خطبة بعنوان (وصايا حول الخدم والسّائقين). بتاريخ 4-2-1428هـ.

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].

عباد الله:
لقد أمر الله بكل خير، ونهاهم عن كل إثم، وبشر المطيعين بالنعيم المقيم، وحذر المسيئين بالعذاب الأليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

إن من الظواهر الخطيرة والفتن العظيمة التي ظهر خطرها وعظم ضررها ما ابتلي به بعض الناس في هذا الزمان من استقدام الخدم للبلاد من المسلمين وغير المسلمين، لغرض الخدمة في البيوت وقيادة السيارات ونحوها مما أدى ذلك إلى تفشي المنكرات، وضياع كثير من الأبناء والبنات بسبب سوء التربية، وعدم المراقبة والاهتمام، وأُلِفتْ كثيرٌ من المخالفات الشرعية مثل الخلوة، وخروج النساء بلا ضرورة وغيرها كثير، وظهرت كثير من السلبيات التي انتشرت في مجتمعنا بسبب وجود هذه الفئة التي طالت غالب الأسر.

فينبغي لنا الحذر من عواقب ذلك الأمر الذي انتشر انتشار النار في الهشيم، وما كان ذلك إلا بسبب ضعف الوازع الديني في القلوب، فما بال الكثير منا يستقدم الخادمة والسائق بدون حاجة أو ضرورة ويترك لهما الحبل على الغارب دون رقيب أو حسيب، بل إن كثيراً من الناس أتى بهما رغبة في التنافس وحب التقليد والمباهاة.

عباد الله:
إن الرجل الذي يستطيع القيادة، أو يوجد أحد من أبنائه يقوم بذلك فالأولى له ألا يأتي بسائق، وهكذا المرأة في بيتها إذا كانت تستطيع القيام بشؤون بيتها ورعاية أبناءها فالأولى لها ألا تحضر خادمة كي تُؤْجر على خدمتها لزوجها وبيتها، وكي تُعلم بناتها أعمال البيت وشؤونه.

لكن إذا كان الأمر ضرورياً والحاجة ماسة، فالحاجات تقدر بقدرها كأن تكون ربة البيت طاعنة في السن، أو مريضة لا تستطيع القيام بأعمال البيت ولا يوجد من يقوم بذلك، أو يكون الأولاد كثيرين ويحتاجون إلى من يرعاهم ويقوم بخدمتهم مع عدم استطاعة الزوجة للقيام بحقهم فلا بأس من إحضار خادمة، وكذلك إذا كان رب الأسرة لا يستطيع القيادة أو لا يوجد عنده من يقوم بذلك فلا حرج عليه أن يأتي بسائق ولكن بشروط معينة يراعى فيها الضوابط الشرعية المأمور بها لاستقدام السائق وزوجته.

وعلى ذلك فمن أراد أن يأتي بخادمة أو سائق فيجب عليه أن يختار من المسلمين المستقيمين، وليأتي بالرجل وامرأته معاً كي يحفظ نفسه وبيته من الفتن التي يأتي بها هؤلاء الخدم، ومعلوم أن الخدمة أمانة وولاية وعمل يسند إلى الخادمة والسائق في بيت المخدوم، وهي أمر موكل إليه، وهو مسؤول عنه أمام ربه على النحو الذي ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته)(رواه البخاري)، فإذا كان السائق والخادمة مستقيمين فهذا سبب كبير في عدم حصول الشرور التي تترتب على غيرهم ممن لا دين لهم ولا خلاق ، وهذا ما يتمناه كل مسلم عاقل.

عباد الله:
إذا أكرمنا الله بوجود الخادمة والسائق ليقوموا بخدمتنا فلابد من أمور يجب مراعاتها عند التعامل معهم للمحافظة على أسرنا ولنتجنب أسباب الفتنة، ومن ذلك:

(1) عدم التساهل في خروج الخادمة أمام الرجال، والخلوة بهم ( لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم)(رواه البخاري ومسلم).

(2) مراقبة ربة الأسرة لها في أداء الصلاة والفرائض الشرعية الأخرى وحثها على مكارم الأخلاق والآداب الإسلامية.

(3) عدم التكشف أمام الزوج والأولاد الذين بلغوا الحلم، والالتزام بالحجاب الشرعي.

(4) تحديد المهام المنوطة بها، وعدم الاتكال عليها في إدارة جميع أعمال شؤون البيت وتربية الأولاد.

(5) عدم التساهل في خروج النساء أمام السائق، فكم نرى من النساء عند ركوب السيارة من تكشف يديها أو رجليها، أو أجزاء من وجهها، أو ربما وجهها كاملاً كأن هذا السائق سقطت عنه الحرمة، ونسي هؤلاء النسوة أن هذا السائق أجنبي عنهن ولا يجوز له الإطلاع عليهن.

(6) متابعة السائق وذلك بتحديد مهامه التي يقوم بها لأهل البيت، فإن السائق رجل كباقي الرجال، فيجب أن يكون رب الأسرة فطناً حريصاً على أهل بيته، ولا يسمح لهن أن يذهبن حيث شئن ومتى أردن، فكم من جريمة ارتكبت والأب المسكين غافل لا يدري، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(7) تساهل بعض النساء في السفر مع السائق بدون محرم، وهذه مخالفة كبيرة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء في الحديث: ( لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم) (متفق عليه).

(8) بعض الناس يولي السائقين والخدم ثقة مطلقة، ويتساهلون معهم إلى حد التفريط وعدم المبالاة بالعواقب والنتائج، فالسائق مثلاً وضع في بعض الأسر تحت إمرة النساء ـ الصغار والكبار ـ يذهب بهن حيث شئن إلى المدرسة أو السوق، أو زيارة الجيران، أو حضور المناسبات المختلفة، يذهب بالجميع منهن أو الواحدة دون محرم، والخادمة أيضاً غالباً ما تكون شابة وجميلة وحسب طبيعة عملها في تفقد وتنظيف سائر البيت تحصل الخلوة بها من الرجال فيقع ما لا تحمد عقباه، فلابد من الانتباه، وكم من حادثة سمعنا بها بسبب ذلك التفريط.

(9) يسافر أهل البيت في بعض الأحيان ويتركون الخادمة وحدها، وقد يكثر خروجهم لبعض المناسبات أو الزيارات ويتركونها وحدها، وقد يدخل عليها بعض أهل البيت من الرجال وتحصل الخلوة المحرمة، (وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).

(11) يقوم السائق بجلب الطلبات للبيت، فيقوم بعض النساء بالسماح له بالدخول عليهن بدون حجاب، فيتم التكشف، ويوقع الشيطان في قلب هذا السائق حب الشهوة والوقوع فيها، ومع ضعف الإيمان في القلوب تقع الفتنة والعياذ بالله.

(12) ظهرت كثير من المشكلات الأخلاقية في المجتمع بسبب وجود هذه الفئة من الخدم، وخاصة مع كثرة اختلاطهم بالأسر كبيرهم وصغيرهم، وذلك بقيام علاقات غير مشروعة بين الخدم وبين أفراد الأسرة، وخاصة السائق، وقيام البعض منهم بدور الوسيط أحياناً بين بعض فتيات الأسر وبعض الشباب العابث، أي تسهيل وتشجيع أعمال الانحراف الخلقي والتستر عليها لاستغلالها فيما بعد لابتزاز مرتكبيها مالياً تحت التهديد.

واستمعوا لهذه القصة التي تعبر عن خطرهم في الأسر، خادمة نشيطة ونظيفة كسبت مودة أهل البيت ومحبتهم، حتى البنت المراهقة في الأسرة، ومن ثمَّ استغلت الخادمة هذه الثقة فأتت ـ عن طريق السائق ـ بأفلام الجنس لتجلس البنت أمامها وتراها ومن ثمَّ تدعو السائق للدخول على البنت ويفعل بها الفاحشة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وخادمة أخرى سعت وراء شاب من شباب إحدى الأسر حتى وقع بها وفعل بها الفاحشة، فحملت منه، فأخذت عندئذٍ تهدد الأسرة بأن تفضحهم بما جرى إن لم يدفعوا لها المال الذي تريده.

فلنحذر خواني من فتنة الخدم فإنها تجر علينا الوبال في الدنيا قبل الآخرة، ولنسعى بقدر استطاعتنا في حفظ أعراضنا وبيوتنا من هذا البلاء الذي عم وطم، فهذا هو طريق النجاة لنا جميعاً، واستمعوا إلى قوله تعالى:[فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ](النور:63).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم نفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه, وأعطانا من جميل فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن الإسلام دين الرحمة والإخاء، والتواضع والوفاء، [يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..] (الحجرات:13)، وما أرسل الله تعالى نبيه محمداً إلا بأكمل الصفات وأحسن الأخلاق، [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين](الأنبياء:107)، [وإنك لعلى خلق عظيم](القلم:4)، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(رواه )، وقال أيضاً: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم)(رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي حديث حسن صحيح).

لقد امتن الله علينا بنعم كثيرة وعطايا جزيلة، فأكرمنا بنعمة الإسلام، وامتن علينا بالأمن والأمان، والصحة في الأبدان، وأفاض علينا بوافر المال، وكثرة العيال، وتيسير الأرزاق والأقوات، وتيسر لنا وجود الخدم والسائقين الذين جعلهم الله لنا سبباً بعد فضله في قضاء حوائج كثير من بيوت المسلمين، فله الحمد والمنة على فضله ومنِّه.

ومن أجل شكر هذه النعم التي تتوالي علينا يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتقوا الله تعالى فيمن عندهم من الخدم والسائقين فإن الإسلام أمرنا بالرفق بالحيوان والرحمة به، وشدد على من تقسو قلوبهم عليه، فما بال بعض الناس يقسو على من تحت أيديهم من الخدم والسائقين، ويعاملونهم معاملة قاسية خالية من الرحمة، فيكثرون عليهم في العمل، ويسببون لهم الأذى بالسب والشتم، وربما الضرب، ويثقلون عليهم في الطلبات التي تحتاج لوقت طويل يأخذ من راحتهم، فكم سمعنا عن خادمة تعمل منذ بزوغ الفجر ولا تنام إلا في ساعة متأخرة من الليل، وكم سمعنا عن سائق يذهب يميناً ويساراً تلبية لطلبات الأسرة والأقارب والجيران ولا يجد متسعاً لراحته، فإذا كان هذا ديدنهم كل يوم، فماذا يفعل هؤلاء عندما يقفون بين يدي الله تعالى فيسألهم عمن تحت أيديهم، قال صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)(متفقٌ عليه)، وقال أيضاً: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة..)(رواه مسلم).

والذين يؤخرون رواتبهم، وربما لا يعطونهم لعدة أشهر، بل ربما لسنوات، والذين يبخسونهم حقوقهم فلا يعطونهم كل مستحقاتهم، فكيف يكون موقف هؤلاء عندما يقفون بين يدي الجبار جل جلاله فيقتص لهم، والقصاص يوم القيامة بالحسنات والسيئات، قال صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)(رواه مسلم)، وقال: (من اقتطع حق امريءٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة)، فقال رجلٌ: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: (وإن كان قضيباً من أراكٍ)(رواه مسلم)، وقال: (من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه؛ من عرضه أو من شيءٍ، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهمٌ إن كان له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)(رواه البخاري)، وقال أيضاً: (من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طوقه من سبع أرضين)(متفقٌ عليه).

فيجب علينا جميعاً أن نحسن معاملتهم، ونقوم بأداء حقوقهم، وألا نكلفهم فوق طاقتهم، وألا نعنف عليهم، وألا نغمط حقوقهم فقد جعلهم الله عوناً كبيراً لنا على قضاء حاجات كثيرة، فما يقوم به الخدم للمخدومين إنما هو أداء لدور في الحياة من غير استعلاء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم خولكم (أي خدمكم) جعلهم الله تحت أيديكم)(رواه البخاري).

عباد الله:
وإن من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها التستر على العمالة الأجنبية فهذه العمالة المخالفة تسبب الكثير من المشكلات الأمنية والأخلاقية، مثل الاتجار في المخدرات، أو بيع الخمور، أو فتح بيوت الدعارة، وغير ذلك والعياذ بالله من الشرور والفتن، فأوصي من يفعل ذلك بتقوى الله تعالى، وليعلم أن من تعاون معهم فهو آثم لمخالفته النظام الذي وضعه ولي الأمر حفظاً للبلاد والعباد، فعلينا بالأخذ بالأسباب التي تحفظ علينا ديننا ودنيانا، وأن نعمل على شكر النعم التي أسبغها علينا ربنا جل وعلا، وأن يكون ذلك بالعمل بما يرضيه، والابتعاد عما يسخطه. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظنا وإياكم وجميع المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يعيننا وإياكم على طاعته ومرضاته، وأن يمن علينا بمغفرته وجناته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب)
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
الجمعة: 4-2-1428هـ