خطبة بعنوان: (حول الإجازة) بتاريخ 10-7-1430هـ

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر بحفظ الأوقات وجعلها عامرة بالطاعات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق المخلوقات والمحيط بالكائنات والمطلع على النيات وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله السابق إلى الخيرات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ].
أيها المؤمنون إن من أعظم الغبن أن يضيع المسلم شيئاً من وقته في غير فائدة قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: لرجل وهو يعظه (اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما.
وقال صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا وسخرت لك الأنعام والحرث وتركتك ترأس وتربع فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا فيقول لا فيقول له اليوم أنساك كما نسيتني). رواه الترمذي عن أبي هريرة وأبي سعيد، انظر حديث رقم: 7997 في صحيح الجامع.
الوقت هو عمر الإنسان وحياته وكل عاقل يفتدي عمره بكل شيء نفيس عنده وصدق ابن مسعود رضي الله عنه حيث يقول: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي).
قال بعض التابعين من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أصله أو فعل محمود حصله أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه).
عباد الله ونحن في بداية الإجازة فمن الظلم والحرمان أن يألف أقوام في أتم صحتهم وعافيتهم النوم في النهار والسهر في الليل ينامون عن الفرائض ويحيون الليل على ما حرم الله.
وإذا قاموا في النهار قاموا كسالى ثقيلي الخطى لا يستفيدون من يومهم البتة لأنهم لم يتهيؤا لذلك وهؤلاء لم يشعروا بما جاء به الشرع المطهر حيث ينادى داعي الفلاح عند انبلاج الصبح حي على الصلاة حي على الفلاح إيذاناً ببدأ اليوم بالطاعة وختمه بالطاعة لأن حياة المسلم وموته ينبغي أن يكون ذلك كله عبادة لله جل وعلا [قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ].
أيها الآباء والأمهات المسئولية عليكم عظيمة في الإجازة لأنكم تنفردون بمتابعة الأبناء والبنات فقد كانت المدرسة تأخذ جزءاً من وقتهم وفي الإجازة أنتم المتابعون والمسئولون فقوموا بما أوجب الله عليكم خير قيام في المتابعة والرعاية والتوجيه.
وإذا كان من مشاريعكم في الإجازة السفر لزيارة حبيب أو قريب أو زيارة البقاع المقدسة لأداء العمرة والصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو زيارة أماكن الاصطياف والنزهة.
فعلى بركة الله مع المتابعة والتوجيه لئلا يكون السفر مجالاً للإنفلات والتحول العاجل فكثيراً ما كان الفراغ والخلطة السيئة أبواباً للشر على الفتيان والفتيات احفظوا أوقات أولادكم ونظموها حسب ما يتيسر لكم وأشغلوها بما ينفعهم وينفعكم ويعود على البلاد والعباد بالخير واحذروا أن يتسلل لهم شياطين الجن والإنس من أصحاب الشهوات والشبهات الذين يضللون عقولهم وأرواحهم ويعلقون قلوبهم بالشهوات العاجلة، فيفسدون عليهم حياتهم وتعود الإجازة عليهم شراً يتعدى أثره وضرره أنفسهم إلى أهليهم وبلادهم.
جاء عن بعض السلف أنهم كانوا يسمون الصلوات الخمس ميزان اليوم والجمعة ميزان الأسبوع ورمضان ميزان العام والحج ميزان العمر كل ذلك من أجل أن يسلم الوقت فيحفظ المسلم يومه وأسبوعه وعامه وعمره.
وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ).
أيها الشباب عليكم بالجد والاجتهاد حتى في الإجازات لتحصيل ما ينفع والبعد عما يضر واستمروا على العمل الذي يقربكم من الله وابتعدوا عن كل ما يضر أبدانكم وعقولكم.
ولا حرج عليكم من التمتع واللهو المباح ما دام في دائرة الحلال بعيداً عن الحرام فالنفوس تحتاج إلى الترويح لا سيما إذا كانت جادة عاملة لأن الترويح المباح يدفعها لمزيد من العطاء والبذل ونفع الآخرين وصدق الله العظيم: [وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله المتفرد بالعبادة الذي جعل الحياة ميداناً للمنافسة بالطاعة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون بارك الله فيكم أن الشباب زينة الحاضر وأمل المستقبل تعلق عليهم بلادهم آمالاً عريضة فهم ثروة الأمة ودليل حيويتها وسبب نهضتها ولذا ينبغي أن يكونوا أحرص الناس على أوقاتهم ولا سيما في أيام الإجازة لأنه يظهر فيها الربح والخسارة ويتضح الغبن الفاحش في استغلال الأوقات وضياعها عند كثير من الشباب، فمن المشاهد في واقع الناس اجتماع شباب في عمر الزهور في استراحات وخلوات يقتلون أوقاتهم ويضيعونها فيما يعود عليهم بالضرر في غفلة وتساهل من أهليهم ووالله لا يستوي من حفظ وقته وعمره فيما يعود عليه بالنفع في العاجل والآجل لا يستوي هؤلاء مع من ضيعوا أو قاتهم وبنوا آمالهم على أوهام وسراب يستعجلون المتعة ويقضون الشهوة وقد غفلوا عن الحساب في يوم لا ينفع فيه بعد رحمة الله إلا العمل الصالح فاحرصوا أيها المؤمنون على حفظ أوقاتكم واعمَّروها بالطاعات فالوقت لا يحفظ إلا بالتنظيم والترتيب وتقديم الأهم على المهم فالوقت لا يتسع لكل الأعمال لكن بالعزيمة والإصرار والتنظيم وحسن الاختيار يتحقق ما يصبو إليه كل مسلم له طموح في نفع نفسه وبلاده وأمته فمن وصايا أبي بكر الخالدة لخليفته عمر رضي الله عنهم (اعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار).
عباد الله ولعل من أعظم المثبطات التي ابتلي بها كثير من الناس التسويف وتأخير الأعمال وانتظار السعة في الوقت وهذا والله وهم خاطئ ومرض قاتل وسراب خادع لأن الإنسان كلما تقدم عمره كثرت أعماله واتسعت مسئولياته ومن الحكم التي تكتب بماء من الذهب (لا تؤخر عمل اليوم إلى غد) لأنك لا تدري ما يعرض لك فاليوم أنت صحيح وغداً قد تكون مريضاً واليوم أنت فارغ وغداً قد تكون مشغولاً وهكذا فالبدار البدار والعزيمة العزيمة وأنتم على أبواب الإجازة خططوا لمشاريع نافعة ورحلات مثمرة وأعمال مباركة واجتهدوا في تحقيق مكاسب كبيرة لأنفسكم وأهليكم واحذروا من التسويف والتمني فإن الأماني رأس مال المفاليس وفقنا الله وإياكم لكل خير وأمدنا بالصحة والعافية وفتح لنا أبواب الرزق.
عباد الله صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والقدوة المجتبى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] وقال صلى الله عليه وسلم (من صلى علي مرة واحده صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن آل بيته الطيبين الطاهرين وارض اللهم عمن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة : 10-7-1430هـ