الاستسقاء عند الجدب
شرع الله صلاة الاستسقاء عن الجدب والقحط وتأخر نزول الأمطار في بعض ديار المسلمين. لإن النفوس مجبولة على الطلب ممن يغيثها وهو الله وحده وكان ذلك معروفاً في الأمم الماضية وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد ورد في الكتاب العزيز [وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ].
وقد استسقى خاتم الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مرات متعددة وعلى كيفيات متنوعة وكلها مشروعه. فللمسلمين أن يستسقوا تارة بالصلاة جماعة أو فرادى وتارة بالدعاء في خطبة الجمعة وتارة بالدعاء عقب الصلوات وتارة أثناء السجود يدعون بنزول الغيث بعد التسبيح سراً.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الاستسقاء ومما نقل عنه من الكيفيات (أنه دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم وقال اللهم أغثنا ثلاث مرات وكانت السماء صحواً فأنشأ الله سبحانه فرعدت وبرقت وأمطرت ولم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته). ومرة كان في غزوة ونقص عليهم الماء فاستغاث الله عز وجل فأنشأ الله مزناً فأمطرت وسقاهم ورووا ومرة ثالثة دعا الله سبحانه وتعالى أن يسقيهم فقام أبو لبابه رضي الله عنه وكان فلاحاً فقال يا رسول الله إن التمر في البيادر (وهو ما يجمع فيه التمر لييبس) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أسقنا حتى يقوم أبو لبابه فيسد ثعلب مِربده بإزاره ـ وثعلب المربد هو الفجوة التي يدخل منها السيل إلى البستان ـ ثم أمطرت السماء وخاف الناس من فساد التمر فجاءوا إلى أبي لبابه وقالوا اذهب إلى مربدك وسده بإزارك ليقف المطر فذهب من آيات الله وهو معجزة لرسوله صلى الله عليه وسلم وخلاصه.
أحكام صلاة الاستسقاء ما يأتي:
1) ينبغي أن يخرج الناس لصلاة الاستسقاء الصغار والكبار.
2) إذا أراد المسلم الصلاة فينبغي أن يسبقها التخلص من مظالم الخلق والعبد عن الشحناء والخلاف ويقدم صدقة للفقراء والمساكين ويصدق في توبته ويكثر من الاستغفار.
3) يخرج المسلم للصلاة خاشعاً متذللاً ضارعاً إلى الله مظهراً الخوف والخشية عكس خروجه لصلاة العيد قال ابن عباس رضي الله عنهما (خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً).
4) تصلى صلاة الاستسقاء في الصحراء وإن كان هناك مطر أو برد شديد فتصلى في المسجد.
5) صلاة الاستسقاء ركعتان بلا أذان ولا إقامة يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام ست تكبيرات يقول بين هذه التكبيرات ـ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد ـ أو يقول ـ الله كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على نبينا ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة الأنتقال من السجود ويرفع يديه مع كل تكبيرة.
وإذا فاتت المأموم بعض التكبيرات أو كلها لم يقضها بل يركع مع الإمام وإذا فاته ركعة كاملة قضاها على صفتها وإن فاته ركعتان ودخل مع الإمام قبل السلام قضاهما على صفتهما وإن جاء والإمام يخطب جلس واستمع للخطبة.
ويقرأ الإمام في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية أو في الأولى بسورة (ق) وفي الثانية بسورة ـ القمر ـ ثم يخطب خطبة واحدة يكثر فيها من الثناء على الله والاستغفار والتوبة وبعد الخطبة يستقبل القبلة ويدعو بما شاء ثم يحول رداء تفاؤلاً بتغيير الحال من الجدب إلى المطر وليس لصلاة الاستسقاء نافلة قبلها ولا بعدها على الصحيح من كلام أهل العلم إلا أن صلاها المسلمون في المسجد كوقت المطر فيصلي ركعتين هما تحية المسجد ولا يصلي بعدهما شيئاً.
6) يحسن أن يرفع المسلم يديه حال الدعاء ويدعو بمجامع الدعاء وحتى حال الخطبة إذا استسقى الإمام يوم الجمعة فيرفع المسلم يديه ويؤمن على دعاء الإمام.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا حسن الاتباع وأن يوفقنا للزوم السنة وأن يفتح أبواب الخير للبلاد والعباد إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية