انفراج أزمة وباء كورونا. 10-8-1443هـ

الأربعاء 4 صفر 1444هـ 31-8-2022م

الحمد لله الذي جعل في الابتلاء أجرًا، وفي الصبر عليه رِفعة وعزًّا، قال سبحانه: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) الشرح (5-6)

قال ابن عباس: يقول الله تعالى: خلقتُ عسرًا واحدًا، وخلقت يسرين، ولن يغلِب عسر يسرين) (تفسير القرطبي: ج 20 ص 107)،

وقال سبحانه: ( سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق (7).

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: هذا وعد منه تعالى، ووعده حق، لا يخلفه. (تفسير ابن كثير ج 8 ص 154).

وانفراج الأزمات، وزوال الكربات منحة من الله عز وجل، ورحمة يتفضّل بها على عباده، قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) يونس (58).

فحُقَّ للمسلمين أن يفرحوا برحمة الله عز وجل، وأن يستبشروا بانفراج الأزمة بفضل الله ورحمته.

ولقد اتّخذت بلادنا– حماها الله- حزمة من القرارات، المتعلقة بإدارة أزمة كورونا، كان لها الأثر في انفراج هذه الأزمة، ولله الحمد، وترتب على ذلك صدور القرارات ليلة البارحة، ومنها

– إلغاء التباعد في المسجد الحرام والمسجد النبوي، والجوامع والمساجد، مع الالتزام بلبس الكمامة.

-إيقاف تطبيق إجراءات التباعد في الأماكن المغلقة والمفتوحة، والأنشطة والفعاليات.

-عدم اشتراط لبس الكمامة في الأماكن المفتوحة، مع الالتزام بلبسها في الأماكن المغلقة، وغير ذلك من القرارات الرشيدة الحكيمة.

وحول هذه القرارات الجديدة لي عدة وقفات منها:

أولًا: وجوب شكر الله عز وجل، على ما منّ به من انفراج الأزمة، وحلول الأمن.

ثانيًا: دور المملكة في إدارة هذه الأزمات، وموقفها تجاه مواطنيها، وكل من يقيم على أراضيها، دور إيجابي مشرّف يجب أن يُنْظَر إليه بعين بصيرة وإنصاف.

فلقد واجهتْ بلادُنا -مثل باقي دول العالم-وباءَ كورونا بفضلٍ من الله بحنكةٍ عاليةٍ، وتفكيرٍ سديدٍ وموفّق، وحرصٍ شديدٍ على صحةِ المواطنينَ والمقيمين على ثَراهَا، فقدّمتْ خلالَ هذه الأزمة جهودًا جبّارة وموفّقة من أجلِ دفعِ الضّررِ والهلاكِ عن أرواحِ العبادِ، فطبّقتْ جميعَ الإجراءاتِ الوقائيةِ والتَّدابيرَ الاستباقيةِ والاحترازيةِ منذُ ظهورِ هذا الوباء.

وعملتْ على الحدِّ منَ انتشارِهِ، وتقليل نسبة الإصابات به قدر المستطاع؛ فقامتْ بتنسيقِ الجهودِ بين كافة أجهزتِها تحت مِظلّةِ لجنةٍ متخصصةٍ لمتابعةِ مستجداتِ هذا الوباء، ونشرتْ الوعيَ الصحيّ والبيئيّ بين الأفرادِ من أجل سلامتهِم وسلامة من حولهم.

ووفرت –بالمجان- اللقاح لكل من يقيم على أراضيها من المواطنين أو المقيمين، وكذا العلاج والرعاية الصحية، بل تعدّى دورها الإيجابي والواضح خارجيًا بالوقوف مع بعض الدول ماديًا ومعنويًا، ودعمها لمنظمة الصحة العالمية حتى تؤدّي دورها في مواجهة الجائحة العالمية.

فجزى الله خيرًا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده وكل عامل في القطاع الصحيّ وغيره، على تلك الجهود الطيبة والمشكورة التي قدّمتها بلادنا حفاظًا على الأرواح من هذا الوباء، وكل ذلك بتوفيقٍ من الله وفضل.

ثالثًا: وجوب الالتفاف حول ولاة الأمر، والعلماء، والدعاء لهم، وحفظ مكانتهم، وأثر ذلك في استقرار الأمن، ودوام الرخاء، وانفراج الأزمات، قال الإمام أحمد رحمه الله: (وإني لأرى طاعةَ أميرِ المؤمنين في السرِّ والعلانيةِ، وفي عُسري ويُسري، ومَنشطي ومكرهي، وأثرةٍ عليَّ، وإني لأدعو اللهَ له بالتسديدِ والتوفيقِ في الليلِ والنهارِ) البداية والنهاية (14/413)

رابعًا:  من ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المملكة، التباعد بين المصلين في الصلاة؛ لأنه يساعد في الوقاية من الإصابة بالعدوى، ويحدّ من تناقل وانتشار الوباء -بإذن الله- فجاز ترك التراصّ لعذر.

والقاعدة عند أهل العلم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وأن الحكم إذا ثبت بعلة؛ زال بزوالها.

فكان ترك التراصّ والتباعد في الصلاة خشية انتشار المرض عبادة، وطاعة لولي الأمر، والآن بعد إلغاء التباعد، وجب التراصّ والتقارب بين الصفوف، وسد الفرج، فيسنّ للإمام أن يأمر المصلين بتسوية الصفوف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (سَوُّوا صفوفَكم؛ فإنَّ تسويةَ الصفِّ من تمامِ الصَّلاةِ) رواه البخاري (723)، ومسلم (433)، وقوله أيضًا: (لَتُسونَّ صفوفَكم، أو ليُخالفنَّ اللهُ بين وجوهِكم) رواه البخاريُّ (717)، ومسلم (436).

أسأل الله دوام العزة والرفعة لبلادنا خاصة، وبلاد المسلمين عامة، وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، خير الجزاء، وأن يديم على بلادنا نعمة الأمن، والرخاء، والألفة، ووحدة الصف، واجتماع الكلمة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين