الارتباط بين قيام المملكة ونهج الحكم الإسلامي
الدعوة إلى الله هي سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه وقد نوه الله عن ذلك بقوله: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ](108 من سورة يوسف).
والدعوة إلى الله مهمة الرسل جميعاً عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن الكفر إلى الإيمان ومن الشرك إلى التوحيد ومن النار إلى الجنة وقد بدأ رسل الله دعوتهم بالأهم فالأهم فدعوا إلى إصلاح العقيدة بالأمر بإخلاص العبادة لله والنهي عن الشرك ثم الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الواجبات وترك المحرمات وهذا المنهج الواضح هو الذي سار عليه أئمة الدعوة في المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ حيث ركَّز على التوحيد وتصحيح العقيدة لأن غيره من الواجبات من حقوقه ومكملاته وتابع له. لقد تجرد إمام هذه الدعوة المباركة ـ رحمه الله ـ للدعوة إلى الله على بصيرة وجاهد في رد الناس إلى ما كان عليه أهل السنة والجماعة من إفراد الله بالعبادة وترك التعلق بغير الله والاعتقاد فيما دونه متبعاً في ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من تمام توفيقه وتأييده أن قيض الله له من الأمراء من ينصره ويعينه ويقف معه إذ عرفوا صدقه وحرصه على الإسلام وتصحيح عقيدة الناس بنص الوحي وحد السيف فمن نفع معه الدعوة بالحكمة واللين واقتنع بالحجة فذاك ومن عاند وجحد ووقف في وجه زحف عقيدة التوحيد استعمل معه حد السيف إذ لا علاج له إلا بالقوة وصدق الله العظيم [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ] (الآية:60 من سورة الأنفال).
وقد استمرت الحال على ذلك في بلاد التوحيد أئمة يدعون الناس إلى الهدى والرشاد ويصححون عقائدهم وحكام يساندونهم ويدافعون عنهم بكل قوة فحصل من الخير والفضل والأمن والأمان في هذه البلاد المباركة ما لا يعلم مداه إلا الله.
وحَّد الله أهلها بعد الفرقة وأطعمهم بعد الجوع وآمنهم بعد الخوف وتحولت الدويلات الصغيرة الكثيرة المتناحرة في الجزيرة إلى دولة واحدة مترامية الأطراف مميزة في دينها ودنياها وأصبحت هذه الدولة المباركة ـ المملكة العربية السعودية ـ مناراً للعلم والمعرفة ومقصداً لطالب الأمن والأمان ممن لا يجد ذلك في بلاده إن من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل أنه متى صحت العقيدة صلحت أعمال المسلمين لأن العقيدة الصحيحة تحمل المسلم على الأعمال الصالحة وتوجهه إلى الخير وتمنعه من الشر فتكون أفعاله حميدة وأخلاقه حسنة وتعامله حسب الشرع المطهر أخذاً وعطاءاً وهذه العقيدة الصحيحة هي التي بنى عليها أئمة الدعوة منهاج دعوتهم المتصل بدعوة الأنبياء والرسل سليمة من الأهواء والأوهام والانحراف مبرأة من مظاهر الشرك وتبعات الغلو وقد امتدت هذه الدعوة ولله الحمد إلى أصقاع كثيرة من العالم تنشر التوحيد النقي وتقدمه للناس بعد أن كدر صفوة كثير من الشوائب في شتى ديار الإسلام.
وقد بارك الله في هذه الدعوة وكان لها من الآثار الإيجابية ما الله به عليم وقد قيض الله لها آل سعود يحمونها ويذبون عنها فاجتمعت القوة والحكمة والسلطان والعلم وانتشرت بفضل الله الدعوة الصادقة الخالصة من شوائب الشرك والوثنية وقامت إلى جانبها هذه الدولة المباركة التي أسس بناءها الحالي وبنى قواعدها الراسخة على هدى من الله ونور الباني المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود.
وكان من آثار هذه الدعوة والدولة التي قامت على شرع الله وانطلقت من لا إله إلا الله محمد رسول الله وارتضت التحاكم إلى شرع الله ونبذت ماسواه أقول كان من آثارها الايجابية ما يأتي:
1) قضت هذه الدعوة بدولتها المباركة على ما كان شائعاً في بلادها من خرافات والمخالفات الشرعية وأحيت مكانها معالم الشريعة ومظاهر عقيدة التوحيد الخالصة.
2) أعادت الذين انضموا تحت لوائها إلى الالتزام بشرع الله المطهر بعيداً عن شوائب الشرك والوثنية كما ألزمتهم بتحكيم الكتاب والسنة والتحاكم إليهما في كل الأمور.
3) نشرت المذهب الحنبلي ـ مدرسة الأثرـ وهي المدرسة التي تعنى بالسنة وتستند عليها في أقوالها ويكفي أن إمام هذا المذهب هو إمام أهل السنة في زمانه ولا تزال هذه المدرسة ترتفع معالمها في المملكة العربية السعودية دون تعصب أو استخفاف بالآخرين بل الرائد لأهل الدليل الصحيح متى وجدوه فهم أسعد الناس به ولله الحمد والمنة.
4) وحدت أتباعها بعد أن كانوا متفرقين لا تجمعهم رابطة ولا يجمعهم حكم شرعي وقد وفقوا تمام التوفيق لاختيار المنطلق وهو ـ لا إله إلا الله محمد رسول الله ـ فخضع الجميع لها وأصبحوا تحت سلطانها يتحاكمون إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
5) استتب الأمن ورفرفت أعلامه بعد أن كان النهب والسلب وهكذا وفقت هذه البلاد المباركة وأصبحت مضرب المثل للقاصي والداني والشاهد الحي على أن تطبيق الشرع المطهر يضمن الأمن والاستقرار ورغد العيش في كل مناحي الحياة لقد بقيت دولة الكتاب والسنة والتوحيد الخالص دولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متميزة إذ بقيت المملكة العربية السعودية في العصر الحاضر شامة في جبين العالم تتمتع بالعدل والأمن والسلام فينتشر العلم فيها ويصل لكل مواطن ومقيم كما يصل إليه الماء والهواء دون عناء أو تعب أو خسارة مادية أو معنوية.
هذه الدولة برهنت للعالم أجمع أنه لا بديل عن حكم الله لمن أراد النجاة والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة.
نعم يخطئ كثيراً من يتوهم أن هناك فضيلة ـ ما ـ تصدر عن غير المتدين فإن غير المتدين بعيد عن معرفة ربه فلا يعرف خشيته وتقواه ولا يرجو بعمله مرضاته والرغبة في ثوابه وكل حياة خلت من معرفة الله تعالى وخشيته ومراقبته والرغبة فيما عنده فهي خواء وقد شعر بهذا أولئك الذين انغمسوا في ماديتهم وانسلخوا عن روحانيتهم ولذا فأعمالهم هباء وصدق الله العظيم [مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ].
وقال تعالى: [وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً].
إن الدين هو منبع كل الفضائل والحاجز الحصين عن كل الرذائل ومتى فطر النشيء على التدين أُمن شرهم ورجي خيرهم.
ألا ترى أن الإسلام حارب الجريمة قبل وقوعها ثم قضى عليها بعد وقوعها قضاءً يذهب أثرها ويقلل ضررها وسلك في ذلك كل المسالك المتاحة وهذا ما تقوم به المملكة العربية السعودية في هذا العصر الذي بلغت فيه نسبة الجريمة أعلى معدلاتها في كثير من دول العالم في حين أنها في هذه البلاد المباركة تقل كثيراً ولله الحمد بسبب تطبيق العقوبات الرادعة حتى ولو كانت إزهاق النفس أو قطع أحد الأطراف ما دام في ذلك أمن المجتمع وسلامته واستقراره.
إن الحياة ـ كما حددتها النصوص الشرعية ـ هي للعبادة والعمل الصالح وهذا مصدر السعادة والأمن والطمأنينة وهذا ما يلمسه القاصي والداني في المجتمع السعودي الآمن.
والشقاء والتعاسة في الدنيا والآخرة بعدم الالتزام بشرع الله وهذا ما يلمسه الناس اليوم في الفراغ النفسي والروحي الذي تعاني منه مجتمعات الحضارة على كل مستوياتها.
وأخيراً فقد جرب كثير من الناس من أحقاب مختلفة من العصور الشرور والابتعاد عن الالتزام بأحكام الله فكانت النتيجة القلق واليأس والحرمان والشقاء والتعاسة ولذا تعالت صيحات العقلاء هنا وهناك بأن تجرب هذه المجتمعات الإسلام الذي هو مصدر الأمان بإذن الله وعنوان السعادة في الدنيا والآخرة وشاهد الحال في المملكة العربية السعودية التي ارتبط قيامها بنهج الحكم الإسلامي وأصبح مضرب المثل لكل مجتمع يريد السعادة والأمن والطمأنينة.
أسأل الله أن يضفي على بلادنا ثوب الأمن والطمأنينة وأن يزيدها عزاً واستقراراً وأن يحفظها بالإسلام إلى يوم الدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.