الإشاعة

الخميس 13 ذو القعدة 1439هـ 26-7-2018م
الإشاعة من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للأشخاص والمجتمعات وقد لجأ لها الأعداء كوسيلة من وسائل الهدم والتدمير للمجتمع الإسلامي فكم أقلقت الإشاعة من أبرياء وحطمت عظماء وهدَّمت وشائج وتسببت في جرائم وفككت من علاقات وصداقات وكم هزمت من جيوش ولكي أكون دقيقاً في وصفها تعالوا بنا نأخذ مثالاً واحداً من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم هو حادث الإفك فهو يعتبر حدث الأحداث في حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولم يمكر بالمسلمين مكر أشد من تلك الوقعة وهي مجرد فرية وإشاعة مختلفة بيَّن الله كذبها في قرآن يتلى إلى يوم القيامة ولولا عنايته سبحانه وتعالى لبيت نبيه صلى الله عليه وسلم لكادت هذه الإشاعة أن تعصف بالأخضر واليابس ولا تبقى على نفس مستقرة مطمئنة ولقد مكث مجتمع المدينة بأكمله شهراً كاملاً وهو يصطلي نار تلك الفرية وتعصره الإشاعة الهوجاء حتى نزل القرآن يغسل آثار هذه الفتنة ويعتبرها درساً تربوياً نجح فيه أقوام ورسب فيه آخرون وليبقى هذا الدرس لكل مجتمع بعد المجتمع المدني إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وصدق الله العظيم [لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ].

وللإشاعة قدرة على تفتيت الصف الواحد والرأي الواحد وتوزيعه وبعثرته فالناس أمامها بين مصدق ومكذب ومتردد ومتبلبل وتتناقض الأخبار أمام ناظريك وسمعك فهذا ينفي وذاك يثبت وذاك يشكك وآخر يؤكد فكم من حي قد قيل إنه ميت وكم من ميت زعموا حياته وكم من ضالٍ شاع أمره بأنه من الأولياء وأصحاب الكرامات وكم من رجل صالح شاع أمره أنه نكص على عقبيه وفعل الأفاعيل وكم من بريء قد اتهم وكم من متهم حوله قرائن كثيرة تدل على جريمته تأتي الإشاعة فتبرئه براءة الشمس في رابعة النهار فيختلط الحابل بالنابل والصحيح بالمريض والسليم بالعليل والأحمر بالأسود.

والذين يجتهدون في ترويج الإشاعة الغالب عليهم أنهم يقصدون إما النصح بمعنى أنه يرددها للنصح صاحب الشأن والدفاع عنه.
وإما الشماته وهذا على النقيض من السابق يكون قصد صاحب الإشاعة أن يشمت بمن يتحدث عنه وإما الفضول وهذا غالب حالة الناس فبعضهم يحب أن يسمع الناس منه ويصغوا إلى حديثه وأحياناً يزيد فيها وينقض ويجعل فيها منعطفات كثيرة ليلفت نظر الناس إليه وإما قطع الفراغ وملء الأوقات فإذا أشيع خبر ـ ما ـ ترى كثيراً من الناس يشارك وهو لا يعلم شيئاً وإنما لئلا يفهم الناس أنه لم يعلم بالخبر فيزيد فيه وينقص ولا يهمه ما يترتب على هذا الأمر إطلاقاً. ومن أبرز المصادر للإشاعة أن تكون خبراً من شخص أو خبراً من جريدة أو خبراً من مجلة أو خبراً من إذاعة أو من تلفاز أو رسالة خطية أو شريطاً مسجلاً. والإشاعة تكثر في المجتمع الذي يغلب عليه الجهل وتقل في الوسط الثقافي وتقوى في مجتمع النساء وتقل عند العاقلات منهن.

إن ما يسمعه المرء أحياناً من إشاعة يجعله يكذبه لأول وهلة لأن آثار الوضع بادية عليه ولكن مع ذلك ينبغي التثبت والتروي فإن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وصدق من قال:

ما إن ندمت على السكوتي مرة
لكن ندمت على الكلام مراراً

والمرء محاسب على كل كلمة يقولها

وصدق الله العظيم [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ]
وقال تعالى: [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ]
وقال تعالى: [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ]
وقال تعالى: [يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور]
ويقول تعالى: [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً].

وهذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وما يضادها من المضار فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمجتمع وسروراً لهم وكيداً لأعدائهم نشروه وإن لم يكن فيه ذلك بل فيه ضرر على المؤمنين فإنهم يتركونه فكم نحن بحاجة إلى الوقوف مع أنفسنا والتثبت مما ينقل عنا ولنا وكم نحن محاسبون على ما يصدر عن جوارحنا فهل نعي ذلك ونحاسب أنفسنا قبل أن تحاسب أرجو ذلك وأتمناه.

أسأل الله أن يحفظ على هذه البلاد أمنها وولاة أمرها وعلماءها من كل سوء ومكروه وصلى الله وسلم على نبينا وعلى أله وصحبه وسلم.