقاط من بحر شاسع حول موضوع الفتوى وأهميتها حرصت فيه بقدر الإمكان على إيضاحه، عسى الله تعالى أن يمد في أعمارنا ويمنّ علينا بالتوسع لاحقاً في هذا الموضوع الهام الذي يعود على الأمة الإسلامية بالخير والفائدة.
وأخيراً: هذا ما تم تقييده ـ بين دفتي هذا البحث المبارك ـ فما كان فيه من صواب فبتوفيق من الكريم المنان، وما كان فيه من خطأ أو نسيان فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان، وأسأل الله جل وعلا أن يجعله خالصاً لوجهه، مقبولاً عند خلقه، وأن ينفع به المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، وأن يكون في موازين الحسنات يوم نلقى ربنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*
المراجع والمصادر:
(1)**** إبطال الحيل، عبيد الله بن محمد العكبري العقبلي، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ .
(2)*********** الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، ط د.ن، 1387.
(3)*********** اختلاف الحديث للشافعي، ط مؤسسة الكتب الثقافية، 1405هـ.
(4)*********** أدب المفتي والمستفتي للشهروزي، ط مكتبة العلوم والحكم، بيروت، تحقيق د. موفق عبد القادر، 1407هـ.
(5)*********** إرواء الغليل للألباني، ط المكتب الإسلامي، بيروت، 1405هـ.
(6)*********** إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، ط مطبعة السعادة، 1374هـ.
(7)*********** الأعلام للزركلي، ط دار العلم للملايين، 1976م.
(8)*********** البحر المحيط للزركشي، ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، 1413هـ.
(9)*********** تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ط دار إحياء الكتب العربية، مصر.
(10)***** الجامع الصحيح لسنن الترمذي، للألباني، ط دار إحياء التراث العربي.
(11)***** الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ط دار إحياء التراث العربي، 1372هـ.
(12)***** حاشية ابن عابدين والدر المختار، ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، 1400هـ..
(13)***** حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ط دار الفكر، د.م .
(14)** رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، علاء الدين أمين بن عمر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت.
(15)***** سنن سعيد بن منصور، ط دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ.
(16)***** سنن ابن ماجة للألباني، ط دار الفكر،بيروت، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(17)***** سنن ابن ماجه، ط دار إحياء التراث العربي، 1975م.
(18)***** سنن أبي داود، ط دار إحياء التراث العربي، دار الكتب العلمية.
(19)***** سنن البيهقي، ط مكتبة دار البار، مكة المكرمة، تحقيق محمد عبد القادر عطا، 1414هـ.
(20)***** سنن الترمذي، ط دار الدعوة، استانبول، 1401هـ.
(21)***** سنن الدار قطني، ط دار المعرفة ببيروت، تحقيق السيد عبد الله المدني، 1386هـ.
(22)***** سنن الدارمي، ط دار الكتاب العربي، 1987.
(23)***** سنن النسائي، ط دار البشائر الإسلامية، 1986م.
(24)***** سير أعلام النبلاء، للذهبي، ط مؤسسة الرسالة، تحقيق شعيب الأرنؤوط، 1414هـ .
(25)***** شرح المنتهى للبهوتي الحنبلي، ط دار الفكر، د.م.
(26)***** صحيح ابن حبان، ط مؤسسة الرسالة ببيروت، تحقيق شعيب الأرنؤوط، 1414هـ.
(27)***** صحيح ابن خزيمة، ط المكتب الإسلامي ببيروت، تحقيق د.محمد الأعظمي، 1386هـ.
(28)***** صحيح البخاري، ط دار القلم، بيروت، 1987م.
(29)***** صحيح جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، ط دار الكتب العلمية، 1398م.
(30)***** صحيح سنن أبي داود للألباني، مكتبة التربية العربي لدول الخليج، 1409هـ.
(31)***** صحيح مسلم، ط دار إحياء التراث العربي، 1972م.
(32)***** صحيح وضعيف الجامع للألباني، ط المكتب الإسلامي، بيروت، 1402هـ.
(33)***** صفة الفتوى لابن حمدان، ط 3، المكتب الإسلامي، بيروت 1397، تحقيق الألباني.
(34)***** ضعيف الترغيب والترهيب للألباني، ط مكتبة المعارف، الرياض.
(35)***** الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، مكتبة أنس بن مالك، ط 1400هـ.
(36)***** القاموس المحيط، للفيروز آبادي، ط د.ن.
(37)***** لسان العرب لابن منظور، ط دار صادر، بيروت، 1388م.
(38)***** مجمع الأنهر لعبد الرحمن بن محمد بن سليمان الحنفي.
(39)***** المجموع للنووي، ط دار إحياء التراث العربي، تحقيق محمد المطيعي، 1415هـ.
(40)***** مستدرك الحاكم، ط دار الكتب العلمية، ببيروت، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، 1411هـ.
(41)***** المستصفى للغزالي، القاهرة، المكتبة التجارية 1356هـ.
(42)***** مسند الإمام أحمد، ط دار المعارف، مصر، 1949ـ 1980م.
(43)***** مسند البزار، ط دار العلوم والحكم، تحقيق محفوظ زين الله، 1415هـ* .
(44)***** مشكاة المصابيح للألباني، ط المكتب الإسلامي، بيروت، 1405هـ.
(45)***** المعجم الكبير للطبراني، ط مكتبة العلوم والحكم ، الموصل، تحقيق حمدي السلفي، 1404هـ.
(46)***** معجم مقاييس اللغة لابن فارس، ط دار الفكر، 1399هـ.
(47)***** الموافقات للشاطبي، ط دار المعرفة، تحقيق الشيخ عبد الله دراز.
(48)******** الموطأ للإمام مالك، ط دار إحياء العلوم، بيروت، 1988م.
(49)******** نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي، ط مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1386م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
فهرس الموضوعات

