خطبة بعنوان: (الطريق إلى الجنة) بتاريخ 15-7-1432هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الأعمال الصالحة سبباً لدخول الجنة وأشهد أن لا إله إلا الله جعل كتاب عباده الطائعين في عليين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله دل أمته على طريق الجنان وحذرهم من طريق النيران صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ](آل عمران الآية133).
أيها المؤمنون لقد عرضت الجنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ونفوس المؤمنين تهفوا إليها وتشتاق لرؤيتها وتسارع إلى ما يقرب منها لأنها دار السلام ودار الخلود ودار النعيم المقيم وصدق الله العظيم: [ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] (الزخرف الآيتان70، 71).
وقال تعالى: [إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ](الدخان الآيات51، 52، 53، 54، 55).

وقال تعالى: [وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً](الإنسان الآيات 12، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 22).
وقال صلى الله عليه وسلم في نعيم أهل الجنة: (يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) (رواه البخاري ومسلم).
وأقرؤا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)(رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِى الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عيله وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ. فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ وَأَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِى فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا)(رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ – قَالَ – يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ – قَالَ – فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ)(رواه مسلم).
عباد الله اعلموا رحمكم الله أن الجنة سلعة غالية وهي دار الكرامة لأولياء الله والطريق إليها محفوف بالمكاره يحتاج إلى صبر ومجاهدة وطول نفس وسلامة من حقوق الخلق.
وأهل الجنة يحتاجون إلى مجاهدة النفس بالعلم والعمل به والدعوة إليه والصبر على كل ذلك فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة.

وأهل الجنة هم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهم المصطفون الأخيار والسابقون الأبرار ممن اتصفوا بصفات تؤصلهم لدخول دار النعيم وهذه الصفات منها ما يتعلق بالاعتقاد ومنها ما يتعلق باللسان ومنها ما يتعلق بالجوارح ومنها ما يتعلق بالتعامل مع الخلق.
فلنجتهد جميعاً في حفظ قلوبنا وحفظ ألسنتنا وحفظ جوارحنا وأداء حقوق الخلق لعلنا نلحق بركب الأخيار والصالحين.
عباد الله لقد عشق أقوام الجنة فعملوا لها وهان عليهم كل شيء في سبيل الوصول إليها فها هو عمير بن الحمام رضي الله عنه في غزوة بدر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض ؟ قال (نعم) قال بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (ما يحملك على قولك بخ بخ) قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال (فإنك من أهلها) فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل) (رواه مسلم).
وها هو الأعرابي الذي أُعطي نصيبه من الغنيمة فقال يا رسول الله ما على هذا با يعتك وإنما با يعتك لأرى بسهم في هذا المكان في عنقه فيخرج من هذا المكان فكان كما أشار قال صلى الله عليه وسلم (صدق الله فصدقه ثم كفنه في جبته وصلى عليه ودعا له بقوله اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً وأنا شهيد على ذلك)(رواه النسائي).
وصدق الله العظيم: [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ](الحجر الآية47).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل الجنة دار كرامة لأوليائه والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل (أنا أول من يقرع باب الجنة)(رواه مسلم) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون أن هناك أقواماً جدوا واجتهدوا للوصول إلى جنات الخلود فعملوا الصالحات وحفظوا الأوقات وتسابقوا إلى الطاعات ساروا والناس غافلون واجتهدوا والناس متكاسلون ففازوا وسعدوا وتلذذوا وغنموا فهنيئاً لهم الفلاح والفوز بالدارين.
وعلى رأس هؤلاء نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فقد ثبت عنه أنه قال (آتِى بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ)(رواه مسلم).
ثم يأتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه فهو أول من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد يأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد جاء في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (رأيتني دخلت الجنة ورأيت قصراً بفنائه جاريه فقلت لمن هذا فقالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال عمر بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار)(رواه البخاري).
ومن الذين عشقوا الجنة وعملوا لها الحسن والحسين فهما سيدا شباب أهل الجنة.
ومن النساء اللاتي عشقن الجنة وعملن لها فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم.
وخديجة وعائشة وسائر أمهات المؤمنين، وآسية امرأة فرعون وغير هؤلاء من خيار الصحابة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة المبشرين بالجنة وأنس بن النضر وسعد بن الربيع وخيثمة وعمرو بن الجموح وغيرهم أسأل الله بمنه وكرمه أن يجمعنا بهم في جنات النعيم.
عباد الله
ولقد لا حظت قبل البارحة ملاحظة في صلاة الكسوف وجب التنبيه عليها وهي أن بعض الإخوة الذين فاتهم الركوع الأول من الركعة الأولى أو الثانية من صلاة الكسوف وأدركوا الركوع الثاني مع الإمام، لا حظت أنهم لم يقوموا ويأتوا بركعة وهذا خطاء.
فإدراك الركعة في صلاة الكسوف لا يتم إلا بإدراك الركوع الأول لأنه هو الواجب والركوع الثاني سنة فمن فاته ركعة من صلاة الكسوف بأن فاته الركوع الأول وجب أن يأتي بركعة لها ركوعان.
ومن فاته الركوع الأول من الركعة الثانية وجب أن يأتي بركعتين كل واحدة لها ركوعان ويحسن أن يتكلم الإمام أو من يحضر من طلاب العلم بعد الصلاة فيحض الناس ويذكرهم وينبههم إلى التوبة والمبادرة بالصدقة نسأل الله جل وعلا أن يكرمنا وأن يلطف بنا وأن يغفر لنا ولوالدينا.
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين لتحكيم شرعك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا لكل خير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم احفظ ولي أمرنا بحفظك وآكلاّه برعايتك وأتم عليه نعمة الصحة والعافية ووفق يا ربنا نائبيه لكل خير.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](البقرة الآية201).
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية90). وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الجمعة: 15-7-1432هـ