مداخل الشيطان وطرق الوقاية منها – خطبة الجمعة 13-2-1444هـ

الجمعة 13 صفر 1444هـ 9-9-2022م

مداخل الشيطان وطرق الوقاية منها.

الحمدُ للهِ ذي الجود والإحسان، المتفضّل على عباده بالعطايا والإنعام، أكرم الطائعين بمحبته، وتوعّد العُصَاةَ بالطَّرْدِ من رحمته، جعل لكل محبٍّ من محبوبه نصيبًا، مُخطئًا كان المُحبُّ في محبته أو مُصيبًا.

وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:

فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ، فالتقوى وصيةُ اللهِ للأوَّلينَ والأخرينَ، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].

عباد الله إن من سنن اللهِ تعالى في الرُّسلِ وأتباعِهم من المؤمنين أن جعلَ لهم أعداءً يتربَّصون بهم الدوائرَ، وينسجون لهم المكائدَ، يصدُّونهم عن سبيلِ اللهِ ويبغونها عوجًا، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورا}[الأنعام: 112].

وإنّ أعظمَ الأعداءِ فتكًا، وأمضَاهم كيدًا: إبليسُ – عياذًا بالله منه-وجذور العداوة بين إبليس والإنسان قديمة جدًا، أخبرنا عنها ربنا عز وجل بقوله حكاية عن إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 13 – 18].

عباد الله: لقد اقتضى عدل الله عز وجل وحكمته أن يبيّن هذه العداوة للإنسان ويحذره من مكائد الشيطان، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [النور:21].

وقال النبي : (إن الشيطانَ يجري من ابنِ آدمَ مجرى الدمِ) أخرجه أبو داود (٤٧١٩) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1658).

أيها المؤمنون: لقد أوجبَ الله عز وجل على عباده مراغمة الشيطان، ومخالفته، ومجاهدته، قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ  إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس:60].

وأَمْرُ اللهِ للإنسان أن يتخذَّ مِنَ الشيطان عدوًا، ليس معناه فقط التَّعَوُّذ منه باللسان، أو بغضه بالقلب، مع اتباع خطواته بالجوارح، والاسترسال مع خطراته بالفكر، بل باستفراغ الوسع في محاربته، وقطع وسائله، وإحكام مداخله، ونبذ أفكاره، والإعراض عن وساوسه.

قال ابن القيم رحمه الله: (‌وَالْأَمْرُ ‌بِاِتِّخَاذِهِ ‌عَدُوًّا تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي مُحَارَبَتِهِ، وَمُجَاهَدَتِهِ، كَأَنَّهُ عَدُوٌّ لَا يَفْتُرُ وَلَا يُقَصِّرُ عَنْ مُحَارَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَدَدِ الْأَنْفَاسِ) زاد المعاد (3/6).

عباد الله: إن للشيطان هدفًا واحدًا بعيد المدى يسعى لتحصيله، والظفر به، وهذا الهدف ذكره ربنا عزَّ وجل في قوله: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:6] وله وسائل متعددة في الوصول لذلك الهدف، ومن وسائل الشيطان في إغواء الإنسان ما يلي:

أولًا: الكفر بالله عز وجل، وهي أشد العقبات، وأخطرها على دين المرء، قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16].

ثانيًا: البدعة، فإن عجز الشيطان عن مدخل الكفر، جاء من باب البدع والمحدثات، وتزيين مناهج أهل الضلال، وعبادة الله بالهوى والجهل.

ثالثًا: الكبائر، وهي المدخل الثالث للشيطان، فيزين للعبد الذنب، ليكسر حدة إيمانه، ويعكر صفو قلبه، ونقاء عقيدته.

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ  { يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [الأعراف:27].

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ كما هدانا لسبيل الجنان، وحذّرنا من حبائل الشيطان، وسبل النيران وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أما بــــــعــــــــــد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من وسائل الشيطان لإغواء الإنسان ما يلي:

رابعًا: الصغائر، فإن عجز الشيطان عن إيقاع المرء في الكبائر، زيّن له الصغائر وهوّن من شأنها، وكالَ له منها، وعلى العبد أن يعلم أنّ الإقدامَ على الصغائر استقلالًا بشأنها، أو تهوينًا لأمرها، من سوء الأدب، والتجرؤ على الله عز وجل.

خامسًا: المباحات، فإن يَئِسَ الشيطان من إغواء العبد من باب الكفر والمنكرات، جاءه من باب المباحات، فشغله بها عن الطاعات، ثم يستدرجه منها لترك السنن، والنوافل من العبادات.

أيها المؤمنون: والواجب على المسلم بعد أن علم حبائل الشيطان ومداخله، أن يدرك سبل النجاة من هذه الشِّراك، وكيفية الخلاص من هذه الغوائل عن طريق ما يلي:

أولًا: الإخلاص لله عز وجل، وحسن اللجوء إليه، والتوكل عليه، قال تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83]، وقال سبحانه: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36]

ثانيًا: التحصن بالأذكار والأوراد الشرعية، وهي حرز المسلم الأمين، وحصنه المتين، ومنها آية الكرسي، قال ﷺ: (من قرأها عندَ النومِ لا يزالُ عليه من اللهِ حافظٌ , ولا يقربُه شيطانٌ حتى يُصبِحَ) صححه ابن باز في مجموع الفتاوى (٤١٢‏/٩) والمعوذات، لقوله ﷺ:(قل هو الله أحد والمُعَوِّذَتين حينَ تُمسي وحينَ تُصبحُ ثلاثَ مراتٍ تُكفيك مِن كلِّ شيءٍ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (٥٠٨٢) والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة؛ لقوله ﷺ: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) أخرجه البخاري (5019).

ثالثًا: حُسن المتابعة للنبي ﷺ والاعتصام بسنته، وَمَا مَضَى عَلَيْهِ السَّلَفُ الْأَخْيَارُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

رابعًا: اجتناب الكبائر، والحذر من الصغائر، لقوله ﷺ: (إياكم ومُحَقَّراتِ الذنوبِ، فإِنَّما مثَلُ مُحَقَّراتِ الذنوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نزلُوا بَطْنَ وادٍ، فجاءَ ذا بعودٍ، وجاءَ ذا بعودٍ حتى حمَلُوا ما أنضجُوا بِهِ خبزَهُم، وإِنَّ مُحَقَّراتِ الذنوبِ متى يُؤْخَذْ بِها صاحبُها تُهْلِكْهُ) أخرجه أحمد (٣٨١٨)، والطبراني (١٠/٢٦١) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣١٠٢).

خامسًا: تلاوة القرآن، قال ﷺ: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ) أخرجه مسلم (780).

أسأل الله أن يصدّ عنا مكر الشيطان وكيده، وأن يحول بيننا وبين حبائله، وأن يعصمنا الزلل والخطأ.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56].  
الجمعة:13/2/1444هـ