المقدمة:

ملخص البحث:

خطة البحث:

المبحث الأول: حقيقة الفتوى ومجالاتها، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: الفتوى ومكانتها في الإسلام:

تعريف الفتوى لغة واصطلاحاً:

حكم الفتوى:

مكانة الفتوى وأثرها:

ضوابط الفتوى:

أثر الفتوى في الأمة الإسلامية:

المطلب الثاني: أركان الفتوى:

أولاً: المفتي:

تعريف المفتي:

أثر الجانب الأخلاقي للمفتي على المستفتي:

صيغة فتوى المفتي:

ثانياً: المستفتي:

تعريف المستفتي:

حكم الاستفتاء:

آداب المستفتي:

حكم المستفتي إن لم يطمئن قلبه إلى الفتيا:

ثالثاً: الفتوى:

الأمراض والأعراض التي تصيب الفتوى وأثرها على المستفتي:

المطلب الثالث: أنواع الفتوى:

النوع الأول: الفتوى بالرأي:

النوع الثاني: الفتوى بالتقليد:

النوع الثالث: الفتوى بالدليل والاجتهاد:

المطلب الرابع: مجالات الفتوى:

المبحث الثاني: عظم شأن الفتوى في الشرع، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: عظم شأن الفتوى في القرآن الكريم:

المطلب الثاني: عظم شأن الفتوى في السنة المطهرة:

المطلب الثالث: عظم شأن الفتوى عند السلف:

المبحث الثالث: شروط من له الإفتاء، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: صفات المفتي.

المطلب الثاني: الشروط الواجب توافرها في المفتي.

الخاتمة

المراجع والمصادر

فهرس الموضوعات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

([1]) سورة الأحزاب:70،71.
([2]) سورة النساء:1.
([3]) سورة الأحزاب:70،71.
([4]) رواه البخاري ـ كتاب العلم ـ باب كيف يقبض العلم (98)، ومسلم ـ كتاب العلم ـ باب رفع العلم (4828).
([5]) سورة النساء: 127.
([6]) سورة النساء: 176.
([7]) إعلام الموقعين (1/11).
([8]) سورة النحل: 59، 60.
([9]) سورة الصافات: 24ـ 26.
([10]) لسان العرب، مادة فتى (15/145).
([11]) سورة يوسف: 43.
([12]) سورة الكهف: 22.
([13]) سورة الصافات:11.
([14]) تفسير القرطبي (15/68)، وتفسير بن كثير (4/3) ط عيسى الحلبي.
([15]) شرح المنتهى (3/456)، مطبعة أنصار السنة بالقاهرة، وصفة الفتوى والمستفتي لابن حمدان ص4.
([16]) مقاييس اللغة لابن فارس، مادة: فتى (4/474).
([17]) سورة النساء: 178.
([18]) القاموس المحيط، مادة: فتى (4/365).
([19]) سورة آل عمران:187.
([20]) سورة التوبة:122.
([21]) رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (5/29) برقم 2649.
([22]) شرح المنهاج (4/214).
([23]) سورة النساء:176.
([24]) النحل: 44.
([25]) إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، أصولي، حافظ، من أهل غرناطة، كان من أئمة المالكية، توفي سنة (790هـ). يُنْظَر: الأعلام، الزركلي، 1/75.
([26]) رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي، وصححه الألباني في سنن أبي داود (3/317) رقم 2641.
([27]) انظر: الموافقات، للشاطبي، بتحقيق الشيخ عبد الله دراز، (4/ 244-246).
([28]) إعلام الموقعين لابن القيم (1/11).
([29]) رواه الدارمي (1/57) من حديث عبيد الله بن أبي جعفر مرسلاً، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (147).
([30]) سورة الأحزاب: 36.
([31]) رواه البخاري ـ كتاب تفسير القرآن ـ باب قوله تعالى[ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات)(4378).
([32]) إعلام الموقعين (2/280،281).
([33]) سورة النساء: 83.
([34]) سورة النساء: 59.
([35]) أخرجه أحمد، وأبو داود،والنسائي،والترمذي،وابن ماجه،وصححه الترمذي،وصححه الألباني في إرواء الغليل(ج1 رقم 9).
([36]) سورة البقرة: 189.
([37]) إعلام الموقعين (4/158).
([38]) سورة النور: 54.
([39]) إعلام الموقعين (ج 4 / ص 204، 205).
([40]) إعلام الموقعين (4/229).
([41]) سورة النحل: 116، 117.
([42]) إعلام الموقعين (4/211).
([43]) صحيح جامع بيان العلم وفضله، رقم 399.
([44]) البحر المحيط (6/305).
([45]) أدب المفتي والمستفتي للشهروزي (1/21).
([46]) صفة الفتوى ص13.
([47]) صفة الفتوى ص4.
([48]) المؤمنون: 53.
([49]) سبق تخريجه ص3.
([50]) إعلام الموقعين (1/ 44).
([51]) إعلام الموقعين (1/ 45).
([52]) الموافقات للشاطبي (4/89ـ95).
([53]) إعلام الموقعين (1/ 44).
([54]) ابن نفيل القرشي، أبو حفص: ثاني الخلفاء الراشدين، وأول مَن لُقِّب بأمير المؤمنين، صاحب الفتوحات، يُضرَب بعدله المَثَل، بُويِع بالخلافة سنة (13هـ)، وهو أول مَن وَضَع للعرب التاريخ الهجري، وأول مَن دوَّن الدواوين في الإسلام، له في كتب الحديث (537) حديثاً. يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، رقم الترجمة (5736)، 2/518-519.
([55]) الأشعث بن قيس، من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، توفي سنة (40هـ)، بعد علي بن أبي طالب بأربعين ليلة. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، 2/37-43..
([56]) إعلام الموقعين (1/86).
([57]) أم المؤمنين، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، بنت أبي بكر الصديق، أفقه النساء وأعلمهن بالدين، تزوجها النبي- صلى الله عليه وسلم – في السنة الثانية للهجرة، روت عنه (2210)حديثاً، توفيت في المدينة سنة (58هـ). يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، كتاب النساء وكناهن،رقم الترجمة (704)، 4/359-361.
([58]) علي بن أبي طالب، أبو الحسن، رابع الخلفاء الراشدين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، وَلِي الخلافة سنة (35هـ)، وأقام بالكوفة إلى أن اغتاله ابن ملجم سنة (40هـ). يُنْظَر: الأعلام، الزركلي، 4/295..
([59]) رواه النسائي، وصححه الألباني في سنن النسائي (4/124) رقم 2094.
([60]) إعلام الموقعين (4/160، 259).
([61]) رواه مسلم ـ كتاب الجهاد والسير ـ باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث (3261).
([62]) صفة الفتوى لابن حمدان ص60.
([63]) المستصفى للغزالي (2/124) القاهرة، المكتبة التجارية 1356هـ.
([64]) المجموع للنووي (1/54) وانظر الموافقات للشاطبي (4/261).
([65]) الموافقات للشاطبي (4/291)، والمجموع للنووي (1/58).
([66]) رواه مسلم ـ المقدمة (1/33).
([67]) المجموع (1/54).
([68]) النحل: 43.
([69]) الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/179)مكتبة أنس بن مالك، ط 1400هـ.
([70]) شرح المنتهى للبهوتي الحنبلي (3/458)وحاشية ابن عابدين (4/303)وإعلام الموقعين(4/254)والمجموع للنووي (1/56) والبحر المحيط للزركشي (6/318، 113)، والمستصفى للغزالي (2/125)، والموافقات (4/130، 133، 262).
([71]) رواه أحمد، والترمذي، والبيهقي، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (7145).
([72]) شرح المنتهى للبهوتي الحنبلي (3/457)، والمجموع* للنووي (1/57).
([73]) شرح المنتهى للبهوتي الحنبلي (3/457).
([74]) رواه البخاري ـ كتاب المظالم والغصب ـ باب قول الله تعالى:[وهو ألد الخصام](2277).
([75]) رواه البخاري ـ كتاب الشهادت ـ باب من أقام البينة بعد الدليل (2483).
([76]) إعلام الموقعين (4/254).
([77]) رواه مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار (3527).
([78]) إعلام الموقعين (1/66).
([79]) الإحكام للآمدي (4/46).
([80]) رواه الترمذي (3/607)، وضعفه الألباني في جامع الترمذي (3/616) رقم (1327).
([81]) إعلام الموقعين (1/67 وما بعدها، و79، 85).
([82]) إعلام الموقعين (1/69).
([83]) إعلام الموقعين (1/69ـ74).
([84]) رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، وأحمد، وصححه الألباني في سنن أبي داود (3/129) رقم (2927).
([85]) رواه النسائي، وأبو داود، وصححه الألباني في إرواء الغليل (ج7 رقم 2273).
([86]) رواه البخاري ـ كتاب الغسل ـ باب غسل ما يصيب من فرج المرأة (284).
([87]) رواه الشافعي في اختلاف الحديث، ص91.
([88]) رواه أبو داود، وصححه الألباني في سنن أبي داود (1/55) رقم (215).
([89]) سورة الحج:46.
([90]) سورة الصافات:24.
([91]) سورة النحل:25.
([92]) رواه مسلم ـ كتاب العلم ـ باب من سن سنة حسنة (4831).
([93]) الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/69)مكتبة أنس بن مالك، ط 1400هـ.
([94]) الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/355).
([95]) الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (2/344).
([96]) سورة الأعراف: 3.
([97]) سورة البقرة:170.
([98]) سورة الزخرف: 23، 24.
([99]) سورة الزخرف: 24.
([100]) سورة الشعراء: 69ـ 74.
([101]) سورة النحل: 43.
([102]) سورة النحل: 43.
([103]) الفقيه والمتفقه ص307، 308.
([104]) رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة (1/189) رقم (572).
([105]) سورة البقرة:170.
([106]) سورة الزخرف:23، 24.
([107]) سورة الإسراء:36.
([108]) سورة الأعراف:33.
([109]) سورة الأعراف:3.
([110]) سورة النساء:59
([111]) إعلام الموقعين (2/292).
([112]) رواه البزار،والطبراني في المعجم الكبير،وخرجه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (ج1 رقم 36)، وقال: ضعيف جدا.
([113]) رواه مالك في الموطأ (1395)، وحسنه الألباني في المشكاة (ج1 رقم 186).
([114]) إعلام الموقعين (2/292).
([115]) الفقيه والمتفقه (2/330، 331).
([116]) رواه الدارمي ـ كتاب الفتيا ـ باب الفتيا وما فيه من الشدة (1/186) رقم (166).
([117]) شرح المنتهى (3/456)، مطبعة أنصار السنة بالقاهرة، وصفة الفتوى والمستفتي لابن حمدان ص4.
([118]) سورة الكهف: 110.
([119]) رواه البخاري ـ كتاب تفسير القرآن ـ باب قوله تعالى [إن الله لا يظلم مثقال ذرة](4215)، مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب معرفة طريق الرؤية (269).
([120]) رواه أحمد (15617).
([121]) إعلام الموقعين (4/267).
([122]) رواه مسلم ـ كتاب القدر ـ باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه (4786).
([123]) رواه مسلم ـ كتاب الحيض ـ باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من ماءها (473).
([124]) رواه البخاري ـ كتاب الحدود ـ باب إثم الزناة (6313)، مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده (124).
([125]) رواه الترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة، وصححه الألباني في إرواء الغليل (ج1 رقم9).
([126]) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وصححه الألباني في إرواء الغليل (ج1 رقم 14).
([127]) رواه البخاري ـ كتاب الذبائح والصيد ـ باب ما جاء في التصيد (5065)، مسلم ـ كتاب الصيد والذبائح ـ باب الصيد بالكلاب المعلمة (3567).
([128]) رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وحسنه الألباني في جامع الترمذي (1/197) رقم (115).
([129]) رواه أبو داود، وصححه الألباني في سنن أبي داود (1/54) رقم (211).
([130]) رواه البخاري ـ كتاب الحيض ـ باب الاستحاضة(295)، مسلم ـ كتاب الحيض ـ باب المستحاضة وغسلها(502).
([131]) رواه البخاري ـ كتاب أحاديث الأنبياء ـ باب حلق آدم صلوات الله عليه وذريته (3081)، مسلم ـ كتاب الحيض ـ باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (471).
([132]) رواه البخاري ـ كتاب الأدب ـ باب قول الله تعالى [ووصينا الإنسان بوالديه](5513).
([133]) رواه مسلم ـ كتاب المساجد ومواضع الصلاة ـ باب أوقات الصلوات الخمس (969).
([134]) رواه البخاري ـ كتاب الجمعة ـ باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب (1050).
([135]) رواه البخاري ـ كتاب الصلاة ـ الصلاة في القميص والسراويل (352)، مسلم ـ كتاب الصلاة ـ الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه (800).
([136]) رواه البخاري ـ كتاب الصلاة ـ الحلق والجلوس في المسجد (453)، مسلم ـ كتاب صلاة المسافرين وقصرها ـ صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة (1240).
([137]) رواه مسلم ـ كتاب الزكاة ـ باب إثم مانع الزكاة (1647).
([138]) رواه أحمد، وضعفه الألباني في تخريج مشكاة الفقر، ص91 رقم 71.
([139]) رواه مسلم ـ كتاب الصيام ـ باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة (1863).
([140]) رواه أبو داود، وصححه الألباني في سنن أبي داود (2/315) رقم (2398).
([141]) رواه الدار قطني.
([142]) رواه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق (1800)، ومسلم ـ كتاب الصيام ـ باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم (1870).
([143]) رواه البخاري ـ كتاب الحج ـ باب فضل الحج المبرور (1423).
([144]) رواه مسلم ـ كتاب الحج ـ باب صحة حجة الصبي وأجر من حج به (2378).
([145]) رواه البخاري ـ كتاب الأيمان والنذور ـ باب من مات وعليه نذر (6205)، مسلم ـ كتاب النذر ـ باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة (3102).
([146]) رواه أحمد، وابن خزيمة، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1 رقم 340).
([147]) رواه ابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (ج1 رقم 201).
([148]) رواه الترمذي، وابن ماجة، وضعفه الألباني في ضعيف جامع الترمذي (4/453) رقم (2148).
([149])رواه البخاري ـ كتاب المناقب ـ باب مناقب عمر بن الخطاب (3412)، مسلم ـ كتاب البر والصلة والآداب ـ باب المرء مع من أحب (4777).
([150]) رواه الترمذي، وابن ماجة، وأحمد، وصححه الألباني في جامع الترمذي (4/607) رقم (2410).
([151]) رواه أحمد، وابن حبان، والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج3 رقم2748).
([152]) سورة الأعراف: 33.
([153]) سورة الأعراف: 33.
([154]) سورة النحل: 116، 117.
([155]) إعلام الموقعين (1/38).
([156]) سورة الأعراف: 33.
([157]) سورة يونس: 59، 60.
([158]) سورة البقرة: 168، 169.
([159]) سورة الأنعام: 93.
([160]) سورة الأعراف: 28.
([161]) سورة يونس: 68، 70.
([162]) سورة النحل: 116، 117.
([163]) سورة النور: 15.
([164]) رواه البخاري ـ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ـ باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس (6763).
([165]) رواه مسلم ـ كتاب العلم ـ باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن (4828).
([166]) رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1854).
([167]) رواه أبو داود، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (6068).
([168]) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/299) رقم (3573).
([169]) رواه مسلم ـ المقدمة ـ باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
([170]) رواه البخاري ـ كتاب الجنائز ـ باب ما يكره من النياحة على الميت (1209)، مسلم ـ باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
([171]) رواه الترمذي، وصححه الألباني في المشكاة (ج1 رقم 232).
([172]) سورة البقرة: 151.
([173]) سورة النحل: 89.
([174]) سورة الحشر: 7.
([175]) سبق تخريجه ص .
([176]) رواه البخاري ـ كتاب الشهادات ـ باب لا يشهد على شهادة جور (2458)، رواه مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل الصحابة رضوان الله تعالى عنهم (4601).
([177]) رواه البيهقي، والدارمي، وسعيد بن منصور في سننه.
([178]) محمد بن عبد الرحمن، العلاَّمة الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها، أبو عبد الرحمن الأنصاري الكوفي، كان نظيراً للإمام أبي حنيفة في الفقه، توفي في رمضان، سنة (148هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة التاسعة (6/310-316).
([179]) سبق تخريجه ص.
([180]) سبق تخريجه ص.
([181]) أبو عبد الرحمن: صحابي، من السابقين إلى الإسلام، أول مَن جهر بقراءة القرآن بمكة، خادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، توفي في خلافة عثمان سنة (32 هـ)، له (848) حديثاً . يُنْظَر: الطبقات الكبرى، محمد بن سعد بن منيع، دار صادر، بيروت، د.ت (6/13).
([182]) إبطال الحيل، عبيد الله بن محمد العكبري العقبلي، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ (1/62)، وسنن الدارمي (1/73)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي (5/211).
([183]) المخزومي القرشي، أبو محمد : سيد التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، وكان أحفظ الناس لأقضية عمر بن الخطاب وأحكامه، حتى سُمِي راوية عمر، توفي بالمدينة سنة (94هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، 4/217 وما بعدها، وتهذيب التهذيب، الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد، الهند، 1326هـ، الناشر دار صادر، بيروت، لبنان، 2/28.
