خطبة بعنوان: (العمالة الوافدة بين الحقوق والواجبات) 22-1-1431هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين قسم الأرزاق بين خلقه ليتخذ بعضهم لبعض سُخْريَّا وأشهد أ لا إله إلا الله أمر بالعدل وحرم الظلم وجعله بين العباد محرماً وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خير من تعامل مع الخدم وأحسن إليهم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واحمدوا الله أن خصكم بدين عظيم جاء بكل خير وصلاح وحفظ الحقوق لأصحابها وأوجب العدل وحرم الظلم ومن حكمته سبحانه وتعالى أن فاوت بين الناس في أخلاقهم وأرزاقهم وقدراتهم ومعارفهم وصدق الله العظيم: [وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ] (الدخان الآيتان 38، 39) وقال تعالى: [أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ] (الزخرف الآية 32).

عباد الله خص الله بلادنا بخصائص ومزايا جعلها مهوى أفئدة المسلمين وأمنية لكثير من أبناء المسلمين للعمل فيها والقرب من البيت الحرام ومسجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولذا تكاثرت العمالة في بلادنا وهؤلاء لهم حقوق وعليهم واجبات ولئن أحوجت ظروف الحياة في بلادهم كثيراً منهم أن يعيشوا بيننا طلباً للكسب وسعياً وراء تحصيل الرزق فعلينا أن نحترم هؤلاء وأن نعرف لهم حقهم وقدرهم فبعضهم له مكانة في بلده ويحمل مؤهلاً عالياً وقد يرضى بعمل أدنى من مستواه التعليمي لظروفه الماسة في بلده وهؤلاء وغيرهم يجب العدل معهم وإعطائهم حقهم كاملاً وهذا علاوة على أنه خلق كريم يجب أن يشيع بين الناس هو أيضاً واجب شرعي بين العامل وصاحب العمل.

جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ). (رواه البخاري)
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَليُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ )(رواه البخاري).

أيها المؤمنون إن التعامل الحسن مع هؤلاء له آثار إيجابية عليهم وعلى من وراءهم وقد يكون سبباً في هداية الكثيرين إلى الإسلام ورجوع كثير من الشاردين إلى لزوم الطاعة والاستقامة على أمر الله، ولا يجوز بخس العامل حقه الذي تم التعاقد معه عليه بأي حال من الأحوال بل ولا يجوز تأخير حقه عن موعده إلا برضاه وإن أكرم الكفيل مكفوله وطيب خاطره فهذا من حسن العلاقة وكريم التعامل بين المسلم وأخيه.

قال صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ) (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) ( رواه ابن ماجه وقال الألباني صحيح لغيره).

أيها الكفلاء احذروا الظلم للعمالة وأنصفوهم حقهم واعلموا أنكم إذا كنتم قادرين عليهم اليوم فا الله أقدر عليكم منكم عليهم واعلموا أنه سيأتي يوم تكون الخصومة بينكم وبينهم فأعدوا العدة ولا يطلبنكم أحد بشيء فالوفاء بالدنيا سهل ميسور وفي الآخرة شديد عسير لأن السداد من الحسنات والسيئات.

إخوتي في الله وفرق كبير بين الناس في تعاملهم مع مكفوليهم فهناك من يقسو عليهم ويتلفظ بألفاظ نابية بل وتمتد يده أحياناً بضربهم وهذا ظلم محرم.
وعلى العكس هناك فئة من الكفلاء وفقهم الله لحسن التعامل مع مكفوليهم ووسعوا عليهم وأعطوهم حقوقهم كاملة فعاد ذلك على صاحب العمل بمضاعفة العمل والطمأنينة والرضا وأصبح هؤلاء العمال ــ من يخاف الله منهم ــ يراقبون ربهم ويؤدون ما أنيط بهم من عمل من غير متابعة ولا محاسبة وهكذا يثمر التعامل الطيب بل وقفنا على نوعية من الكفلاء أحسنوا كثيراً في معاملة العمال وامتدت يدهم بالإحسان إلى أهليهم فعاد ذلك بركة في أموالهم وسعة في أرزاقهم وحفظاً لهم فهنيئاً لمن كانت هذه حاله مع عماله.

