خطبة بعنوان:(حول بدء الدراسة ومخاطبة الطلاب والطالبات بالكويت)

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق الإنسان من ماء مهين وصوره فأحسن تصويره وكرمه بسلامة الفطرة و رجاحة العقل والصلاة والسلم على معلم البشرية وهاديها إلى صراط مستقيم. وأشهد أن لا إله إلا الله القائل في محكم التنزيل [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من تعلم وعلم وأصدق من نطق و تكلم القائل في سنته الغراء (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمـــا بــعـــد: إخواة الإيمان

تتجه بمشيئة الله تعالى صباح غد مئات الآلاف من الطلاب والطالبات إلى قاعات الدراسة ولسان حال الجميع يردد:

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعش حياً به أبدا
الناس موتى وأهل العلم أحياء

العلم نعمة من الله يمنحها من يشاء وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وإزاء هذا الحدث الذي يمر علينا كل عام يحسن بنا أن نقف وقفات نتأمل ونحلل ونستخلص النتائج والعبر فنقول:

الوقفة الأولى: ماذا ستقول عشرات الآلاف من طلاب وطالبات الكويت وبماذا تفكر في أول يوم من الدراسة وقد جثم العدو على الأرض وانتهك العرض بماذا يفكر المدرس والمدرسة وقد تغير كل شيء في حياته أما يستحي الكلب العقور ويرق قلبه لعشرات الآلاف من اليتامى والثكالى والأرامل. أما يستحي من خلو الفصول من طلابها. أما يرعوى وهو يرى قاعات العلم ومواقع المعرفة يخيم عليها الكلام ويحفها الجهل إنها سقطة الأقزام وحقد الطغاة ولكن الله يمهل ولا يهمل [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ].

الوقفة الثانية: إن قاعات الدراسة في بلادنا الحبيبة وهي تستقبل إخواننا الكويتيين تذكرهم بأن لهم علينا حقوقاً يجب الوفاء بها انطلاقا من قول الحبيب صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فهم أهل الدار ولهم الكراسي المتقدمة في كل صف.

لكن لنا عليهم حقوقاً وهي أن يلتزموا بما نلتزم به وخصوصاً في قضية اللباس والحشمة والأدب التام مع المدرسين والمدرسات والتخلق بالأخلاق الإسلامية الرفيعة وهذا واجب إسلامي هنا وهناك فوق كل أرض وتحت كل سماء ويومذاك بحول الله يتحقق الأمن والرخاء للمجتمع المسلم بأكمله.

الوقفة الثالثة: نقول لأحبابنا الطلاب والطالبات عليكم بوصيتي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب.

أما الأولى فهي ــ زيادة العلم الابتغاء ودرك العلم السؤال فتعلم ما جهلت وأعمل بما علمت.

إذا كنت لم تدري ولم تك بالذي
يسائل من يدري فكيف إذاً تدري

وأما الثانية فـهي ــ خمس احفظوهن ولو ركبتم الإبل: لا يخاف العبد إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه ولا يستحي جاهل أن يسأل. ولا يستحي عالم إن لم يعلم أن يقول الله أعلم والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له.
فعليكم أيها الطلاب بالصبر على طلب العلم وإخلاص النية والصدق والعزيمة فما تحقق مطلوب إلا بصبر طويل. وصدق الشاعر إذ يقول:

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر

وعليكم بالأدب الجم مع أساتذتكم فأخلاق الطلاب هي مفتاح تحصيلهم فكم من طالب مجتهد يحرمه من كثرة التحصيل سوء أخلاقه وكم من طالب غير مجتهد تسهل له أخلاقه وفرة التحصيل.

وعليكم بالمتابعة أولاً بأول تقرأون الدرس قبل شرحه وبعده وتناقشون أساتذتكم بما خفي عليكم لعل الله أن يرزقكم العلم النافع والعمل الصالح.

الوقفة الرابعة: وأنتم أيها الأساتذة الفضلاء وأنتن أيتها المدرسات الفاضلات.
عليكم مسؤلية كبيرة وأن تكونوا قدوة صالحة فو الله إنكم مسئولون عن كل وقفة داخل قاعات الدرس وكم من طالب وطالبة سيرفعون أيديهم بالدعاء لكم إن أديتم الأمانة وأخلصتم في العمل أو سيرفعون أيديهم بالدعاء عليكم إن فرطتم في أداء الواجب.

ووالله إن مكانة الأستاذ ومنزلته هو الذي يصنعها بنفسه فإن أخلص وصدق وبذل وأعطى وأفاد الطلاب فهنيئاً له الذكر الجميل في الدنيا والأجر الوفير إن شاء الله في الآخرة. والعكس بالعكس.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله القائل في محكم التنزيل [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ].

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل في معرض توجيهه وإرشاده (ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن)

وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. أمـــــا بـــــعــــــد:

إخوة الايمان/
أما الوقفة الخامسة: فنلاحظ هذه الأيام الاستعدات الشكلية للدراسة حيث ستبدأ غداً إن شاء الله وأظن جازماً أنه يندر أن يوجد أب أو أم يقصرون على أولادهم في مطالبهم المادية للدراسة كالحقائب والكراسات والأقلام وغيرها من لوازم الدراسة.

وهذا أمر طيب ومطلوب ولكن الأهم منه أن يسأل كل ولي أمر نفسه مع بدء كل عام دراسي هل أدى ما عليه من ناحية التربية والتوجيه هل تابعهم في مدارسهم كان عوناً لأساتذتهم في توجيه أبنائه وملاحظة جوانب التقصير عندهم.

هل راجع ولي الأمر حساباته وتلمس آثار دراسة أولاده عليهم كثير من الطلاب والطالبات لا أثر لدراستهم وذلك بسبب قصور التوجيه وبعض الآباء يقول إنني بذلت ولكن دون جدوى ونحن نقول إن عليك فعل السبب وأن تكون بنفسك قدوة صالحة والباقي على الله سبحانه وتعالى.

وصدق الشاعر:

وينشأ ناشيء الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه

الوقفة السادسة: كأني بمئات الآلاف من الطلاب والطالبات وهم يتوجهون إلى مدارسهم وكلياتهم يتغنون بما قيل:

رُبَّ أم غريـقة في دماها

حولها طفلها يعاني احتضارا

مـزقت ثديها الشظايا ولما

يقض منه رضيعها الأوطارا

صرعتها يد الغزاة وداست

فوق أشلائها تجرجر عارا

كأنني بالطفل الصغير يسأل أباه أين نعيش أين أخونا فلان أين أمي. وكأنني بالطفلة تسأل أمها أين أبي أين جيراننا أين مدرستنا أسئلة يحار الآباء والأمهات في الجواب عليها ويترك جوابها لمن كانوا سبب الجريمة والفساد.

عباد الله صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى وقدوتنا المجتبى فقد أمركم الله بذلك فقال جلا من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صل وسلم وزد و بارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.