([184]) فتاوى ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، تحقيق د. موفق عبد الله عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ، 1/15، وأدب المفتي والمستفتي، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوي، 1/80..
([185]) عامر بن شراحيل، الإمام، ، توفي- رضي الله عنه -علاَّمة العصر، أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي، وُلِد في إمرة عمر بن الخطاب سنة (104). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، 4/294-319.
([186]) سورة البقرة:32.
([187]) إعلام الموقعين (4/218) .
([188]) أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي، إمام المدرسة الحنفية، ولد بالكوفة سنة (80هـ)، ونشأ فيها، وتوفي سنة (150هـ). يُنْظَر: تاريخ بغداد، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت، 13/323-423، والبداية والنهاية، ابن كثير، مكتبة المعارف، لبنان، مكتبة النصر، الرياض، الطبعة الأولى 1966م، 10/107.
([189]) سير أعلام النبلاء، للذهبي *(4/302).
([190]) أحمد بن علي بن ثابت، الإمام الأوحد، العلاَّمة المفتي، الحافظ الناقد، محدث الوقت، صاحب التصانيف، وخاتمة الحُفَّاظ، وكان من كبار فقهاء الشافعية، له ستة وخمسين مصنفاً، توفي سنة (463هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، 18/270-297.
([191]) يعقوب بن إبراهيم: صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وأول مَن نشر مذهبه، وأول مَن وَضَع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة. يُنْظَر: البداية والنهاية، ابن كثير، 10/180 وما بعدها..
([192]) آداب الفتوى، للنووي (1/16).
([193]) الإمام مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة، مولده ووفاته في المدينة (93-179هـ)، سأله المنصور أن يضع كتاباً للناس يحملهم على العمل به، فصنّف الموطأ، يُنْظَر: صفة الصفوة، جمال الدين ابن الجوزي، حققه وعلّق عليه محمود فاخوري، خرّج أحاديثه محمد رواس قلعه جي، مطبعة النهضة الجديدة، القاهرة، دار الوعي، بحلب، الطبعة الأولى 1390هـ/1970م، رقم الترجمة (189)،2/177 وما بعدها.
([194]) مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، العلاَّمة الإمام، نزيل بغداد، كان أبوه أمياً على اليمن، توفي سنة (236هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، 11/30-32..
([195]) سورة المزمل: 5.
([196]) آداب الفتوى، للنووي (1/16).
([197]) سورة العنكبوت: 13.
([198]) رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، علاء الدين أمين بن عمر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت، 4/234.
([199]) الأعراف:33.
([200]) سبق تخريجه ص3.
([201]) أدب المفتي والمستفتي ص86، والمجموع (1/41).
([202]) إعلام الموقعين (1/46).
([203]) إعلام الموقعين (4/199).
([204]) شرح المنتهى (3/457)، وإعلام الموقعين (4/220)، وحاشية ابن عابدين (4/302)، وصفة الفتوى لابن حمدان ص13، والمجموع (1/75) تحقيق المطيعي.
([205]) *الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/302).
([206]) حاشية الدسوقي (4/130).
([207]) صفة الفتوى لابن حمدان ص29، والمجموع (1/41).
([208]) مجمع الأنهر (2/145).
([209]) إعلام الموقعين (4/220)، وشرح المنتهى (3/457)، وابن عابدين (4/301).
([210]) الفقيه والمتفقه للخطيب (3/168).
([211]) سورة الأعراف:33.
([212]) إعلام الموقعين (1/46).
([213]) إعلام الموقعين (1/46).
([214]) حاشية ابن عابدين (1/47)، والمجموع (1/45).
([215]) المجموع للنووي (1/42)، وإعلام الموقعين (4/220)، وصفة الفتوى لابن حمدان ص29.
([216]) حاشية ابن عابدين والدر المختار (4/302).
([217]) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (4/139).