عباد الله وهنا مسألة هامة وهي أنه لا بد من المتابعة الدقيقة للخادمات والسائقين فلا يمكن السائق من الخلوة بالنساء مهما اشتدت الحاجة ولا يمكن الشباب من الخلوة بالخادمات لأن عاقبة ذلك شر كبير مهما كان مستوى التدين عند هؤلاء وقد حذر رسولنا صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير فقال: ( لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ) رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه الأرنؤوط .

وهذا أمر تساهل فيه الكثيرون وترتب عليه وقوع عظائم كثيرة فكم من بيت تهدم بناؤه بسبب خلوة الزوج بالخادمة في غفلة من الزوجة التي أحسنت الظن بزوجها وكم من امرأة وقعت مع السائق أثناء خلوة محرمة بسبب غفلة الزوج وحسن ظنه بزوجته.

فلنتعاون جميعاً ولنبذل الوسائل التي تدفع الشر قبل وقوعه ولنأخذ الحيطة والحذر ولنمنع أسباب الفتنة في البيوت فا الله جل وعلا أناط بالرجال المسئولية قال صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (رواه مسلم).

وربنا جل وعلا يقول: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] (التحريم الآية 6).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم أنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين عظم الأمانة وأوجب القيام بها على الوجه الأكمل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاعلموا رحمكم الله أن الله جل وعلا أوجب الوفاء بالأمانة وعظم شأنها قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا](النساء 58).
ومن الوفاء بالأمانة الوفاء بالعقود فعلى كل من العامل وصاحب العمل أن يفوا بما تعاقدوا عليه والتزموا به قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ] (المائدة الآية 1).

فرب العمل يلتزم بالأجرة ونوع العمل ومقداره وزمنه حسب ما تم الاتفاق عليه مع العامل، والعامل يلتزم بالقيام بما وكل إليه على أحسن وجه وهو مسئول أمام الله عن هذه الأمانة التي استرعاه الله عليها وأناطهابه صاحب العمل ولا يظن أنه إذا غاب عنه صاحب العمل تهاون وتكاسل وأخل بما أنيط به بل عليه أن يتذكر أن الله رقيب حسيب وأنه مطلع عليه وأنه محاسب على هذه الأوقات وتلك الأعمال فإن أحسن أخذ حقه كاملاً في الدنيا ونال الأجر من الله وإن أساء وخدع صاحب العمل وأخذ حقه في الدنيا كاملاً فليعلم أنه سيحاسب في الآخرة في يوم هو أحوج إلى الحسنة منه الآن.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: [وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ] (رواه البخاري).

ويعظم الأمر إذا كان التقصير والخلل يأتي من بعض العمالة المسلمين فهؤلاء يعطون فرصة لضعاف النفوس الذين يتهمون المسلمين بالتقصير والخلل وعدم القيام بالواجب على عكس العمالة الكافرة التي ــ يزعمون ــ أنها تؤدي العمل على أكمل الوجوه وهذا وإن كان يوجد أحياناً إلا أن أخوة الإسلام ومبدأ التكافل والتراحم بين المسلمين أوجب وألزم من آثار أخلاق تجار ية لهؤلاء الكفار يريدون أن يبتزوا بها أموال المسلمين ثم يطعنون بها المسلمين في بلادهم فاجعل لقمتك أخي الكريم في فم مسلم ولتكون عوناً لأسر مسلمة هناك وراء هذه العمالة المسلمة ومع النية الحسنة يعوضك الله خيراً.

أخي العامل إن من المسئوليات عليك أن تستفيد مما تنعم به هذه البلاد من صفاء المعتقد وسلامة المنهج وتنقل هذا لمن وراءك في بلدك فهذا أفضل بكثير مما تستفيده من المال خلال وجودك في هذه البلاد، أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لكل خير وأن يعيننا على أداء الأمانة على الوجه الأكمل.
عباد الله صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا، اللهم أدم علينا نعمة الصحة والعافية.
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو ولاة أمرنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً.
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زاداً للحاضر والباد.

[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية 90). ـ وأقم الصلاة ـــ.
الجمعة : 22-1-1431 هــ