خطبة الاستسقاء 23-4-1444هـ

الخميس 23 ربيع الثاني 1444هـ 17-11-2022م

 

الحمدُ للهِ مجيبِ الدعاءِ، واسعِ العطاء، خزائِنُهُ بالخيرِ مَلأى، ويَدُهُ بالنفقةِ سحّاء، يعلمُ ما نخفي وما نعلن، وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، أحمدُه سبحانهُ ذي النعمِ والآلاءِ، يُعِزُّ مَنْ يشاءُ، ويُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، بِيَدِهِ الخيرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قديرٌ.

وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصيتُه تعالى للأولينَ والآخرينَ:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ.. }[النساء:131].

أيُّهَا المؤمنونَ: من عظيمِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ وكمالِ فَضْلِهِ، أنْ فَتَحَ لعبادِهِ أبوابًا وأسبابًا يُصْلِحُونَ بها ما أفسدَتْهُ الشياطينُ، وما وقعَ منهم بجهلٍ أو تقصيرٍ، فشرعَ لهم التوبةَ والاستغفارَ، قال تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور: [31] وجَعَلَ المبادرةَ بالتوبةِ من صفاتِ المتقينَ، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران: [135].

وفتحَ لهم بابَ الدعاءِ، وهو أَجَلُّ الأبوابِ وأعظمها، والدعاءُ سلاحُ المؤمنينَ، ومطيةُ الصالحينَ، وغوثُ المضطرينَ، وملاذُ الخائفينَ، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] وقال ﷺ: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ) رواه أبو داود(1479) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3407).

عبادَ اللهِ: وجّهَ وليُّ أمرِنَا خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله ورعاه- بإقامةِ صلاةِ الاستسقاءِ في هذا اليومِ، إحياءً لهدي النبيِّ ﷺ، وتطبيقًا لسنتِهِ. وهذا التوجيهُ يعكسُ منهجَ هذه البلاد وقيادتها في تطبيقِ السُّنَّةِ وإحيائِهَا، وذَمِّ البِدْعَةِ ومحاربتِهَا، وإخمادِ الفتنةِ وقمعِهَا، فجزاهم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأجرى على أيديهم الخير للبلاد والعباد، وحفظهم من كل سوء ومكروه.

وكانَ من هديِ نبيِّكُم ﷺ أنَّه إذَا خَرجَ لصلاةِ الاستسقاءِ خَرَجَ متذللاً متواضِعًا، فعنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ للاستسقَاءِ مُتَذَلِلاً مُتَواضِعاً مُتَخَشِعاً مُتَضَرِعاً) أخرجه أبو داود (1165) وصححه الألباني  (1165).

أيُّهَا المؤمنونَ: الماءُ آيةٌ من آياتِ اللهِ عزّ وجلّ، تدلُّ على وحدانيتِهِ وحكمتِهِ، يصيب ُبهِ مَنْ يشاءُ، ويصرفُهُ عنْ مَنْ يَشَاءُ، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فصلت: [39] قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: (ليسَ عامٌ بأكثرَ مطراً من عام ولكنَّ الله يُصرِّفُه كيفَ يشاءُ، ثم قرأَ قولَ اللهِ تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} الفرقان:[50] وقد امتنَّ اللهُ سبحانه بهذهِ النعمةِ على عبادِهِ بقولِهِ: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ  لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} الواقعة:[68-70].

عبادَ اللهِ: أَظْهِرُوا الخضوعَ والتذلّل للهِ عزّ وجلّ، انكسروا على بابِهِ، انطرحوا بين يديهِ، لُوذُوا بركنِهِ الشديدِ، الزمُوا الدُّعَاءَ {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون} [النمل :62]. وأبشروا بالخيرِ والبركةِ والنَّمَاءِ، (إِنَّ ربَّكم تَبَارَكَ وتَعَالَى حَيِيٌّ كريمٌ، يَسْتَحِيي مِنْ عبدِه إذَا رَفَعَ يَديه إليه أَنْ يردَّهما صِفرًا) رواه أبو داود (1488)، وصححه الألباني (1320).

توجّهوا إلى اللهِ بقلوبِكُمْ، وارفعوا أكفَّ الضَّرَاعَةِ، وأكثروا من الاستغفار، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وإني داعٍ فأمِّنُوا:

الَّلهم أنتَ اللهُ لا إلَه إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفقراءُ، أَنْزِل علينَا الغيثَ ولا تجعلنَا من القانطينَ، الَّلهم أَغثْنا، الَّلهم أغثْنا، الَّلهم أغثْنا، الَّلهم أَسْقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا، طبقًا مجللًا، سحًّا عامًّا، نافعًا غيرَ ضارٍّ، عاجلًا غيرَ آجلٍ، الَّلهم تُحيْيِ به البلادَ، وتغيثُ به العبادَ، وتجعلُه بلاغًا للحاضرِ والبادِ.

الَّلهم سُقيا رحمةٍ، لا سُقيَا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، الَّلهم أسْقِ عبادكَ وبلادَك وبهائَمكَ وانْشرْ رحمتَك، وأَحْي بلدَك الميِّتْ، الَّلهم أَنْبِتْ لنَا الزرعَ، وأدرَّ لنا الضرعَ، وأَنْزلْ علينَا من بركاتِك، واجعلْ ما أَنْزلتَه علينَا قوةً لنا على طاعتِك، وبلاغًا إلى حينٍ، الُّلهم إنَّا خلقٌ من خَلقِك فلا تمنعْ عنَّا بذنوبِنَا فضلكَ.

الَّلهم يا مَنْ وسعتْ رحمتُه كلَّ شيءٍ، ارحمْ الشيوخَ الركَّعَ، والأطفالَ الرضَّعَ، والبهائمَ الرُّتَّعَ، وارحمْ الخلائقَ أجمعْ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.

عبادَ اللهِ، كانَ من هَدْيْ نبيِّكم ﷺ أنَّ يَقلبُ رِدَاءَه تفاؤلاً بتغييرِ الحالِ، وإذا اسْتَسْقَى اسْتَقبَل القبلةَ، ودعا ربَّه، وأطالَ الدعاءَ، فتأسَّوا بنبيكم، وادعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقنونَ بالإجابةِ؛ عسى ربُّكم أن يرحمَكُم، فيغيثَ قُلوبَكم بالرجوعِ إليهِ، وبلادَكم بإنزالِ الغيثِ، إنه سميعٌ قريبٌ مجيبٌ.

وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.