خطبة بعنوان: (فضل الحج وعشر ذي الحجة) 3-12-1430هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الملك العلام الذي فرض الحج إلى بيته الحرام وجعله ركناً من أركان الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خير من طاف بالبيت وصلى خلف المقام صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102)،

أيها المؤمنون الدين الإسلامي دين الفطرة، شرعه الله صالحاً لكل زمان ومكان ملائماً لطباع البشر مهما تنوعت واختلفت، وهذا الدين يقوم على أركان يشد بعضها بعضاً ولا يتم الدين إلا بها، ومن أركانه الحج إلى بيت الله الحرام، فهو الركن الخامس من أركان الإسلام، قال تعالى: [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ] (الأنبياء الآية 27،30).
وقال تعالى: [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]( آل عمران الآية97).

الحج أيها الإخوة رحلة كريمة مباركة يقضي فيها الحاج أوقاته في عبادة وذكر ودعاء، تسمو روحه في عالم الطهر والصفاء، يتنقل بين المشاعر ينشد المغفرة والرحمة، فيعود من حجِّهِ وقد تطهرت روحه وتهذبت أخلاقه وحسنت معاملته وغفرت ذنوبه كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم : (من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)(رواه البخاري ومسلم).

نعم أيها الإخوة عندما تتحرك قوافل الحجاج من سائر أنحاء بلاد الله الفسيحة فإنها تلبي مستجيبة للنداء الخالد الذي أمر الله أبا الأنبياء عليه الصلاة والسلام أن يعلنه [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ],
وتحقق في نفس الوقت ما أمر به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة)(رواه النسائي، وخرجه الألباني في سنن النسائي 5/115 رقم2631 وقال حديث حسن صحيح).

والحج فرضه الله في العمر مرة واحدة رحمة بهذه الأمة، جاء في الحديث: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)(رواه مسلم).

والحج من أفضل الأعمال التي يتقرب بها الحجاج إلى ربهم، جاء في الحديث (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا؟ قال الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال حج مبرور)(متفق عليه).

والحج يهدم ما كان قبله من الذنوب والآثام، جاء في قصة إسلام عمر بن العاص رضي الله عنه أنه قال: (..لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ابسط يمينك لأبايعك فبسط يده فقبضت يدي فقال ما لك يا عمرو قال أردت أن أشترط قال تشترط ماذا قال أن يغفر لي قال أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله)(رواه مسلم).

عباد الله وإذا كان فضل الحج كبيراً وشأنه عظيماً وأنه ركن من أركان الإسلام فلا ينبغي لمن يرجو الله واليوم الآخر أن يتهاون ويتكاسل عن أدائه، ويسوف بأعذار واهية، وليغتنم المسلم الفرصة متى قدر على أداء الفريضة ولم يمنعه مانع شرعي فهو لا يدري ما يعرض له، والغد غيب لا يعلمه إلا الله فالمبادرة مطلوبة والتسويف ظلم للنفس، فتعجلوا الحج رحمكم الله، قال صلى الله عليه وسلم (تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)(رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم2957).

أيها المؤمنون واعلموا أن من أفضل ما يتقرب به المسلم لربه في هذه الأيام ذبح الأضاحي، وقد ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتدوا به في ذبح الأضاحي تقرباً لله، وإليكم جملة من الأحكام الهامة التي تتعلق بالأضاحي:

1) من أراد أن يضحي فيجب عليه إذا دخلت العشر الأولى من ذي الحجة أن يمسك عن أخذ شعره وظفره.
2) من لم ينو أن يضحي إلا بعد دخول العشر بيوم أو يومين أو ثلاثة، أو حتى لو نوى يوم عرفة فهنا يمسك بعد أن ينوي الأضحية ولا شيء عليه.
3) من أخذ من شعره وهو عازم على الأضحية فإنه يأثم، لكن هذا لا يمنعه من أن يضحي، بل يضحي ويستغفر مما وقع منه.
4) لو احتاج من سيضحي لأخذ شعر أو ظفر لوجع في يده أو عينه أو لعملية جراحية فلا حرج عليه أن يزيل الشعر والظفر ويضحي ولا يأثم لأن ذلك للحاجة.
5) الذي يمسك عن الأخذ هو المضحي فقط، الذي يدفع النقود، وأما زوجته وأولاده فلا يمسكون، وهكذا إذا اشترى الولد الأضحية لأمه مثلاً وملكها إياها فهي التي تمسك عن شعرها وظفرها لأنها هي المضحية.
6) الوكيل لا يلزمه أن يمسك عن أخذ الشعر والظفر لأنه يتولى ذبح الأضحية فقط وليس هو المضحي، وكثير من الرجال والنساء يوكل غيره ظناً منه أنه إذا وكل جاز له أخذ الشعر والظفر وهذا غير صحيح، فالوكيل لا علاقة له بأخذ الشعر والظفر .
7) الأولى عدم الإكثار من الأضاحي عن الأموات ما دام ذلك تبرعاً.
8) بعض الناس يتبرع لأمواته كوالديه ولهم وصايا ظناً منه أن هذا من البر لهم لتنمية أموالهم وتوفيرها، وهذا خطأ بل يجب عليه أن يضحي من أموالهم لأن هذا من واجبات تنفيذ الوصية.
9) الأصل في مشروعية الأضاحي أنها عن الأحياء وليست عن الأموات، وبعض الناس يضحي عن أمواته ولا يضحي عن نفسه وأهل بيته.
10) الأُضحية سنة فلو ضحى هذا العام وعجز في عام بعده فلا يلزمه أن يضحي، بل متى قدر ضحى سواء كان ذلك سنوياً أو كان في سنة دون أخرى.
11) لا يجوز الاشتراك في الملك في الأضحية فلا يجتمع اثنان أو ثلاثة ويضحون عن أنفسهم أو عن أمواتهم إلا إذا كان المضحى عنه واحداً.
12) الاشتراك في الثواب لا حدود له، فلو أشرك المضحي جميع أقاربه الأحياء والأموات في ثواب الأضحية فلا بأس.
13) لا بأس أن تتولى المرأة ذبح الأضحية، ولا بأس أن تذبح الأضحية في الليل أو النهار طيلة الأيام الأربعة يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وينتهي الذبح بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة.
14) لا يجوز أن يعطي الجزار أجرته من الأضحية كالجلد أو الرأس أو شيء من اللحم، بل يعطيه من غير الأضحية.
15) الذين سيضحون وهم عازمون على الحج إذا وصلوا الميقات فلا يأخذون من شعرهم وظفرهم عند الإحرام، وإذا طافوا وسعوا للعمرة فلهم أن يقصروا أو يحلقوا رؤوسهم لأن هذا نسك لا علاقة له بالأضحية، قال تعالى: [وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ](الحج).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل بيته موئلا لقلوب المسلمين، وملتقى لأفئدتهم استجابة لدعاء أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن هذه الأيام من أفضل أيام السنة على الإطلاق حيث تجتمع فيها أمهات العبادات، وقد قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه ثم لم يرجع من ذلك بشيء)(رواه البخاري)

فينبغي أن نشغل هذه الأيام المباركات بالأعمال الصالحة التي نتقرب بها إلى الله، وهذه الأعمال تشمل الصيام، والصلاة، والدعاء، وقراءة القرآن، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومساعدة ضيوف الرحمن وتيسير أمورهم، وكذلك نحرص على التكبير في النهار والليل كما كان السلف يفعلون ذلك.

عباد الله وعلينا أن نجتهد في الدعاء للمرابطين في حدود بلادنا بالتثبيت والتأييد والتوفيق، وأن يكبت الله الأعداء الذين يريدون ببلادنا شراً.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يربط على قلوب جنودنا البواسل، وأن ينزل عليهم السكينة والطمأنينة، وأن يخذل أعداءهم، وأن يحفظ جنودنا المرابطين في أنفسهم وأهليهم، وأن يردهم سالمين غانمين.

اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واجتماعنا،اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا ومقدساتنا بسوء، اللهم أشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره، اللهم ازرع الخوف في قلبه، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر،اللهم ثبت جنودنا البواسل الذين يدافعون عن الدين والمقدسات والبلاد والأعراض، اللهم أيدهم وانصرهم وأخذل أعداءهم يا كريم. وأكثروا في هذه الأيام أيها المؤمنون من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء لأنفسكم وولاة أمركم والمرابطين على حدودنا الغالية، ولا تنسوا حجاج بيت الله الحرام ادعوا الله أن يوفقهم لحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وأن يعودوا لبلادهم بأمن وأمان وسلامة وعافية.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا غيثاً مغيثا سحاً طبقا عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب:٥٦).

عباد الله: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] ــــــ وأقم الصلاة ـــــ.
الجمعة: 3-12-1430هـ