خطبة بعنوان: (الحياء لا يأتي إلا بخير) بتاريخ 9-8-1430هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي حث على الحياء وكرم أهل الإيمان به وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صاحب الخلق الكريم الذي اتصف بالحياء فهو أشد حياء من العذراء في خدرها قدوةُ الرحماء وإمامُ الأنبياء صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
عباد الله لقد حض الإسلام على التحلَّي بالمكارم والفضائل وندب للوقار والعفة والفضيلة والحياء وأكدَّ على الشرف والغيرة وطهارة الضمائر والنفوس قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء).

والحياء شعبة من شعب الإيمان ولا دين لمن لا حياء له.

الحياء زينة النفوس وجمال الأخلاق وطهارة الأرواح.

الحياء طريق العبادة ومادة الصلاح وعنوان الكرامة.

عباد الله الحياء خلق رفيع من أخلاق الإسلام يدل على حياة القلوب وأقرب القلوب إلى الله القلوب الحيةُ الرحيمةُ ، صاحبةُ الإحسان ، القريبة من الرحمن ، المستحقة لدخول الجنان لأنها تراقب الله الذي لا تخفى عليه خافية فيتولد عندها فعل الطاعات واجتناب المعاصي والإحسان إلى الخلق وأقرب الناس من رسول الله يوم القيامة أصحاب الأخلاق وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله وحسن الخلق).

أليس الحياءُ أيها المؤمنون حفظ الرأس وما وعى، وحفظ البطن وما حوى، وذكر الموت والبلى فلا بد من حفظ اللسان واللعين والأذن وتطهيرها من الوقوع فيما حرم الله وإلباسها لباس الطاعة في سائر أحوالها وهكذا حفظ البطن من أكل الحرام وأخذ حقوق الناس مع نظر إلى مصير الإنسان ونهايته ليجمع بين المراقبة والعمل ليكون على حذر من الاغترار بالدنيا وزخرفها.

عباد الله لقد شرف الله أنبياءه بالحياء ووصفهم به وكذلك ملائكته المسبحة بقدسه وبلغ الصحابة أعظم مبلغ في خلق الحياء فقد كان بعضهم يصاحب رسول الله سنوات ومع ذلك لا يستطيعون وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة حيائهم منه وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

والحياءُ صفةُ المؤمنين قال صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان).

ولما رأى رسولنا صلى الله عليه وسلم رجلاً ينصح أخاه عن الحياء قال له (دعه فإن الحياء من الإيمان) وقال (الحياء لا يأتي إلا بخير).

والحياء أيها الإخوة ثلاث درجات:

الأولى: الحياء من الله وذلك بعدم الوقوع في المعاصي فالله جل وعلا المنعم بالعطاء الذي خلق الإنسان فأحسن خََلْقه وخُلَقه يستحق العبادة ومنها شكره سبحانه وعدم الوقوع فيما حرم الله فمن قلة الحياء أن يفقدك الله حيث أمرك ويراك حيث نهاك.

الثانية: الحياء من الناس فمن المروءة أن يفعل المرء ما يحمده الناس عليه ويبتعد عما يذمونه به ومن شهد له الناس بالخير فهو من أهل الخير ومن شهدوا له بالشر فهو من أهل الشر.

الثالثة: الحياء من النفس لأن نفس الإنسان أغلى عنده من كل نفس فعليه أن يطلب نجاتها بكل طريق وذلك بالمحاسبة والمراقبة والمجاهدة والمتابعة فيكملها بما يزينها ويبعدها عما يشينها ويحفظ عليه حسناته ولا يضيعها لأن هناك من يأتي بحسنات كالجبال ثم تضيع عليه هباء منثوراً بسبب ما وقع فيه مما أبطلها وكل ذلك لبعده عن خلق الحياء مع الله ومع الناس ومع نفسه.

فأُفٍ لحياةٍ لا تقوم على الحياء ولا سيما فيما يتعلق بالأعراض لأنها أغلى ما تملكه المرأة وقد جاءت الوصية واضحة صريحة لأكمل الناس وأكثرهن حياء قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون واحرصوا على خلق الحياء فمن تخلق به كان ذلك دليلاً على حسن أدبه وسلوكه وصلاح ظاهره ونقاء سريرته وكمال إيمانه.

إن الحياء من الدين بل هو الدين كلُّه أليس الحياء انقباض النفس عن القبيح؟
أليس أداةً مانعةً عن ارتكاب المعاصي، إنه أصل لكل فضيلة وعصمة من كل رذيلة.
روي أن ابن عمر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يبكي فقال ما يبكيك يا رسول الله قال أخبرني جبريل عليه السلام أن الله يستحي من عبد يشيب في الإسلام أن يعذبه أفلا يستحي العبد أن يذنب وقد شاب في الإسلام).

عباد الله والحياء على أنواع فمنه حياء الجنايه كحياء آدم عليه الصلاة والسلام حينما أكل من الشجرة فقد أجاب ربه حينما قال له (أفراراً مني قال بل حياء منك)
ومنه حياء التقصير كحياء الملائكة فقد قالوا: [سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ].

ومنه حياء الإجلال كحياء الولد من والده والتلميذ من شيخه ومنه حياء الكرم كحياء النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة لما أراد خروجهم في زواجه لزينب فاستحى أن يقول لهم انصرفوا.

ومنه حياء الحشمة كحياء علي بن أبي طالب من سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي لمكانة فاطمة منه.

عباد الله لقد كان السلف يعظمون الحياء ويدعون إليه ويتخلقون به قال بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله.
وقال الفضيل بن عياض خمس من علامات الشقاء القسوة في القلب وجحود العين وقلة الحياء والرغبة في الدنيا وطول الأمل.

فاحرصوا أيها المؤمنون على هذا الخلق الكريم لتتحقق لكم آثاره على الفرد والمجتمع ومنها زيادة الإيمان ودخول الجنة وهجر المعاصي وكثرة العمل الصالح وستر أحوالكم في الدنيا والآخرة وتبلغون القمة في المروءة وهي من أخص صفات المؤمنين.
هذا صلوا وسلموا على أعظم الناس حياء صاحب الخلق الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر و البغي يعضكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الجمعة :9-8-1430هـ