خطبة بعنوان (الشّباب- وصايا وتوجيهات-) .

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
عباد الله:

الشباب هم عماد الأمة، وعليهم أو بسببهم تقوم الأمة أو تهبط، حرص عليهم النبي صلى الله عليه وسلم واهتم بشأنهم، وخصهم بحديثه في كثير من المناسبات حرصاً عليهم، وصيانة لأخلاقهم، وبناءً لعقولهم، وخوفاً عليهم من تأثيرات شياطين الإنس والجن.
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب من إضاعة العمر، والتفريط في زمن الشباب لأنه غنيمة ينبغي تدراكه، والعمل من أجل استغلاله، قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: وذكر منها: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك) (رواه ).

وبين صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن هاتين المرحلتين سيسأل عنهن المرء، وعليه أن يعد لذلك جواباً، فقال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع وذكر منها:عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه..)(رواه ).

عباد الله:
ولما كانت هذه المرحلة للإنسان أخطر مراحل عمره وأخصبها، بها يشق الطريق في معترك الحياة، ومنها ينطلق لبناء حضارة قوية، لما كان الأمر كذلك حرص المصلحون وعلى رأسهم أنبياء الله ورسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ على هذه المرحلة، وبالمقابل حرص الأعداء على إيجاد المهلكات والموبقات، وما يفسد أخلاق الناشئة ليخرج الجيل عابثاً لاهياً ضعيف البناء، لا يهتم بنفسه ولا مجتمعه، ولا بلاده ولا أمته.

حرص الأعداء على أن يكون الجيل وخصوصاً شبابه مقلداً للآخرين، يسير خلف ركابهم، حتى ولو كان ذلك بأذية نفسه ومن حواليه.

ولنأخذ أيها المؤمنون مثالاً عاماً على ذلك، ينشأ بعض التلاميذ في المدارس نشأة صالحة، يحبون دينهم، ويعملون بأوامره، ويجتنبون نواهيه، حتى إذا شبوا عن الطوق وبدأت علاقاتهم، وصار لهم أصحاب وأصدقاء، وبدءوا يقرأون ويتابعون وينظرون ويشاهدون بعض وسائل الإعلام، فهنا لا تسل عن تحوله وانقلابه على نفسه، فيبدأ بكراهية الأخلاق التي تربى عليها، وكراهية وطنه وأهله، ويتولد هذا الحقد والكره بسبب بعض البرامج والعلاقات، وهنا يصبح هذا الشاب خنجراً مسموماً يطعن نفسه وبلاده وأخلاقه والعياذ بالله.

عباد الله:
شبابنا اليوم بين مطرقتين، مطرقة الأفكار الدخيلة التي تجرم إلى هاوية العنف والقتل والترويع وإفساد الأمن والخيانة لأمانتهم وبلادهم، ومد يد العدوان للبلد التي أكلوا من خيراتها وتربوا على ثراها.

ومطرقة الأفكار المنحلة الفاسدة التي تدعو إلى الرذيلة، والعري، والفاحشة، علاقات وخيانات، ورسائل فاضحة وفتن، حريصون على تقويض الأسرة بكل وسيلة متاحة لهم.
وهنا أقول لابد من اليقظة والحيطة، لابد من التعاون على كل المستويات، فالأمة بشبابها هم صانعوا المجد، وبانوا الحضارات، وإذا لم نهتم بهم ونعتني بشؤونهم فسنجني مرارة ذلك.

