خطبة بعنوان: (وقفات حول اعترافات أصحاب التفجير) 1-5-1428هـ

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله مولي النعم ودافع النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين بشيراً لمن أطاعه واقتدى بسنته، ونذيراً لمن عصاه وخالف أمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102).

عباد الله:
لقد امتن الله على رجال الأمن في وطننا الغالي بعملية عظيمة أدت للوصول إلى مجموعة كبيرة من الفئة الضالة والفكر المنحرف، الذين أرادوا بهذه البلاد وأمنها وأفرادها واقتصادها الشر الكبير، وهذا تم بتوفيق الله أولاً ثم بتضافر جهود رجال ألأمن ، فنحمد الله تعالى على هذه النعمة، التي أحبطت مكايد خطيرة يخطط لها هؤلاء العابثون.

عباد الله:
لقد سمعنا خلال الأيام الماضية اعترافات بعض أصحاب الفكر التكفيري الذين خططوا للتفجير في مواقع البترول، وقد شاهدنا وسمعنا خطورة ما كانوا يخططون له، وما أملته عليهم عقولهم من ضرب اقتصاد المملكة العربية السعودية، وأنهم يريدون دخول أمريكا لحماية مواقع البترول، وهذا تفكير ساذج سخيف يؤكد أن ورائهم من يدفعونهم لفعل هذه الأمور. فبالأمس كانوا يفجرون لطرد الكفار حسب زعمهم من البلاد واليوم يخططون للتفجير لدخولهم لهذه البلاد فما هذا التناقض العجيب.

إن المتورطين في هذا الاعتداء الآثم لا يعرفون نتائج ما يقومون به لأنهم معزولون عن المجتمع كله، وعقولهم ملوثة بالفكر المنحرف، وهؤلاء الأفراد مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بجهات خارجية حاقدة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المملكة بصفة خاصة وفي المنطقة بصفة عام.

إن محاولة هذه المجموعة من الأفراد التكفيريين لتفجير مصفاة النفط في بقيق العام الماضي يعد أمراً خطيراً، ويدل على أن عناصر هذه الفئة الضالة لا تعترف بأرواح المواطنين والمقيمين، ولا بمصالح الوطن، فضلاً عن الأخطار التي يمكن أن تنجم عن فعلهم الإجرامي.

إن هذا المخطط الخطير على أمن البلاد ومقدراتها يقع في سياق التحقيق لأهداف خارجية مغرضة تعود على الجميع بالمفاسد العظيمة التي تنال من البلد وأهله.

عباد الله:
إن هؤلاء النفر القليل من أفراد مجتمعنا قد صور لهم موجهوهم أن العلماء الراسخين الداعين إلى الوسطية علماءُ سلطة، كما يحثونهم على عدم الأخذ بأقوالهم لكونها مبنية على الزور والباطل ــ كما يزعمون ــ، وقصد هؤلاء هو تنفير شباب الأمة من علمائها وعدم الأخذ برايهم فيما يعرض لهم من شبهات وشكوك.

إن هؤلاء الأفراد يُوجهون توجيهاً خطيراً دون وعي أو إدراك لما يقومون به، وهذا ينم عن شدة جهلهم، وبعدهم الشديد عن حقيقة الإسلام وشريعته الغراء.

ولو وقف هؤلاء مع حديث النبي في توجيهه اللوم لأسامة بن زيد الذي كان يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم حباً شديداً في قصته مع الكافر الذي لاقاه في إحدى المعارك، فلما علا أسامه عليه بالسيف، قال الكافر كلمة التوحيد، وعلى الرغم من ذلك ظن أسامه أنه قالها تقية وخوفاً من السيف، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال لأسامة: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، وكرر عليه هذا القول، فقال له أسامه: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السيف، فقال له صلى الله عليه وسلم: (أشققت عن قلبه)..فماذا يفعل هؤلاء مع من يقتلونهم، ويتسببون في إيذائهم، ويدمرون ممتلكاتِ دولةٍ سالمةٍ مسالمةٍ ترعى الخير وأهله ويحتاج مواطنوها إلى مقدراتها حاجة عظيمة، أليس هذا من الظلم العظيم.

والنصوص الدالة على التحذير من الوقوع في ظلم الناس والاعتداء على أنفسهم وممتلكاتهم كثيرة جداً، فماذا يفعل هؤلاء عندما يقفون بين يدي الله تعالى ويسألهم عن هذه النفوس التي تسببوا في قتلها، وهذه الممتلكات التي دمروها؟

عباد الله:
لقد ظهرت بوادر الفرح على جميع فئات الناس بعد القبض على هؤلاء، بسبب درء مفاسد كثيرة كانت واقعة على مقدراتنا لولا لطف الله ورعايته لنا، وعلمه بحالنا وضعفنا، وبعد القبض على هذه الخلية الظالمة في فكرها الآثمة في عملها ظهرت اعترافات بعض أفراد هذه الخلية . وقد سمعنا وقرأنا ألوانا من اعترافاتهم الخطيرة وما كانت ستؤدي إليه من مصائب عظيمة وبالاطلاع على هذه الاعترافات يكون الجميع على بصيرة بما كان سيحدثه هؤلاء النفر القليل في بلادنا الحبيبة.

فهذا أحدهم الذي أشار لبعض ما حصل معه من ناحية هذه الخلية وماذا كانوا يوجهونه به يقول: إن أعضاء المجموعة الذين كانوا يخططون للعملية كانت لديهم شبه قناعة بالعمل الذي سيقدمون عليه وأنه سيحقق إنجازا كبيرا.

فانظروا يا عباد الله إلى هذا الفرد من هذه المجموعة المفسدة، كيف يقول إنهم مقتنعون بهذه العملية، وأنهم يحسبون أنها من الجهاد والإصلاح، وهذا هو الفكر المنكوس الذي يعود على صاحبه بالخسران والبوار في الدنيا والآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم[قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً](الكهف:103، 104).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا من هذا الفكر الخبيث الذي عاد علينا بالوبال والخسران في أمور ديننا ودنيانا، وحاد بالكثير من المسلمين عن التمسك بصراط الله المستقيم بسبب شؤم هذه الفئة التي أشاعت باسم الإسلام الإرهاب والتفجير والقتل والترويع.

عباد الله:
إن هؤلاء الأشخاص الذين خرجوا عن إجماع الأمة، وانتهجوا النهج الخبيث، واستحلوا قتل المسلمين وترويعهم يتضح للجميع خطورة ما هم عليه من الباطل، فلابد من الأخذ بيد من حديد على كل من تسول له نفسه بسلوك هذا الطريق المنحرف، لما يجره من الفساد والدمار على أمة الإسلام، وجر المنطقة إلى ويلات عظيمة لا يستطيع أحد تحملها، ووصيتي لشبابنا أن يلزموا غرس علماء هذه البلاد، الحاملين هم أمتهم كي ينجوا بأنفسهم من براثن هذا المستنقع الرهيب الذي يقضي على الأخضر واليابس.

نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمرنا وعلمائنا، وأن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يحفظ شبابنا من كل فكر منحرف.

عباد الله:
إن هذه الفئة الظالمة لنفسها ولأمتها وبلدها من أهم أسباب جراحات ومآسي المسلمين اليوم لنشر هذا المنهج الثوري الخارجي في بلاد الإسلام باسم الجهاد والإصلاح والدعوة إلى الحاكمية وإعادة الخلافة، فأشعلوا نار الفتنة في أماكن شتى، وأوردوا كثيراً من المسلمين المهالك، وضربوا الرعية بالراعي، فثارت الفتن، وسفكت الدماء.

في بلد مسلم واحد قتل الكثير من المسلمين خلال السنوات القليلة الماضية بسبب هذا المنهج الخفي الذي يطبقه دعاة الفتنة اليوم، وما زالت جراحات المسلمين تنزف، وأرواحهم تزهق بأيدي خوارج العصر، فإن لله وإنا إليه راجعون.

لقد عملت هذه الفئة على ضرب كبار علماء هذه الأمة الناصحين، واللجنة الدائمة، وهيئة كبار العلماء بدعوى عدم فقههم للواقع!! وأنهم مغيبون منذ سنوات عديدة، وأنهم لم يفتحوا صدورهم للشباب، وأنهم لم ينزلوا للساحة والميدان ــ كما يقولون ــ وأنهم في أبراج عاجية، وأنهم علماء سلطان فلا ينطقون بالحق، وأنهم لجنة رسمية حكومية، وأنه لا يوجد عندنا مرجعية علمية موثوقة إلى آخر ما يقولون في علماء السنة والتوحيد حسبنا الله عليهم ونعم الوكيل.

وإنما يفعلون هذا من أجل فصل العامة عن العلماء فيخلوا الجو لهم، وانظروا عباد الله كيف أن اولئك المفتونين أطاعوا رؤوس الفتنة وعصوا العلماء الربانيين حتى حصلت المجازر في بلاد المسلمين.

لقد وفق الله رجال أمن هذه البلاد من تفكيك خلايا إجرامية كثيرة، وإحباط عمليات إرهابية ضخمة كان سيذهب نتيجتها الآلاف من المواطنين والمقيمين في هذا البلد الآمن الذي يحوي بين جنباته أشرف بقعتين على وجه الأرض، وما ذاك إلا بفضل الله تعالى وعونه، ثم جهود هؤلاء الرجال المخلصين في حماية بلادهم، فنحمد الله تعالى على فضله وعونه وتوفيقه، ونسأله سبحانه أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وعلماءنا وولاة أمرنا وجميع إخواننا المسلمين.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب).

الجمعة:1-5-1428هـ