يجب أن نحرص عليهم من الصغر، في البيت، في المدرسة، في المسجد، في الحضر، وفي السفر، نتأكد من الجلساء والمقروءات ونتثبت من الرحلات والمشاهدات، ونختار الأصدقاء الذين لهم سمة الاعتدال، فلا غلو ولا تفريط، ولا تبعية ولا تقليد، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وفي يوم العرض سيتبرأ الخلان من بعضهم إلا الذين كانوا على الهدى يسيرون، وفي طريق الحق يجتمعون، وصدق الله العظيم[الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ](الزخرف:67).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من العظات والذكر والحكيم، أقول ما تسمعون فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي وفق من شاء لطاعته فهم على طريق الخير سائرون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فالشباب في كل أمة زينة الحاضر، وأمل المستقبل، ونهضة الغد، هم أغلى من كل رغبة، وأعظم مكسب، ومغنم كل أمة، منوطة عزتها بعد الله بهم، لا رفعة بدون سواعدهم، ولا بناء بدون عقولهم، لكنهم سلاح ذو حدين، فإما أن يوجهوا للخير، وهنا يكون لهم السبق في العطاء والبناء، وإما أن يستغلهم الأعداء في الهدم، وهنا لا تسل عن الأضرار والآثار المدمرة.

أيها المؤمنون:
لقد قصّ الله علينا من أخبارهم منها أصحاب الكهف الفتية الذين آمنوا بربهم، وها هي حياة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ يسجلها القرآن مرحلة بعد مرحلة للعظة والاعتبار، وها هي قصة موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ تتكرر في القرآن بأساليب مختلفة من أجل أخذ العبرة والعظة لأجيال هذه الأمة المباركة.

يقول بعض العلماء: الشباب هم موقع الحكم على كل بلد وأمة، فمن أراد أن يستطلع مستقبل بلد فلينظر إلى شبابه، ولذا علينا أن نحرص عليهم، وأن نلتمس ما يواجهون من مخاطر فنسدها، ونوصد الأبواب دونها بكل ما لدينا من وسائل متاحة، ومن ذلك الفراغ القاتل، وهنا علينا أن نملأ أوقاتهم بالنافع والمفيد كل حسب إمكاناته وقدرته.
ولزاماً علينا أن نقطع الطريق على قرناء السوء الذين يوردونهم المهالك، وعلينا أن نوقف زحف المثيرات الهابطة، وأن نقطع الطريق على الأفكار الوافدة، وذلك بملأ برامج الشباب بالخير، واختيار المحاضن النقية الصافية، كما أن علينا أن نربطهم بأهل العلم الصادقين الذين يرسمون لهم طريق النجاة والسلامة، فإلى العلماء يرد الشباب وعنهم يصدرون، فالقرب من العلماء خير محض، وصدق الله العظيم:[ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ](الأنبياء:7)، ومع ذلك وقبله فينبغي علينا أن نحذر من اليأس والقنوط، وأن لا نلتفت للأصوات النشاز التي تثبط الهمم وتحجم الأخطاء، وتنكأ الجراح، بل علينا أن نسمو بشبابنا، وأن نخاطب عقولهم وعواطفهم، وأن نستثير الخير فيهم ليعظم نفعهم لأنفسهم وأمتهم.

أيها المؤمنون:
إن ما حصل لبعض شبابنا من الانحراف الفكري يرجع إلى سببين رئيسيين؛ أولهما التأثير الخارجي، والعلاقة المشينة بأقوام مشبوهين لهم أهداف سيئة، ونوايا خبيثة.
وثانيهما: التساهل والتهاون والعواطف المتحكمة التي تجعل بعض الأسر والبيوت لا تفصح عن بعض مشكلات شبابها حتى يقع الفأس بالرأس، وإلا فلو أن كل بيت عالج مشكلته أولاً بأول وقطعت الروافد التي تغذي هذا الفكر، وقابلها بفكر نزيه يرعى الحقوق، ويحفظ لأهل الفضل فضلهم لما حصل كثير من المشكلات والمعضلات، ولكن كل واقعة يستفيد منها الناس الدروس والعظات، فإلى التعاون كل في مجاله رجالاً ونساءً، وإلى العمل والجد والعطاء والمساهمة في بناء البلاد كل حسب طاقته.

أسأل الله أن يحفظ علينا أمننا وأن يزيد بلادنا رفعة في ظل تمسكها بدينها وإيمانها وأخلاقها.
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار